بقلم: نزار بولحية

هل كان من السابق لأوانه الحديث عن تطبيع للعلاقات الجزائرية الإسبانية؟ ربما أعطت بعض الإشارات التي صدرت بشكل متواتر من الجزائر مثل، تفسير الرئيس عبد المجيد تبون ما قاله رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، الخريف الماضي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، من أن بلاده تدافع عن «حل سياسي مقبول من الطرفين، وفي إطار ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن»، للمشكل الصحراوي، على أنه «يبدو أن إسبانيا بدأت في العودة إلى القرار الأوروبي بشأن قضية الصحراء الغربية»، ثم تعيينه وقبل نحو شهرين للدبلوماسي عبد الفتاح دغموم سفيرا جديدا للجزائر في مدريد، أعطت جميعها انطباعات مضللة إلى حد ما، أو مبالغا فيها، على أن الطريق باتت ممهدة بالكامل، وخالية من أي عقبات قد تحول دون عودة المياه بين البلدين إلى مجاريها.

غير أن السؤال الذي بات مطروحا اليوم بقوة هو، ما الذي جعل الإسبان يعلنون الخميس الماضي عن زيارة وشيكة لوزير خارجيتهم خوزيه مانويل ألباريس إلى العاصمة الجزائرية، بهدف «تفعيل» العلاقات الثنائية بين البلدين، مثلما جاء في نص البيان الرسمي الذي أصدرته خارجيتهم، والذي أكد أيضا أن الزيارة التي كان يفترض أن تتم الاثنين الماضي، تأتي «استجابة لدعوة من نظيره الجزائري أحمد عطاف»، قبل أن يعودوا ثانية وبعدها بثلاثة أيام فقط، ليقولوا في بيان رسمي آخر، إنه جرى تأجيلها «لأسباب تتعلق بالأجندة الجزائرية»، مثلما ذكر مسؤول إسباني في تصريحات إعلامية؟

فهل وقعت في الفترة الفاصلة بين الإعلانين الأول والثاني، أحداث أو مستجدات خطيرة، أو طارئة، أو استثنائية، جعلت مثل ذلك التأجيل، أو الإلغاء، يكون ملحا؟ وهل تحول وزير الخارجية الإسباني، بين عشية وضحاها، من شخص مرحب بقدومه إلى الجزائر، إلى رجل غير مرغوب في مجيئه إليها في الوقت الحاضر على الأقل؟ المؤكد أن ما حصل يمثل وفي كل الأحوال تراجعا لافتا للنظر وانتكاسة غير مفهومة لما اعتبره كثيرون بداية ذوبان تدريجي لجبل الجليد الذي تكون بين العاصمتين، في أعقاب الأزمة التي ظهرت بينهما بشكل مفاجئ في مارس/آذار من العام قبل الماضي، بعد الاعتراف الإسباني بمغربية الصحراء، الذي وصفته الخارجية الجزائرية، في ذلك الوقت، بـ»الخطأ الفادح»، وقالت عنه إنه يمثل نوعا من «الانقلاب المفاجئ، وتحولا في موقف إسبانيا تجاه القضية الصحراوية». ومن الواضح تماما أن ذلك الملف، أي ملف الصحراء، ظل يلقي ظلاله الكثيفة على العلاقات الإسبانية الجزائرية.

