سودانايل:
2024-10-01@07:45:55 GMT

إنسانيتنا المهدورة …. مرة أخرى

تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT

فيصل محمد صالح

كتبت في مقال الأسبوع الماضي متسائلاً: هل فقد السودانيون إنسانيتهم؟… وأوردت وقائع وأحداثاً ما كان الظن أن تحدث في بلادنا ومن مواطنين سودانيين، وخلصت لأن الحرب وما تحمله من ويلات وأهوال وجرائم تقودنا لأن نفقد إنسانيتنا وتجعلنا نتصرف بطريقة لا يمكن وصفها بغير الوحشية.

لم يمر المقال بسهولة، فمثلما اتفق معه البعض، فقد أهاج بعضٌ آخر، عدّ أن المقال يسيء للشخصية السودانية، إما بوصفها بصفات سالبة ليست فيها، أو لأنه ينشر الغسيل القذر الذي ينبغي على كل وطني سوداني، كما ذكر بعضهم، ألّا يكشفه للعالم، بل يبقيه في الإطار الداخلي.



النوع الأول من اللائمين، الذين ينكرون الوقائع، يمكن بسهولة مواجهتهم بالحقائق والأدلة، وهي كثيرة ومتنوعة، وسواء اقتنعوا أم لم يقتنعوا، فإن المرء يكون قد أراح ضميره، وفعل ما ينبغي عليه أن يفعله.

تبقى المشكلة مع الجناح الآخر، الذي يعرف ويقر بالوقائع والأحداث، ثم يعد أن كشفها والكتابة عنها خيانة وطنية. هذا منطق يصعب ابتلاعه أو التفاهم معه، لأنه يظن أن العالم لا يزال يعيش في القرون الوسطى، حيث لا يعرف الناس ما يجري في القرية المجاورة، هذا من ناحية، ولأنه، من ناحية أخرى، يظن أن إخفاء المعلومة علاج ناجع وكافٍ. ونفس الجناح جاء بمنطق آخر، يتعلق بالجانب الذي يقف فيه من طرفي الحرب، فقد افترض أن علينا أن نكتب عن جرائم «قوات الدعم السريع» التي ارتكبتها أينما حلت، وهي جرائم وصلت أقصى مراحل البشاعة، ولكن إن توافرت لدينا دلائل ووقائع لجرائم ارتكبها منسوبون للجيش السوداني، فيجب عدم الإشارة إليها، لأن هذا جيشنا الوطني الذي ينبغي ألا نشوه سمعته، وإن وقعت منه جرائم أو أخطاء فهي يجب أن تكون ضمن الذنوب المغفورة.

هذا منطق معكوس، فالجيش الوطني الذي صرف عليه الشعب السوداني، واقتطع من قوته الشحيح وأقام له الكليات العسكرية والمعاهد ومراكز التدريب، وحمله المسؤولية الوطنية والأخلاقية لحماية الوطن والشعب، يجب أن يكون الأكثر تمسكاً بالقيم الإنسانية والأخلاقية والوطنية، وأن يكون الأكثر التزاماً بالقوانين الوطنية والدولية، ولا يتصرف مثل الميليشيات المتفلتة. ارتكبت «قوات الدعم السريع» جرائم كثيرة موثقة، بحيث يصعب عليها إنكارها، كما لم ينجُ منها أحد في المناطق التي وجدوا فيها، ومن لم يمت برصاصهم وقذائفهم، تم نهب منزله وممتلكاته وسياراته، ومن المنطقي والطبيعي ألّا تمر هذه الجرائم كسابقاتها، وأن تكون المحاسبة عليها ومحاكمة مرتكبيها جزءاً من أي اتفاق مقبل. لكن لا يمكن أن يكون الرد عليها بارتكاب جرائم تماثلها في البشاعة والقبح.

قبل أن يجف حبر ما كتبناه في الأسبوع الماضي، طاف بالأسافير فيديو تم تصويره في إحدى مناطق الاشتباكات، ويظهر فيه جنود يرتدون زي الجيش السوداني وهم يحملون رؤوس عدد من الأسرى المنتمين لـ«الدعم السريع»، أو هكذا يقول المتحدثون في الفيديو، تم ذبحهم كالخراف. الأدهى والأمر أن هذه الرؤوس كان يحملها الجنود ويطوفون بها وسط التهليل والتكبير… «الله أكبر… الله أكبر»… حتى يظن المرء أنها صورت في عهد الحجاج بن يوسف الثقفي.

