مأرب برس ينشر النص الكامل لاحدث دراسة نوعية للدكتور مطهر العباسي حول واقع العلاقات الاقتصادية اليمنية – الخليجية ومناطق الضعف والقوة
تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT
قدمت دراسة اقتصادية حديثة بعنوان " المد والجزر في العلاقات الاقتصادية اليمنية الخليجية.- دروس الماضي وتداعيات الحرب والآفاق المستقبلية- " والتي اعدها الخبير الاقتصادي اليمني البارز الدكتور "مطهر العباسي " نائب وزير التخطيط والتعاون الدولي السابق على مراجعة موضوعية لواقع العلاقات الاقتصادية اليمنية الخليجية بهدف التعرف على مناطق الضعف والقوة في تلك العلاقات وتحديد التهديدات والتحديات المؤثرة في مساراتها وتبيان الفرص الممكنة لتطويرها في الآجال المتوسطة والبعيدة،
وفيما يلي ينشر "مأرب برس " ينشر النص الكامل للدراسة والتي تعد الأحدث من نوعها في تقييم واقع العلاقات اليمنية – الخليجية .
"الترابط الاقتصادي بين اليمن ودول الخليج العربي تعززه الجغرافيا وتمايزه الطبوغرافيا وتدعمه الديموغرافيا، وله عمقه التأريخي الممتد لألآف السنين حتى العصر الحديث، ويمكن تناول العلاقات الاقتصادية اليمنية الخليجية من خلال مكوناتها المختلفة والتي تتضمن: الحركة التجارية (إستيرادا وتصديرا)، وحركة الاستثمار ورأس المال (تدفقا وتسربا)، وحركة القوى العاملة "المغتربين" وسوق العمل الخليجي، والتعاون والدعم التنموي بين اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي، وواضح أن طبيعة الترابط بين الجانبين تختلف من مكون إلى آخر، وتتأثر كليا أو جزئيا بمدى التوافق أو التباعد السياسي بينهما، وأيضا، بالمتغيرات والأحداث السياسية في المنطقة، ولذلك تتسم العلاقات الاقتصادية بين الجانبين بالتعقيد والغموض تارة وبالسهولة واليسر تارة أخرى،
ويمكن القول أن اليمن يمثل العمق الاسترتيجي لدول الخليج العربي لما يتميز به من الكثافة السكانية وحجم قوة العمل التي تحتاجها الاقتصادات الخليجية، إضافة إلى موقعه الاستراتيجي المطل على أحد أهم ممرات التجارة الملاحية العالمية وامتداد حدوده الجغرافية من البحر الأحمر حتى البحر العربي، ورغم ذلك فإن الوفورات الإيجابية للإنتعاش الاقتصادي السائد في دول الجوار خلال العقود الماضية كانت عند حدها الأدنى، كما أن جهود إندماج اليمن في إطار مجلس التعاون الخليجي ظل موضوعا مغيبا عن اهتمامات دول المجلس، واقتصر على العضوية في مؤسسات هامشية وبعيدة عن المجال الاقتصادي والتجاري والاستثماري،
إن المستجدات الراهنة والتوقعات المستقبلية لاقتصادات المنطقة عموما، تحتم المراجعة الموضوعية لواقع العلاقات الاقتصادية اليمنية الخليجية بهدف التعرف على مناطق الضعف والقوة في تلك العلاقات وتحديد التهديدات والتحديات المؤثرة في مساراتها وتبيان الفرص الممكنة لتطويرها في الآجال المتوسطة والبعيدة،
أولا: التجارة البينية
لقرون عديدة، ومنذ {رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ} كان الميزان التجاري "الفرق بين الصادرات والواردات" لصالح اليمن في تجارته مع مناطق شبه الجزيرة العربية، وجاء اكتشاف البترول في منطقة الخليج العربي والسعودية ليغير تلك المعادلة، وخاصة بعد الطفرة النفطية عقب حرب أكتوبر 1973، فقد تزايدت الواردات السلعية من دول الخليج العربي إلى اليمن، إبتداء من عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وخاصة بعد إنشاء المنطقة الحرة، دبي، وأصبح الميزان التجاري لصالح دول الخليج، فاليمن يستورد العديد من السلع الاستهلاكية ومن الألآت والمعدات ومن المشتقات النفطية وغيرها، سواء كانت خليجية المنشاء أو المعاد تصديرها، ويأتي في مقدمة الدول المصدرة الإمارات والسعودية، وفي مقابل ذلك تصدر اليمن سلع محدودة وتشكل نسبة ضئيلة من حجم الواردات،
