د. رشا سمير تكتب: الشغف هو الأمل
تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT
لعل مصر لا تمتلك ثلث آثار العالم مثلما تعلمنا فى كتب التاريخ ونحن صغار، لكنها دون جدال تمتلك السحر وعبق التاريخ فى كل زاوية وكل جدار، فمصر هى تلك الخطوات والمسارات والأصوات التى كتبها التاريخ على مدار عقود طويلة..
مصر هى مسار العائلة المقدسة.. هى صوت صهيل الخيول فى معارك طيبة..ومذاق الزيتون فى بساتين سيناء.
هذه هى مصر التى علمتنى أن ارتاد شوارعها وأحبو بين صفحات تاريخها لتسكن جوانحى ووجدانى..مصر التى تعلمنا منذ نعومة أظافرنا أن حبها هو العنوان، وعشقها هو الملاذ والمأوى..
قادتنى قدماى إلى المتحف القومى للحضارة المصرية بدعوة كريمة من الدكتور أحمد غنيم الرئيس التنفيذى للمتحف..المكان الذى يختلف فى شكله ومضمونه عن أى مكان آخر فى مصر، فهو بحق وجهة حضارية عظيمة..
اصطحبتنى فتاة أنيقة ومتحدثة لبقة إلى جولة بين أروقة المتحف، مع إصرار الدكتور «غنيم» بدخولى مراكز ومعامل الترميم داخل المتحف، انصعت إليه ولم أكن متحمسة فى البداية، إلا أن حالة الانبهار والفخر التى تسللت إلى مسامى أثناء الجولة كانت كفيلة لمعرفة سبب إصراره..
فقد أيقنت أن هذا المركز هو أهم ما فى المتحف، بعد أن استمعت إلى شرح القائمين على المركز فى مختلف القطاعات، من ترميم المخطوطات والجلود والخزف والأحجار والمومياوات، فى رحلة طويلة مُنظمة تبدأ من استلام القطعة الأثرية بعد خروجها من باطن الأرض إلى إعادتها ببراعة وفهم إلى هيئتها الأولى بعد جهد جهيد لتُعرض فى المتحف..
تحدثت طويلا مع المسئولين عن عملية الترميم وسألتهم عن تفاصيل عملهم والصعوبات التى تواجههم، ولماذا دون غيرها التحقوا بقسم الترميم، ففوجئت أن الإجابة ببساطة تتلخص فى كلمة واحدة هى:
«الشغف»
تعجبت من الكلمة..وعدت أسألهم من جديد:
«هل كان مجموع الثانوية العامة هو السبب؟»
كانت إجابة الجميع واحدة برغم اختلاف الوجوه..إجابة مُفادها: الآثار هى العشق الأول.. سكنتنا التفاصيل وأصبح التحدى الحقيقى أمامنا هو جمع القطع المبعثرة المكسورة وترميمها لإعادتها إلى هيئتها الأولى هى مسئوليتنا تجاه وطننا».
خرجت من هناك وكلى فخر وسعادة، ليصبح يقينى أن هناك مصريين يذوبون عشقا فى تراب هذا البلد..وأن الحل الحقيقى لكل المشاكل التى تجابهنا فى الوقت الحالى هو البحث عمن لديهم شغف تجاه هذا البلد لنوليهم المسئولية، ولسوف يتحملون المسئولية بدافع حب..
وما أكثر هؤلاء..
الشباب الذين نزلوا إلى الشوارع عقب الثورة لينظفون الأرصفة ويعيدون طلاءها يمتلكون الشغف..
المصريون الذين خرجوا إلى الجبانات والشوارع فى محاولة جادة لتوثيق المقابر القديمة والأماكن الأثرية التى تعرضت للإزالة يمتلكون الشغف..
الشاب الذى يمد يده فى منطقة أثرية لمساعدة سائح لا يعرفه بمعلومة أو شربة ماء..يمتلك الشغف..
خريجو الفنون الجميلة الذين يرسمون الجرافيتى على جدران العشوائيات المتهدمة والبيوت القديمة لإعطائها من روحهم آملا وحياة يمتلكون الشغف..
جمعيات المجتمع المدنى والشباب الذين يجوبون النجوع والكفور لتوصيل المياه إلى بيوت غير القادرين وتسقيف منازلهم يمتلكون الشغف..
