صحيفة التغيير السودانية:
2024-12-24@13:22:58 GMT

إنسانيتنا المهدورة ….مرة أخرى

تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT

إنسانيتنا المهدورة ….مرة أخرى

فيصل محمد صالح

كتبت في مقال الأسبوع الماضي متسائلاً: هل فقد السودانيون إنسانيتهم؟… وأوردت وقائع وأحداثاً ما كان الظن أن تحدث في بلادنا ومن مواطنين سودانيين، وخلصت لأن الحرب وما تحمله من ويلات وأهوال وجرائم تقودنا لأن نفقد إنسانيتنا وتجعلنا نتصرف بطريقة لا يمكن وصفها بغير الوحشية.

لم يمر المقال بسهولة، فمثلما اتفق معه البعض، فقد أهاج بعضٌ آخر، عدّ أن المقال يسيء للشخصية السودانية، إما بوصفها بصفات سالبة ليست فيها، أو لأنه ينشر الغسيل القذر الذي ينبغي على كل وطني سوداني، كما ذكر بعضهم، ألّا يكشفه للعالم، بل يبقيه في الإطار الداخلي.

النوع الأول من اللائمين، الذين ينكرون الوقائع، يمكن بسهولة مواجهتهم بالحقائق والأدلة، وهي كثيرة ومتنوعة، وسواء اقتنعوا أم لم يقتنعوا، فإن المرء يكون قد أراح ضميره، وفعل ما ينبغي عليه أن يفعله.

تبقى المشكلة مع الجناح الآخر، الذي يعرف ويقر بالوقائع والأحداث، ثم يعد أن كشفها والكتابة عنها خيانة وطنية. هذا منطق يصعب ابتلاعه أو التفاهم معه، لأنه يظن أن العالم لا يزال يعيش في القرون الوسطى، حيث لا يعرف الناس ما يجري في القرية المجاورة، هذا من ناحية، ولأنه، من ناحية أخرى، يظن أن إخفاء المعلومة علاج ناجع وكافٍ. ونفس الجناح جاء بمنطق آخر، يتعلق بالجانب الذي يقف فيه من طرفي الحرب، فقد افترض أن علينا أن نكتب عن جرائم «قوات الدعم السريع» التي ارتكبتها أينما حلت، وهي جرائم وصلت أقصى مراحل البشاعة، ولكن إن توافرت لدينا دلائل ووقائع لجرائم ارتكبها منسوبون للجيش السوداني، فيجب عدم الإشارة إليها، لأن هذا جيشنا الوطني الذي ينبغي ألا نشوه سمعته، وإن وقعت منه جرائم أو أخطاء فهي يجب أن تكون ضمن الذنوب المغفورة.

هذا منطق معكوس، فالجيش الوطني الذي صرف عليه الشعب السوداني، واقتطع من قوته الشحيح وأقام له الكليات العسكرية والمعاهد ومراكز التدريب، وحمله المسؤولية الوطنية والأخلاقية لحماية الوطن والشعب، يجب أن يكون الأكثر تمسكاً بالقيم الإنسانية والأخلاقية والوطنية، وأن يكون الأكثر التزاماً بالقوانين الوطنية والدولية، ولا يتصرف مثل الميليشيات المتفلتة. ارتكبت «قوات الدعم السريع» جرائم كثيرة موثقة، بحيث يصعب عليها إنكارها، كما لم ينجُ منها أحد في المناطق التي وجدوا فيها، ومن لم يمت برصاصهم وقذائفهم، تم نهب منزله وممتلكاته وسياراته، ومن المنطقي والطبيعي ألّا تمر هذه الجرائم كسابقاتها، وأن تكون المحاسبة عليها ومحاكمة مرتكبيها جزءاً من أي اتفاق مقبل. لكن لا يمكن أن يكون الرد عليها بارتكاب جرائم تماثلها في البشاعة والقبح.

قبل أن يجف حبر ما كتبناه في الأسبوع الماضي، طاف بالأسافير فيديو تم تصويره في إحدى مناطق الاشتباكات، ويظهر فيه جنود يرتدون زي الجيش السوداني وهم يحملون رؤوس عدد من الأسرى المنتمين لـ«الدعم السريع»، أو هكذا يقول المتحدثون في الفيديو، تم ذبحهم كالخراف. الأدهى والأمر أن هذه الرؤوس كان يحملها الجنود ويطوفون بها وسط التهليل والتكبير… «الله أكبر… الله أكبر»… حتى يظن المرء أنها صورت في عهد الحجاج بن يوسف الثقفي.

