قيادة العالم نحو مستقبل مُستدام
تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT
إنغر أندرسن **
لا يمتلك العالم قائمة مهام بيئية فحسب؛ بل يمتلك العالم قائمة حتمية من المهام البيئية التي يجب الاضطلاع بها في عام 2024 ولعقود قادمة من الزمن؛ إذ يجب علينا أن نبطئ من وتيرة تغير المناخ ونتكيف معه، ونحمي الطبيعة والتنوع البيولوجي ونعمل على إصلاحهما، ونوقف تدهور الأراضي والتصحر، ونقوم بالقضاء على التلوث والنفايات.
التزمت الدول في جميع مراحل التنمية بالعمل من أجل تحقيق هذا المستقبل المستدام من خلال التوقيع على العشرات من الاتفاقيات البيئية المتعددة الأطراف. ويعد الالتزام بهذا الأمر خلال أوقات الأزمات الجيوسياسية والمشهد السياسي المتغير، بمثابة أمر يصعب تحقيقه. إن العمل من أجل البيئة هو قوة موحدة هائلة.
وثمّة اتفاقيات عالمية تحدد أهدافا وغايات متفق عليها، مثل اتفاق باريس، وإطار "كونمينغ-مونتريال" العالمي للتنوع البيولوجي، والإطار العالمي للمواد الكيميائية. ويتعهد العديد من الشركات والمستثمرين بمواءمة نماذجهم الاقتصادية ورؤوس أموالهم مع التطلعات المنخفضة الكربون والمراعية للطبيعة. وعلى نحو مُماثل، تعمل البنوك والمنظمات الدولية من كافة الأطياف والقطاعات على دمج العمل البيئي كجزء أساسي من أهدافها. ويتحرك المجتمع العلمي بشكل متزايد إلى ما هو أبعد من مجرد قرع ناقوس الخطر إلى الإشارة إلى الحلول.
ومع ذلك، يجب تسريع وتيرة التقدم لتحويل الالتزامات إلى إجراءات تحويلية ملموسة. وكان العام الماضي هو العام الأكثر ارتفاعًا في درجات الحرارة على الإطلاق، مما تسبب في موجات حارة وعواصف وموجات جفاف دمرت الكوكب. وأودى تلوث الهواء والأرض والمياه بحياة الملايين من الناس. ولا تزال الغابات المَطِيرة تتعرض للتدمير، ويستمر انخفاض أعداد الأنواع ذات الأهمية البالغة لصحة النظم البيئية. ففي كل يوم، وكل أسبوع، وكل شهر يستمر فيه هذا الأمر، تغرق البشرية في حفرة سيستغرق الخروج منها وقتًا أطول.
ومع ذلك لا يقتصر الأمر على العمل بجدية أكبر فحسب؛ بل يتعلق الأمر بالعمل بشكل أكثر ذكاءً. ومع وجود العديد من الاتفاقيات على المحك، هناك خطر متزايد من التشرذم. وهذا هو التحدي الذي يتعين علينا التصدي له من خلال ضمان أن العمل على كل التزام يتوافق مع عمل الآخرين ويُبنى عليه. ففي نهاية المطاف، نحن نواجه في الأساس تحديًا عالميًا واحدًا: ما نطلق عليه في برنامج الأمم المتحدة للبيئة الأزمة الكوكبية الثلاثية: وهي أزمة تغير المناخ، وأزمة فقدان الطبيعة والتنوع البيولوجي، وأزمة التلوث والنفايات.
والدوافع الرئيسية لجميع التحديات البيئية غالبًا ما تكون هي نفسها: أنماط الاستهلاك والإنتاج غير المستدامة هي أهمها. وأفضل الحلول للنشر هي تلك التي تعالج تحديات متعددة في آنٍ واحدٍ.
وهنا يأتي دور جمعية الأمم المُتحدة للبيئة، والمختصرة باللغة الإنجليزية باسم "UNEA". والجمعية- وهي أعلى هيئة لاتخاذ القرار البيئي في العالم- تجمع الدول كل عامين للنظر في قضايا معزولة، إن لم يكن كل شيء، في كل مكان، في انسجامٍ تامٍ.
وتنعقد الدورة السادسة للجمعية خلال فبراير الجاري في نيروبي بكينيا في المقر الرئيسي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة الذي يضم أمانات أكثر من عشرين اتفاقية واتفاقيات إقليمية وفريقا علميا. وفي هذا العام، نوجِّه الدعوة إلى الاتفاقات البيئية المتعددة الأطراف، وإلى الدول، بل وإلى جميع الجهات الفاعلة وأصحاب المصلحة، للعمل معاً وإيجاد طرق جديدة للتعاون في تحقيق الأهداف المشتركة.
