صدى البلد:
2024-12-28@21:28:48 GMT

كريمة أبو العينين تكتب: حصاد القهر

تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT

فى واحدة من روائع الأدب الروسى، يتحدث البطل إلى أجساد عائلته التى قتلها الجوع الناجم عن الحصار الغاشم على بلدته المناضلة من أجل الحرية، فيقول لهم: “بالأمس كنا معا نقتسم كل شىء، حتى الحزن كنا نوزعه على ستة أفراد، والآن أصبح الحزن من نصيبى أنا فقط، فهل أستطيع أن أتحمل هذا الميراث القاسى”!!!!

هذه الكلمات تتشابه كثيرا مع ما نراه ونعيشه مع أهل غزة الذين يعانون جبروت وغطرسة النازيين الجدد الذين استحلوا دماء أهل غزة وقتلوا أطفالها ونساءها ونكلوا بالأحياء منهم.

المشاهد المتوالية من غزة رغم قسوتها، إلا أنها تؤكد أن المقاومة الفلسطينية وصلت لمرحلة اللاعودة، وذلك مثلها مثل كل حركات التحرر والاستقلال، والتاريخ خير شاهد،  وما أشبه الليلة بالبارحة، ففى شمال أفريقيا مثال  واضح على الإصرار الجزائرى على مواصلة طريق الكفاح والمقاومة فى وجه أعنف قوى استعمارية حينذاك "الاحتلال الفرنسى" الذى جثم على صدر أبناء الجزائر العظماء لأكثر من قرن واقترب من قرن ونصف، ومارس ضد الشعب الجزائري العنيد جميع أنواع الهمجية والعنف والقتل، والاستعباد والذل، لدرجة أن المستعمر كان يتفنن فى التعذيب ويقطع رؤوس المجاهدين أمام ذويهم ويرسلها إلى باريس لتجمعها فى متاحفها كرمز لقوتها وجبروتها.

تاريخ طويل من العنف قابله إصرار على الحرية مهما كان الثمن، وكان الثمن غاليا جدا؛ قرابة المليونى شهيد دفعوا فاتورة حرية الجزائر واستقلالها فى ستينيات القرن الماضى.

الجزائريون وصل بهم العنف والاحتلال والقسوة إلى نقطة اللاعودة، وأصروا على مواصلة طريق الحرية المعبق بدماء الشهداء والوطنيين. 

نموذج الوطنية الحزائرية يقترب بكثير بل يكاد يتطابق مع التجربة الفلسطينية من المعاناة والألم والذل؛ فعلى مدى أكثر من سبعة عقود، ذاق الفلسطينيون كل أنواع الألم والقهر ؛ وتجرعوا مرارة الفقد والخذلان من القريب قبل البعيد، سمعوا من يعايرهم ويتهمهم ببيع وطنهم، تحملوا مرارة أن يتجنسوا بجنسيات أخرى من أجل مواصلة الحياة، رضوا بالعيش أو اضطروا للتعايش تحت قبضة احتلال غاشم تعامل معهم معاملة العبيد إن لم يكن أسوأ.

سلبت منهم ممتلكاتهم على مرأى ومسمع منهم ومن العالم الأصم، أصبحوا أغرابا على أرضهم، منزوعي الحياة على الرغم من وجود أرواح فى أجسامهم.

الفلسطينى ذاق طعم القهر وهو مقيد الحركة فى بلده، لا يستطيع أن يمارس أبسط وسائل الاستمتاع بما فى بلده، وأن يتنقل من مكان لآخر لأن سلطات الاحتلال قيدته بسلسلة كبيرة من التصريحات ومن الطرق الطويلة الملتفة والجدران العالية التى تجعل تنقله من مكان إلى مكان مجاور لسكنه دربا من دروب الإعجاز العلمى.

وزادت عليه بتسليط المستوطنين أو المجرمين المتعطشين للدماء على أبناء الضفة المحتلة وجميع مدن فلسطين، فأصبح المستوطن يصب جام غضبه مدعوما بالطبع بالقوة العسكرية الإسرائيلية، ويواصلون كلهم انتهاك إنسانية الفلسطينى، وحدث ولا حرج عن حملات الاعتقالات والمداهمات المحمومة على الفلسطينيين، وزجهم فى السجون بلا محاكمات، وإن تمت المحاكمة؛ فلك أن تتأكد من مقولة أن القاضى هو الخصم، فبماذا سيحكم على من صنف بالمذنب فى محكمة إسرائيلية خصومها حكامها!