وخلال الخمسة عقود الماضية، ظلت حركة التجارة والاستيراد من دول الخليج تنمو باضطراد ولم تتأثر بالأزمات التي مرت بها العلاقات السياسية بين الجانبين، كما حدث في عام 1990، عقب غزو العراق للكويت، فرغم توتر العلاقات بين اليمن ودول الخليج واتخاذ الأخيرة إجراءات صارمة ضد اليمن، شملت ترحيل مئات الألآف من المغتربين اليمنيين، معظمهم في السعودية، وتجميد القروض والمساعدات التنموية، إلا إن تدفق التجارة السلعية ظلت مستمرة من تلك البلدان إلى اليمن، وهذا له دلالة مهمة في السياسات التجارية لدول الخليج والقائمة على تعظيم مصالحها الاقتصادية بعيدا عن المواقف السياسية، فحجم السوق اليمني مهم لاستمرار النشاط الصناعي أو التجاري فيها، حيث يبلغ سكان اليمن قرابة 30 مليون نسمة ويعتمدون في سد احتياجاتهم الأساسية وغيرها على الاستيراد من الخارج والذي يغطي أكثر من 90 من احتياجات السكان، كما أن الجوار بين الجانبين ساعد في نمو وتوسع التجارة بينهما عبر البر أو البحر أو الجو، وبحكم الحدود البرية المترامية الأطراف أو الحدود البحرية، فإن التجارة البينية تمارس على المسارين الرسمي وغير الرسمي "التهريب"، وكل الدلائل تبين أن التهريب يشكل نسبة مقدرة من حجم التبادل التجاري بين الجانبين،
إتجاهات التجارة البينية
يمكن الإشارة إلى بعض البيانات الرسمية الواردة في التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2014، "قبل الحرب"، فقد بلغ حجم الواردات السلعية من دول الخليج إلى اليمن قرابة 3.9 مليار دولار، مع تفاوت ملحوظ بين الدول، فالإمارات حصلت على حوالي 46% من حجم الواردات، بينما بلغ نصيب السعودية 27%، ثم الكويت بنسبة 20%، والنسبة المتبقية توزعت بين عمان وقطر والبحرين، كما تشير تلك البيانات إلى أن اليمن يأتي في المرتبة الرابعة بين الدول العربية المستقبلة للواردات الإماراتية بعد كل من السعودية وعمان وقطر، مما يؤكد الأهمية الاستراتيجية للسوق اليمني في الشراكة التجارية بين اليمن والإمارات،
وبالمقابل، لم تبلغ الصادرات اليمنية إلى دول الخليج في نفس العام سوى 750 مليون دولار، وتتوزع الصادرات اليمنية بين السعودية (41%)، والإمارات (28%)، والكويت (20%)، والنسبة المتبقية لدول الخليج الأخرى، وواضح أن حجم الصادرات اليمنية إلى دول الخليج تشكل فقط خمس الواردات منها، مما يعني أن الميزان التجاري يميل لصالح دول الخليج والتي استحوذت على حوالي 85% من حجم التجارة البينية بينها واليمن، وهذا يعود إلى التفاوت الكبير في هيكل الإنتاج الصناعي بين الجانبين، رغم أن نسبة مقدرة من حجم الصادرات الخليجية إلى اليمن تندرج تحت ما يسمى إعادة التصدير، ويكون منشاؤها دول أخرى، اليابان أو الصين مثالا،
وخلال فترة الحرب والصراع في اليمن (2015 - 2022)، تأثر حجم التجارة بين اليمن ودول الخليج بشكل نسبي، فرغم تدخل دول التحالف فيها، وتحديدا السعودية والإمارات، وفرض الحصار البري والبحري والجوي على سلطة صنعاء، إلا أن السلع المستوردة من دول الخليج استمرت في التدفق عبر المنافذ البرية أو عبر الموانىء البحرية، ووجدت طريقها إلى كل المحافظات اليمنية، بما فيها الواقعة تحت نفوذ سلطة صنعاء والتي يقطنها قرابة 70% من السكان، ويمثلون سوقا استهلاكية واسعة للمنتجات الخليجية،
وباستخدام بيانات التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2023، يلاحظ أن حجم الواردات من الاقتصادات الخليجية إلى اليمن تراجعت إلى 1.6 مليار دولار، أي أنها تراجعت بحوالي 60% عنما كانت عليه في عام 2014، "قبل الحرب"، ورغم هذا التراجع وفقا للبيانات الرسمية، فإن السوق اليمنية استمرت عامرة بكل السلع الاستهلاكية، الأساسية والكمالية، إضافة إلى السلع من الألآت والمعدات وغيرها، ولم يواجه المستهلك اليمني أي ندرة في السلع المستوردة لدى المحلات التجارية، مما يدل على أن حركة تدفق السلع التجارية عبر الحدود البرية والبحرية، إلى حد ما، بين اليمن ودول الخليج، استمرت بالنمو والازدهار بصورة رسمية أو بشكل غير رسمي "عبر التهريب".
