دمشق-سانا

يكتب الشاعر الدكتور محمد سعيد العتيق الشعر بشكليه الشطرين والتفعيلة، ملتزماً بالموسيقا واللغة وبنيات الشعر الذي يربط بين الأصالة والحداثة ليصل إلى إبداع جيد يعكس قضايا الإنسان وهمومه.

وفي تصريح لـ سانا قال الشاعر العتيق: إن الشعر الحقيقي في الواقع المعاصر هو الذي يمتلك رؤية تنحرف عن النمطي والمألوف دون التخلي عن الانتماء والأصالة، فلا بد من وجود وجهات نظر تجاذبية تجعل التقارب كبيراً بين النص الشعري والمتلقي مهما تطور واختلف في تكوينه الحديث شرط أن يبتعد عما لا يؤثر ولا يخلق جديداً دون التقيد بالمسلمات المقدسة، فلا بد من أن ينتقل الشاعر إلى فضاء مختلف خارج السرب ليصل إلى غير المألوف.

وأشار الشاعر العتيق إلى أنه من المفترض أن يحقق الشعر مكونات تنقل الإنسان من اليأس إلى السعادة وإلى عالم أجمل، وأن يكون في خدمة الإشكاليات ليصل إلى الخلاف الإيجابي بغاية التطور الحقيقي والقيمة الجمالية ذات الأهداف العليا التي تنقل المجتمع إلى الأعلى مع المصداقية والوفاء لما يتأثر به الشاعر ويهدف بعد ذلك إلى السمو والتطور.

ورأى العتيق أن المقولة التي تهدف إلى رفع مستوى الكذب في الشعر هي باطلة، فليس صحيحاً أن أعذب الشعر هو أكذبه، وأن معظم الأدباء والشعراء غاوون يكذبون على أنفسهم، فالصدق هو مقياس الجمال وعلاقة القصيدة بالمجتمع، ويستثنى الشاعر الصادق من دائرة الغواية والكذب، فالجماليات هي ثقافة ومعرفة وخبرة لأن الشعر القوي يتمثل بذلك، وهو أحب إلى الإنسان من الشعر الضعيف.

فالضعيف حسب العتيق هو الذي يعيش في وهم وخيال وفراغ دائري لا يصل إلى النور ولا إلى الزوايا الإيجابية ولا يؤدي أهدافه في بناء المجتمع، لأنه يعكس الخلل والمجتمع اللاأخلاقي ولربما الآن للحرب دور كبير في ذلك.

وبين العتيق أن التربية والتفكير تسعيان إلى انعكاسات إيمانية، فكل شاعر يؤمن بما اكتسبه في الكون والبيئة، ومن خلال ذلك يعبر عن ذاته وما يقتنع به من خير ومعنى حقيقي يتناسب مع الوضع الذي يراه صحيحاً، ومن المفترض أن يكون ما يفكر فيه الشاعر صحيحاً حتى يدخل التاريخ بشكل أسمى، ويكون سفيراً حقيقياً لصوت الحق بعيداً عن النفاق، وكاشفاً لسراديب الفساد والمحسوبيات والخلل الاجتماعي.

وبين الدكتور الشاعر العتيق أن أهم مقومات الشاعر الحقيقي هو الصدق والأمانة والوفاء والالتزام بقضايا الوطن والمغايرة إلى جهة الصواب والحقيقة ومقوماته الثقافية المأخوذة من أنحاء المقومات الإنسانية، والتي تتزين بكل العلوم والفنون دون الخروج عن القواعد والتراث ومحاربة الانتماء.

وتابع الدكتور الشاعر العتيق: إنه لا بد من أن تكون الموسيقا الشعرية أسمى من روحه ومن تراثه ومن نظرته إلى المستقبل واستقرائه للقادم لتكون مختلفة وليست تقليدية لأن الحداثة الحقيقية هي بناء على الأصل واستقراء للماضي والحاضر والتطلع إلى المستقبل، أي هي مزيج من التناقضات التي تؤدي من اللامعنى إلى المعنى وغير ذلك ليس شعراً.