أنا لا أعني أنَّ هذا سيكون بالأمر الهين؛ فهناك العشرات من الوكالات التي تغطي مئات الأهداف والغايات. ويهدف اتفاق باريس إلى الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى ما دون درجتين مئويتين أو 1.5 درجة مئوية. ويوفر إطار "كونمينغ-مونتريال" العالمي للتنوع البيولوجي حماية الأراضي والمحيطات والمناطق الساحلية والمياه الداخلية لكوكبنا وإصلاحها وإدارتها المستدامة. وتهدف الدول إلى تحقيق تحييد تدهور الأراضي بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر. ويواصل بروتوكول مونتريال حماية طبقة الأوزون ويساهم في العمل المناخي. ولدينا اتفاقيات أخرى للاضطلاع بأمور كثيرة بدءًا من حماية الأنواع، وحتى حماية الناس والكوكب من آثار المواد الكيميائية والنفايات الضارة. وعلى نحو مماثل، يجري الآن وضع اللمسات النهائية على وضع صك جديد لإنهاء التلوث بالمواد البلاستيكية. وفي الوقت نفسه، ستكثف الدول جهودها في الدورة السادسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة بإصدار قرارات جديدة تهدف إلى معالجة الأزمة الكوكبية الثلاثية.
ومع كل ما يحدث، يبدو أحيانًا وكأننا جميعًا على متن قارب واحد متجهين نحو نفس الميناء، ونقوم بتشغيل العشرات من غرف القيادة المختلفة المتصلة بدفات توجيه مختلفة. نحن لا نسلك الطريق الأسرع والأقصر للوصول إلى الوجهة.
لذا.. يجب علينا جميعًا، في الدورة السادسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة، أن نسعى جاهدين لإيجاد استراتيجيات جديدة لتنسيق غرف القيادة. ودعونا نتعلم من بعضنا البعض ونُطبِّق دروس الماضي على المستقبل، ولنبدأ بالوفاء بالالتزامات العديدة التي من شأنها أن تحافظ على سلامة كوكبنا وتجعل الإنسانية في أتم صحة وعافية.
** وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والمديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
نهيان بن مبارك: تحت قيادة محمد بن زايد.. ستظل الإمارات دولة سلام ووئام
أكد الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح والتعايش، أن احتفال الإمارات والعالم باليوم العالمي للأخوة الإنسانية، يمثل فرصة مثالية للإعراب عن الامتنان والتقدير للشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة.
وقال الشيخ نهيان بن مبارك إنه بدعم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، صدرت الوثيقة التاريخية للأخوة الإنسانية في عام 2019، في أبو ظبي، بحضور البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية والإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وتلاها اعتراف الأمم المتحدة بهذه الوثيقة الهامة من خلال تحديد يوم 4 فبراير (شباط) يوماً عالمياً للأخوة الإنسانية.
وتابع: ستظل الإمارات دولة سلام ووئام تحت القيادة الحكيمة لرئيس الدولة، وبتوجيهاته السديدة، ستظل الإمارات دولة تعزز التسامح وتحارب التعصب، وتصر على تحقيق مجتمع عالمي تعددي يسوده السلام، وتعمل على تحقيق السلام والتقدم لجميع شعوب العالم، فرئيس الدولة، من أشد المناصرين للأخوة الإنسانية، وأن التزامه الراسخ يقودنا نحو مستقبل يعمل فيه جميع البشر معا من أجل بناء عالم يسوده السلام والأمن والازدهار للجميع، وبفضل رؤيته الثاقبة لحاضرنا ومستقبلنا، أصبحنا من أكثر البلدان سلاماً وازدهاراً وتسامحاً في العالم.
مجلس الأخوة الإنسانيةجاء ذلك خلال افتتاح الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان فعاليات النسخة الثانية من مجلس الأخوة الإنسانية الذي نظمته جائزة زايد للأخوة الإنسانية، بالتعاون مع وزارة التسامح والتعايش ومجلس حكماء المسلمين وبيت العائلة الإبراهيمية واللجنة العليا للأخوة الإنسانية، بمشاركة قادة ومسؤولين وخبراء ونخبة من الحائزين على جائزة نوبل للسلام، وقادة شباب، وروّاد تغيير حول العالم في إطار الاحتفاءً بالذكرى السنوية السادسة لتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية ويُعد المجلس منصة عالمية تهدف إلى مناقشة أبرز القضايا المُلحة وإيجاد حلول مبتكرة لتعزيز الأخوة الإنسانية ومواجهة التحديات المرتبطة بها على المستوى العالمي، بحضور جوزيه راموس هورتا رئيس تيمور الشرقية، وعفراء الصابري مدير عام وزارة التسامح والتعايش.
وشهد حفل افتتاح أنشطة المجلس كلمات لعدد من الشخصيات البارزة، من بينهم، خوسيه راموس هورتا، رئيس جمهورية تيمور الشرقية والدكتور محمد عبد الرحمن الضويني، وكيل الأزهر الشريف، والدكتور عمر حبتور الدرعي رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف والزكاة وتشارلز ميشيل، الرئيس السابق للمجلس الأوروبي، وفيرونيكا ديل سوكورو ألكوسير جارسيا، السيدة الأولى لجمهورية كولومبيا، وباتريشيا سكوتلاند، الأمينة العامة للكومنولث إلى جانب ممثلين عن الكرسي الرسولي والأزهر الشريف.
