بقلم د. طبيب عبدالمنعم عبدالمحمود العربي
المملكة المتحدة

لا يخلوا بيت في السودان من دمار أو سرقة متاع أو هجرة سكانه والحرب العبثية اللعينة المدمرة المستمرة وهي السبب المباشر ، تقارب شهرها الحادي عشر. أسرتنا الكبيرة وممتدة قد غادرت قسريا السودان فتبعثرت هنا وهناك في الأقطار المختلفة وبقي فقط من العالقين داخل الوطن أشقائي مولانا الطاهر وإسماعيل وقد فقدوا كل ما يملكون من بيوت كانت جدا عامرة وسيارات ومتاع ثمين ومحلات تجارية وورش صناعية متميزة كلها كانت في الخرطوم لم يتحصلوا عليها منحة من حزب أو حاكم أو عبر طرق ملتوية بل كلها كانت نتيجة كفاح السنين المتوارثة ونتيجة علم وتعلم وجهاد النفس والذهن والبدن وعهد مع خالقهم الإلتزام بما جاء به الدين الحق من تعاليم وقيم و كذلك الإلتزام بالأمانة وخوف الله في كسب العيش والتعامل مع الناس.

فالتقوى ليست شعارات ومظهرا يتباهى به الناس أو يتفاضلون ، إنما هي نبت راسخ في القلوب وتطبيق في القول والعمل. من يتق الله فهو حسبه

بعد تسع أشهر في سودان الحرب والشتات في يوم الإثنين الماضي من هذا الشهر سهل الله لأخي مولانا الطاهر السفر برا ليلحق بأسرته التي استقرت بعد النزوح في القاهرة. أثلج صدري الخبر والإنترنت المغدور عليها زورا وبهتانا وsabotaging بالطبع قد حرمتنا كغيرنا من متابعة سفره ومتابعة أخبار السودان . ذلك الإنقطاع للإنترنت وتخريب منصات بثها كان قمة السقوط الأخلاقي الذي أوصل السودان برمته "وطنا ومواطنين" إلي الدرك الأسفل فصار السودان كأنه قد تراجع أسفل سافلين " بل بالفعل قد خسر ما لا يحصى وتراجع " قرونا إلي الوراء عندما كان يوصف بأنه The Land of No Man
للأسف بسبب السياسات الخاطئة والتشبث في الحكم وحب السلطة مهما كانت التكلفة والنتيجة فقد خسر السودان نفسه بأيدي أبنائه وخسرناه كلنا من في داخله ومن في خارجه مغتربا يكتسب، وخسرنا أخلاقنا وصرنا ناس دنيا ناسيين الاخرة، و "الشريف مبسوط"

بعد رحلة برية شارفت ثلاثة أيام تمكّن مولانا الطاهر بمشقة من الوصول إلى أسوان ومن ثم إلي القاهرة. بلغنا الخبر السعيد من أبنائه ومن رسالة منه وكذلك من إبنه الصغير الأمين على الفيسبوك. وفي ذلك الصباح الباكر كتبت له فرحا وحامدا الله علي سلامة الوصول وجمع الشمل السعيد وأسرته وشقيقاتنا بعد غياب قسري طال:
بسم الله الرحمن الرحيم
أصبحنا وأصبح الملك لله والحمد لله رب العالمين
الشقيق الحبيب مولانا الطاهر
طاهراً يارب من كل دنس ومشاكل ومخاطر دنيا وأخرى يا رب وطاهرة نفسك، ودروبك وأسرتك ولقمتك وموفور الصحة والعافية والمعافاة فى كل أمور دينك ودنياك، آمين
أصبحنا وأصبح الملك لله والحمد لله رب العالمين ، وأصبحنا برسالة من الإبن د. طارق من جدة تحمل لقطة فوتوغرافية من على الفيسبوك كانت بهجة الإصباح ومسرة نفوسنا وجداً كانت مؤثرة، فهزت مشاعر القلوب من سباتها والإبن الهمام الأمين أمنه الله من كل شر كان بطلته البهية معكم زينة تلك اللقطة التاريخية وهو من صممها ونشرها وكأنني بهتافه فرحاً يرن في الآذان وهو جليسك رافعاً كتابه الذي فيه قال:
"ّإذا جاء فالأفراح غيث هاطل
سبحان ربي أي قلب يحمل ؟
ظل السعادة في ظلال حنانه
هذا أبي هذا الحبيب الأول"
وأخاله كأنه يسترسل إنشاده وفي أعماقه الطرب ويقول:
"أهلاً أبي بعد طول الغياب
اليوم يا بختنا بفيض المنهل".
ما أحلى مثل هذا اللقاء وحب آخره إمتداد لأوله.
يا رب كلكم وأبناء السودان تلتقون بإذن الله وانتم منتصرون في الخرطوم ، في آلوطن السودان قريبا عائدون ، كل في داره و أنتم في داركم الحبيبة التي جاءت مشروع العمر بعد صبر و جهاد خدمة يمين وعرق جبين. إن شاء الله أجركم عند الله لكبير والخير كله سيأتيكم جميعا بإذن الله، لا حزن على ماض ولى ولا مال ضاع أو قل
استمتعوا بجمع الشمل ومع معارف وصحاب تعرفرنهم. إعتبروها إجازة لابد منها من رهق الحرب والنزوح وعذابات النفس كما لابد من توخي الحذر في الغربة لابد للفرح من مجال يطرق ودخول برنامج "أنسى همومك" ورمضان في مصر يقولون له طعم خاص فهنيئا لكم تصومونه بين إخوتكم أبناء وادي النيل وهم يرحبون بكم في دارهم فاستمتعوا بأجمل شهر صيام هذه السنة على أرض الكنانة المحروسة . حفظكم الله ورعاكم