وهنا يمكن القول أن أحد مكونات العلاقات الاقتصادية اليمنية الخليجية ظلت تنمو بوتيرة معقولة خلال العقود الماضية دون أن تتأثر بالتقلبات والأزمات بين الجانبين، وستستمر في النمو والتوسع في الفترات المستقبلية، فاليمن تمثل سوقا استهلاكية واعدة ومتنامية، وتبين التحليلات الاحصائية أن عدد سكان اليمن يمكن أن يتضاعف خلال عقدين من الزمن، وهناك حرص شديد من الدول الخليجية على استمرار التجارة السلعية بينها واليمن وبقية الدول الأخرى لأهمية المساهمة الإيجابية للتجارة في تعزيز فرص النمو الاقتصادي وتنشيط القطاعات الاقتصادية المختلفة، ولذلك تعمل تلك الدول على إزالة القيود التي تعيق حركة التجارة وتحييدها عن أوجه الصراع أو الخلافات البينية لضمان تدفق السلع المصدرة منها بكل سهولة ويسر،
ثانيا: المغتربون وسوق العمل الخليجي
تميزت الشخصية اليمنية عبر مراحل التأريخ بالنزوع إلى الهجرة والبحث عن فرص الرزق وتحسين مستوى المعيشة عبر العمل الدؤوب في مجالات التجارة أو الأعمال المهنية وغيرها، فمنذ قرون مضت، وصل المهاجرون اليمنيون إلى جنوب شرق آسياء وإلى وسط وشرق أفريقيا، وخلال عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، تزايدت هجرة اليمنيين بشكل ملحوظ وبمعدلات عالية إلى دول الخليج العربي، وخاصة إلى سوق العمل السعودي، حيث كان المهاجر اليمني مستثنى من نظام الكفالة الذي اعتمدته الحكومة السعودية في عام 1951، مما أتاح الفرصة لمئات الألاف من المغتربين اليمنيين من ممارسة العديد من الأنشطة التجارية والمهنية دون قيود أو عوائق مقارنة بالوافدين من دول أخرى،
وفي تلك الحقبة، كان لتحويلات المغتربين إلى الداخل اليمني دورا إيجابيا ومؤثرا في توازن ميزان المدفوعات وفي استقرار سعر صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية، كما ساهمت تلك التحويلات في تحسين مستوى معيشة الملايين من أفراد أسر المغتربين ومكنتهم من امتلاك أصول مالية وعقارية في الريف والحضر، وساعدت في تمويل مشاريع تنموية في التعليم والصحة والمياه والطرقات وغيرها في عموم المحافظات،
وتشير الإحصائيات إلى أن عدد المغتربين اليمنيين في السعودية، بلغ حوالي 1.5 مليون شخص مع نهاية عقد الثمانينياتْ، بينما كان أعدادهم في دول الخليج الأخرى، مثل الكويت والإمارات، بعشرات الألآف، وكل الشواهد تؤكد أن القوى العاملة من المغتربين اليمنيين ساهمت بشكل فعال في حركة البناء والتشييد التي شهدها الاقتصاد الخليجي بعد الطفرة النفطية من خلال تنفيذ المشاريع التنموية في مختلف القطاعات،