هل يظن الناس أن هذه الحرب ستنتهي بوقف إطلاق النار، أو توقيع اتفاق ما، ربما حتى ينتهي بذهاب العسكر للثكنات وتكوين حكومة مدنية، ثم نعود لحياتنا السابقة، نذهب لأعمالنا، ثم نعود لمنازلنا، نداعب أطفالنا، نشاهد التلفزيون ثم نأوي بأمان للنوم.

واهم من يظن أن الأمر سيكون هكذا، ما ستخلفه الحرب في نفوسنا وعقولنا وضمائرنا لن يمكننا تجاوزه بسهولة، هذه الحرب تهدم إنسانيتنا وأخلاقنا وقيمنا، قبل أن تهدم بيوتنا ومبانينا، والواجب علينا أن نبدأ حرباً سلمية معاكسة نحاول أن نستعيد فيها إنسانيتنا وأن نحيي فيها ضمائرنا. واهم من يظن أن الاعتصام بموقف سياسي ما سيجعلنا ننجو، كما أننا لن ننجو بالخلاص الفردي، ننجو بالاستعصام بالموقف الإنساني والأخلاقي الذي يتجاوز الموقف السياسي. ليس مطلوباً منا الالتزام بموقف سياسي واحد، هذا ضد طبيعة البشر، وليس من مشكلة في استمرار تعدد المواقف السياسية، لكن الموقف الإنساني والأخلاقي والقيمي هو الذي لا يملك القسمة على اثنين.

هل هو حلم بعيد المدى أن ندعو الناس، بغض النظر عن مواقفهم السياسية، أن يستنهضوا إنسانيتهم بشكل يتجاوز الموقف السياسي ليقفوا ضد الجرائم والانتهاكات التي تقودنا نحو العهود المظلمة وتجعلنا نتعامل مع بعضنا كالحيوانات، وأن يطالب الناس الجهات التي يؤيدونها سياسياً بالالتزام بالحد الأدنى بالقوانين الإنسانية الدولية، قبل أن يطالبوا الجهات التي يختلفون معها؟

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: یظن أن

إقرأ أيضاً:

الحديث ان حرب الدعم السريع هي ضد المواطن وليس ضد الجيش امر لايمكن مغالطته

الحسم العسكري
والتفاوض
طريقان لايقاف الحرب في السودان
اما ان ينتهي الجيش من الدعم السريع تماما يقضي عليه ، واما ان يحدث العكس
وهذ الحسم يجب ان يحدث في عموم السودان
وهذه نقطة مهمة لكنها ليست مهمة لكل الناس
تعتمد على فكرة ابن تضع قدميك ؟! ، كيف ترى السودان نفسه ؟ هل حدوده حدود بيتك ومنطقتك ام هو سودان السودانيين جميعهم ؟، فلسفتك للحرب وابعادها واثارها ومابعدها ونتائجها النهائية ؟!
وفي الحالين
ماحدث من تقدم للجيش في اليومين السابقين ينبغي ان ينظر اليه اي شخص في السودان بشكل ايجابي ما عدا شخص يرى الخلاص في حسم هذه المعركة لمصلحة الدعم السريع وهم ليسو قلة
اذا كان هناك من سبيل ان يحسم الجيش بكل تعقيداته التي لاتهم كل الناس المعركة فهذا اصلح للسودان والسودانيين من غير انصار الدعم السريع صراحة وعلانية ، بعدها ناتي ونحاول حل مشاكلنا معه وهنا لا اعني الذين يمنحون الجيش شيكا على بياض فهؤلاء منطلقاتهم مختلفة .
ان لم يكن من الممكن حسم المعركة عسكريا في عموم السودان ، لتوازنات القوى مثلا ، او حتى توازنات الضعف ، او التوازنات الاثنية والقبلية على امتداد السودان ونريد ان نحتفظ بوطن واحد غير منقسم بعد الانقسام السابق
فتقدم الجيش يجب ان يفرح به الجميع ايضا واولهم القوى المدنية باحزابها ومنظماتها وافرادها الباحثين عن ايقاف الحرب
لأنه يجعل الجيش في موقف تفاوضي افضل وهذا امر شديد الاهمية ، خصوصا بعد الاحداث في مناطق سنار والتي كانت مقلقة وتضع الحرب في خدمة هذا المسار العجيب
لأنه في لحظات من عمر البلاد وبعد تقدم الدعم السريع في محاور قتال مختلفة ظن الناس ان استمرار وتيرة الحرب بهذا المنوال ستكون لمصلحة الحسم العسكري له وهذه كارثة حقيقية
ما الذي يجعلها كارثة ؟!
ليست الانحيازات السابقة للجيش او الدعم او الوقوف بشكل مستقل من ذلك
بل الطريقة التي ادار بها الدعم السريع هذه الحرب
ان الحديث ان حرب الدعم السريع هي ضد المواطن وليس ضد الجيش امر لايمكن مغالطته واللجلجة فيه
لقد مرغت قوات الدعم السريع كرامه السودانيين في الارض وهذا امر ليس مهما ان نستدعيه في هذا البوست لان هذه الانتهاكات حدثت لافراد واسر وقرى باكملها ، ولانني كتبت عن هذه الانتهاكات مرارا وتكرارا وموجودة في هذا المكان كما كتبت ايضا عن انتهاكات الجيش التي غض الطرف عنها العديد من المهتمين والمتابعين .
وليس من نظريات بقاء الدولة ، والاستبقاء على جيش رسمي يجب اصلاحه اتى تحرك الناس وفرحهم بعد دخول الجيش الى الحلفايا وسيطرته على الوضع هناك مثلا ، او حتى امنياتهم بتحرير الجيش للمصفى التي اثبتت الاخبار عدم صحتها ” كنت احد الاشخاص الذين انتظروا بتروي الحقيقة خصوصا في حالة الهياج العام واكاذيب السوشال ميديا فيما يخص المصفى ولكني تمنيت فعلا ان يتم تخليصها ”
اعتقد ان فرح الناس قادم من تجربتهم مع الدعم السريع وارتكابها للفظاعات والانتهاكات حين سيطرتها على مكان
وهناك مظاهر فرح في اماكن عديدة حين دخول الجيش
ومظاهر فزع ونزوح حال دخول الدعم السريع
لماذا اكتب اماكن ولم اقل في اي مكان ؟!
لانني لا اود سرقة حكايات الاخرين وتجربتهم
ذلك ان تاريخ المؤسسة العسكرية يجب ان تتم مراجعته ، ويجب الاعتراف اننا ليس شعب واحد وان دمنا ليس واحد وان تجربتنا مع المؤسسة العسكرية منذ ١٩٥٦ وحتى الان ليست تجربة واحدة ، وهذا حديث يجب تفكيكه وفتح جروحه بعد الحرب ، كما انني واع جدا ان الدعم السريع حتى في المناطق ذات الذاكرة القاتمة مع المؤسسة العسكرية لم يكن نبيا وانما زاد القتامة ولعب دور مخلب القط في اوقات عديدة
ولكن الواضح الان في هذه الحقبة من تاريخ السودان
ان الدعم السريع حينما يتم دحره ترتفع الزغاريد
ويخرج الناس الى الشوارع بشكل عفوي
وان قواته متربصة بالسودان والسودانيين
وانه ادار هذه الحرب بالانتهاك واللصوصية والتذاكي والاعلام الكاذب
وانه فعل ذلك في جسد المواطن واملاكه ولذلك بح صوته وهو يحاول اقناع الناس بان مهمته جلب الديمقراطية بينما راى الناس بام اعينهم انه جلب الموت والانتهاك والسرقة والاغتصاب حتى فرح بدحره على الارض عدد عظيم من الشعب على اختلافاتهم الظاهرة حول المؤسسة العسكرية بشكلها الحالي .

عمر عشاري

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • انتقام منتظر.. كيف يكون الرد الإيراني على الضربات لحزب الله؟
  • بغداد تبلغ واشنطن: استمرار الحرب على لبنان سيؤدي إلى اندلاع حروب أخرى بالمنطقة
  • الحديث ان حرب الدعم السريع هي ضد المواطن وليس ضد الجيش امر لايمكن مغالطته
  • الوزير صباغ: استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية منذ 1967 بما فيها الجولان السوري وارتكابه جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب لا يزال شاهداً ماثلاً على إخفاق الأمم المتحدة في إنهاء هذا الاحتلال العنصري التوسعي ويمثل دليلاً دامغاً على منع الولايات
  • تزوير المستندات الرسمية.. أنواعها والعقوبات التي تضمنها القانون
  • من يكون حسن نصر الله زعيم حزب الله الذي اغتالته إسرائيل باستخدام 85 طنا من القنابل؟
  • لشكر: خطاب القضية الفلسطينية يجب أن يكون عقلانيا وكفى من مخاطبة النخاع الشوكي بالحماس وباللاءات التي تسقط!
  • لماذا يظهر الناس ابتهاجا باخبار انتصارات الجيش؟
  • وزيرة خارجية أستراليا: لبنان لا يمكن أن يكون غزة أخرى
  • (هوجة ) الفلول امس !! حمل كاذب !!