صحيفة التغيير السودانية:
2025-03-17@17:37:13 GMT

إنسانيتنا المهدورة ….مرة أخرى

تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT

إنسانيتنا المهدورة ….مرة أخرى

فيصل محمد صالح

كتبت في مقال الأسبوع الماضي متسائلاً: هل فقد السودانيون إنسانيتهم؟… وأوردت وقائع وأحداثاً ما كان الظن أن تحدث في بلادنا ومن مواطنين سودانيين، وخلصت لأن الحرب وما تحمله من ويلات وأهوال وجرائم تقودنا لأن نفقد إنسانيتنا وتجعلنا نتصرف بطريقة لا يمكن وصفها بغير الوحشية.

لم يمر المقال بسهولة، فمثلما اتفق معه البعض، فقد أهاج بعضٌ آخر، عدّ أن المقال يسيء للشخصية السودانية، إما بوصفها بصفات سالبة ليست فيها، أو لأنه ينشر الغسيل القذر الذي ينبغي على كل وطني سوداني، كما ذكر بعضهم، ألّا يكشفه للعالم، بل يبقيه في الإطار الداخلي.

النوع الأول من اللائمين، الذين ينكرون الوقائع، يمكن بسهولة مواجهتهم بالحقائق والأدلة، وهي كثيرة ومتنوعة، وسواء اقتنعوا أم لم يقتنعوا، فإن المرء يكون قد أراح ضميره، وفعل ما ينبغي عليه أن يفعله.

تبقى المشكلة مع الجناح الآخر، الذي يعرف ويقر بالوقائع والأحداث، ثم يعد أن كشفها والكتابة عنها خيانة وطنية. هذا منطق يصعب ابتلاعه أو التفاهم معه، لأنه يظن أن العالم لا يزال يعيش في القرون الوسطى، حيث لا يعرف الناس ما يجري في القرية المجاورة، هذا من ناحية، ولأنه، من ناحية أخرى، يظن أن إخفاء المعلومة علاج ناجع وكافٍ. ونفس الجناح جاء بمنطق آخر، يتعلق بالجانب الذي يقف فيه من طرفي الحرب، فقد افترض أن علينا أن نكتب عن جرائم «قوات الدعم السريع» التي ارتكبتها أينما حلت، وهي جرائم وصلت أقصى مراحل البشاعة، ولكن إن توافرت لدينا دلائل ووقائع لجرائم ارتكبها منسوبون للجيش السوداني، فيجب عدم الإشارة إليها، لأن هذا جيشنا الوطني الذي ينبغي ألا نشوه سمعته، وإن وقعت منه جرائم أو أخطاء فهي يجب أن تكون ضمن الذنوب المغفورة.

هذا منطق معكوس، فالجيش الوطني الذي صرف عليه الشعب السوداني، واقتطع من قوته الشحيح وأقام له الكليات العسكرية والمعاهد ومراكز التدريب، وحمله المسؤولية الوطنية والأخلاقية لحماية الوطن والشعب، يجب أن يكون الأكثر تمسكاً بالقيم الإنسانية والأخلاقية والوطنية، وأن يكون الأكثر التزاماً بالقوانين الوطنية والدولية، ولا يتصرف مثل الميليشيات المتفلتة. ارتكبت «قوات الدعم السريع» جرائم كثيرة موثقة، بحيث يصعب عليها إنكارها، كما لم ينجُ منها أحد في المناطق التي وجدوا فيها، ومن لم يمت برصاصهم وقذائفهم، تم نهب منزله وممتلكاته وسياراته، ومن المنطقي والطبيعي ألّا تمر هذه الجرائم كسابقاتها، وأن تكون المحاسبة عليها ومحاكمة مرتكبيها جزءاً من أي اتفاق مقبل. لكن لا يمكن أن يكون الرد عليها بارتكاب جرائم تماثلها في البشاعة والقبح.