هل يظن الناس أن هذه الحرب ستنتهي بوقف إطلاق النار، أو توقيع اتفاق ما، ربما حتى ينتهي بذهاب العسكر للثكنات وتكوين حكومة مدنية، ثم نعود لحياتنا السابقة، نذهب لأعمالنا، ثم نعود لمنازلنا، نداعب أطفالنا، نشاهد التلفزيون ثم نأوي بأمان للنوم.

واهم من يظن أن الأمر سيكون هكذا، ما ستخلفه الحرب في نفوسنا وعقولنا وضمائرنا لن يمكننا تجاوزه بسهولة، هذه الحرب تهدم إنسانيتنا وأخلاقنا وقيمنا، قبل أن تهدم بيوتنا ومبانينا، والواجب علينا أن نبدأ حرباً سلمية معاكسة نحاول أن نستعيد فيها إنسانيتنا وأن نحيي فيها ضمائرنا. واهم من يظن أن الاعتصام بموقف سياسي ما سيجعلنا ننجو، كما أننا لن ننجو بالخلاص الفردي، ننجو بالاستعصام بالموقف الإنساني والأخلاقي الذي يتجاوز الموقف السياسي. ليس مطلوباً منا الالتزام بموقف سياسي واحد، هذا ضد طبيعة البشر، وليس من مشكلة في استمرار تعدد المواقف السياسية، لكن الموقف الإنساني والأخلاقي والقيمي هو الذي لا يملك القسمة على اثنين.

هل هو حلم بعيد المدى أن ندعو الناس، بغض النظر عن مواقفهم السياسية، أن يستنهضوا إنسانيتهم بشكل يتجاوز الموقف السياسي ليقفوا ضد الجرائم والانتهاكات التي تقودنا نحو العهود المظلمة وتجعلنا نتعامل مع بعضنا كالحيوانات، وأن يطالب الناس الجهات التي يؤيدونها سياسياً بالالتزام بالحد الأدنى بالقوانين الإنسانية الدولية، قبل أن يطالبوا الجهات التي يختلفون معها؟

الوسومآثار الحرب في السودان الجيش الدعم السريع فيصل محمد صالح

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: آثار الحرب في السودان الجيش الدعم السريع فيصل محمد صالح الدعم السریع یظن أن

إقرأ أيضاً:

أربعة آلاف جندي يحملون الجنسية الفرنسية يشاركون في جرائم الحرب بغزة

سرايا - أكدت منظمات حقوقية دولية وفلسطينية، وجود أربعة آلاف جندي إسرائيلي يحملون الجنسية الفرنسية، شاركوا في "جرائم الحرب المستمرة ضد قطاع غزة، ولامت هذه المنظمات السلطات الفرنسية، لعدم قيامها بفتح تحقيق معهم، بينهم جندي أثبتت بالأدلة قيامه بارتكاب هذه الجرائم.

ووفق المراكز الحقوقية، فإن الدلائل تشير لوجود مئات من الجنود الإسرائيليين "المتورطين في جرائم دولية بقطاع غزة، يحملون جنسية مزدوجة (فرنسية- إسرائيلية)، وقالت إنه على الرغم من ذلك، لم تبادر السلطات الفرنسية حتى الآن بفتح أي تحقيق رسمي في هذا الصدد، وشددت هذه المراكز الحقوقية ومنها مراكز دولية وأخرى فلسطينية، على ضرورة فتح تحقيق فوري ضد أحد هؤلاء الجنود، ويدعى يونيل أونونا.

وذكر مركز الميزان لحقوق الإنسان، وهو مركز حقوقي فلسطيني، شارك في تقديم الدعوى، أن الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان (FIDH) ومؤسساتها الأعضاء الفلسطينية والفرنسية، وهي مؤسسة الحق، ومركز الميزان، والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، والرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان (LDH)، تقدمت بشكوى قانونية لدى وحدة جرائم الحرب في محكمة باريس، ضد الجندي الفرنسي الإسرائيلي يونيل أونونا، الذي خدم في غزة خلال الهجوم العسكري وحملة الإبادة الجماعية المستمرة التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين والفلسطينيات، وذلك بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية وتعذيب، بالإضافة إلى التواطؤ في هذه الجرائم ضد الفلسطينيين المحتجزين لدى إسرائيل.

