لا شك أن صورة الولايات المتحدة الأمريكية اهتزت كثيراً، بسبب طبيعة تعاطيها مع حرب غزة القائم على الانحياز التام لإسرائيل، دون وعي حقيقي بأثر ذلك على المصالح الأمريكية في المنطقة ومجريات التنافس بين القوى الكبرى على ما يمكن تسميته بالأدوار الرئيسية في العالم، أو قيادته.
ليس الجديد الانحياز الأمريكي لإسرائيل، فهذا نهج كل الإدارات، وبمستويات متباينة، لكن الملاحظ عدم الانتباه إلى روابط الولايات المتحدة بالمنطقة أو على الأقل بشركائها الرئيسيين فيها، خاصة مع انحسار دورها في هذه البقعة من العالم وحرص دولها الفاعلة على تنويع علاقاتها حسب مصالحها ولعب دور فاعل في الترويج لأهمية تعدد الأقطاب بعد تبين خطر الأحادية.
منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، اتسم التعامل الأمريكي مع الحرب في غزة بالتخبط، فبداياته كانت اصطفافاً كاملاً مع إسرائيل ومسارعة إلى نجدتها عسكرياً ودبلوماسياً إلى حد اعتبار بعض تصريحات المسؤولين الأمريكيين خطايا قد لا تكون مسبوقة بهذا الشكل. ورغم تفاقم أثر الاستهداف الإسرائيلي للفلسطينيين في غزة، فإن أياً من أهداف ذلك لم يتحقق، ومثّل ذلك إحباطاً لإسرائيل والولايات المتحدة جعلها تغيّر قليلاً من تصريحاتها المنحازة، لكن دون أثر عملي على الأرض.
لذلك، لا يمكن استغراب ما نشر عن تحذيرات أرسلها الدبلوماسيون الأمريكيون في المنطقة إلى إدارتهم من أن مهددات الوجود الأمريكي في المنطقة لا يمكن تجاهلها. والأمر لم يكن في حاجة إلى تحذيرات الدبلوماسيين، فالتهديد نفسه طال الجبهة الداخلية الأمريكية منذ شهور، ففي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كشفت ليزا موناكو، نائبة وزير العدل الأمريكي، عن آثار وصفتها بالمزعجة للنزاع في غزة على المجتمع الأمريكي، وذكرت أن مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) اضطر إلى فحص أكثر من 1800 تقرير عن «تهديدات أو أنواع أخرى من النصائح أو الخيوط» المتعلقة بالحرب، وأن لديه أكثر من 100 تحقيق مفتوح بطريقة ما مرتبطة بالنزاع.
لا يجب الوقوف فقط عند التهديد الأمني لأمريكا في داخلها أو بالمنطقة، فصورتها إجمالاً تبدلت، وقد تكون البداية من أوكرانيا، ساحة الرهان الخاطئ التي وضعت العالم في إحدى لحظاته الحرجة، لكنها في الوقت نفسه نبهت الدول إلى أهمية تنوع الشراكات والأقطاب، بما في ذلك روسيا التي كان هدف التأجيج إسقاطها، والصين.
وجاءت الحرب في غزة لتزيد الاضطراب العالمي الذي لا تحسن الولايات المتحدة التعامل معه، إن لم نقل إن أداءها من مسبباته، في مقابل صمود روسي إزاء الحشد الأمريكي الأوروبي، وتعقل صيني في التعامل مع مناطق الأزمات.
و«الدور القيادي» في العالم كان موضع مساجلة أمريكية صينية غير مباشرة في مؤتمر ميونيخ الأمني، فبينما دافعت كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي، عن هذا الدور المعرّض لانتقادات، قال وانغ يي، وزير خارجية الصين، إن بلاده ستكون «قوة استقرار» في العالم، باعتبارها دولة كبرى مسؤولة.
وليد عثمان – جريدة الخليج
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: فی غزة
إقرأ أيضاً:
الحرب بين الولايات المتحدة والصين تتجه نحو التوسع
الولايات المتحدة – تمتلك الولايات المتحدة بوضوح أحدث التقنيات المتعلقة بصناعة الرقائق في سياق “الحرب” الدائرة بين واشنطن وبكين، ولكن ربما تكتسب الصين ميزات قد تؤدي إلى توسعة نطاق الصراع.