هؤلاء هم أبناء مصر القادرين على تحمل المسئولية من واقع حب..أما من يجلسون فى موقع المسئولية ولا يمتلكون تجاه الوطن أى مشاعر تدفعهم لتنحية مصالحهم وإعلاء المصلحة العامة، فهؤلاء سيظلون أبدا منتفعين من مناصبهم دون أن يقدموا شيئا وستبقى الدولة عالقة مثل الدين فى رقابهم إلى يوم الدين..
مازال قلبى يئن وأنا فى زياراتى المتكررة للمساجد والأبنية التى تم ترميمها دون وعى أو دراية، لتصبح مثل عروس متعجلة لتشطيب شقة الزوجية!..الحجر الذى فاق عمره عمر الزمان وتم طلائه باللون الأصفر تحت مسمى الترميم يحتاج إلى إعادة نظر لأنه قبيح.. والقبح لم يلق أبدا أن يكون عنوان مصر الجميلة!.
نحن نمتلك المقومات التى تجعل مصر أهم دولة سياحية فى المنطقة بل فى العالم كله، ونمتلك السواعد التى تعى جيدا كيف تُدير وتطور وترمم لإعادة رونق الأشياء دون المساس بجوهرها وقيمتها..فلماذا لا يتم الاستعانة بهؤلاء؟.
أنتأ فى مرحلة نحد حقيقى ولم يبق أمامنا سوى الاتكال على من يعشقون هده الأرض الطيبة علهم يزرعون وفاء وحب ليحصدون
الأمل..
فهل من مجيب؟!
المصدر: بوابة الفجر
إقرأ أيضاً:
نوازع السيطرة عند بريطانيا وإنكارها مسؤوليات ودور الحكومة السودانية
من أحاجي الحرب( ٨٦٩٥ ):
○ كتب: السفير عبدالمحمود عبدالحليم
□□ استخدم وفد الاتحاد الروسي بمجلس الأمن صباح الاثنين بنيويورك حق النقض فاحبط مشروع قرار قدمته بريطانيا وسيراليون حول موضوع “حماية المدنيين ” بالسودان، وكان القرار الذى نال موافقة ١٤ وفدا قد شمل ١٥ فقرة عاملة و ٨ فقرات تمهيدية، وجاء تركيزه على الترتيبات المتصلة بحماية المدنيين تحديدا خلافا للقرارات السابقة للمجلس حول السودان التى شملت عدة موضوعات متنوعة amorphous. ، كما أعاد الفيتو الذى يحدث لأول مرة منذ امد بعيد إلى الأذهان الفيتو المزدوج الذى استخدمته روسيا والصين ضد مشروع قرار خاص بزمبابوى عام ٢٠٠٨م ….اذا كانت بريطانيا كما هو معلوم هى حامل القلم ورئيس مجلس الأمن لشهر نوفمبر فان استصحاب سيراليون جاء لإظهار وإعطاء انطباع بتوافق افريقى حول المشروع، بهدف احراج الدول التى قد يكون رايها سالبا حوله، وتحديدا روسيا والصين، فتمتنع عن معارضته حتى لا توصم بالوقوف ضد الإجماع الأفريقي.. من باب التذكر نشير إلى أن بريطانيا كانت قد تدخلت عسكريا في الحرب الاهلية في سيراليون فى مايو ٢٠٠٠ عبر الكتيبة البريطانية التي كانت هناك لأغراض الإجلاء وتمكنت من الحاق الهزيمة”بالحركة الثوريه المتحدة ” المتمردة بقيادة فودى سانكوح على مشارف العاصمة فريتاون والتى كانت مدعومة مقابل الماس السيراليوني من قبل تشارلز تايلور رئيس ليبيريا المجاورة.. وكانت بريطانيا قد استخدمت ايضاً مواقع بسيراليون فى عملياتها العسكرية ضد الأرجنتين إبان حرب الفوكلاند.. وللتذكير أيضا ترأست سيراليون فى أواخر سبعينيات القرن الماضى على عهد رئيسها سياكا استيفنز لجنة الوساطة السودانية الأثيوبية بعد توتر علاقات البلدين إبان حكم الرئيسين جعفر نميري ومنقستو هايلى مريام…
