منال لاشين تكتب: الميري يعود للصدارة
تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT
مقدمة لا بد منها
قبل أن تقرأ هذا الموضوع أعتقد أننا جميعا كموظفين وأبناء موظفين مدينون بالشكر للرئيس السيسى الذى أنصف الموظفين ووصل بالحد الأدنى لأجورهم إلى ٥ أضعاف الحد الأدنى الذى تقرر بعد ثورة ٢٥ يناير، هذا الإنصاف الرئاسى المالى يدفعنا إلى البحث عن الإنصاف المعنوى للموظف خاصة الحكومى، ورفع شأنه ونظرة المجتمع له.
مع اقتراب ذكرى ميلاد أستاذى الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين تذكرت أن أحد الألقاب التى أطلقها عليه أصدقاؤه كانت المهندس، وذلك على الرغم من أنه خريج كليه الحقوق، ولكنه اعتبر مهندس الصحافة المصرية لقدرته الفريدة على فك وإعادة تركيب أى قضية مطروحة على الرأى العام مثل أشطر مهندس، والخروج بزاوية أو رأى جديد كان غائبا عن الجميع، وربما يكون هذا الرأى مثيرا للجدل أو للإعجاب، ولكنه فى كلا الحالتين لا يدور فى فلك الكلاسيات أو الأسطوانات المكررة، وهذا بالتحديد أكثر ما يثير إعجابى فى أعمال ودراسات ومناقشات مركز حلول السياسات البديلة التابع للجامعة الأمريكية بالقاهرة، والمركز مشروع بحثى يهتم بكل قضايا أو بالأحرى تحديات المجتمع المصرى وخاصة الاقتصادية ويناقشها بجرأة وتحرر من قيود الأفكار المسبقة أو التابلوهات الفكرية، وآخر نموذج من هذا النوع كان دراسة عن الجهاز الإدارى للدولة أو بالأحرى وهم تضخم الجهاز الإدارى فى مصر.
لا بد أنك مثلى سمعت بل ربما نشأت على فكرة أن الجهاز الإدارى لدينا ضخم ومترهل ويحتاج إلى رجيم قاس، وأنه أكبر عبء هو وجود ٥٫٥ مليون موظف حكومى، ولكننا كمجتمع مضطرون إلى تحمل هذا العبء لأسباب اجتماعية.
وزاد من ترسخ هذا المفهوم أن صندوق النقد فى كل مفاوضاته مع مصر أو غيرها من الدول يبدأ بنصيحة تقليص الجهاز الإدارى للدولة، وهذا الرأى ينبع من فكرة رأسمالية من الكلاسيات.. فالحكومة لا ينظر لها فى الرأسمالية إلا كعائق روتينى أو كالطلاق فى الإسلام شر لا بد منه، ولذلك يجب أن يكون الجهاز للدولة أقل ما يمكن وصلاحياته محدودة للغاية.
ويأتى مركز حلول سياسات بديلة بآراء وتوجهات مدعمة بالأرقام ومخالفة لكل التوجهات البالية.
حسب المركز فإن تضخم الجهاز الإدارى فى مصر هو مجرد وهم وقراءة خاطئة للواقع، ومن واقع مؤشرات سوق العمل العالمية فإن نسبة العاملين فى الجهاز الإدارى فى مصر ليست الأضخم أو الأكبر.
حسب آخر إحصائيات رسمية متاحة فإن نسبة العاملين بالجهاز الإدارى تبلغ ١٩٪ من مجموع سوق العمل، ويأتى المركز بنماذج لهذه النسبة فى عدد من الدول ذات الاقتصاد المتقدم والقوى.
هذه النسبة تصل إلى ٣٠٪ فى النرويج، و١٩٪ فى كندا، و١٨ ٪ فى بلجيكا و٢١.٢٪ فى فرنسا.
وفى واحدة من المفاجآت الكبرى أو بالأحرى الضربة لصندوق النقد.. تكشف الدراسة أن صندوق النقد نفسه قد حدد نسبة تكلفة العمالة الحكومية من الناتج القومى بـ٨٫٧٪ فى الدول ذات الدخل المتوسط، وهى النسبة تزيد قليلا عن النسبة فى مصر، حيث بلغت نسبة تكلفة العمالة الحكومة عندنا فى عام ٢١م و٢٢ إلى ٨٫٦ ٪، ويقدم المركز رقمًا آخر صادمًا فنسبة تكلفة العمالة الحكومة من الإنفاق العام بلغت ١٩٫٥٪ من الإنفاق العام فى نفس العام.. فى الوقت الذى كان متوسط هذه النسبة فى نفس العام ٣١٪.