ومع مطلع عقد التسعينيات، تعرضت العلاقات بين اليمن ودول الخليج إلى إنتكاسة كبيرة، عقب غزو العراق للكويت، فبسبب موقف اليمن المحايد من تلك الأزمة، اتخذت دول الخليج إجراءات عقابية عديدة، فقد أجبرت ما يقارب من 800 إلى 900 ألف مغترب يمني، معظمهم في السعودية، على العودة إلى بلادهم، كما أوقفت منح تأشيرات الدخول للمغتربين، وكان لتلك الإجراءات تبعات اقتصادية كارثية، حيث تراجعت بشكل كبير تحويلات المغتربين وتوقفت السحوبات من القروض والمساعدات الخليجية، ونتيجة لذلك واجه الاقتصاد اليمني أزمة حادة خلال الفترة 1990-1995، وترافق ذلك مع بروز أزمة سياسية داخلية أدت إلى إندلاع الحرب بين طرفي الصراع، في صيف 1994، مما فاقم من سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بسبب زيادة معدلات التضخم وتدهور قيمة الريال اليمني،
وبعد إنتهاء الحرب الداخلية، تشكلت حكومة جديدة بهدف معالجة الأزمة الاقتصادية وتحسين العلاقات السياسية والاقتصادية مع دول الجوار وفي مقدمتهم السعودية، وقد تعزز التقارب اليمني السعودي بتوقيع مذكرة التفاهم بين البلدين بشأن ترسيم الحدود بينهما، وتحسنت العلاقات أكثر بعد توقيع إتفاقية الحدود عام 2000، مما خفف التوتر وفتح المجال لتحسين العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية بين اليمن ودول الخليج، وترافق مع ذلك الإعادة التدريجية لفتح الباب أمام الأيدي العاملة اليمنية للهجرة إلى دول الخليج، وتحديدا إلى السعودية، ولكن بشروط وضوابط جديدة تضمنها قانون نظام الكفالة في كل دول الخليج، أبرزها ضروة توفر الكفيل الخليجي لأي شخص يرغب في العمل في دول الخليج،
وخلال الفترة 2000-2014، لم تتزايد معدلات الهجرة إلى السعودية كما كانت في السابق، وذلك يعود إلى تحسن الأوضاع الاقتصادية في اليمن من جانب وإلى صعوبة العمل والمنافسة للمغترب اليمني في السعودية مع العمالة الوافدة من الهند وبنجلادش وغيرها، فالإحصائيات تشير إلى أن عدد المغتربين في السعودية بلغ عام 2010 قرابة 850 ألف مغترب، أي حوالي نصف ما كان عليه الوضع قبل عام 1990، ورغم ذلك ظلت تحويلات المغتربين تشكل مكونا مهما في ميزان المدفوعات، وتشير تقديرات البنك المركزي اليمني إلى أن قيمة تحويلات المغتربين خلال الفترة 2000-2010 تراوحت بين 3 إلى 4 مليار دولار سنويا، رغم أن تقديرات البنك الدولي تضعها عند الضعف من ذلك، وهذا ما ساعد في استقرار سعر الصرف خلال الفترة 2000-2014، بالإضافة إلى المكونات الأخرى مثل عوائد صادرات النفط والغاز والسحوبات من القروض والمساعدات الخارجية لليمن،
الهجرة في ظل الحرب
خلال فترة الحرب 2015-2022، تضاعف عدد المغتربين في السعودية عما كان عليه الوضع قبل الحرب، فبيانات الإحصائيات السكانية في السعودية لعام 2022، تبين أن حجم العمالة الوافدة من اليمن بلغ 1.8 مليون شخص ويمثلون 13.5% من مجموع الوافدين الأجانب، وتأتي الجالية اليمنية بالمرتبة الرابعة بعد الهند وبنجلاديش وباكستان، ويرجع ذلك إلى السياسات والإجراءات التي اتخذتها الحكومة السعودية لمعالجة وتصحيح الأوضاع القانونية لإقامة المغتربين اليمنيين، إضافة إلى فتح المجال لجذب العمالة اليمنية من الشباب رغم إرتفاع تكاليف التأشيرات ورسوم الإقامات وغيرها، ويمكن القول أن تحويلات المغتربين، خلال فترة الحرب ساعدت في الحفاظ على استقرار سعر الصرف للريال اليمني، وخاصة في مناطق صنعاء، ذلك أن نسبة عالية من المغتربين ينحدرون من تلك المناطق والتي تشكل قرابة ثلثي السكان، كما أن البنك المركزي بصنعاء لا يمتلك الاحتياطيات من النقد الأجنبي حتى يجعل سعر الصرف مستقرا خلال الأربع السنوات الماضية،