يذكر أن الشاعر الدكتور محمد سعيد العتيق طبيب في أمراض الدم وعضو في اتحاد الكتاب العرب له العديد من المؤلفات الشعرية منها طرائد النور وعلى ضفاف الروح ورنين الظلال وعشاق الشآم وفجر المساء ونحات نور.

وكتبت عنه العديد من الدراسات منها موشور الرؤية للدكتور وليد العرفي وإشكاليات الشعر للدكتور عصام شرتح وغسان كلاس وأحمد يوسف داود ونذير العظمة وغيرهم، كما فاز بالعديد من الجوائز منها جائزة بردة فارس الشعر لشعراء العمود في العراق، وشارك في العديد من المهرجانات والأمسيات والبرامج التلفزيونية.

محمد خالد الخضر

المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء

إقرأ أيضاً:

إفطارهم في الجنة.. هشام شتاء شهيد الواجب الذي لم تذبل ذكراه

في قلب الجيزة، وتحديدًا في أروقة قسم الشرطة الذي شهد يومًا من أيام مصر الصعبة، هناك حكاية تُروى عن بطلٍ لم يعرف الخوف، لم يطلب من أحد أن يذكر اسمه، لكنه أبى إلا أن يكون في طليعة من يواجهون التحديات. هشام شتا، ذلك الشاب الذي كان يشعّ من داخله الإيمان بحماية وطنه، لم يكن يعرف أن الساعات الأخيرة في حياته ستكون هي الدرس الأبلغ في التضحية.

كان هشام شتاء ضابطًا في قسم شرطة كرداسة،  في أحد أكثر الأقسام تحديًا، على الرغم من الصعوبات التي كانت تحيط بالقسم، إلا أن هشام ظلّ مثالاً للثبات والإخلاص في عمله.

كان يُعَدُّ من أبرز رجال الشرطة الذين عملوا في كرداسة بعد فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في 2013، وكان يعرف جيدًا حجم التحديات التي قد تواجهه. لكن الإرادة التي كانت تتقد في قلبه لم تكن لتتراجع أمام أي خطر.

في ذلك اليوم المشؤوم، عندما اقتحمت مجموعات مسلحة قسم الشرطة في كرداسة، كان هشام شتاء في واجهتهم، كان يواجه المجهول بعينيه التي لا تخاف، ويداه التي تحمل السلاح للدفاع عن الحق، لكنه، في لحظة، وجد نفسه محاطًا بكثير من المخاطر، ورغم كل ذلك لم يتراجع، كانت آخر كلماتٍ سمعها زملاؤه في الميدان "هشام استمر"، ثم وقع في أيدي الأعداء، واستشهد، لم يكن استشهاده مجرد خسارةٍ إنسانية، بل كان سقوطًا لفارسٍ ضحى بحياته من أجل وطنه.

والدته، عاشت أوقاتًا صعبة بعد فراق ابنها، "كان هشام ضوء البيت، نجمٌ ساطع، وفجأة أصبح ذكراه بين يدي. لا أستطيع أن أنسى تلك الأيام التي كان فيها يجلس بجانبي، يحدثني عن أمنياته، عن مستقبله، وعن الوطن الذي كان يراه غاليًا"، كلمات الأم تُخَفِّف عن نفسها الألم، ولكنها تعلم أن ابنها قد أدَّى رسالته بكل شرف، وأنه لن يُنسى أبدًا، "هو ليس مجرد شهيد، هو جزء من روحنا، جزء من وطننا الذي نحب".

هشام شتاء لم يكن مجرد ضابط شرطة عادي، هو بطلٌ بأسمى معاني الرجولة، استشهد في لحظة كان فيها يمسك بمصير وطنه بين يديه، وفي تلك اللحظة، سطر اسمه في سجل الشرف، "لم نكن نعلم أنه في آخر لحظة من عمره، كان يسطر فصلًا جديدًا في معركة الشرف"، هكذا يقول أحد زملائه في العمل.