الخلل الرئيسي
وعلى الرغم من هذه الأرقام فإن المركز لا يرى أن الجهاز الإدارى لا يحتاج إلى إصلاح وبشكل عاجل.
فهناك خلل فى توزيع العمالة فى مختلف قطاعات الجهاز الحكومى أو الوزارات والمحليات، وهناك نقص فى قطاعين من أهم قطاعات الجهاز الحكومى وهما التعليم والصحة، وكلاهما ينظر لهما فى الدول المتقدمة كاستثمار وليس نفقة عامة. حسب أرقام وزير التعليم، فإن النقص فى المعلمين وصل إلى ٣٣٥ ألف معلم. أما فى القطاع الطبى فالأمر أسوأ وأخطر، بينما يدور المعدل العالمى حول ٢٣ طبيبًا لكل ١٠ آلاف مواطن، فإن المعدل تدهور فى مصر إلى ٨٫٧ طبيب لكل ١٠ آلاف مواطن.
من ناحية أخرى فهناك تكدس فى بعض الوزارات والمحليات فى العمالة مقابل نقص شديد فى العمالة الإدارية فى وزارات وقطاعات أخرى، ولعل أبرز نموذج لهذا الخلل هو قطاع العدالة فالمحاكم والقطاعات المعاونة مثل الشهر القعارى تعانى من نقص حاد فى العمالة الإدارية، فى مقابل تكدس كبير فى المحليات ودواوين الوزارات الخدمية وماسبيرو على سبيل المثال.
وقد تنبه وزير المالية الأسبق الدكتور يوسف بطرس غالى لهذا التفاوت، وكان عماد خطته للإصلاح الإدارى هى عملية نقل مع إعادة تأهيل واسعة، عملية انتقال من الوزارات والهيئات المكدسة بالعمالة الزائدة، إلى الهيئات والوزارات التى تعانى من نقص فى العمالة، وكان من بين الأفكار الإصلاحية للدكتور غالى هو نقل ٨٠ ٪ من الإداريين بماسبيرو إلى وزارات وهيئات حكومية أخرى، وذلك لحل الأزمة المالية فى ماسبيرو. عيب خطة الدكتور «يوسف» أنها كانت تنظر للجهاز الإدارى بنفس النظرة الدونية والرغبة فى تقليصه بدلا من الاستفادة منه ومن العاملين به، ومع ذلك تظل الخطة صالحة للتطبيق لإصلاح الجهاز الإدارى للدولة.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: الجهاز الإدارى فى العمالة فى مصر
إقرأ أيضاً:
ابنة المختطف قسريًا هاشم الهمداني تكتب: سنة في ظلام الزنزانة
أبي المختطف هاشم عبدالله صالح الهمداني: سنة في ظلام الزنزانة الانفرادية
لا أستطيع أن أصدق أن عامًا وأكثر قد مر على اختطاف أبي، هاشم عبد الله الهمداني، دون أن أتمكن من رؤيته أو زيارته ولو لمرة واحدة.
في الثامن من نوفمبر 2023، كنا نعتقد أن سفر أبي من مطار صنعاء سيكون بداية أمل جديد لعلاجه من مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. لكن للأسف، انتهى الأمر إلى مأساة لم تكن تخطر على بال أحد. أبي، الذي أفنى عمره في كفاح الحياة وتحمل مشاقها، اختُطف ظلمًا وعدوانًا دون أن يرتكب أي ذنب. بينما كان يستعد للسفر لتلقي العلاج الذي لم يتوفر في وطنٍ أنهكته الأزمات، اقتادته مجموعة مسلحة من المطار أمام أعين المسافرين، دون أي مبرر قانوني.
ولم تكتفِ تلك الأيادي الغاشمة بهذا الفعل الشنيع، بل اقتحموا بيتنا في الصباح الباكر دون أي تصريح، وسط صرخات الأطفال وبكاء النساء. كسروا الأبواب، عبثوا بأثاث المنزل، وأخذوا أخي الكبير عمرو دون رحمة. كان المشهد قاسيًا لا يحتمل، حيث لم يحترموا حرمة بيتنا، ولم يراعوا وجود الأطفال والنساء.
