تحليل: بوتين رأى تهديدًا وجوديًا في نافالني.. زعيم المعارضة الذي لم يجرؤ على ذكر اسمه
تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT
(CNN)-- كان أليكسي نافالني يمثل ذات يوم مستقبلاً بديلاً لروسيا: مكان متفائل يتطلع إلى المستقبل، ومتحرر من حكم الرجل الواحد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
مع وفاة زعيم المعارضة في أحد السجون بالدائرة القطبية الشمالية، أصبح المشهد السياسي القاتم في روسيا الآن أكثر قتامة.
سيكون من الصعب المبالغة في تقدير مدى عمق رمزية نافالني لحملة بوتين التي لا هوادة فيها لمحو آخر بقايا المعارضة السياسية من روسيا.
لقد دفع نافالني نفسه ثمنًا باهظًا لنشاطه. وتحت المراقبة المستمرة من قبل أجهزة بوتين الأمنية، نجا نافالني من تسمم شبه مميت بغاز الأعصاب نوفيتشوك، لكنه عاد بتحد إلى روسيا بدلا من البقاء في المنفى المريح. تم القبض عليه على الفور عند عودته إلى موسكو.
وما تلا ذلك كان محاكاة ساخرة للعدالة الجنائية، حيث وجه المدعون العامون الروس التهم إلى نافالني، الذي واصل مهاجمة بوتين. في أحد المثول أمام المحكمة عبر رابط فيديو، كال نافالني الهزيل - الذي أنهكه الإضراب عن الطعام - الازدراء للرئيس قائلاً: "أود أن أقول إن ملكك عارٍ، وأكثر من طفل صغير يصرخ بشأن ذلك، الملايين من الناس يرفعون الصوت بالفعل حول هذا الموضوع. إنه أمر واضح تماما"، وأضاف: "لقد وصل الأمر إلى هذا الحد بعد عشرين عامًا من الحكم غير الكفء: هناك تاج ينزلق من أذنيه".
وأضاف "ملكك العاري يريد أن يحكم حتى النهاية، فهو لا يهتم بالبلاد، إنه متمسك بالسلطة ويريد أن يحكم إلى أجل غير مسمى".
ولكن حتى خلال جولة وحشية في نظام العقوبات الروسي، حافظ نافالني على رباطة جأشه ــ وروح الدعابة غير العادية التي يتمتع بها. وفي منشور على تلغرام في يناير/ كانون الثاني، مازح بشأن الموسيقى المروعة لنجم البوب شامان المؤيد للحرب، والتي يتم إطلاقها عبر مكبرات الصوت في السجن في مستعمرة IK-3 العقابية في خارب في منطقة يامال-نينيتس.
وتأتي وفاة نافالني في الوقت الذي يتجه فيه بوتين، الذي يتولى السلطة منذ ليلة رأس السنة عام 1999، لولاية خامسة في منصبه. ستكون الانتخابات الرئاسية في مارس/ آذار بمثابة مسرحية سياسية: فقد تم منع بوريس ناديجدين، المرشح الوحيد المعارض لحرب بوتين على أوكرانيا، من الترشح، وسوف يبعث التصويت برسالة إلى الروس والعالم: الشعب الروسي خلف بوتين وخلف الحرب على أوكرانيا. لا يوجد مجال لإعطاء نافالني المجال على وسائل الإعلام الحكومية في الفترة التي تسبق الكرنفال الانتخابي.
وتمثل وفاة زعيم المعارضة أيضًا نهاية حقبة بالنسبة لروسيا. وبرز نافالني كأبرز زعيم للمعارضة الروسية في أعقاب اغتيال منتقد بوتين الصريح بوريس نيمتسوف في عام 2015، على مرأى ومسمع من الكرملين. كما هزت عملية القتل تلك المجتمع الروسي بشكل عميق، ولكن الزمن كان مختلفاً تماماً. وفي وقت مقتله، كان نيمتسوف وفريقه يحققون في نشر القوات الروسية في منطقة دونباس في شرق أوكرانيا، وهو الأمر الذي نفته الحكومة الروسية رسميًا.
والآن أصبحت الحرب علنية، في أعقاب الغزو الشامل لأوكرانيا في فبراير/ شباط 2022. وقد أدخلت روسيا قوانين جديدة صارمة تجعل من غير القانوني انتقاد المؤسسة العسكرية. ويبدو من غير المرجح الآن أن تتكرر الاحتجاجات الحاشدة المناهضة للفساد، والتي تمكن نافالني ذات يوم من حشدها قبل الغزو، في عصر بوتين. إن المقالات ومقاطع الفيديو الاستقصائية التي نشرها نافالني وفريقه على الإنترنت ذات يوم ــ والتي وصلت إلى ملايين الروس ــ تواجه رقابة رقمية خانقة بشكل متزايد.
إذن، رد الكرملين على وفاة نافالني قد يكشف سرًا. من المعروف أن بوتين رفض النطق باسم نافالني، في إشارة إلى القلق العميق بشأن الشرعية التي يتمتع بها نافالني كزعيم للمعارضة.
