سودانايل:
2024-12-18@20:57:16 GMT

الراهن السياسي ونموذج الغرب الدامي أو الرواندي !

تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT

عدنان زاهر

( كلما أطلت بصرك امعانا فى الماضى أزدادت بصيرتك خبرة بالمستقبل )
ونستون تشرشل

“ the longer you can look backward, the further you can see forward “
My Early Life, also known in the US as A Roving Commission – 1930

1

لا تمر ساعة من الزمن على أى سودانى فى أى بقعة من هذا العالم المترامى الأطراف دون التفكير فى الحرب الجارية و مآلاتها الآتية أو ما قد تسفر عنه، و للأسف الشديد فان كل القراءات و بناء على ما يحدث فى الواقع السودانى تقود الى بقعة واحدة فى الافق البعيد و هى بقعة المستقبل القاتم الملئ بالمطبات و الاخاديد، ذلك مع اصرار الأطراف على مواصلة الحرب و انزلاقها نحو استخدام العرق.

. الجهة و القبيلة فى الصراع ، ستتحول الساحة السودانية الى حرب أهلية
فى بلد لا زالت قوميته لم تكتمل بعد، بل لا تزال تخطو فى بطء نحوتحقيقها و بشكل متعرج ، و لا تزال هويته مفقودة يحتدم الصراع حولها بين العربى و الافريقى.
لعل ما حدث فى أمريكا فى القرن الثامن عشر أو بما حدث فى رواندا فى أواخر القرن العشرين
يمكن استخدامهما للمقاربة طالما نحن نتحدث عن الناتج عن تلك الحروب، ففى أمريكا أسفرت نهاية الحرب الأهلية عن تفكك المجتمع الأمريكى الجنوبى و ضعفت السلطة فى ذلك الجزء حتى أصبحت العصابات هى التى تدير الحياة فى الواقع ، أما فى رواندا فقد أسفر الصراع بين الهوتو و التوتسى عن إبادة عرقية تجاوز عدد ضحايها 800000 فى أقل من سته أشهر !!

2
لا بد لنا و نحن نتحدث عن المقاربه لنموذجين عملت الحرب على تدميرهما قبل نهضتهما من جديد ،إيراد بعض مجريات و أحداث تلك الحروب.
فقد اندلعت الحرب الأهلية فى أمريكا بين الأعوام 1860 – 1864 بين الولايات المتحدة الأمريكية فى الشمال و ولايات الكنفدرالية فى الجنوب الأمريكى، و قد كانت حربا متعددة الاسباب اختلط فيها السياسى مع الأقتصادى و الأجتماعى. بيد ان الاقتصادى كان هو العامل الأهم و الذى تمثل فى شكل الانتاج الرأسمالى الذى تتبعه الزراعة فى الجنوب، المعتمدة فى الأساس على عمل و جهد العبيد و الذى وقف حجر عثرة أمام التطورالرأسمالى الصناعى الذى يتبعه الشمال الأمريكى ، لذلك و نتيجة لتلك الحرب تم تحرير العبيد قانونا بواسطة القرار الذى اطلقه ابراهام لونكن.
بعد انتهاء الحرب بانتصار الشمال على الجنوب و هزيمة الولايات الكنفدرالية ، تفكك المجتمع الأمريكى و صارت تحكمه عصابات الجنود المهزومه و العائدة من الحرب، و هنا فى هذه الفترة ظهرت أخطر العصابات التى عاثت فسادا فى الجنوب الأمريكى و ظهرت أسماء فى تلك الفترة مثل " جسي جيمس "، " بيلى كيد "....الخ تم تجسيدهم فى كثير من أفلام السينما الأمريكية.
لقد اتسمت تلك الفترة بقدر من الفوضى و حكم الغاب ،أخذ زمنا ليس باليسير حتى استطاعت السلطة المركزية السيطرة على الاوضاع فى الجنوب الأمريكى ، و لا زالت أثاره باقية بما نشاهد الآن فى المشاكل التى تجرى أحداثها فى تكساس.
أما الحرب الرواندية فقد بدأت فى العام 1994 و فى خلال 100 يوم أى خلال ثلاث أشهرقتل الهوتو و اغتصبوا ما يقارب مليون شخص من التوتسى ، و هذا لم يحدث حتى فى أيام الهلوكوست فى المانيا النازية !
من الاسباب الأساسية لتلك الابادة البشرية تعامل التوتسى مع الهوتو و اضطهادهم باعتبار الهوتو أقل درجة منهم من ناحية العرق، و قد شارك فى تلك المذبحة حتى اساتذة الجامعات من الهوتو، ما يعنى ان التعصب العرقى عامل يتطغى بقوته حتى على عامل التعليم و المعرفة الرفيعة. و ذلك يشابه تماما ما قامت به مليشيا الجنجويد فى دارفور قديما مع القبائل ذات الاصول الافريقية و حديثا مع المساليت فى الجنينه و تمت ادانته من قبل المنظمات الدولية لحقوق الأنسان.