وبالتأكيد، فإن المغترب اليمني يواجه تحديات صعبة للعمل في السوق السعودي، منها نظام سعودة الوظائف، أي منع الوافدين من ممارسة العمل في وظائف معينة والتي تزداد وتتغير كل فترة وأخرى، إضافة إلى الرسوم الباهضة للإقامة، وخاصة إذا رافق المغترب الزوجة والأولاد، فتصبح تلك الرسوم كابوسا تؤرقه وتستنزف كل مدخراته، والأمل معقود على صانعي القرار بالسعودية لإعادة النظر في الوظائف المسموحة للوافد اليمني، وأيضا في رسوم الإقامة وتخفيفها أو إلغائها على المغترب اليمني، بحكم عوامل الجوار والترابط الاجتماعي والثقافي بين المجتمع اليمني والسعودي،
ويلاحظ أن الهجرة إلى السعودية، في الوقت الراهن، انتشرت بين أوساط الشباب المؤهل تعليميا والحاصلين على مؤهل الثانوية أو الجامعة، وفتحت مجالا أمام الشباب الباحث عن فرص العمل ولم تتوفر له بالداخل وخاصة أثناء الحرب، وهذا مؤشر لنوعية الطلب على القوى العاملة في السوق السعودي أو الخليجي بشكل عام، وهذا يتطلب من الجانب الحكومي اليمني أن يتخذ سياسات وإجراءات تهدف إلى تحسين وتطوير جودة التعليم في مراحله المختلفة، وخاصة التعليم الجامعي، حتى تكون مخرجات المؤسسات التعليمية ملبية لمتطلبات سوق العمل المحلي والإقليمي، فالاقتصاد السعودي، مثلا، لديه خطط مستقبلية طموحة، وتحتاج، بالتأكيد، إلى القوى العاملة المؤهلة والمدربة من فئة الشباب. ولذلك، يعول على هذه الشريحة من الشباب اليمني أن تكون قادرة على اكتساب المهارات الفنية والتقنية حتى تساهم بشكل فعال في النشاط الاقتصادي والتجاري، محليا وإقليميا، ويكون لها دور فاعل في تحسين مستوى الدخل والمعيشة ورفد الاقتصاد الوطني عبر التحويلات النقدية إلى الداخل اليمني،
يتبع (1-2)
أ. د. مطهر عبد العزيز العباسي
*نائب وزير التخطيط والتعاون الدولي السابق
المصدر: مأرب برس
كلمات دلالية: المغتربین الیمنیین تحویلات المغتربین دول الخلیج العربی التجارة البینیة إلى دول الخلیج القوى العاملة من دول الخلیج حجم الواردات بین الجانبین من المغتربین خلال الفترة فی السعودیة إضافة إلى إلى الیمن ما کان إلى أن من حجم
إقرأ أيضاً:
لا شيء سيعرقل سعي السعودية نحو تنفيذ رؤية 2030
مايكل فورمان هو رئيس مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن
انضممت إلى بعض الأعضاء الشباب في مجلس العلاقات الخارجية (CFR) هذا الأسبوع، في رحلة استكشافية إلى السعودية
عندما وصلنا الرياض، لم يسعنا إلا أن ننبهر بالحركة النشطة التي تعم العاصمة. تبدو المدينة وكأنها ورشة بناء عملاقة، مع عشرات وربما مئات الرافعات التي تملأ الأفق، والمباني المكتبية المزدحمة برجال وسيدات أعمال سعوديين وأجانب، وحركة المرور التي بالكاد تتحرك.
