إنسانيتنا المهدورة ….مرة أخرى
تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT
فيصل محمد صالح
كتبت في مقال الأسبوع الماضي متسائلاً: هل فقد السودانيون إنسانيتهم؟… وأوردت وقائع وأحداثاً ما كان الظن أن تحدث في بلادنا ومن مواطنين سودانيين، وخلصت لأن الحرب وما تحمله من ويلات وأهوال وجرائم تقودنا لأن نفقد إنسانيتنا وتجعلنا نتصرف بطريقة لا يمكن وصفها بغير الوحشية.
لم يمر المقال بسهولة، فمثلما اتفق معه البعض، فقد أهاج بعضٌ آخر، عدّ أن المقال يسيء للشخصية السودانية، إما بوصفها بصفات سالبة ليست فيها، أو لأنه ينشر الغسيل القذر الذي ينبغي على كل وطني سوداني، كما ذكر بعضهم، ألّا يكشفه للعالم، بل يبقيه في الإطار الداخلي.
النوع الأول من اللائمين، الذين ينكرون الوقائع، يمكن بسهولة مواجهتهم بالحقائق والأدلة، وهي كثيرة ومتنوعة، وسواء اقتنعوا أم لم يقتنعوا، فإن المرء يكون قد أراح ضميره، وفعل ما ينبغي عليه أن يفعله.
تبقى المشكلة مع الجناح الآخر، الذي يعرف ويقر بالوقائع والأحداث، ثم يعد أن كشفها والكتابة عنها خيانة وطنية. هذا منطق يصعب ابتلاعه أو التفاهم معه، لأنه يظن أن العالم لا يزال يعيش في القرون الوسطى، حيث لا يعرف الناس ما يجري في القرية المجاورة، هذا من ناحية، ولأنه، من ناحية أخرى، يظن أن إخفاء المعلومة علاج ناجع وكافٍ. ونفس الجناح جاء بمنطق آخر، يتعلق بالجانب الذي يقف فيه من طرفي الحرب، فقد افترض أن علينا أن نكتب عن جرائم «قوات الدعم السريع» التي ارتكبتها أينما حلت، وهي جرائم وصلت أقصى مراحل البشاعة، ولكن إن توافرت لدينا دلائل ووقائع لجرائم ارتكبها منسوبون للجيش السوداني، فيجب عدم الإشارة إليها، لأن هذا جيشنا الوطني الذي ينبغي ألا نشوه سمعته، وإن وقعت منه جرائم أو أخطاء فهي يجب أن تكون ضمن الذنوب المغفورة.
هذا منطق معكوس، فالجيش الوطني الذي صرف عليه الشعب السوداني، واقتطع من قوته الشحيح وأقام له الكليات العسكرية والمعاهد ومراكز التدريب، وحمله المسؤولية الوطنية والأخلاقية لحماية الوطن والشعب، يجب أن يكون الأكثر تمسكاً بالقيم الإنسانية والأخلاقية والوطنية، وأن يكون الأكثر التزاماً بالقوانين الوطنية والدولية، ولا يتصرف مثل الميليشيات المتفلتة. ارتكبت «قوات الدعم السريع» جرائم كثيرة موثقة، بحيث يصعب عليها إنكارها، كما لم ينجُ منها أحد في المناطق التي وجدوا فيها، ومن لم يمت برصاصهم وقذائفهم، تم نهب منزله وممتلكاته وسياراته، ومن المنطقي والطبيعي ألّا تمر هذه الجرائم كسابقاتها، وأن تكون المحاسبة عليها ومحاكمة مرتكبيها جزءاً من أي اتفاق مقبل. لكن لا يمكن أن يكون الرد عليها بارتكاب جرائم تماثلها في البشاعة والقبح.
قبل أن يجف حبر ما كتبناه في الأسبوع الماضي، طاف بالأسافير فيديو تم تصويره في إحدى مناطق الاشتباكات، ويظهر فيه جنود يرتدون زي الجيش السوداني وهم يحملون رؤوس عدد من الأسرى المنتمين لـ«الدعم السريع»، أو هكذا يقول المتحدثون في الفيديو، تم ذبحهم كالخراف. الأدهى والأمر أن هذه الرؤوس كان يحملها الجنود ويطوفون بها وسط التهليل والتكبير… «الله أكبر… الله أكبر»… حتى يظن المرء أنها صورت في عهد الحجاج بن يوسف الثقفي.
هل يظن الناس أن هذه الحرب ستنتهي بوقف إطلاق النار، أو توقيع اتفاق ما، ربما حتى ينتهي بذهاب العسكر للثكنات وتكوين حكومة مدنية، ثم نعود لحياتنا السابقة، نذهب لأعمالنا، ثم نعود لمنازلنا، نداعب أطفالنا، نشاهد التلفزيون ثم نأوي بأمان للنوم.
