بوابة الفجر:
2024-07-03@15:29:21 GMT

د. رشا سمير تكتب: الشغف هو الأمل

تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT

 

لعل مصر لا تمتلك ثلث آثار العالم مثلما تعلمنا فى كتب التاريخ ونحن صغار، لكنها دون جدال تمتلك السحر وعبق التاريخ فى كل زاوية وكل جدار، فمصر هى تلك الخطوات والمسارات والأصوات التى كتبها التاريخ على مدار عقود طويلة..

مصر هى مسار العائلة المقدسة.. هى صوت صهيل الخيول فى معارك طيبة..ومذاق الزيتون فى بساتين سيناء.

.هى ضوء المشاعل فى طريق الكباش..وشعاع القمر الذى يخطو بخفة فوق جدران معابد الأقصر وأسوان..

هذه هى مصر التى علمتنى أن ارتاد شوارعها وأحبو بين صفحات تاريخها لتسكن جوانحى ووجدانى..مصر التى تعلمنا منذ نعومة أظافرنا أن حبها هو العنوان، وعشقها هو الملاذ والمأوى..

قادتنى قدماى إلى المتحف القومى للحضارة المصرية بدعوة كريمة من الدكتور أحمد غنيم الرئيس التنفيذى للمتحف..المكان الذى يختلف فى شكله ومضمونه عن أى مكان آخر فى مصر، فهو بحق وجهة حضارية عظيمة..

اصطحبتنى فتاة أنيقة ومتحدثة لبقة إلى جولة بين أروقة المتحف، مع إصرار الدكتور «غنيم» بدخولى مراكز ومعامل الترميم داخل المتحف، انصعت إليه ولم أكن متحمسة فى البداية، إلا أن حالة الانبهار والفخر التى تسللت إلى مسامى أثناء الجولة كانت كفيلة لمعرفة سبب إصراره..

فقد أيقنت أن هذا المركز هو أهم ما فى المتحف، بعد أن استمعت إلى شرح القائمين على المركز فى مختلف القطاعات، من ترميم المخطوطات والجلود والخزف والأحجار والمومياوات، فى رحلة طويلة مُنظمة تبدأ من استلام القطعة الأثرية بعد خروجها من باطن الأرض إلى إعادتها ببراعة وفهم إلى هيئتها الأولى بعد جهد جهيد لتُعرض فى المتحف..

تحدثت طويلا مع المسئولين عن عملية الترميم وسألتهم عن تفاصيل عملهم والصعوبات التى تواجههم، ولماذا دون غيرها التحقوا بقسم الترميم، ففوجئت أن الإجابة ببساطة تتلخص فى كلمة واحدة هى:

«الشغف»

تعجبت من الكلمة..وعدت أسألهم من جديد:

«هل كان مجموع الثانوية العامة هو السبب؟»

كانت إجابة الجميع واحدة برغم اختلاف الوجوه..إجابة مُفادها: الآثار هى العشق الأول.. سكنتنا التفاصيل وأصبح التحدى الحقيقى أمامنا هو جمع القطع المبعثرة المكسورة وترميمها لإعادتها إلى هيئتها الأولى هى مسئوليتنا تجاه وطننا».

خرجت من هناك وكلى فخر وسعادة، ليصبح يقينى أن هناك مصريين يذوبون عشقا فى تراب هذا البلد..وأن الحل الحقيقى لكل المشاكل التى تجابهنا فى الوقت الحالى هو البحث عمن لديهم شغف تجاه هذا البلد لنوليهم المسئولية، ولسوف يتحملون المسئولية بدافع حب..

وما أكثر هؤلاء..

الشباب الذين نزلوا إلى الشوارع عقب الثورة لينظفون الأرصفة ويعيدون طلاءها يمتلكون الشغف..

المصريون الذين خرجوا إلى الجبانات والشوارع فى محاولة جادة لتوثيق المقابر القديمة والأماكن الأثرية التى تعرضت للإزالة يمتلكون الشغف..

الشاب الذى يمد يده فى منطقة أثرية لمساعدة سائح لا يعرفه بمعلومة أو شربة ماء..يمتلك الشغف..

خريجو الفنون الجميلة الذين يرسمون الجرافيتى على جدران العشوائيات المتهدمة والبيوت القديمة لإعطائها من روحهم آملا وحياة يمتلكون الشغف..

جمعيات المجتمع المدنى والشباب الذين يجوبون النجوع والكفور لتوصيل المياه إلى بيوت غير القادرين وتسقيف منازلهم يمتلكون الشغف..

هؤلاء هم أبناء مصر القادرين على تحمل المسئولية من واقع حب..أما من يجلسون فى موقع المسئولية ولا يمتلكون تجاه الوطن أى مشاعر تدفعهم لتنحية مصالحهم وإعلاء المصلحة العامة، فهؤلاء سيظلون أبدا منتفعين من مناصبهم دون أن يقدموا شيئا وستبقى الدولة عالقة مثل الدين فى رقابهم إلى يوم الدين..

مازال قلبى يئن وأنا فى زياراتى المتكررة للمساجد والأبنية التى تم ترميمها دون وعى أو دراية، لتصبح مثل عروس متعجلة لتشطيب شقة الزوجية!..الحجر الذى فاق عمره عمر الزمان وتم طلائه باللون الأصفر تحت مسمى الترميم يحتاج إلى إعادة نظر لأنه قبيح.. والقبح لم يلق أبدا أن يكون عنوان مصر الجميلة!.