لم أرَ الكثير من النساء يقودن السيارات، ولكن كل النساء اللواتي التقيناهن (وكذلك الرجال) تحدثن – تقريبًا بالكلمات نفسها – عن التغيرات الاجتماعية والاقتصادية المذهلة التي شهدتها المملكة خلال السنوات السبع الماضية تحت قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أو كما يُعرف بـ “MBS”.
عندما سألنا عن اختفاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعن مدى استياء الرجال المحافظين من التغيرات، وكيف يتم التعامل مع المعارضة، كانت الإجابات أقل وضوحًا.
السعوديون الذين التقيناهم كانوا سعداء بتقييد دور الهيئة، لكن قلة منهم كانت لديهم رؤية واضحة عن حجم المعارضة الكامنة تجاه محمد بن سلمان.
فيما يتعلق بحقوق الإنسان، كانوا متحفظين بشكل واضح، مشيرين إلى “بعض المشاكل” وبأخطاء الماضي”.
تساءل البعض عما إذا كانت المملكة تواجه مشكلة في حقوق الإنسان أصلاً ولم يكن من الصعب استنتاج أن بعض السعوديين يخشون أن يؤدي الصدق في الحديث إلى وقوعهم في المشاكل.
سمعنا من البعض أن النظام يستخدم المراقبة بشكل فعال للسيطرة على أي معارضة.
السعوديون الذين يلتقي بهم معظم الأجانب يستمتعون بحرياتهم المكتشفة حديثًا ويشيدون بإنجازات النظام، وهناك الكثير مما يستحق الإشادة.
تعد رؤية 2030، خطة محمد بن سلمان لتحديث البلاد وتنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط، بالفعل رؤية طموحة، لكن الأهم من ذلك هو أن المسؤولين يبدون اهتمامًا كبيرًا بكيفية تنفيذ الخطة بقدر اهتمامهم بكيفية تسويقها للزوار والمستثمرين الأجانب.
الخطة طموحة للغاية، وبينما تم تحقيق بعض الأهداف بالفعل أو تجاوزها، من المؤكد أن الحكومة ستواجه تحديات وقد تضطر إلى تقليص بعض الطموحات.
من الأمثلة التي يمكن الحديث عنها في هذا الإطار، يبدو من المشكوك فيه أن تتمكن المملكة من تحقيق عائد معقول على الاستثمار من جهودها لإنشاء قطاع للمركبات الكهربائية من الصفر في وقت يشهد فائضًا عالميًا في هذا المجال، ودون وجود النظام البيئي لصناعة السيارات المتوفر في الصين أو أوروبا أو الولايات المتحدة.
كما يجري تقليص “ذا لاين”، المدينة الذكية الممتدة على طول 110 أميال والمصممة في مبنى واحد في مدينة نيوم، إلى جزء صغير من حجمها الأصلي، في الوقت الحالي على الأقل.
ومع ذلك، إذا حققت السعودية حتى نصف ما تسعى إليه، فسيكون ذلك نجاحًا مذهلًا ليس فقط من حيث تنويع الاقتصاد، ولكن أيضًا كمثال يُحتذى به لبقية المنطقة حول ما يمكن تحقيقه من خلال القيادة والعزم.
بالطبع، وكما أشار بعض الذين تحدثنا معهم، فإن امتلاك السعودية موارد شبه غير محدودة وغياب القيود الديمقراطية يسهم في تسريع التقدم.
تعرب بعض النخب عن شكوكهم في أن الديمقراطية هي الشكل المناسب للحكم في السعودية، مؤكدين أن المملكة ما كانت لتتطور بهذه السرعة دون قيادة سلطوية.
السعوديون عازمون على منع تشتيت انتباههم عن رؤية 2030 بسبب مشاكل المنطقة المضطربة التي يعيشون فيها، ومن هنا جاءت انعطافتهم الحادة في العلاقة مع إيران، الخصم التقليدي الذي استعادوا العلاقات معه العام الماضي.
تطبيع العلاقات مع طهران، مهما بدا سطحيًا، يزيل أحد عوامل التشتيت المحتملة من الواجهة. عندما سُئلوا عما إذا كانت السعودية ستدعم استراتيجية “الضغط الأقصى” التي انتهجها ترامب تجاه إيران، أشار أحد محدثينا إلى أن السعوديين سيتعين عليهم التعامل مع ترامب لأربع سنوات فقط، ولكن مع إيران لألف عام.
