عربي21:
2025-03-12@10:14:43 GMT

الصراخ الذي لم ينقطع في السودان

تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT

أصبحت كوارث العالم العربي ومآسيه ترقق بعضها بعضا، فقد أزاح طوفان الأقصى ما دونه من أخبار ومشاكل في العالم العربي خاصة المصيرية منها، وعلى رأسها الحرب الدائرة في السودان التي جعلت ما يزيد عن 25 مليون شخص، هم نصف عدد السكان، يحتاجون إلى كافة أنواع المساعدات والحماية، في وقت لم ينقطع فيه صراخ الشعب السوداني من الحرب الدائرة هناك، ولا أفق لحلها حتى الآن.



لجأ الشعب السوادني إلى كل أنواع الحلول في السنوات القليلة الماضية السياسية منها والثورية، وتدخلت في شئونه كل الدول الإقليمية والقوى الدولية تقريبا، ولم يزد الوضع في السودان إلا سوءا.

لقد كشفت هذه الحرب عن عوار كبير في العمل الدبلوماسي أولا والإعلامي ثانيا، وهو أن ما هو بعيد عن بؤرة النظر الدولي بعيد عن بؤرة الاهتمام. فبوصلة الاهتمام ليست متعلقة بتفاقم الوضع الإنساني والميداني؛ بقدر ما هي متعلقة بتوازنات القوى وتسجيل النقاط السياسية والعسكرية والاستراتيجية في مرمى الخصوم. والأمر ذاته ينطبق على التغطية الإعلامية التي تجاهلت السودان تماما خلال الفترة الماضية.
ولا تتعلق المسألة بمصالح الدول الكبرى وتقديراتها للأمور وحسب، بل بطبيعة تقدير العقل العربي لنوعية الأزمات التي تمر بها البلدان المختلفة والنظرة قصيرة المدى للمصالح والمنافع، ناهيك عما تستوجبه أخلاق المروءة والشهامة
ولا تتعلق المسألة بمصالح الدول الكبرى وتقديراتها للأمور وحسب، بل بطبيعة تقدير العقل العربي لنوعية الأزمات التي تمر بها البلدان المختلفة والنظرة قصيرة المدى للمصالح والمنافع، ناهيك عما تستوجبه أخلاق المروءة والشهامة.

الوضع المتفاقم في السودان يسترعي بعض الاهتمام الدبلوماسي والإعلامي؛ من زاوية المآسي الإنسانية ومن زاوية تأثيراتها على الوضع الإقليمي ودور الجوار. وإذا كانت الجامعة العربية تتذرع أحيانا بالوضع الدولي وتوازنات القوى فيما يتعلق بفلسطين، فليس لها من عذر في التراخي في التعامل مع هذا الحرب وعدم تقديم أية مبادرات أو تحركات دبلوماسية خاصة في الإطار الأفريقي، بعيدا عن المناشدات والمطالبات الإعلامية العامة.

أثبتت الحرب الدائرة في السودان كارثة تنازع الشرعية بين قوتيين يمتلك كل منهما السلاح العسكري الثقيل والأمني الخفيف داخل دولة واحدة، كما أثبتت ضعف آلية حل النزعات العربية-العربية، والأهم من ذلك أثبتت أنه مهما كانت الكلفة البشرية والإنسانية للمآسي العربية، فإن استحداث مأساة جديدة أفدح منها ثمنا كفيل بأن يحيل المأساة الأخرى إلى مجاهل النسيان. فلا أحد يتذكر مآسي اليمن أو سوريا الآن للأسف؛ الفارق الوحيد ربما هو أن النفوذ الإقليمي والدولي ظاهر وواضح عسكريا ودبلوماسيا وسياسيا وطائفيا في هذين البلدين، والأمر مختلف عن ذلك في السودان.