اتسعت رقعة القهر وامتدت لتبتلع معها قطاع غزة ويتم حصاره لما يقرب من عقدين، ولم يتحرك أحد لفك حصاره ولا إنقاذه من الغشم والغطرسة الإسرائيلية، بل إن الكل تعامل معه أسوة بإخوته فى الضفة المحتلة. 

القهر والخذلان والألم متواصلين متشابكي الأيادى حتى وصلت كل الإرهاصات إلى مرحلة "اللاعودة"، تلك المرحلة التى يقول عنها التاريخ إنها أشبه بأن تزج بمواطن من مكانه وتدفعه دفعا إلى الحائط، وكلما أطبقت حصارك عليه كلما زاد ألمه ليصل إلى مرحلة تعرف بـ"قاتل أو مقتول"، تلك المرحلة التى يصل فيها الألم إلى منتهاه والموت يمثل النجاة من العذاب.

ولكن الموت هنا لا بد أن يكون موتا شريفا، وهذا ما سيحدث لأى مقاوم، لن يفكر فى نهايته ولكنه يريد وضع وصناعة بداية مشرفة لنسله ولشعبه ولوطنه.

ما يحدث فى غزة والأراضي المحتلة ليس إلا "حصاد القهر"، إذا نحينا جانبا عبارات المقاومة والدفاع وغيرها من المصطلحات الرنانة، فسنوات الذل والاستعباد تجمعت فى جملة من كلمتين "حصاد القهر "، وهو حصاد مرير لن يتراجع أبناء غزة بصفة عامة والمقاومة بصفة خاصة عن إفراز آثاره وآلامه لمن أذاقوهم هذا الطعم المحزن المؤلم لسنوات طوال.

ومهما كانت النتائج، فلن يعود الوضع كما كان عليه لعقود فى الأراضى المحتلة بل وفى العالم أجمع، فما صنعته المقاومة فى شهورها الأربع ونيف غير وجه وملامح العالم كله ولم تعد إسرائيل كما كانت عليه من قبل، ولم يعد الغرب، وأقصد الشعوب وليس الحكومات، كما كانوا على جهلهم وتصديقهم للكيان الإسرائيلى بأنه واحة الديمقراطية وسط غوغاء قتلة لا يحبون تل أبيب ويحاولون إن استطاعوا افتراسها.

العالم كله سيتغير وسيظهر جيل جديد يرى غير الذى اعتاده وسيفعل أشياء تغير هى الأخرى الترتيب الدولى والخريطة العالمية.

الوضع إقليميا وعالميا سيتجه اتجاها آخر،  وسيوجد مفهوم جديد يؤيد الحق ويساعد أصحاب الحقوق على استعادة ما سلب منهم قسرا وعنفا وغصبا. 

نحن على مشارف مرحلة أخرى من تاريخ المجتمع الدولى الحديث سيكون فيها تغيير تشيب له رؤس الاطفال وينتهى فيه سلطان دول قامت على عظام  أناس مسلوبي الحق وباحثين عن حقيقة تعيد إليهم حقوقهم، سيتحدثون بلغة جديدة سطر معانيها جملة يختتم بها المقاومون حديثهم “إنه جهاد.. نصر أو استشهاد”.

المصدر: صدى البلد

إقرأ أيضاً:

نسرين حجاج تكتب: المواطنة والوعي: درع مصر

انعقد برنامج "استراتيجية تنمية القيادة الوطنية" بتنظيم من إدارة الشؤون المعنوية للقوات المسلحة بالتعاون مع المجلس الوطني للتدريب والتعليم، على مدار أربعة أيام من 15 إلى 18 ديسمبر 2024، في مسرح الجلاء للقوات المسلحة.

 تضمن البرنامج ثمانية مواضيع، بواقع محاضرتين يوميًا، افتتح الفعاليات اللواء أ.ح دكتور طارق محمد هلال، مدير إدارة الشؤون المعنوية، مشيرًا إلى أهمية الوعي المجتمعي ومحاربة الشائعات والبناء نحو المستقبل، موضحًا المخاطر التي تواجه الدولة المصرية على الصعيدين الدولي والإقليمي ، وقام اللواء أ.ح هشام الهناوي، مشرف البرنامج، بعرض الموضوعات التي يتناولها البرنامج والهدف منها، حيث ركز البرنامج على:


تشكيل وعي مجتمعي لصيانة الأمن القومي المصري، حيث أن المعلومات تبني القرارات، ودعم ركائز الأمن القومي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ضمن رؤية مصر الاستراتيجية في الجمهورية الجديدة.