يزيل الالتزام بوقف إطلاق النار مع الحوثيين الذين كانوا يقاتلونهم في اليمن والمشاركة في عملية السلام هنا عامل تشتيت آخر محتمل، والسعوديون يبدون سعداء بشكل واضح بأن الولايات المتحدة، وليست السعودية، هي من تقصف الحوثيين الآن، مما يجعل الرياض المستفيد النهائي.
قضية فلسطين؟ على الرغم من أن القيادة السعودية كانت تتحدث عنها بشكل نظري لعقود، إلا أن القضية لم تكن أبدًا ذات أهمية كبيرة بالنسبة لها، ولكن الآن، مع عرض لقطات الحرب في غزة على مدار الساعة على التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، باتت القيادة تدرك أن القضية الفلسطينية لها صدى بين الشعب السعودي ولا يمكن تجاهلها، ومن هنا جاء التشدد الأخير في الموقف الرسمي بضرورة رؤية دولة فلسطينية، وليس فقط طريقًا نحو تلك الدولة، قبل تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
ومع ذلك، عندما سألت السعوديين عما إذا كانت بلادهم ستوافق على توفير الأمن في غزة أو تمويل إعادة إعمارها، شعرت بوضوح أن رأيهم هو أن غزة هي مشكلة اميركا لكي تحلها، وذكروا أن الولايات المتحدة، بعدم فرضها ضغطًا فعالًا على إسرائيل، هي التي أفسدت غزة وبالتالي عليها إصلاحها.
وبالحديث عن الولايات المتحدة، يظل السعوديون متحمسين لاتفاقية أمنية ثنائية مع واشنطن، منفصلة عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لكن مسألة ما إذا كان ثلثا أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي سيصادقون على ذلك أمر آخر.
وأُخبرنا أن الصين موجودة بقوة في السعودية والمملكة مثل العديد من الدول، لا تريد أن تضطر للاختيار بين الولايات المتحدة والصين.
يفضل السعوديون الاعتماد على الدم والموارد الأمريكية للدفاع عن بلادهم، بينما يمنحون الصين، شريكهم التجاري الرئيسي، عقودًا كبيرة لتطويرها.
في نهاية المطاف، الولايات المتحدة لم تعد بحاجة إلى النفط السعودي كما كانت من قبل، ولكن الصين بحاجة إليه، والسعوديون سعداء تمامًا بقبول عروض الشركات الصينية المملوكة للدولة المدعومة لبناء برج بعد برج والتحدي الحقيقي سيكون في البنية التحتية الرقمية، فمع انخراط الولايات المتحدة والصين في فك ارتباط تقني انتقائي، قد تجد السعودية، التي تسعى إلى لعب دور كبير في الذكاء الاصطناعي، نفسها مضطرة للوقوف مع طرف ضد الآخر.
بطبيعة الحال، أراد السعوديون الذين التقيناهم التحدث عما يعنيه وصول إدارة ترامب الجديدة لبلدهم وللشرق الأوسط بشكل عام وكانوا متفائلين بشأن العلاقة الثنائية، بالنظر إلى محبة دونالد ترامب للمملكة، لكنهم كانوا في حيرة من بعض مرشحيه المُعلنين، الذين يعدون من بين أكثر الشخصيات السياسية دعمًا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
في عام 1972، كان الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، المعروف بمواقفه المتشددة ضد الشيوعية، يتمتع بغطاء سياسي كافٍ مكنه من السفر إلى الصين لفتح العلاقات مع الحكومة الشيوعية، مما دفع المعلقين إلى القول: “فقط نيكسون يستطيع الذهاب إلى الصين”، وبالمثل، يأمل السعوديون أن يتمكن ترامب، الذي لديه مصداقية كونه داعمًا لا يتزعزع لنتنياهو، من إجبار إسرائيل على قبول حل الدولتين الحقيقي.
ربما يكون ترامب هو الوحيد القادر على الذهاب إلى رام الله، ولكن حتى لو لم يدفع أبدًا نحو حل الدولتين بشكل جاد، كما يبدو الأكثر احتمالًا، فمن المرجح أن السعوديين لن يثيروا الكثير من الجلبة ففي الوقت الحالي، هم يركزون على الشؤون الداخلية.