وحسب ما نشر المركز، فإن الشكوى المُقدمة تستند إلى مقطع فيديو نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي، يتضمن عدة مشاهد تُظهر معتقلين فلسطينيين يرتدون ملابس بيضاء وأيديهم مقيدة وأعينهم معصوبة، ويتعرضون لإهانات باللغة الفرنسية من قِبل أحد الجنود، كما يظهر على أحد المعتقلين على الأقل علامات تعذيب واضحة، حيث يُعتقد أن الجندي المدعو يونيل هو من قام بتصوير هذا الفيديو.

وقال عصام يونس، مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان: "قدمنا للسلطات القضائية الفرنسية شهادات من ضحايا فلسطينيين تعرضوا لأساليب قاسية من التعذيب أثناء احتجازهم لدى السلطات الإسرائيلية ، وأضاف: "تتطابق هذه الشهادات بشكل كبير مع الأساليب الموثقة في مقطع الفيديو المنشور، مما يعكس سياسة ممنهجة مدعومة رسمياً من قبل الدولة. كما تؤكد هذه الأدلة على ضرورة فتح تحقيق عاجل في مثل هذه الجرائم ومحاسبة المسؤولين عنها قانونيا على كافة المستويات، بما في ذلك آليات الولاية القضائية الوطنية .

كما شدد شعوان جبارين، المدير العام لمؤسسة الحق، على ضرورة أن تتحرك السلطات الفرنسية للتحقيق في هذه الجرائم، وملاحقة مواطنيها المتورطين في ارتكاب "جرائم مروعة، بما في ذلك جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة .

وقال راجي الصوراني، مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، معقبا على ذلك: "يتعين على أي دولة تدّعي الديمقراطية واحترام القانون الدولي أن تبادر فورا إلى التحقيق مع مواطنيها المسؤولين عن ارتكاب جرائم دولية مثل التعذيب، ومحاسبتهم. هناك مئات من المواطنين الفرنسيين متورطون في الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين في سياق استمرار جريمة الإبادة في قطاع غزة .

وحسب المراكز الحقوقية، فان هناك أدلة قوية تؤكد تورط عدد لا يقل عن 4,000 مواطن فرنسي يخدمون في الجيش الإسرائيلي، في ارتكاب "جرائم دولية ، إلا أن السلطات الفرنسية لم تقم حتى الآن بفتح أي تحقيق قضائي في هذه الجرائم المحتملة.

ونقل المركز الحقوقي الفلسطيني كذلك عن أليكسيس ديسواف، محامي المدعين، ونائب رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، وكليمانس بيكتارت، محامية ومنسقة مجموعة العمل القضائي في الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان: "إن فتح تحقيقات في الجرائم التي ارتكبها مواطنون من حملة الجنسية المزدوجة في إطار خدمتهم بالجيش الإسرائيلي يعد جزءا أساسيا من الاستجابة القضائية الواجب اتخاذها تجاه الفظائع الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة .

وأضافا: "بالنظر إلى حجم هذه الجرائم، فإن التحقيق الذي تجريه المحكمة الجنائية الدولية وحده لا يكفي، ويجب على كل الدول القادرة على ممارسة اختصاصها القضائي أن تباشر على الفور بفتح تحقيقات في هذه الجرائم .

وسبق أن تم تقديم شكوى أولية ضد الجندي يونيل في أبريل 2024، إلا أن مكتب المدعي العام الفرنسي قد رفض الشكوى في حينه بسبب نقص الأدلة الكافية لإثبات الجريمة بحسب وصفه، ولذلك تقدم تحالف المؤسسات الحقوقية بهذه الشكوى بصفتها طرفا مدنيا، في محاولة لمواجهة الجمود الذي يعتري عمل المدعي العام.





تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا


طباعة المشاهدات: 786  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 24-12-2024 12:08 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
في صعيد مصر .. ماتت أمه فأحرق المستشفى كيف تعيد الموسيقى صياغة الماضي إلى أذهاننا؟ دراسة حديثة تجيب عمره 500 عام .. اكتشاف أول قبقاب من خشب البتولا في هولندا الطهي 5 أيام دون توقف يُدخل طاهية إيفوارية موسوعة غينيس "خامنئي" يهاجم الإدارة الجديدة في سوريا... تلقّاها بصدر رحب .. أشهر إهانات روسيا لبشار الأسد النائب ديمة طهبوب في ردها على جواب الحكومة: "... الأمن العام بدمشق يصدر تعليماته ويتوعد المخالفين "الله لا يرحمك" .. تعليق على فيسبوك يودي... قتيلان على الأقل و12 مفقوداً بعد انهيار جسر في...شهيدان بغارة اسرائيلية على بلدة الطيبة جنوب لبنانأوكرانيا تتعهد بدعم الأمن الغذائي في سورياأردوغان: ندعم سوريا الجديدة جيش الإحتلال يعلن مقتل 3 من جنوده في غزةميقاتي: سنتعاون مع انتربول للقبض على مدير المخابرات...استياء بعد قبول تسوية لأحد رجالات الأسد .. متهم...رئيس الوزراء يضيء شجرة عيد الميلاد في موقع أم...روسيا: نتواصل مع الإدارة السورية الجديدة دبلوماسيًا... إيمي وحسن يعودان في رمضان: “عقبال عندكم” تعرض لنصرالله .. راغب علامة ينفي اتصالًا مزيفًا... هوليوود تدعم بليك ليفلي في دعواها ضد جاستن بالدوني رسائل غامضة .. هالة صدقي تثير الجدل مجددا فيلم "الهنا اللي أنا فيه" يواصل نجاحاته مجموعة "يونايتد وورلد" تعلن بيع نادي شيفيلد الإنجليزي الوحدات يضرب موعدًا مع الأهلي في نصف نهائي كأس الأردن محمد صلاح يتصدر التشكيل المثالي للجولة 17 بـ"البريميير ليغ" ركلات الترجيح تحمل الحسين إربد لنصف نهائي كأس الأردن مانشيني : ترك إيطاليا لتدريب السعودية كان خطأ اليابان تدرس جعل الحياة على القمر حقيقة عالم مصريات ألماني يكشف أسرار مقبرة عمرها 4000 عام .. اكتشفها فريقه بأسيوط "تمائم وحرباء حية" .. توقيف رجلين بتهمة السحر ضد رئيس دولة إفريقية الطهي 5 أيام دون توقف يُدخل طاهية إيفوارية "موسوعة غينيس" «ساعات العمر» .. توظيف علامات الدم للتنبؤ بالصحة وعمر الإنسان تعرف على الدول التي تضم أطول الرجال والنساء في العالم ما هي توقعات عائلة سيمبسون لأمريكا في 2025؟ ضرورة العصر: كيف تضمن تطورك المهني في عالم متغير؟ "الجدة الخارقة" ترفع الأثقال في سن التسعين قصة فتاة سعودية أبلغت سلطات ألمانيا عن منفذ حادثة الدهس

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2024
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة: السلطات السورية الجديدة منفتحة للغاية على التحقيق في جرائم الحرب
  • هل يمكن إعفاء الحاصل على الدعم النقدي دون وجه حق من رد المبالغ التي صرفها؟.. الضمان الاجتماعي يوضح
  • خالد الغندور يوجه نصيحة لـ إمام عاشور: حافظ على النعمة التي تعيش فيها
  • أربعة آلاف جندي يحملون الجنسية الفرنسية يشاركون في جرائم الحرب بغزة
  • إعلام القوى الثورية مقابل إعلام الكيزان
  • تنفيذا للتوجيهات الرئاسية .. مستقبل وطن ينظم زيارة لمستشفى الناس للدعم العيني والنقدي
  • ما الذي يمكن خسارته من تشكيل حكومة مدنية موازية لحكومة بورتسودان؟
  • دعوى قضائية أمريكية ضد طبيبة في نيويورك وصفت دواء للإجهاض لسيدة في ولاية تكساس التي يحظر فيها ذلك
  • مشاهد محاكاة لعملية مركبة قتلت فيها القسام 5 جنود إسرائيليين بجباليا
  • رسالة من البطريرك يونان في عيد الميلاد بشأن الشرق الاوسط.. هذا ما جاء فيها