محتوى ومواضيع الدورة:


1.الموضوع الأول: "لماذا مصر؟" - اللواء أ.ح دكتور سمير فرج، مدير الشؤون المعنوية ومحافظ الأقصر الأسبق، حيث ناقش أهمية مصر الاستراتيجية وموقعها الجغرافي الذي يجعلها محورًا للتفاعلات الإقليمية والدولية. تطرق إلى تاريخ مصر العريق ودورها المحوري في المنطقة. 


2. الموضوع الثاني: "ما يشهده العالم من متغيرات" - أ.د نورهان الشيخ، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، التي تناولت التحديات العالمية مثل التغيرات المناخية، والتحولات الاقتصادية، وتأثير التكنولوجيا على السياسة العالمية. أكدت على أهمية التكيف مع هذه المتغيرات لضمان استقرار الدول. 


3. الموضوع الثالث: "الدبلوماسية المصرية تجاه القضايا المعاصرة" - السفير محمد العرابي، وزير الخارجية الأسبق ورئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية، موضحًا دور مصر في الساحة الدولية وكيفية تعاملها مع القضايا الإقليمية والدولية. تحدث عن أهمية الدبلوماسية في تعزيز مكانة مصر الدولية.


4. الموضوع الرابع: "التحديات الاقتصادية الخارجية" - أ.د عبدالفتاح الجبالي، الاقتصادي ورئيس مدينة الإنتاج الإعلامي، الذي ناقش التحديات الاقتصادية التي تواجه مصر، مثل العولمة وتأثيرها على الاقتصاد المحلي، وسبل تعزيز الاقتصاد الوطني. أشار إلى أهمية الابتكار والاستثمار في التكنولوجيا لتعزيز النمو الاقتصادي.


5. الموضوع الخامس: "النمط القيادي في تعزيز الأمن القومي" - اللواء أ.ح دكتور أسامة الجمال، مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات الاستراتيجية، حيث تناول أهمية القيادة في تعزيز الأمن القومي وكيفية تطوير القيادات الوطنية. أكد على دور القيادة في توجيه الجهود نحو تحقيق الأهداف الوطنية.


6. الموضوع السادس: "التوعية بالفكر الصحيح والتعامل مع الفكر المتطرف" - المقدم أحمد عويس، مستشار بمعهد الدراسات للعلوم المخابراتية والأمنية، الذي قدم استراتيجيات لمواجهة الفكر المتطرف وتعزيز الفكر المعتدل. شدد على أهمية التعليم والتوعية في مكافحة التطرف.
7. الموضوع السابع: "تشكيل الوعي المجتمعي" - الكاتبة الصحفية نشوى الحوفي، مدير النشر بدار نهضة مصر، التي تناولت دور الإعلام والثقافة في تشكيل الوعي المجتمعي وأهمية الوعي في بناء مجتمع قوي ومتماسك. تحدثت عن دور الإعلام في نقل الحقائق ومواجهة الشائعات. 


8. الموضوع الثامن: "الجمهورية الجديدة وبناء المستقبل"، اللواء أ.ح هشام الهناوي، مستشار مركز الدراسات الاستراتيجية للقوات المسلحة حيث استعرض محاور بناء الجمهورية الجديدة (السياسية، الاقتصادية، المشروعات القومية، الاجتماعية، الرقمية، العسكرية، والأمنية) وكيفية تحقيق التنمية المستدامة. أكد على أهمية التخطيط الاستراتيجي لتحقيق الأهداف الوطنية لبناء دولة قوية ومستقرة تُبنى بأيدي شبابها الوطني في ظل التحديات الحالية.


التجربة الشخصية والانطباع العام:


ككاتبة صحفية، كانت هذه الدورة فرصة لا تُقدر بثمن لتعزيز فهمي للأمن القومي وأهميته. زاد وعيي الاقتصادي والسياسي والأمني تجاه التحديات التي تواجه مصر. كان التنظيم والمواعيد ممتازين، مما أتاح لي التفاعل مع نماذج وطنية من مختلف الوزارات والهيئات، بما في ذلك مشاركة ذوي الهمم، مما عزز شعوري بالانتماء.


استمتعت بمشاركة الحضور من مختلف المناطق، مثل الصعيد وبحري وسيناء، حيث كانت مشاركتهم فعالة في المناقشات. إحدى الزميلات من سيناء شاركت تجربتها خلال الحرب على الإرهاب، حيث كانت تتحرك للعمل هي وزملاؤها بمرافقة دبابة لحمايتهم من خطر الإرهاب والمتفجرات، مما أضاف بعدًا إنسانيًا للمحاضرات وأبرز التضحيات التي يقدمها الجيش لحماية المواطنين. كانت قصتها مؤثرة، حيث تحدثت عن شجاعة زملائها وإصرارهم على مواصلة العمل رغم المخاطر، مما يعكس الروح الوطنية العالية.