□ بدأ وكأن القرار قد شرع من جديد في رسم بناء معمارى لمسالة حماية المدنيين في السودان فى أعقاب تحشيد وترويج كبير حفلت به الفترة الماضية وتصريحات من عدة جهات دولية وعلى رأسها المبعوث الأمريكي بريللو مبشره بتدخل عسكري وخطة ب وتم إنشاء تحالف فى اجتماع جنيف ” لإنقاذ الأرواح “كما دخلت في خط ذلك التحشيد لجنه تقصى الحقائق لمجلس حقوق ألأنسان، والاجتماعات رفيعه المستوى التي عقدت على هامش دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك إلا ان إقرار الامين العام للأمم المتحدة قوتيريش امام مجلس ألأمن مؤخرا بعدم توفر الظروف المتصلة بنشر قوة عسكرية صب ماءا باردا على ذلك التحشيد لتنطلق بعده عدة مسارات هادئة من بينها زيارة وفد مجلس السلم والأمن الأفريقي الذى أكد فى بيانه الصادر عقب الزيارة ضرورة الحوار مع السودان بمافى ذلك الأفكار التى طرحها على الوفد السيد رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان كما تقرر اعادة فتح مكتب الاتحاد الأفريقي بالسودان تسهيلا للحوار المبتغى حيث يأمل السودان أن يتم فك تجميد عضويته بالاتحاد الإفريقي دون إبطاء، وجاء كذلك الى السودان وزير خارجية جيبوتي مبعوثا من الرئيس الجيبوتي رئيس الإيقاد برسالة حول عوده السودان لموقعه بالهيئه، وتم كذلك تأجيل اجتماع اللجنة الأفريقية الرئاسية برئاسة الرئيس اليوغندى يورى موسفيني.. ويبدو ان كافة هذه التطورات قد القت بظلالها على نبرة ومحتوى المشروع البريطاني وهو يعاود الكرة ويدخل المباراة المسماة حماية المدنيين بخطه جديدة قوامها إظهار احترام الخصم وتقليل اللعب على الأجسام فيسمى مجلس السيادة الانتقالي باسمه ويطلب منّ الامين العام التشاور معه حول آليات التحقق، ويسجل ادانته المباشرة في فقرات عاملة وتمهيدية للدعم السريع، ويطالب بلجم تدخلات الدول وتوريدات السلاح لدارفور مهددا بعقوبات ومسترجعا منطوق قرارى مجلس الأمن ١٥٩١ و١٥٥٦ لعام ٢٠٠٤ ( وهو القرار الذي كان قد طالب وقتها حكومة السودان بنزع سلاح الجنجويد ) ويكرر القرار المطالبة بوقف أطلاق النار ووقف التصعيد وتعزيز المرور الآمن للمساعدات الإنسانية عبر الحدود والخطوط ويرحب في هذآ الإطار بقرار السيادى بشأن معبر أدرى…وسعى المشروع في سبيل هدفه لخلق ظروف ووقائع على الأرض توفر الشروط المفضية لنشر قوات عسكرية عبر تقرير كلف الامين العام بتقديمه الى أعطاء الشعور بمرونة رغم التفخيخ الذي استوطن بعض الفقرات مثل الفقرة العاملة ١٥ وصياغتها التى تبيح وتشرعن للعمل خارج إطار مجلس ألأمن بما يعرف بتحالفات الراغبين، ولم يكن صعبا للوفد الروسي بحاسه الشم القوية
التى عرف بها إزاء محاولات التدخل الخارجية عبر تلك الصياغات ان يقف عند ذلك بل افاض فتحدث عن روح الاستعمار الجديد ونوازع السيطرة عند بريطانيا وإنكارها مسؤوليات ودور الحكومة السودانية وضرورة تجنب فرض مؤسسات العدالة..لم تغادر ذاكرة المندوب الروسي غضب بلاده وتصريحات الرئيس بوتين في ذات اليوم
المنددة بمنح الدول الغربية الضوء الأخضر لأوكرانيا لاستخدام الصواريخ بعيدة
المدى ضد روسيا …. فى الوقت الذي يتوقع أن تنشغل الأوساط الدبلوماسية بتبعات الفيتو الروسي وسيناريوهات اليوم التالى فإننا نأمل ان تستجمع بلادنا قواها ومواردها لحماية مدنييها .. فما حك جلد مواطنيها مثل ظفرها…..
#من_أحاجي_الحرب