عندما سئل في مؤتمر صحفي عام 2017 عن سبب خوف حكومته من منافسة نافالني، رفض بوتين مرة أخرى نطق اسم نافالني، وتحايل حول الأمر قائلا "الشخصيات التي ذكرتها" و"الأشخاص الذين ذكرتهم". وأوضح أنه يرى في المعارضة الديمقراطية الروسية تهديدا وجوديا.
وفي روايته المشوهة، قال بوتين إن نافالني كان يعادل الرئيس الجورجي السابق ميخائيل ساكاشفيلي ــ أو ما مثل الأوكرانيين الذين احتشدوا في ساحة ميدان بكييف لمعارضة الرئيس الأوكراني الموالي لروسيا، الذي فر من البلاد في أوائل عام 2014.
وقال: "بالنسبة للشخصيات التي ذكرتها"، لقد تم بالفعل طرح سؤال حول أوكرانيا. هل تريد أن يجول العشرات من الأشخاص مثل ساكاشفيلي هنا؟ أولئك الذين ذكرتهم هم نسخة روسية من ساكاشفيلي. هل تريد مثل هؤلاء الساكاشفيليين أن يزعزعوا استقرار بلدك؟ هل تريدنا أن نعيش من ميدان إلى آخر؟ للنجاة من محاولات الانقلاب؟ لقد مررنا بهذا بالفعل. هل تريدون أن يعود كل هذا؟"
أظهر رد فعل نافالني، مرة أخرى، روح الدعابة القوية التي يتمتع بها. وقال مازحا على تويتر: "إلى مجموعتي من الكلمات التي استخدمت لعدم قول نافالني، أضيفت عبارة "أولئك الذين ذكرتهم".
المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: تحليلات فلاديمير بوتين
إقرأ أيضاً:
تحليل لهآرتس عن تحقيقات 7 أكتوبر: حماس تفوقت على الجيش الإسرائيلي
سلط تحليل جديد لصحيفة هآرتس نشر اليوم الثلاثاء الضوء على من سلسلة من الإخفاقات الفادحة التي عانى منها الجيش الإسرائيلي في تصديه لهجوم "طوفان الأقصى" الذي شنته المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
واستند التحليل الذي كتبه المحلل العسكري للصحيفة عاموس هرئيل على التحقيقات الجزئية التي أجراها ضباط نظاميون واحتياطيون برتب تتراوح بين عقيد ومقدم في جيش الاحتلال.
وخلص إلى أن هذه التحقيقات كشفت عن سلسلة من الأخطاء الإستراتيجية والتكتيكية التي أدت إلى واحدة من أسوأ الهزائم العسكرية في تاريخ إسرائيل، وأظهرت صورة قاتمة لتراجع المعايير الأمنية والإجراءات الدفاعية على طول حدود غزة.
انهيار سريع للخطوط الأماميةويرى هرئيل أن الهجمات التي نفذتها كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) على كيبوتس كفار غزة ومعسكر نحال عوز، والتي أدت إلى سقوط مئات القتلى والجرحى في صفوف الإسرائيليين، فضلاً عن عمليات الأسر الواسعة "تدل على أن الإخفاقات لم تكن فقط نتيجة عنصر المفاجأة، بل كانت متجذرة في تراجع الالتزام بالإجراءات العسكرية الأساسية، مما أدى إلى انهيار سريع للخطوط الدفاعية الإسرائيلية".
ويكشف المحلل العسكري أن حماس استغلت ضعف الجاهزية العسكرية للجيش الإسرائيلي على الحدود، حيث تسببت الهجمات المتزامنة في شل قدرات الوحدات المدافعة في الساعات الأولى، حيث عانت المستوطنات والمواقع العسكرية من نقص في القوات المدربة والجاهزة للرد على الهجوم.
إعلان"فعلى سبيل المثال، في كيبوتس كفار غزة، واجه 14 مقاتلا من قوة الطوارئ هجومًا شرسًا من 250 مقاتلًا فلسطينيًا، مما أدى إلى مقتل نصف المدافعين في الساعات الأولى. ولم يكن هناك أي جندي إسرائيلي في الخدمة الفعلية داخل الكيبوتس وقت الهجوم، باستثناء العميد يسرائيل شومر، الذي كان في منزله دون سلاح واضطر إلى القتال بسكين مطبخ قبل أن يحصل لاحقًا على سلاح من أحد القتلى".
أما في معسكر نحال عوز العسكري، فيقول المحلل العسكري إن "الصورة كانت أكثر قتامة، على الرغم من وجود نحو 90 جنديًا مسلحًا، معظمهم من كتيبة جولاني الثالثة عشرة".
وتشير التحقيقات التي أجراها الجيش الإسرائيلي إلى أن "حماس أدركت أن المعسكر يشكل مركز ثقل حيوي في تشكيل جيش الدفاع الإسرائيلي، ولذلك خصص مخططو الجناح العسكري لحماس 15 دقيقة بين عبور الحاجز في السياج والوصول إلى الأسوار العالية المحيطة بالمعسكر، وتمسكوا بخطتهم، حتى انهار المعسكر بالكامل".