لم تدق الحرب في الجنوب سابقا أو الحرب في دارفور ما يكفي من أجراس الإنذار لإيقاظ الاهتمام العربي بالسودان؛ حتى انفصل الجنوب ودخلت البلاد في نفق مظلم من الحرب الأهلية، وأتمنى أن تُسمع أجراس الحرب الحالية العالم العربي فيولي السودان ما يستحقه من اهتمام ودعم
إن الحرب في السودان هي جزء أيضا من العلاقات العربية الإسرائيلية الملتهبة، فقد كشفت الحرب في السودان أن الرهان على إسرائيل لنيل الدعم المحلي رهان خاسر، فهرولة كل من البرهان وحميدتي إلى أحضان الاتصالات وإقامة العلاقات مع تل أبيب لم تثمر سوى مزيد من الخراب للبلاد والعباد في السودان.

وملف السودان ليس ملفا عربيا وأفريقيا فقط، بل هو ملف على طاولة إسرائيل ينبغي أن تحاسَب سياسيا عليه باعتبار أنها تملك علاقات متميزة مع كلا الفريقين، بل وقدمت مقترحات مصالحة للطرفين وصلت إلى حد دعوتها لتوقيع اتفاق سلام في تل أبيب.

هناك ما يبرر الآن أن تنشغل إسرائيل عما يجري في السودان، وتنشغل الدول الكبرى أيضا عما يجري فيه، لكن ليس هناك ما يبرر انطفاء وهج الاهتمام العربي بالسودان الذي ما فتئ يصرخ من شدة ما ألمّ به من أزمة سياسية وعسكرية وإنسانية.

لم تدق الحرب في الجنوب سابقا أو الحرب في دارفور ما يكفي من أجراس الإنذار لإيقاظ الاهتمام العربي بالسودان؛ حتى انفصل الجنوب ودخلت البلاد في نفق مظلم من الحرب الأهلية، وأتمنى أن تُسمع أجراس الحرب الحالية العالم العربي فيولي السودان ما يستحقه من اهتمام ودعم.

twitter.com/HanyBeshr

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السودان البرهان السودان صراع حميدتي البرهان سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العالم العربی فی السودان الحرب فی

إقرأ أيضاً:

«مدرسة جميلة» ومربي فاضل هو «ابن» سرحتها الذي غنى بها

«مدرسة جميلة» ومربي فاضل هو «ابن» سرحتها الذي غنى بها

قصة التعليم بين جيلين

إيمان حمزة بلدو

.نحاول هنا رد الفضل الى أهله… والى الدور الذي قام ويقوم به المعلم الجليل والمربي الفاضل الاستاذ حمد النيل فضل المولى عبد الرحمن قرشي.. معلم مادة الجغرافيا في مدرسة “جميلة” المتوسطة.. في مدينة الأبيض… إبان العهد الذي يبعد سنوات ضوئية عن سودان اليوم. كتب الاستاذ حمد النيل رداً على مقالي: “الثامن من مارس والجالسات على أرصفة العدالة في السودان” فاهاجت كتابته الذكرى واستدعت أحقيته في الوفاء والعرفان، ولو بالقليل مما يستحق. له أجزل الشكر والامتنان.

ما ينفك استاذنا يذكر الفضل للمعلمين والمدراء الذين عمل معهم ويحتفي بسيرتهم العطرة ويؤرخ لحقبة في التعليم قد يصعب التوثيق لها وتداركها بسبب الحرب وما خلفته من ضياع للوثائق وتهجير للمعلمين داخل البلاد وخارجها.. وربما تكون كتاباته النبراس الذي يهدي في الظلمات… يوقد جذوات الطريق كلما أنطفأ.. يقص علينا احسن القصص. فقد آنستنا كلماته في وحشة دنيانا بعد الحرب وردت الينا بعض الطمأنينة… فلا اهل العزم نادوا علينا… ولا نودوا… وكلما ذكر معلمي مدرسة جميلة “كساها حسناً وحببها.. حتى كانّ اسمها البشرى أو العيد”…