قبل أن يجف حبر ما كتبناه في الأسبوع الماضي، طاف بالأسافير فيديو تم تصويره في إحدى مناطق الاشتباكات، ويظهر فيه جنود يرتدون زي الجيش السوداني وهم يحملون رؤوس عدد من الأسرى المنتمين لـ«الدعم السريع»، أو هكذا يقول المتحدثون في الفيديو، تم ذبحهم كالخراف. الأدهى والأمر أن هذه الرؤوس كان يحملها الجنود ويطوفون بها وسط التهليل والتكبير… «الله أكبر… الله أكبر»… حتى يظن المرء أنها صورت في عهد الحجاج بن يوسف الثقفي.

هل يظن الناس أن هذه الحرب ستنتهي بوقف إطلاق النار، أو توقيع اتفاق ما، ربما حتى ينتهي بذهاب العسكر للثكنات وتكوين حكومة مدنية، ثم نعود لحياتنا السابقة، نذهب لأعمالنا، ثم نعود لمنازلنا، نداعب أطفالنا، نشاهد التلفزيون ثم نأوي بأمان للنوم.

واهم من يظن أن الأمر سيكون هكذا، ما ستخلفه الحرب في نفوسنا وعقولنا وضمائرنا لن يمكننا تجاوزه بسهولة، هذه الحرب تهدم إنسانيتنا وأخلاقنا وقيمنا، قبل أن تهدم بيوتنا ومبانينا، والواجب علينا أن نبدأ حرباً سلمية معاكسة نحاول أن نستعيد فيها إنسانيتنا وأن نحيي فيها ضمائرنا. واهم من يظن أن الاعتصام بموقف سياسي ما سيجعلنا ننجو، كما أننا لن ننجو بالخلاص الفردي، ننجو بالاستعصام بالموقف الإنساني والأخلاقي الذي يتجاوز الموقف السياسي. ليس مطلوباً منا الالتزام بموقف سياسي واحد، هذا ضد طبيعة البشر، وليس من مشكلة في استمرار تعدد المواقف السياسية، لكن الموقف الإنساني والأخلاقي والقيمي هو الذي لا يملك القسمة على اثنين.

هل هو حلم بعيد المدى أن ندعو الناس، بغض النظر عن مواقفهم السياسية، أن يستنهضوا إنسانيتهم بشكل يتجاوز الموقف السياسي ليقفوا ضد الجرائم والانتهاكات التي تقودنا نحو العهود المظلمة وتجعلنا نتعامل مع بعضنا كالحيوانات، وأن يطالب الناس الجهات التي يؤيدونها سياسياً بالالتزام بالحد الأدنى بالقوانين الإنسانية الدولية، قبل أن يطالبوا الجهات التي يختلفون معها؟

الوسومآثار الحرب في السودان الجيش الدعم السريع فيصل محمد صالح

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: آثار الحرب في السودان الجيش الدعم السريع فيصل محمد صالح الدعم السریع یظن أن

إقرأ أيضاً:

وزير الخارجية: (…) هذه خطتنا لما بعد الحرب.. واتصالات مع 3 دول لتمويل الإعمار

وزير الخارجية د. علي يوسف لـ(الكرامة) حول قضايا الساعة :
لم نتلق اتصالات امريكية.. ونرفض تهجير الفلسطينيين من “غزة”..
ملتزمون بقرارات القمة الإسلامية .. القضية الفلسطينية تحل بـ(…..)..
الحكومة الموازية (مـــــاتت)..
اتصالات بيننا وإدارة ترامب عادية ..
العقوبات التجارية على كينيا مؤثرة جدًا.. وندعو الجنوبيين للحوار..
(….) هذه خطتنا لما بعد الحرب.. واتصالات مع 3 دول لتمويل الإعمار..
سنستدعي السفراء والإدارات..
عقب اكتمال بناء مقر الخارجية الجديد
حوار : محمد جمال قندول- الكرامة
مِلفاتٌ مهمة وتحديات كبيرة تنتظر الدولة السودانية عقب الفراغ من حرب الكرامة التي تمضي نحو خواتيمها بتطهير العاصمة الخرطوم، وكذلك ما تبقى من كردفان ودارفور، فضلًا عن محاولات اعلان الحكومة الموازية، وتطورات الأوضاع بالجنوب، وما نقلته وكالات أنباء أمريكية أمس عن اتصالاتٍ بين واشنطن ودول أفريقية من ضمنها السودان، لاستضافة الفلسطينيين المهجرين من “غزة”. كلها أسئلة وضعناها على طاولة وزير الخارجية السفير الدكتور علي يوسف الشريف، الذي قدم إفاداتٍ مهمة، ندلف إليها في هذا الحوار.
كشفت وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية أمس “الجمعة”، عن اتصالاتٍ سريةٍ بين واشنطن وتل أبيب وثلاثة دول في شرق أفريقيا هي “الصومال، وأرض الصومال، ومن ضمنها السودان”، حول إمكانية استقبال الفلسطينيين المهجرين من “غزة” ضمن خطة دونالد ترامب المقترحة لإعادة التوطين بعد الحرب، ما مدى صحة ذلك؟
أنا كوزير خارجية لم تتصل عليّ أي جهة، ولم نتلق أي عرضٍ لاستضافة الفلسطينيين في السودان. وأنا كمسؤول لم نتلق أي اتصالات، ونحن ملتزمون بقرارات القمة الإسلامية التي انعقدت بالقاهرة، والتي تم فيها رفض فكرة تهجير الفلسطينيين من “غزة” لدولٍ أخرى، واتفقنا على خطة إعمار “غزة” وأُجيزت من قبل القمة وكل الدول الأفريقية، ونحن نؤمن بأنّ القضية الفلسطينية تحل بتطبيق القرارات الشرعية الدولية وإقامة دولة فلسطينية في حدود 69 وعاصمتها القدس الشرعية.
ليس هنالك “نار بدون شرار”، وترامب نفسه أعلن عن هذه الخطة؟
الرئيس الأمريكي ترامب قال سيهجرهم، ولكنه لاحقًا عدّل مواقفه. واعتقد بأنّه بعد الموقف الواضح خلال القمة الأخيرة سيراجعون هذه الفكرة.
هل هنالك اتصالات بينكم والجانب الأمريكي في حقبة إدارة ترامب؟
هنالك اتصالات روتينية أو قل عادية.
ما هي الخطوات المرتقبة لمواجهة الحكومة “الموازية” التي رفضها عددٌ كبيرٌ من الدول والاتحاد الأفريقي والأُمم المتحدة؟
الحكومة الموازية ماتت بعد الرفض الواسع من الدول. والخارجية لعبت دورًا كبيرًا في مواقف الأطراف التي رفضت الحكومة.
الحكومة أوقفت صادرات تجارية من كينيا التي تحتضن الميليشيا وأعوانها، هل هنالك خطواتٍ إضافية؟
هنالك لجنة تعمل في موضوع العلاقات مع كينيا برئاسة عضو مجلس السيادة الفريق أول ركن شمس الدين كباشي، وطبقت عقوباتٍ تجاريةٍ وهي مؤثرة جدًا، ونتمنى أن تراجع كينيا مواقفها، لأنّ هنالك رفضٌ شاملٌ وكبير حتى من الاتحاد الأفريقي، ومن المفروض على الحكومة الكينية احترام الإرادة الدولية الرافضة لفكرة أن تكون هنالك حكومة موازية.