واهم من يظن أن الأمر سيكون هكذا، ما ستخلفه الحرب في نفوسنا وعقولنا وضمائرنا لن يمكننا تجاوزه بسهولة، هذه الحرب تهدم إنسانيتنا وأخلاقنا وقيمنا، قبل أن تهدم بيوتنا ومبانينا، والواجب علينا أن نبدأ حرباً سلمية معاكسة نحاول أن نستعيد فيها إنسانيتنا وأن نحيي فيها ضمائرنا. واهم من يظن أن الاعتصام بموقف سياسي ما سيجعلنا ننجو، كما أننا لن ننجو بالخلاص الفردي، ننجو بالاستعصام بالموقف الإنساني والأخلاقي الذي يتجاوز الموقف السياسي. ليس مطلوباً منا الالتزام بموقف سياسي واحد، هذا ضد طبيعة البشر، وليس من مشكلة في استمرار تعدد المواقف السياسية، لكن الموقف الإنساني والأخلاقي والقيمي هو الذي لا يملك القسمة على اثنين.
هل هو حلم بعيد المدى أن ندعو الناس، بغض النظر عن مواقفهم السياسية، أن يستنهضوا إنسانيتهم بشكل يتجاوز الموقف السياسي ليقفوا ضد الجرائم والانتهاكات التي تقودنا نحو العهود المظلمة وتجعلنا نتعامل مع بعضنا كالحيوانات، وأن يطالب الناس الجهات التي يؤيدونها سياسياً بالالتزام بالحد الأدنى بالقوانين الإنسانية الدولية، قبل أن يطالبوا الجهات التي يختلفون معها؟
الوسومآثار الحرب في السودان الجيش الدعم السريع فيصل محمد صالحالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: آثار الحرب في السودان الجيش الدعم السريع فيصل محمد صالح الدعم السریع یظن أن
إقرأ أيضاً:
رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع : الدعم العسكري الذي قدمته اليمن لغزة تاريخي وغير مسبوق
الثورة نت/..
أشاد رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، أحمد ويحمان ، بقرار القوات المسلحة اليمنية استئناف حظر عبور كافة السفن الصهيونية من مضيق باب المندب ومن البحرين الأحمر والعربي ، مقابل فك الحصار على قطاع غزة.
وفي حوار أجراه معه موقع “عرب جورنال” قال أحمد ويحمان، ” نحيي عاليا الموقف البطولي للقوات المسلحة اليمنية التي أثبتت بالفعل أن هناك دولاً في الأمة قادرة على إسناد فلسطين ميدانيًا وليس فقط بالشعارات، فتحية خاصة لهمم اليمن، شعبا، وقوات مسلحة باسلة وقيادة شجاعة وحكيمة لها محبة كل أحرار الأمة والعالم”.
وأضاف رئيس المرصد المغربي ، “إن قرار استئناف اليمن الحصار البحري على الكيان الصهيوني تاريخي وغير مسبوق، وأحرج الأنظمة المتخاذلة التي تكتفي بالكلام والتواطؤ جراء وقف الاحتلال المساعدات الإنسانية والحصار والتجويع لقطاع غزة”.
وأكد إن قرار استئناف الحصار البحري على السفن الصهيونية موقف بطولي في دعم غزة، مقارنةً بمخرجات القمة العربية الأخيرة التي أثبتت عجزها، سوى أنها اكتفت ببيانات خاوية، دون أي إجراءات عملية كوقف التطبيع أو طرد سفراء العدو أو حتى التلويح بقطع العلاقات، لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة وأن تضغط لفعل ذلك.
وثمن أهمية وانعكاسات القرار اليمني الذي يأتي في أعقاب فشل النظام العربي الرسمي، في اتخاذ قرار واحد جريء لمواجهة المخططات الأمريكية الصهيونية ضد فلسطين والأمة العربية والإسلامية، بعد قمة هزيلة، في إشارة إلى القمة العربية الأخيرة التي عقدت في القاهرة.
وشدد ويحمان، على أن الدعم العسكري الذي قدمته اليمن لغزة طوال معركة طوفان الأقصى، سواء عبر الهجمات البحرية أو الصواريخ والطائرات المسيرة غير قواعد الاشتباك وأرغم الصهاينة على التفكير ألف مرة قبل الاستمرار في عدوانهم على غزة.
وأوضح أن الدعم اليمني أضاف بعدًا استراتيجيًا للصراع وأكد أن غزة ليست وحدها وأن جبهة المقاومة باتت موحدة من فلسطين إلى اليمن فلبنان والعراق وسوريا. وهذا ما رفع وضع اليمن الاعتباري في وجدان الأمة إلى أعلى المراتب، لا يتقدمه أي بلد آخر.
وأكد في ختام حديثه دعم المرصد المغربي المطلق لخيار المقاومة في فلسطين واليمن ولبنان والعراق وكل ساحات الإسناد بما فيها، وأساسا، الجمهورية الإسلامية الإيرانية .