تعلمت أن الأمن القومي يشمل جوانب داخلية واقتصادية واجتماعية وعسكرية، وأنه ظاهرة ديناميكية تتطور باستمرار. مشروع "حياة كريمة" هو جزء من الأمن القومي، ويعكس أهمية التنمية الشاملة. كما أن مشروع "حياة كريمة الأفريقي" يعزز من دور مصر في القارة، حيث يهدف إلى تحسين جودة الحياة في المجتمعات الأفريقية وتعزيز التعاون الإقليمي.
أثرت الدورة في شغفي بالعلوم العسكرية، وسأبدأ في اقتناء كتب في هذا المجال. كما تابعت الاستراتيجية القومية للتنمية العمرانية، التي تهدف إلى تنمية مصر حتى عام 2052، حيث "بناء الحجر يأتي لاحتواء البشر". تم التخطيط لهذه الاستراتيجية منذ 2009 حتى 2012، وتنفذ على عدة مراحل، حيث تهدف إلى إنشاء 21 مدينة جديدة وتوفير 4 ملايين فرصة عمل من خلال مبادرة "ابدأ". هذه المبادرات تعكس رؤية مصر الطموحة نحو مستقبل أكثر إشراقًا.


من أبرز ما شاهدناه كان فيديو على شبكة نتفلكس بعنوان "الاختراق الضخم" (The Great Hack)، الذي يعرض مؤامرة كبيرة، وأوصي بمشاهدته. يسلط الفيديو الضوء على أهمية الوعي الرقمي وكيفية حماية البيانات الشخصية في عصر التكنولوجيا.


تعرفت أيضًا على تاريخ العواصم المصرية، حيث تغيرت العاصمة عدة مرات، مثل جرجا، ومنف، وطيبة، والفسطاط، والإسكندرية، والقاهرة. هذا التاريخ يعكس ديناميكية مصر وقدرتها على التكيف مع التغيرات.


أحد المشاريع التي أثارت اهتمامي هو مركز البيانات والحوسبة السحابية، الذي يمثل خطوة مهمة نحو المستقبل الرقمي. يهدف المركز إلى استخدام التكنولوجيا الحديثة في تحليل البيانات الحكومية وتوطين استخدام الذكاء الاصطناعي في القطاع الحكومي، مما يعزز من كفاءة الخدمات ويتيح فرصًا استثمارية ضخمة. هذا المشروع يعكس التزام مصر بتبني التكنولوجيا الحديثة لتعزيز التنمية.


أشعر بالفخر لأن مصر لا تسمح بوجود قواعد عسكرية أجنبية على أراضيها، مما يعكس سيادتها واستقلالها العسكري. تحيا مصر برجالها وشعبها، فجيشها شعب وشعبها جيش. هذه الدورة جعلتني أكثر وعيًا بأهمية الأمن القومي ودور كل فرد في الحفاظ عليه، وأكدت لي أن مصر تسير بخطى ثابتة نحو مستقبل أفضل.


في ختام هذا المقال، أود أن أستشهد بآية قرآنية تعبر عن أهمية العمل الجماعي والتعاون لتحقيق الأهداف السامية، وهي قوله تعالى: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" (سورة المائدة: 2). 


هذه الآية تلهمنا جميعًا للعمل معًا من أجل بناء مستقبل أفضل لمصر، حيث يتطلب الأمن القومي والتنمية المستدامة جهودًا مشتركة وتعاونًا مستمرًا بين جميع أفراد المجتمع.

مقالات مشابهة

  • المصريون فى لندن: 2025 غير
  • حصاد الألعاب الأخرى في الرياضة المصرية لعام 2024
  • أكثر من مليون مشاهد وألف فعالية فنية وعودة مهرجان الموسيقى العربية.. الأوبرا تعلن حصاد 2024
  • تعرف على حصاد حفل جوائز جلوب سكور لعام 2024
  • نسرين حجاج تكتب: المواطنة والوعي: درع مصر
  • كريمة أبو العينين تكتب: 365 فرصة جديدة
  • عام 2024.. حصاد عالمي مر
  • روان أبو العينين تكشف تفاصيل معاناة المدنيين في مناطق النزاع
  • حصاد 2024م.. عمليات كبرى للجيش اليمني ضد ثلاثي الشر أمريكا وبريطانيا و”إسرائيل”
  • حصاد 2024.. أرقام سلبية تحاصر منتخب السعودية