في كردفان.. وفي سالف العصر والأوان… كان للتعليم مدارس متميزة ورواد… وكانت المدارس الداخلية… لبنة الوحدة الوطنية… والوشائج المجتمعية… وكانت المدارس محصنة بالمعامل والمكتبات… وميزانيات للانشطة الطلابية.. وبعيداً عن مدى فاعلية الاستراتيجيات التعليمية ومدى الاستجابة لحاجة الارياف والاصقاع البعيدة.. أو في البادية.. وحيث العيشة الجافية… وليس بعيداً عن الكارثة الماحقة التي حلت بالبلاد قبل ثورة ديسمبر في كافة مجالات الحياة… وعلى التعليم بوجه خاص.. تعطلت لغة الكلام. ولغة الارقام.. ولغات الإشارة.. وعانى الطلاب من وعورة دروب الاستنارة… تكدست قاعات الدراسة وأصبح الفصل بين طبقات المجتمع في مجال التعليم اشبه بالابارتهايد.. للبعض قبلة عند الشروق… وللبعض قبلة ثانية.. لم تصطدم بهموم الحياة.. ولم تدر- لولا الحرب- ما هيه. استشرت مؤسسات التعليم الخاص في مراحل التعليم ما قبل الجامعي وعجزت المدارس الحكومية عن الإجلاس وعن دفع مرتبات المعلمين… فتضاعفت اعداد الاطفال خارج المنظومة التعليمية.. ولم تستوعب الحكومات أهمية التعليم التقني.. ولا عملت على تأهيل المدارس وبنيتها التحتية أو زيادة الميزانية للتعليم أو الصحة حتى يحصل الاطفال على رعاية صحية وعلى تعليم اساسي مجاني لا يفرق بين طبقات المجتمع في سبيل بناء امة يمكنها تحقيق ولو بعض اهداف التنمية المستدامة اسوة بالشعوب التي تعيش معنا نفس الالفية على كوكب الأرض. أما في المراحل الجامعية فقد وصلت الاوضاع الكارثية مداها جراء إلغاء العام الدراسي لاعوام حسوما ما أدى الى ضياع سنوات على الخريجين. وجاءت الحرب وانتشر الحريق.. فاذا الدنيا كما نعرفها واذا الطلاب كل في طريق.. وصدح العالم بالرقم الفلكي: اكثر من تسعة عشر مليون من السودانيين من الأطفال والشباب خارج النظام التعليمي… ومن لم يمت بالجهل مات بغيره.

هل من رؤية يا ترى حول كيف سيؤثر هذا الوضع على جيل باكمله وعلى شعب يأمل أن يكون في مصاف البشرية!

في مدرسة جميلة… بقيادة الاستاذ محمد طه الدقيل.. فريق من المعلمات والمعلمين- ومن بينهم الاستاذ حمد النيل- كان الفريق ينحت الصخر ويبنى من الاحجار قصورا.. آمنوا بادوارهم وبالطالبات.. ولم يهنوا.. وكانوا هم الأعلون… وما قلته في مقالك استاذنا سوى شيئاً شهدناه… عظيم في تجليه. رحيم حين تلقاه… بديع في معانيه اذا ادركت معناه.

كانت الحصص الصباحية.. وكانت المعامل مجهزة تحوى المحاليل والمركبات الكيميائية.. تنقلنا الى آفاق العلم والتجارب. وكانت الجمعيات الادبية واكتشاف المواهب وأهمها الشعر والقصة والرسم والتمثيل. وكانت حصة الجغرافيا نقلتنا فيها بين المدارات والصحارى والسهول وجبال الاطلس. والروكي والانديز وجبل التاكا وجبال الاماتونج.. تاخذنا عبر افلاك ومجرات. وتخوم.. ونسعد حين يحط بنا الخيال “فوق للقوس والسماك الأعزل”… بعيد في نجوم.