وأكد الشيخ نهيان بن مبارك أن المجلس المفتوح للأخوة الإنسانية سيظل تقليداً عزيزاً في دولة الإماراتيفتح أبوابه للجميع، فهو تعبير عن المفهوم العربي والإسلامي للضيافة، والتعرف على الآخر وبناء توافق الآراء حول القضايا الهامة، وخلق روح التضامن المجتمعي، مشدداً على أن هذه هي الروح، التي نستقبل بها في المجلس السنوي الثاني للأخوة الإنسانية وأشاد بالجهود المبذولة من القامات العلمية والدينية المشاركة بالمجلس التي يثق في قدرتها على تحقيق هذا المجلس للتوقعات المرجوة منه.
وأضاف: "يشرفنا انعقاد هذا المجلس في البيت الإبراهيمي احتفالا باليوم العالمي للأخوة الإنسانية ونطمح إلى أن يكون اختيار هذا المكان، باعتباره رمزا لتمسك الدولة بمبادئ التسامح والأخوة الإنسانية حافزا ودافعاً ليصبح المجلس محركاً للتسامح والتغيير الإيجابي في العالم"، مشيداً بالرسائل الملهمة للبابا فرنسيس والإمام الأكبر الدكتورأحمد الطيب إلى المجلس، ودعوتهما الكريمة لتوحيد الجهود من أجل الاضطلاع بالمسؤولية المشتركة لتحقيق التسامح والسلام والأخوة الإنسانية في العالم، وإيمانهما العميق بدور السلام والتسامح في توحيد المجتمعات الإنسانية، وهو الحافز والملهم للسعي الجماعي نحو التقدم والرفاهية والسعادة للجميع.
وقال: إننا ندرك أن دعوة البابا والإمام الأكبر إلى التسامح والسلام والأخوة الإنسانية تواجهها العديد من التحديات الإقليمية والعالمية، حيث تواجه المجتمعات في جميع أنحاء العالم العديد من التحديات المتعلقة بالصحة والبيئة والتنمية الاقتصادية والتعليم والسلام والتفاهم الدوليين، ولا يزال العالم يعاني من الحروب والصراعات، وأحياناً يعرقل الاختلاف الثقافي والصعوبات الاقتصادية التعاون بين الدول، بل ويتسبب في التنافس الشرس بينهم في حالات أخرى، كما تثير الاختلافات الدينية الشكوك بيننا، بدلاً من أن تعزز جهودنا لتحقيق الإشباع الروحي، بل وتبدو اختلافاتنا أحياناً مصدراً للصراع المستعصي، بدلاً من أن تكون أساسا للاحترام المتبادل وأرضية مشتركة لحل المشكلات.
وأضاف أنه ورغم هذه التحديات فإنني شديد التفاؤل بفضل روح وثيقة الأخوة الإنسانية، وبفضل رسائل الأمل التي سمعناها للتو من البابا والإمام الأكبر، ويحدونا الأمل في عهد جديد من التسامح والسلام العالميين وهو ما يستدعي الفهم العميق للروابط التي توحدنا في مجتمع عالمي واحد، بل وفي ترسيخ هذه الروابط وإعادة فرضها، وعلينا أيضاً أن نعمل على تعزيز إدماج كل مناطق العالم في مسيرة التقدم الإنساني، ويجب أن نعمل معاً على القضاء على سوء الفهم الديني والثقافي، وتشجيع الإصلاح في مجتمعاتنا للقضاء على الفقر وتحقيق السلام والأمن وفتح الفرص الاقتصادية لجميع المواطنين، كما يجب أن نطلق العنان لقوة التعليم كأداة فعالة لبناء العلاقات الإيجابية، وتبديد المواقف النمطية ورعاية مناهج فكرية جديدة، علينا أيضا أن نحتفي بالنماذج الناجحة حول العالم لنؤكد أن السلام والتسامح داخل المجتمعات البشرية المتنوعة هو قوة إيجابية وخلاقة تدفعنا على طريق التنمية والاستقرار.
ودعا المشاركين بالمجلس كافة إلى النظر في القدرات المشتركة على بناء السلام والتسامح والتعايش، والنظر لما يوحد الجهود وليس لما يفرقها، وأن يعلم الجميع أن أوجه التشابه بيننا أكبر بكثير من الاختلاف، مطالباً بأن يعلن الجميع التزامهم بإيجاد الأرضية المشتركة اللازمة لحماية المجتمعات من الصراعات التي أبتليت بها البشرية وفي الوقت ذاته، الاحتفاء بالتقدم العظيم الذي تحقق، مذكرا بأمثلة لا حصر لها من التبادل الثقافي، والتعاون والاحترام، بما يجسد الأمل في عهد جديد من السلام والازدهار في العالم، وعبر عن أمله في أن تتواصل النقاشات الجادة إلى توافق حول أهمية التعاون الإقليمي والدولي لتحقيق أهدافنا المشتركة لمستقبل العالم.