لقد نظر الجزائريون وعلى مدى أكثر من عام للقرار الإسباني التاريخي بالإقرار بمغربية الأراضي التي كانت وإلى حدود منتصف سبعينيات القرن الماضي خاضعة لسيطرتهم، على أنه يمثل خروجا غير مقبول في نظرهم عن الأعراف والقواعد التي ظلت الحكومات الإسبانية المتعاقبة تتعامل بها مع المشكل الصحراوي، واعتبروه أيضا بمثابة العمل العدائي الموجه ضدهم بالأساس، رغم أنهم ظلوا يؤكدون دائما، على أنهم ليسوا طرفا في ذلك النزاع، وأن الأمر كما قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في خطاب له في يناير/كانون الثاني الماضي «متروك للصحراويين ليقرروا ماذا يريدون أن يكونوا.. سواء كان ينبغي أن يكونوا مغاربة أو موريتانيين فالقرار متروك للصحراويين أنفسهم، وعلى أي حال فلن يكونوا جزائريين»، على حد وصفه، لكن بالنسبة للإسبان كان غضب جيرانهم الذي وصل حد سحب السفير الجزائري المعتمد في مدريد، وتعليق معاهدة الصداقة الموقعة بين البلدين، والتضييق على الشركات والصادرات الإسبانية نحو الجزائر غير مشروع أو مفهوم بالمرة، فقد اعتبروا أن كل ما قاموا به هو أنهم أخذوا قرارا سياديا يخص شأنا متعلقا بسياستهم الخارجية، وليس مسموحا لأي طرف خارجي بالتعليق عليه أو المطالبة بإلغائه. لكنهم لم يصعدوا اللهجة وفضلوا العمل وبثبات على امتصاص ذلك الغضب، محاولين إقحام الأوروبيين وجعلهم طرفا في خلافهم مع الجزائريين. ولم تكن تلك المهمة بالبسيطة أو السهلة، فالشرط الذي وضعته السلطات الجزائرية أمامهم كان يتلخص تقريبا في ما قاله الرئيس الجزائري في إحدى المقابلات الصحافية في أبريل/نيسان قبل الماضي، أي بعد نحو شهر من بدء الأزمة وهو، أن الجزائريين لن يتدخلوا «في الأمور الداخلية لإسبانيا، ولكن الجزائر كدولة ملاحظة في ملف الصحراء الغربية، وكذا الأمم المتحدة، تعتبر أن إسبانيا القوة المديرة للإقليم، طالما لم يتم التوصل لحل» للنزاع ولأجل ذلك فهي تطالب «بتطبيق القانون الدولي حتى تعود العلاقات إلى طبيعتها مع إسبانيا، التي يجب أن لا تتخلى عن مسؤوليتها التاريخية، فهي مطالبة بمراجعة نفسها» مثلما جاء في تصريحه. وكان واضحا أن قبولهم بما عرضه عليهم تبون كان سيضعهم في مأزق حقيقي، وسيعني عودة الأمور بينهم وبين جيرانهم المغاربة إلى نقطة الصفر، وفقدان جزء كبير من مصداقيتهم أمام دول المنطقة، التي كانت سترى حتما في تراجع حكومة بيدرو سانشيز عن موقفها الجديد في الصحراء نوعا من المراهقة السياسية، أو حتى السمسرة المفضوحة وغير المقبولة. وأهم ما فعلوه هو أنهم حرصوا على أن تظل قنوات التواصل بينهم وبين الجزائريين مفتوحة، حتى في عز الحملات الإعلامية التي كانت تشن عليهم من الصحافة الجزائرية.

وكان الطرف الآخر واعيا بالحاجة للحفاظ على شعرة معاوية وبعدم المجازفة بنسف كل الجسور مع مدريد، ما سمح بعقد أكثر من لقاء سري بين مسؤولين من البلدين خلال الشهور الأخيرة، لكن المشكل الذي ظل قائما هو على ماذا يمكن التفاوض بين الطرفين؟ وكيف يمكن للجزائريين أن يطووا صفحة الخلاف مع الإسبان، في الوقت الذي رفعوا فيه السقف عاليا وتطلعوا إلى سقوط حكومة سانشيز والتفاهم بعد الانتخابات الإسبانية مع حكومة أخرى ربما يقودها حزب يميني، ما يعيد الدفء للعلاقات بين البلدين، بما أن سانشيز ووزير خارجيته هما العقبة الحقيقية والوحيدة أمام ذلك؟ إن الصيغة التي تحدث بها رئيس الوزراء الإسباني في الجمعية العامة للأمم المتحدة، كانت على ما يبدو أقصى ما كان بوسع الإسبان تقديمه، لكن هل كانت تلبي طموح السلطات الجزائرية وتمثل تراجعا عن الموقف الجديد الذي أعلنوه قبل سنتين، أي تأييد المقترح المغربي بمنح الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية؟ قطعا لا، وهذا ما جعل الأمور تتأرجح بين العاصمتين. فمثلما لا تستطيع مدريد أن تدير ظهرها للشراكة الاستراتيجية مع المغرب، وتتنصل من التزاماتها مع الرباط، فإن الجزائر تبدو مترددة في التطبيع الكامل مع إسبانيا، من دون الحصول ولو على بعض الضمانات بتحقيق تغير ما في الموقف الإسباني الحالي من الصحراء. ولا شك هنا في أن نشر وسائل إعلام إسبانية قبل أيام لوثيقة من الجريدة الرسمية الإسبانية تصف فيه مدينة العيون كبرى مدن الصحراء المغربية، كان القطرة التي أفاضت الكأس، لكن إلى متى سيستمر ذلك؟ ربما إلى حين أن يقتنع الجزائريون بأنه آن الأوان لهم لأن يتخلصوا من صداع البوليساريو.