ففيما أعاقت قيود التصدير الأمريكية تقدم الصين في مجال الرقائق المتقدمة، لجأت بكين بقوة إلى توسيع رقعة إنتاجها الرقائق. وهي ليست متطورة مثل رقائق الذكاء الاصطناعي من إنفيديا (Nvidia)، ولكنها ضرورية للسيارات والأجهزة المنزلية، وفق تقرير نشرته “وول ستريت جورنال”. وقد تسبب انقطاع إمدادات هذه الرقائق في حدوث فوضى في سوق السيارات في أثناء الوباء الكوفيدي.
أنفقت الصين 41 مليار دولار على معدات تصنيع الرقائق في عام 2024، أي بزيادة قدرها 29% على أساس سنوي، وفقا لبنك “مورغان ستانلي”، ويمثل هذا ما يقرب من 40% من الإجمالي العالمي، ويقارن بمبلغ 24 مليار دولار المنفق في عام 2021.
وكان جزء من هذا الضخ محاولة من الشركات الصينية لتخزين الأدوات اللازمة التي لا يزال بإمكانها الحصول عليها قبل تشديد القيود بشكل أكبر. لكن الكثير يأتي أيضاً من شركات صينية مثل شركة Semiconductor Manufacturing International، أو SMIC، وHua Hong Semiconductor لصناعة الرقائق القديمة.
ومن جانبها، أنفقت SMIC، أكبرُ مسبك للرقائق في الصين 7.5 مليار دولار على الاستثمار الرأسمالي في عام 2023، مقارنة بحوالي 2 مليار دولار قبل عام من الوباء.
وتعكس الاستراتيجيةَ الشاملة أصداءُ النجاحات الصينية المماثلة في قطاعات مثل الألواح الشمسية التي تتمتع بالدعم الحكومي الهائل، والتسعير، والرغبة في لعب اللعبة الطويلة التي قد لا يرغب اللاعبون الآخرون في القيام بها.
لكن هذه الصناعة لم تصل إلى مستوى الهيمنة على السوق، على الرغم من أن الشركات الصينية تحقق بالتأكيد تقدما. فقد زادت المسابك الصينية حصتها في السوق العالمية في العُقَد الناضجة من 14% في عام 2017 إلى 18% في عام 2023، وفقا لـ “برنشتاين”.
وقد ساعد العملاء الصينيون في هذا على وجه الخصوص، حيث حصلوا على 53% من إمداداتهم من الرقائق الناضجة من المسابك الصينية في عام 2023، وذلك ارتفاعا من 48% في عام 2017. ومن شأن التوترات الجغراسياسية المتزايدة أن تدفع العملاء الصينيين إلى البحث عن مورّدين في الداخل الصيني.
لم تجتح الرقائق الصينية القديمة الطراز العالم بعد، لكن هناك خطر واضح، خاصة بالنسبة للاعبين الأمريكيين، بما في ذلك شركة Texas Instruments وGlobal Foundries، المنافسة في صناعة هذا النوع من الرقائق. وهذا بدوره يمكن أن يشكل صداعا لواشنطن وهدفها المتمثل في الحفاظ على المرونة في سلسلة توريد الرقائق.
قد لا يكون من العملي تمديد القيود لتشمل الرقائق ذات الجودة المنخفضة، لكن الشركات المنتجة لهذه الرقائق قد تحتاج إلى مساعدة الدولة للتنافس مع الصين.
وقد وصفت الولايات المتحدة استراتيجيتها بشأن الضوابط التقنية بأنها نهج يشبه “ساحة صغيرة ذات سياج عال” مع فرض قيود صارمة على عدد محدود من التقنيات المتقدمة، لكن الحَد من حِدة الصراع بهذه الطريقة قد لا يكون بهذه السهولة.
في حرب الرقائق العالمية، كما هو الحال في أي صراع، تميل محاور النزاعات إلى التوسع، ومحاور الاشتباكات ستكون متعددة بين الولايات المتحدة والصين.
المصدر: CNBC