ورغم أن جسده غادر، إلا أن روح هشام ستظل ترفرف في قلوب الجميع، هو الذي لم يخشَ الموت أبدًا، وكان يعرف أنه في كل مرة يقف فيها لحماية هذا الوطن، كان يقترب من أعلى مراتب الشرف.

ستظل ذكرى هشام شتا عالقة في أذهان المصريين، ليس فقط لشجاعته، ولكن لما مثلته تضحياته من أسمى قيم في حب الوطن، وفي كل عيد، في كل ذكرى، سيبقى اسمه حيًا في قلوب أسرته، وفي عيون زملائه، وفي قلوب كل من يؤمنون أن الشهداء لا يموتون، بل يتجددون في كل لحظة يحيا فيها الوطن.

في قلب هذا الوطن الذي لا ينسى أبنائه، يظل شهداء الشرطة رمزًا للتضحية والفداء، ويختصرون في أرواحهم أسمى معاني البذل والإيثار، رغم غيابهم عن أحضان أسرهم في شهر رمضان، يبقى عطاؤهم حاضرًا في قلوب المصريين، فالوطن لا ينسى من بذل روحه في سبيل أمنه واستقراره.

هم الذين أفنوا حياتهم في حماية الشعب، وسطروا بدمائهم صفحات من الشجاعة والإصرار على مواجهة الإرهاب، هم الذين لم يترددوا لحظة في الوقوف أمام كل من يهدد وطنهم، وواجهوا الموت بابتسامة، مع العلم أن حياتهم ليست سوى جزء صغير من معركة أكبر ضد الظلام.

في رمضان، حين يلتف الجميع حول موائد الإفطار في دفء الأسرة، كان شهداء الشرطة يجلسون في مكان أسمى، مكان لا تدركه أعيننا، ولكنه مكان لا يعادل في قيمته كل الدنيا؛ فإفطارهم اليوم سيكون مع النبين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا.

مع غيابهم عن المائدة الرمضانية في بيوتهم، يظل الشعب المصري يذكرهم في صلواته ودعواته، تظل أسماؤهم محفورة في ذاكرة الوطن، وتظل أرواحهم تسكن بيننا، تعطينا الأمل والقوة لنستمر في مواجهة التحديات.

إن الشهداء هم الذين حفظوا لنا الأمان في عز الشدائد، وهم الذين سيظلون نجومًا مضيئة في سماء وطننا، فلهم منا الدعاء في كل لحظة، وأن يظل الوطن في حفظ الله وأمانه.







مشاركة

مقالات مشابهة

  • إفطارهم في الجنة.. هشام شتاء شهيد الواجب الذي لم تذبل ذكراه
  • مصطفى عماد: أحمل مفتاح العديد من الأسرار العائلية في مسلسل سيد الناس
  • مكتبة القاهرة تنظم أمسية رمضانية حول "شعراء المدائح النبوية"
  • ما يبقى من الشعر وما يبقى للشعراء
  • غزة… أهناك حياة قبل الموت؟ أنطولوجيا شعرية توثق صمود الروح
  • أحمد موسى يتغزل في محمد صلاح: الأسطورة الحقيقية
  • قرقاش: نفخر بما حققته الإمارات في تمكين المرأة
  • في يوم المرأة العالمي.. المرأة الليبية شريك أساسي في بناء الوطن
  • مصطفى بكري ناعيا اللواء أحمد أبو طالب: رحل الإنسان الذي عرفت فيه كل معاني المروءة
  • مصدر أمني في وزارة الداخلية لـ سانا: بعد قيام فلول النظام البائد باغتيال العديد من عناصر الشرطة والأمن توجهت حشود شعبية كبيرة غير منظمة للساحل مما أدى لبعض الانتهاكات الفردية، ونعمل على إيقاف هذه التجاوزات التي لا تمثل عموم الشعب السوري.