ما هو موقف الحكومة من تطورات الأوضاع بالجارة جنوب السودان؟
نتابع بصورةٍ لصيقة مع أخوانا في جنوب السودان وسفارتنا هنالك، ونحن مع استقرار الأوضاع بالجنوب، وندعو الإخوة الجنوبيون لأن يكونوا أكثر حرصًا ويلجأون للحوار فيما بينهم لحل وتفادي أي مواجهات تؤثر على بلادهم. نحن في السودان من مصلحتنا استقرار الأوضاع بالجنوب.
هل أعدت الخارجية خطةً لما بعد الحرب، خاصةً وأنّ المشهد ينبئُ بقرب نهايتها؟
ملف إعادة الإعمار من أهم الموضوعات التي نوليها اهتمامًا كبيرًا، ونقوم بتحركاتٍ كبيرةٍ في هذا الملف. ولكن لا بد أن نعي أنّ إعادة الإعمار تتم وفق خطةٍ شاملةٍ تضعها اللجنة العليا التي شكلها رئيس مجلس السيادة ولديها خططًا راتبة. واحدة من الأشياء التي سنفعلها ثلاث اجتماعات مهمة من ضمنها المنتدى الثاني لرجال الأعمال “السوداني – المصري”، الذي سيكون في بورتسودان، وهو مخصصٌ لإعادة الإعمار. وأيضًا هنالك اجتماعات اللجنة الوزارية “السودانية – الروسية”، وهي مهمة وفقًا لمخرجات الزيارة التي تمت في روسيا، وسيكون لها نتائج إيجابية إن شاء الله. عندما تضع الحرب أوزارها سنكون جاهزين، كما أنّ هنالك اتصالاتٍ تمت مع دول “السعودية، والكويت، وقطر”، حول اجتماعات المانحين لتمويل برامج إعادة الإعمار. وكل هذه الدول أبدت استعدادًا لأن تستضيف اجتماعاتٍ للدول والمؤسسات المانحة، والأمور تمضي بصورةٍ طيبة. هنالك إلى حدٍ كبيرٍ تجاوب مع دعوات السودان.
هل تم تخصيص مقر للوزارة خلال الفترة المقبلة؟
نعم.. والمقر الجديد لا زال قيد البناء، وعقب جاهزية المحل، سيتم استدعاء عددٍ كبيرٍ من السفراء والإدارات.
بعد أربعة أشهر.. هل أنت راضٍ عن تجربتك خلال هذه الفترة؟
السؤال المهم ليس أني راضٍ، بل اتمنى أن يكون الرضا ممن استقدمني للعمل في هذا الموقع، والشعب السوداني، وخدمة معركة الكرامة، وإذا كانت الأطرافُ راضيةً فأنا راضٍ.
هل كنت تتوقع أن تتقلد المنصب؟
لم أكن أتطلع إلى هذا المنصب، وكان بالإمكان أن أتقلده قبل عشرين عامًا.

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • حديث أركو مناوي ..الذي نفذ في خضّم المعركة ورغم مرارات الحرب
  • المقاطعة الاجتماعية واجب أخلاقي
  • للتأكد من توافر الاحتياجات الأساسية فيها… القائم بأعمال وزارة الصحة ‏يجري جولة تفقدية على مستشفى الهلال الأحمر ‏
  • ما الاختلاف الذي لمسه السوريون في أول رمضان بدون الأسد؟
  • تركيا الأولى عالميا ضمن الدول التي يصعب فيها امتلاك منزل!
  • اختبار التوحد الذي يستغرق 10 دقائق للكشف المبكر عن المرض
  • ???? عبد الرحمن عمسيب ، الرائدُ الذي لا يكذبُ أهلَه
  • وزير الخارجية: (…) هذه خطتنا لما بعد الحرب.. واتصالات مع 3 دول لتمويل الإعمار
  • فيما ورد خبر من هيئة البث الإسرائيلية ذو صلة بالانفجارات … هذه هي المناطق التي استهدفها الطيران في العاصمة صنعاء ” صور ” 
  • بالمنطق.. صلاح الدين عووضه : عجائب!!…