رحلتكم القسرية إلى أرض الكنانة اليوم ولدت من فيض الخاطر هذه القصيدة:
رغم الحرب والنزوح وانهيار الديار
وغربة عذاب الشتات وهوان الإنكسار
إنا لك يا وطن حتما عائدون فلا خيار
فحب الوطن إيمان هجره وغدره عار
الحرب فشل دوماً نتيجتها قتل ودمار

نحن المهجرون قسراً إنا صامدون
غدا القريب بإذن الله لعائدون
فحب السودان مشكاة الشجون
منذ الطفولة في القلوب فلا نخون
فيا السودان الحبيب إنا لك عائدون
يا مليح الأوطان حبا وشوقا عائدون

سنعود يا الوطن العظيم وطن الجدود
نحررك نكسر الصخر نفك كل القيود
نبنيك نزرع القطن والقمح بلا حدود
نشتل الزيتون و الرياحين و أجمل الورود
سنحمي ثرواتك وأرضك وكل الحدود
سنعود رافعين الهامات فلك الخلود
لك الشموخ والعالم كله يا رب تسود

ورسالة إلى الإبن الحبيب الشاب الأمين الطاهر
أعزك الله ووفقك ورعاك وحفظك أمينا وابناً باراً بالوالدين بل بكل أهلك ورحمك ووطنك ومواطنيه
سرتني أبيات شعرك المنتقاة وأنت تعبر بها عن مدى فرحك بمقدم والدك حفظه الله، فأهديك بمناسبة جمع شملكم بأبيكم مع الدعاء بالحفظ والستر المقطوعة المعبرة على الرابط أدناه
و شكرا مولانا على رسالتك هذه المرة "من القاهرة" فحمد الله والشكر بلا حدود من أعماقنا على سلامة الوصول وعقبال للأخ إسماعيل أن يجمعه الله بأسرع فرصة مع أسرته بعد غياب طال.
لا تنسونا من صالح دعواتكم
تحياتي
عبدالمنعم

https://youtu.be/wRugZXshHKE?si=ZZCYD2GagEqgH7m2

aa76@me.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

هناك فرق كبير بين السودان وإسرائيل.. السودان زمن الإنقاذ كان “دولة مارقة”

قد يقارن البعض قرار المحكمة الجنائية ضد نتياهو بقرارها ضد البشير وأنه رغم ضعف النظام والسودان ككل إلا أن قرار الجنائية ضد البشير لا تأثير له.

ولكن هناك فرق كبير بين السودان وإسرائيل. السودان زمن الإنقاذ كان “دولة مارقة”، و عندما صدرت المذكرة ضد البشير لم يكن لدى النظام أي ارتباط بالغرب أساسا لا بأوروبا ولا أمريكا. النظام نفسه كان معاديا للغرب من البداية.

بالنسبة لإسرائيل الوضع مختلف. فهي بشكل ما تستمد وجودها كله من الغرب، وارتباطها بأوروبا ارتباط حيوي ومهم بالنسبة لها ولوجودها. وهي كانت دائما تقدم نفسها في الغرب وأمام كل العالم كضحية وأنها محاصرة بأعداء همج وبرابرة وأنها واحة الديمقراطية والتقدم في المنطقة. هذه الصورة التي تقدم بها إسرائيل نفسها للعالم تتغير الآن وبشكل درامي.
البشير لم يخسر الكثير عندما لم يعد قادرا إلى السفر إلى فرنسا مثلا أو هولندا، وذلك لا يعني له شيء. بالنسبة لنتياهو الأمر مختلف تماما.

النقطة الأخرى والأهم أن هذه مجرد البداية. قد نرى غدا قادة إسرائيل الآخرين مطاردين في المحاكم في أوروبا وفي غيرها وما أكثر جرائمهم. وربما أصبحوا، لسخرية القدر، مثل ضباط هتلر النازيين الذين طاردتهم إسرائيل نفسها. أنت تتكلم هنا عن جرائم حرب مستمرة لعشرات السنوات في فلسطين وأيضا في لبنان، مجازر عديدة مثل صبرا وشاتيلا قد ينفض الغبار عنها وتتم مطاردة المتورطين فيها.
بكل المقاييس حدث اليوم هو حدث تاريخي.

حليم عباس

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • عالم “الجربندية” السياسية
  • منظمة دولية: السودان يمضي نحو “الانهيار الشامل”
  • “الأغذية العالمي”: نحو 2 مليون شخص على شفا المجاعة خاصة في السودان وغزة
  • هناك فرق كبير بين السودان وإسرائيل.. السودان زمن الإنقاذ كان “دولة مارقة”
  • وكالة السودان للانباء تجري استطلاعات وسط المشاركين في المؤتمر الاقتصادي الأول لمواجهة تحديات الحرب
  • السودان يعقد أول مؤتمر اقتصادي لزيادة الإيرادات في زمن الحرب
  • بوميل: “فرضنا سيطرتنا في الشوط الأول لكن كانت تنقصنا الفعالية”
  • فاتورة خسائر “جولاني” ترتفع.. قتيل جديد
  • “مركز جمعة الماجد” ومتحف “مولانا” التركي يبحث التعاون
  • “نبي الغضب” يستلهم قصة “كائن فضائي” ويؤكد فشل إسرائيل في حربها ضد حماس وحزب الله