كاتب وصحافي من تونس

المصدر: أخبارنا

كلمات دلالية: بین البلدین التی کان على أن

إقرأ أيضاً:

وزير البترول يتفقد موقع بدر 3 بمنطقة الصحراء الغربية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

فى إطار زياراته الميدانية لمتابعة سير العمل بمواقع الإنتاج وتحفيز العاملين ودعمهم لزيادة معدلات إنتاج البترول والغاز الطبيعي ، قام المهندس كريم بدوى وزير البترول والثروة المعدنية بجولة تفقدية لموقع بدر 3 التابع لشركة بدر الدين للبترول بمنطقة الصحراء الغربية.

 

وفى بداية الجولة، اطمأن المهندس كريم بدوي على تدريبات السلامة والصحة المهنية للعاملين والتجارب الخاصة بها وبعمليات الإخلاء، وأكد بدوى على اهمية قرارات إيقاف العمل عند حدوث أى أخطار والتأكد من معالجة الحدث والتعامل معه بسلامة قبل عودة العمل مرة اخرى، وذلك بهدف الحفاظ على العاملين  كونهم الثروة الحقيقية لقطاع البترول.

 

ووجه المهندس كريم بدوى الشكر للعاملين والشركاء (كايرون- كابريكورن) ، مشيراً إلى أن النتائج التى حققتها شركة بدر الدين خلال مسيرة العطاء التى قدمتها للاقتصاد المصرى والممتدة ل 40 عاماً تدعو الى الفخر، ويستدعى تقديم كل الشكر والتقدير لكل من شارك فى قصص النجاح هذه،  موضحاً ان شركة بدر الدين والشركاء لهم دور مهم في تنفيذ المحاور الـ 6 لاستراتيجية عمل الوزارة ، خاصة المحور الاول المتعلق بتوفير احتياجات المواطنين من المنتجات البترولية والغاز الطبيعي والتى تمثل عصب الحياة اليومية لهم ، وذلك من خلال زيادة الإنتاج المحلى من البترول والغاز  مع مراعاة إدارة الخزانات بصورة جيدة وتكثيف برامج البحث والاستكشاف ، لافتاً إلى أن الوزارة وهيئة البترول وشركة ايجاس مستمرون في تقديم كافة اوجه الدعم وتذليل اى عقبات قد تؤثر على العملية الإنتاجية ، مؤكداً على ان كل برميل بترول زيادة فى الإنتاج سيعود بالمنفعة على المواطن والاقتصاد المصرى .

 

واستمع الوزير ومرافقوه إلى عرض من المهندس اشرف عبد الجواد رئيس الشركة حول اهم النتائج التى حققتها الشركة خلال مسيرة عملها الممتدة الى 40 عاماً ، حيث اوضح ان إجمالى إنتاج الشركة  خلال هذه الفترة بلغ حوالي 3ر1 مليار برميل مكافئ ، وان الاحتياطي الحالى للشركة  القابل للاسترجاع يبلغ حوالي 44 مليون برميل زيت ومتكثفات ، واضاف ان تسهيلات الشركة المنتشرة فى عدة مناطق تعتبر مجمع لاستقبال ومعالجة الغاز والزيت من الشركات الشقيقة العاملة بالصحراء الغربية.