نحن نمتلك المقومات التى تجعل مصر أهم دولة سياحية فى المنطقة بل فى العالم كله، ونمتلك السواعد التى تعى جيدا كيف تُدير وتطور وترمم لإعادة رونق الأشياء دون المساس بجوهرها وقيمتها..فلماذا لا يتم الاستعانة بهؤلاء؟.

أنتأ فى مرحلة نحد حقيقى ولم يبق أمامنا سوى الاتكال على من يعشقون هده الأرض الطيبة علهم يزرعون وفاء وحب ليحصدون
الأمل..

فهل من مجيب؟!

المصدر: بوابة الفجر

إقرأ أيضاً:

روان مسعد تكتب.. رسائل 3 يوليو

حشد هائل من الملايين يقف خلف هدير واحد يطالب بخلع جماعة الإخوان، ينتظرون بفارغ الصبر بيان الخلاص، فقد اعتاد الشعب المصري أن يثور، ما إن وجد نفسه على هامش الحياة انتفض، وكان الجيش ولا يزال درع وسيف هذا الوطن.. يحميه.. يستمع إلى رسائله غير المكتوبة، وينفذ مطالبه غير المحدودة، فبعد ثورة يناير 2011، اختار الشعب المصري التغيير، وظل على موقفه حتى جاء يوم 3 يوليو، حينئذ خرج حينها عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع آنذاك ليُلقي بيانا تاريخيا سكتت بعده الأصوات واستمعت بكل ما فيه من مطالب «إن القوات المسلحة استشعرت أن الشعب المصري يدعوها لنصرته».

رسائل واضحة وجهها الشعب نحو التغيير، قبل اليوم المنشود حاول مرارًا ابتلاع مرارة حكم الجماعة، ولكنه في كل مرة كان يصل إلى مسألة لا تحل ولا يوجد لها نموذج إجابة لدى الجماعة نفسها، الوطنية الخالصة لم توجد خلال هذا الحكم، عندما كتب الدستور لجنة تتكون من معظم أعضاء الجماعة أو مؤيدوها ليضعون منهج الشرعية المزعومة دستورا للبلاد، انسحب منها ممثلو الكنائس وبعض الفصائل المصرية الأخرى.

اسكتوا السيدات والفتيات فكُنّ على أول صفوف الجماهير المنادية بخلعهم، تعرض الفن والثقافة والحياة العامة إلى انتهاك صارخ لم تشهده مصر الوسطية، منبر الثقافة والفنون في العالم العربي من قبل، فكانت أول رسالة هي الحرية.

ترمومتر على مدار 100 يوم ابتكره الشعب لـ الرئيس «المعزول» محمد مرسي، حينما وعد بالتغيير خلال تلك الفترة القصيرة، ولكنها كانت مليئة بالأزمات، بداية من أنبوبة البوتاجاز، والبنزين، وحتى قطع الكهرباء لفترات طويلة عشوائية، أزمات اقتصادية طاحنة ليست للحكومة وحسب وإنما للمواطن البسيط في بيته، لذا كان يجب تغيير الواقع فكانت رسالة الشعب الثانية العيش بكرامة، خاصة مع الفشل في حماية جنود الأمن المصري على الحدود، وما أصاب 23 منهم في سيناء.

الصوت ربما هو أهم وأكثر رسائل الشعب المصري إلحاحا والذي استجاب له الجيش، في تلك الفترة، فقد شعر الجميع بأن صوته لا يسمع، يوجد في الصدور غصة، تغشى الأبصار، وانجرف الجميع إلى معارك ثانوية غير معنونة باسم الوطن، فكان كل صوت عالي هو للشيوخ المزعومة الذين يحرّمون حتى الحياة العامة، لا نستطيع مناقشة مستقبل البلاد، وإنما ملابس النساء، ومن هنا جاءت الاستجابة لرسالة أخرى، وهكذا توالت الرسائل بالثورة، تلك الأخيرة كانت آمنة يملأ فيها الجميع الشوارع دون خوف.

جاء يوم 3 يوليو 2013، ليغير مجرى التاريخ المصري، ويؤكد على أن الشعب المصري صوته مسموع، ورسائله تصل، يرفض "أخونة نفسه"، أو تحويله إلى فصيل واحد، برهن على فشل لم يدم طويلا، وقدم خارطة طريق جديدة كليا، ملامحها الحرية والعيش لكل فئات الشعب الذي يريد أن يحكم نفسه، ويرى على كراسي مجلس الشعب سيدات ورجال لا يختلفون عنه إلا ليمثلوا فئة أخرى تشاركه الوطن، رؤى واضحة يعيشها الشعب، طريق باتجاه واحد لا يحمل أكثر من معنى.

مقالات مشابهة

  • روان مسعد تكتب.. رسائل 3 يوليو
  • هبة عبد العزيز تكتب: ثورة 30 يونيو كانت بمثابة المخرج للمرأة المصرية من الوقوع فى فخ الجهل والتجهيل الذى مارسته الجماعة المحظورة
  • الطريق إلى الاتحادية.. الملفات السرية للإخوان.. عبدالرحيم علي يرصد إرهاب الإخوان طوال أكثر من ثمانين عامًا ضد مصر والمصريين
  • «دُفعة المراوح وتخفيف الأحمال»
  • المساندة الشعبية
  • «حوارات على حافة الأزمة» يكشف أسرار الحياة السياسية في مصر من 2011 حتى 2013
  • في ذكرى يوم عظيم
  • التيار الحرام
  • سلخانة الثانوية العامة
  • المناظرة «راكبة جمل»!