3
خلاصة القول أن الواقع السياسى فى السودان يشهد عدة ظواهر أولها الخطاب العنصرى الذى يسود منصات التواصل الاجتماعى و الذى صار الأعلى صوتا، تأججه و تزيد من اشتعاله الثقافة العنصرية التى درج نظام الاسلاميين طيلة ثلاثين عاما على بثها و زرعها بين المواطنين، بل ظل الاسلاميون يحرضون ويشجعون الجنجويد الذين خرجوا من رحمهم على ممارساتهم العنصرية فى دارفور.
الظاهرة الثانية الملفته للنظر و الباعثة للخوف و الانزعاج، الاعتداء بالعنف على بعض المواطنين فى بعض الولايات الشمالية من خلال البعد العرقى باعتبارهم من الأعراق المكونة لمليشيا الجنجويد.
الظاهرة الثالثة هى التوجه الأنفصالى الذى يتم طرحه فى بعض الولايات الشمالية و الشرق.
الظاهرة الرابعة هى الترهل و التفلت الذى أصاب جنود الأطراف المتصارعة ( جز الرؤوس الذى قامت به القوات المسلحة )، و ضعف القيادة لدى الجنجويد، و الذى انعكس فى شكل سلوك جنودهم الذى أصبح يشابه شغل القبضايات مثل الأتاوات التى تفرض على المواطنين، مع السرقة و " الهنبته " و الأعتداء على العزل.
ما قمنا بسرده أعلاه هى بعض من العوامل التاريخية التى سبقت أحداث الغرب الدامى فى أمريكا و مذابح الابادة الجماعية فى روندا.....ما لم يتدارك الطرفان ذلك التدهور و التصعيد المتبادل بوقف الحرب فوراً، سيتحول السودان اذا أردنا أو لم نرد لنسخة أخرى من النموذجين....نموذج الغرب الدامى أو نموذج الإبادة الجماعية فى رواندا أو الأثنين معاً !

عدنان زاهر
14 فبراير 2024

elsadati2008@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فى الجنوب فى أمریکا

إقرأ أيضاً:

أفريقيا لا تحتاج إلى الديمقراطية في الوقت الراهن

أفريقيا لا تحتاج إلى الديمقراطية في الوقت الراهن بقدر حاجتها إلى العدالة الاجتماعية و التعليم و التنمية …
الجملة قالها لي شاب اوغندي في مقتبل العمر التقيته مصادفة في فندق صغير في منطقة كوبكو المحاددة للكنغوا .
التقيته بالصدفة في بهو الفندق في شهر فبراير ٢٠٢٣ ، قبل الحرب بشهرين، كنت اتكلم مع أحدهم في السودان عبر الهاتف .
عند إنهاء المكالمة قال لي السلام عليكم ، رددت عليه . و عندما رأى الدهشة في وجهي قال لي : هل انت سوداني ؟ ، رددت عليه بالايجاب .
قال لي عرفتك من اللهجة التي تتحدث بها و بعض الكلمات التي تفوهت بها . انا التقيت بعدد من الشباب السودانيين في قطر و سنغافورة ، التقيتهم في دورات تدريبية ، كنت مبعوثا من المخابرات العامة التي اعمل فيها و كذلك الشباب السودانيين …
معرفته بالشباب السودانيين جعلنا نجلس في طاولة واحدة و نتناول الإفطار سويا …
عندما اخبرته بانني عملت و عشت في منطقته امبرارا لمدة تجاوزت العشرة سنوات ارتاح جدا للحديث معي ..
حدثني عن التطور و التنمية في اوغندا ، و مشكلة انتشار الأمية وسط السكان و عمل الحكومة جاهدة على نشر التعليم .
و عندما جاء دور الحديث عن السودان ، أبدى قلقه على إسقاط البشير بدون خطة واضحة للانتقال إلى ما يرجوه المواطن ، قال لي بالحرف : ان بلادكم ستندلع فيها حرب تحرق البلاد و تكون ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية …
الشاب ينتمي إلى اثنية النيانكولي التي ينتمي إليها الرئيس موسفيني و يعيش افرادها في غربي البلاد جهة امبرارا ، وابدى لي عدم ثقتهم في الموغندا ، اهل كمبالا و ينتمي إليهم الملك كباكا . لذا يجهزون الان الضابط العظيم ابن الرئيس موسفيني لخلافته لمواصلة ما بدأه والده من تنمية و تطوير للبلاد …
قال ان بلاده لا تحتاج إلى الديمقراطية في الوقت الراهن ، حاجاتها فقط إلى العدالة الاجتماعية و هذا ما نعمل جاهدين على بسطه في البلاد. نحن في بلد اميتها تتجاوز ال٥٠% فكيف نقول لهم نريد أن نجلب لهم الديمقراطية ، أيهما اهم بالنسبة لهم تعليم ابناءهم و مد الطرق إلى قراهم و توفير المياه و الكهرباء ام من يحكم في القصر الرئاسي في كمبالا ؟! .
عندما حاججته كثيرا عن أهمية تحديد طرق انتقال السلطة من شخص إلى آخر، قال لي بالحرف : عندما تنجح الديمقراطية في بلادكم سنحتذي بكم ، اما الان ما يهمنا هو تطوير بلادنا بالتعليم و مد الطرق و الكهرباء و مياه الشرب النظيفة …
حديثه معي جعلني أتساءل فعلا عن أولوية المواطنين في أفريقيا، هل هي كيفية انتقال السلطة ام التنمية التي تخلقها السلطة ؟ .
هل السلطة العسكرية و الديكتاتورية تخلق تنمية في اي بلد ؟ ، نعم مصر كمثال محكومة بالعسكر منذ استقلالها و حصلت فيها تنمية و بنية تحتية لم تتوافر للكثير من دول أفريقيا …
كيف يحدث انتقال ديمقراطي مستقر في بلدان معظم سكانها اميين و كذلك معظم ساستها ؟ …

Salim Alamin

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الديمقراطية الزائفة «3»
  • الجمعية الوطنية تشيد بفرق التواصل ودورها في رفع الوعي السياسي بمحافظات الجنوب
  • العلاج فى مستشفيات الحكومة.. رحلة عذاب
  • فيش وتشبيه الرئيس السورى القادم!!
  • آثار أفغانستان.. كنوز حضارية دمرتها ثلاثة عقود من الحروب
  • الانقسام السياسي بالسودان في ظل الحرب الراهنة: تحليل مختلف للمشهد السياسي والاجتماعي
  • هل عاد الزمن «العثمانلى»؟!
  • أفريقيا لا تحتاج إلى الديمقراطية في الوقت الراهن
  • سيناريوهات الخراب.. الجيوش العربية ضحية الفوضى.. إسرائيل تستغل سقوط النظام فى الإجهاز على القوات السورية.. الناتو يقضى على الجيش الليبى.. والغزو الأمريكى يحل الجيش العراقى
  • خبير: إيران لا تخوض الحرب مباشرة على أراضيها