 


واوضح عبد الجواد ان الشركة وضعت استراتيجية ترتكز على زيادة الإنتاج من خلال تكثيف برامج الحفر والاستكشاف باستخدام التكنولوجيا الحديثة للتغلب على التناقص الطبيعي للآبار ، وان الشركة لديها العديد من الفرص الغير تقليدية ، حيث يتم العمل على اختيار انسب انواع التكنولوجيا والتقنيات الحديثة لتقييم تلك الخزانات وتعظيم الإنتاج منها .

 

وعقب ذلك تفقد المهندس كريم بدوى غرفة التحكم بمحطة تسهيلات محطة معالجة بدر ، والتي تتكون من 4 وحدات معالجة واحدة للزيت وثلاث وحدات لمعالجة الغاز الطبيعي ومما هو جدير بالذكر أن سعة إنتاج الزيت الخام تصل إلي 30 ألفا من البرميل واقصي سعة للغاز تصل إلي 340 مليون قدم مكعب.

 

ثم قام المهندس كريم بدوى ومرافقوه بمتابعة اعمال الحفار EDC-77 التابع  لشركة الحفر المصرية والذي يقوم حالياً بحفر  بئر تنموية جديدة بمنطقة بدر 16 ، وادار  المهندس كريم بدوى حوارا مع فريق عمل الحفار ، تابع خلاله سير العمل في اعمال الحفر والوقوف علي الالتزام بتطبيق إجراءات السلامة والصحة المهنية،  كونها قيمة اساسية للحفاظ علي العاملين ، مؤكداً على اهمية العمل التكاملى والعمل بروح الفريق الواحد لزيادة معدلات الإنتاج ، موجهاً الشكر لهم على جهودهم المبذولة على مدار ال 24 ساعة ، وطالبهم بنقل التحية والشكر لباقي زملائهم فى ورديات العمل الأخرى ، وحثهم على الاستمرار في بذل المزيد من الجهد للتغلب على التحديات وتعظيم الإنتاج لدعم الاقتصاد القومى.


رافق الوزير خلال الجولة المهندس صلاح عبدالكريم الرئيس التنفيذي للهيئة المصرية العامة للبترول والمهندس يس محمد رئيس الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (ايجاس) ، والجيولوجي علاء البطل وكيل اول الوزارة والمشرف على السلامة والبيئة وكفاءة الطاقة والمهندس ايهاب رجائي وكيل اول الوزارة للإنتاج والمهندس معتز عاطف وكيل الوزارة لمكتب الوزير والمكتب الفني والمتحدث الرسمي للوزارة، والمهندس ايهاب جرجس ممثل شركة كايرون.

 

مقالات مشابهة

  • وزير البترول يتفقد موقع بدر 3 بمنطقة الصحراء الغربية
  • كاف يكشف السبب الحقيقي وراء خسارة الشحات جائزة الأفضل..وترتيبه النهائي (خاص)
  • دراسة تكشف سرًا عمره 5700 عام.. ما السبب وراء تقويم قرون الأغنام في مصر القديمة؟
  • الخارجية الإيرانية: استشهاد موظف بسفارتنا في دمشق بهجوم على سيارته الأحد الماضي
  • ما الرسائل التي حملها ممثل الرئيس الروسي للجزائر؟
  • يالفيديو.. مستشار وزير الخارجية الأوكراني يعلق على اغتيال الجنرال الروسي
  • الخارجية الأميركية: إلغاء جائزة 10 ملايين دولار للإدلاء بمعلومات عن أحمد الشرع
  • ما الذي يجري وراء الكواليس!!
  • مساعدة وزير الخارجية الأمريكي تعتزم زيارة دمشق
  • بلا قيود تدعو إيران الى إلغاء قانون العصور الوسطى المخزي الذي يرسخ سلطة النظام الوحشي