ثم كان الاستعداد لحفل نهاية العام الدراسي وكانت مسرحية “مجنون ليلى” اخرجها الاستاذ محمد طه الدقيل… بعد أن امضت الطالبات اسابيع للحفظ وتجويد الأداء وكانت البروفات تتم في الامسيات… والمواصلات توفرها المدرسة إذ أن مكتب التعليم بالابيض كان راعياً وكان مسؤولاً عن رعيته، آنذاك.

وصار اليوم الختامي في ذلك العام والمسرحية ذات المضامين الانسانية حديث المدينة… لزمن طويل.

لم تذكر دورك- استاذنا- في ذلك الألق والجمال… وآثرت ان تمشي في طريق الإيثار فلا يعرف الفضل الا ذووه… من قبلك كان هناك كثيرون منهم الاستاذ محمود- وكنت قد ذكرته في غير مقال في معرض الوفاء والإخلاص لرفقاء دربك الرسالي-.. الذي انتقل الى مدرسة جميلة بعد تحويلها.

كتب الاستاذ محمود قصيدة في وداع مدير كلية المعلمات بالابيض الاستاذ المربي الجليل عليه الرحمه بشير التجاني.. وكان بالكلية نهران للمستوى المتوسط.. حميراء وجميلة… كتب القصيدة ولحنها ودرّب الطالبات عليها لإلقائها في احتفالية الوداع:

“أختاه من لحن القصيد نهدي الى الجمع السعيد حلو النشيد… ومودعين ربيعنا و- ربيعنا-… ابقى لنا زرعاً حصيد… زرعاً سقاه بعلمه وبخلقه ورعاه بالرأي السديد… فشعاره العمل الجميل وقدوة للخير والفعل المجيد” الخ.

فصدق عليكم القول. ذلك الرعيل الذي يؤثر الغير ويرد الفضل الى أهله.. وما الزرع الذي تعهدتموه “بالعلم والخلق والراي السديد”… الا زرعاً أخرج شطأه.. فاستغلظ فاستوى على سوقه… وسيؤتى حقه يوم حصاده… باذن الله.

جميلة حياها الحيا وسقى الله حماها ورعى….. كانت حصنا.. وحمىً… وكانت مرتعا.. كم بنينا من حصاها اربعاً وانثنينا فمحونا الاربعا… وخططنا في نقى الرمل…. فحفظ الريح والرمل و.. وفضل المعلم المربي الجليل… أجمل السير…و … وعى…

لن ننسى أياماً مضت. في محرابها و ستظل مدرسة “جميلة… جميلة على متن الحياة… ما بقي في الأرض أمثال المعلم الجليل…” اذكر أيامها ثم انثنى على كبدي من خشية أن تصدعا”.

“قد يهون العمر إلا ساعة… وتهون الأرض… إلا موضعا”.

[email protected]

الوسومإدارة التعليم إيمان حمزة بلدو الأبيض الحرب السودان ثورة ديسمبر شمال كردفان مدرسة جميلة مسرحية مجنون ليلى

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية الإيراني: سيتم تسليم رسالة ترامب إلى إيران قريبا عبر مبعوث من إحدى الدول العربية
  • فلترق كل الدماء ولكن من المستفيد؟
  • ايها الجنوبيون اتحدوا واتركوا الحروب خلفكم ولكم محبة لا تغيب ولا تنطفئ
  • «مدرسة جميلة» ومربي فاضل هو «ابن» سرحتها الذي غنى بها
  • شوقي ضيف.. المؤرخ الأدبي الذي أعاد كتابة تاريخ الأدب العربي
  • العراق يتذيل القائمة العربية في المساواة التعليمية
  • الجزيرة نت ترصد الدمار الذي خلفه الاحتلال بمستشفيات الجنوب اللبناني
  • ايها الجنوبيون اتحدوا واتركوا الحروب خلفكم.. ولكم محبة لا تغيب ولا تنطفئ
  • ما هو ترتيب الدول العربية على مؤشر الإرهاب العالمي 2025؟
  • هل تلاحظون الصمت الذي ضرب على خيمة خالد سلك؟!