مرّت سنة كاملة، وما زال أبي وأخي وأعمامي وأبناء خالاتي وباقي أفراد أسرتي خلف جدران الزنازين الانفرادية، ممنوعين من التواصل معنا أو حتى الاطمئنان على أحوالهم. سنة من الألم والقلق المستمر ونحن نعيش في انتظار لا ينتهي. الطرقات إلى أبواب القضاء أغلقت في وجوهنا، ولم نحصل على أي إجابة تُطمئننا.
لماذا كل هذا؟ إن كان لديهم أي دليل يدين أبي أو أخي عمرو أو باقي أفراد أسرتي، فلماذا لا يقدمونهما لمحاكمة عادلة؟ إن كان ما يدّعونه من اتهامات صحيحًا، فلماذا يخفونهما عن العالم ويمنعوننا من زيارتهما؟ الحقيقة واضحة؛ لا دليل لديهم سوى ظلمهم وجبروتهم.
أبي، الذي سافر لعلاج مرضه، يُترك اليوم في زنزانة انفرادية، محرومًا من أبسط حقوقه، في ظروف لا نعلم مدى قسوتها.
عام كامل وأبي بعيد عني، ليس لأنه اختار الغياب، بل لأنهم سلبوه حريته ووضعوه في زنزانة ضيقة مظلمة، لا ترى الشمس ولا تسمع فيها سوى صوت الوحدة. وهو يعاني من ارتفاع ضغط الدم والسكري. عام كامل ونحن نعيش في ألم لا يوصف، عاجزين عن رؤيته أو سماع صوته، حيث مُنعنا حتى من زيارته.
أتخيل أبي الآن في مكانه، ينظر إلى جدران صامتة كأنها تُشارك في تعذيبه، يحاول أن يحتفظ بعقله وقلبه وسط قسوة العزلة. هل يفتقدنا كما نفتقده؟ هل يتخيلنا حوله ونحن نضحك ونتحدث؟ أم أن الألم قد طغى حتى على الذكريات الجميلة؟
الآن، لا نسمع صوته ولا نرى ابتسامته. فقط نعيش على أطياف الذكريات التي صارت أقسى ما يمكن أن نملكه.
أتساءل كيف يمكن لإنسان أن يتحمل هذا الكم من الظلم؟ أي ذنب ارتكبه أبي ليُعاقب بهذه الطريقة؟ هل لأنه كان شجاعًا، حرًا، رفض أن يخضع؟ أم أن الظلم يقتات على أرواح الشرفاء فقط لأنه قادر؟
وما يكسر قلبي أكثر، أنه لم يعرف حتى الآن أنه أصبح جدًّا لأول حفيد له يحمل اسمه. حفيدته الأولى لابنه البكر عمرو هاشم الهمداني. فرحة عمره التي كان ينتظرها، جاءت إلى الدنيا ولم تستطع رؤيته. لم يتمكن من احتضانها أو حتى سماع صوتها. لا يعرف عن ملامحها شيئًا، لا يعلم كيف تنام وكيف تضحك. تلك الصغيرة، التي كانت ستعيد الحياة إلى قلبه المُتعب، حُرمت منه كما حُرم من كل شيء آخر.
أتساءل: كيف يمضي عليه الوقت وهو محروم من هذه الفرحة؟ كم ليلة مرّت وهو يفكر بنا، ونحن نفكر فيه؟ كم مرة تخيل حفيدته بين ذراعيه، يضمها بحب كما كان يضمنا؟ لكنهم قطعوا هذا الحلم، وحرمونا حتى من إهدائه فرحة بسيطة تخفف عنه ألم الزنزانة.
أصعب ما في الأمر أنهم حرمونا من زيارته، من رؤيته، من الاطمئنان عليه ولو للحظة. كم كنت أحتاج إلى نظرة من عينيه تحمل صبره المعتاد. لكنهم أغلقوا كل السُبل وطرق الوصول إليه.
ومع ذلك، مهما حاولوا كسر روحه، أنا متأكدة أن أبي أقوى من هذا السجن، أقوى من الزنزانة، أقوى من الظلم. سيعود يومًا، وسنمسك أيدينا من جديد. وسيروي لي قصصه عن الصمود كما كان دائمًا يفعل، وسأخبره أنني لم أفقد الأمل أبدًا، أنني كنت أؤمن أنه سيعود مهما طال الانتظار.
نطالب بإطلاق سراح أبي وأخي عمرو وباقي أفراد أسرتي فورًا، لقد ذقنا مرارة الظلم بما فيه الكفاية.