ويقول إن "الإعداد الدفاعي كان ضعيفًا، مقابل حماس، التي تدربت لسنوات على السيطرة على المخيم، ونجحت في اختراق الدفاعات بسهولة نسبية، وقامت بإطلاق مئات الصواريخ وقذائف الهاون في الدقائق الأولى من الهجوم، مما أدى إلى تفاقم حالة الشلل التي عانت منها القوات الإسرائيلية.
تفوق تكتيكي لحماسويسلط هرئيل الضوء على أن التحقيقات أظهرت أن حماس لم تكتفِ بالمفاجأة العسكرية، بل نجحت في فرض تفوق تكتيكي عبر تنسيق محكم بين وحداتها، حيث تمكنت من استغلال نقاط الضعف في البنية الدفاعية الإسرائيلية.
فمثلاً، في معسكر نحال عوز، الذي كان يضم نحو 90 جنديًا من كتيبة جولاني الثالثة عشرة، استطاعت المقاومة اختراق الدفاعات بسبب تصميم الجدران التي احتوت على نقاط ضعف مكشوفة.
ويعتبر أيضا أن "تدريب حماس الطويل على السيطرة على المخيمات العسكرية كان عاملاً حاسمًا، إذ أنشأت نموذجًا مصغرًا لمعسكر نحال عوز لتدريب مقاتليها على الهجوم، وهو ما ساعدهم على تنفيذه بدقة. وعند بدء الهجوم، أطلقت المقاومة مئات الصواريخ وقذائف الهاون، مما شل قدرات الجيش الدفاعية ودفع العديد من الجنود إلى الاختباء، متجاهلين خطر الهجوم البري القادم من الغرب".
إعلانويكشف هرئيل أن حماس كانت قد خططت مسبقًا لإعاقة أي تعزيزات عسكرية إسرائيلية عبر نشر كمائن على الطرق المؤدية إلى المستوطنات المستهدفة، مما أبطأ بشكل كبير من وصول القوات الإسرائيلية لمناطق الاشتباك.
وبحلول الوقت الذي تمكنت فيه هذه القوات من التدخل، كانت المقاومة الفلسطينية قد أنجزت معظم أهدافها، سواء في القتل أو الأسر أو تدمير المواقع العسكرية.
ويعتبر التحليل العسكري أن "حماس أثبتت قدرتها على تنفيذ عمليات معقدة ومتعددة الجوانب، وهو ما يشير إلى تطور نوعي في قدراتها العسكرية والتخطيطية".
غياب التحذير الاستخباراتيوتشير التحقيقات إلى أن الجيش الإسرائيلي كان على علم ببعض المؤشرات التحذيرية قبل الهجوم، لكن لم يتم التعامل معها بجدية. فقد كانت هناك تقارير استخباراتية عن نشاط غير معتاد على حدود غزة، لكن القيادات العسكرية لم تولها الاهتمام الكافي، ولم يتم تمريرها إلى الوحدات المنتشرة في الميدان.
ويكشف تحليل هآرتس أن أنظمة القيادة والسيطرة انهارت بالكامل في اللحظات الحاسمة، مما جعل التنسيق بين الوحدات شبه مستحيل، كما يؤكد أن فرقة غزة العسكرية تم تحييدها عمليًا خلال أول ساعتين من الهجوم، مما جعل القوات الميدانية في وضع حرج من حيث القدرة على التنظيم والرد.
عوضا عن ذلك، يظهر تحليل أداء الجيش الإسرائيلي خلال الهجوم أن الفشل لم يكن محصورًا في ساحة المعركة فقط، بل كان نتيجة تراكم طويل من الإهمال في الاستعدادات الدفاعية.
وكانت هناك ثغرات كبيرة في التجهيزات العسكرية، حيث لم تكن الوحدات تمتلك مخزونًا كافيًا من القنابل اليدوية، والصواريخ المضادة للدبابات، والأسلحة الرشاشة اللازمة لصد هجوم واسع النطاق.
ويقرر المحلل العسكري أن هذا التحقيق هو من بين أكثر التقارير العسكرية الإسرائيلية صراحةً في الإقرار بحجم الإخفاقات التي واجهها الجيش الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2003، "فقد أبرزت النتائج أن الجيش لم يكن مستعدًا لمثل هذا النوع من الهجمات المنسقة، وأن ثقافة الاستهتار والتهاون في الالتزام بالإجراءات العسكرية كانت أحد العوامل الرئيسية التي أدت إلى هذه الكارثة".
إعلانويخلص هرئيل إلى وجود تراجع مهم في قدرات الجيش الإسرائيلي من خلال إيراد شهادة أحد المحققين، والذي قال "لقد نسينا في الجيش الإسرائيلي كيف ندافع"، ويعتبر أن هذا التراجع كان واضحًا بشكل خاص على حدود غزة، حيث أدى بناء الحاجز تحت الأرض ضد الأنفاق إلى غرس ثقة مفرطة في القادة، مما أدى إلى الاعتقاد بأن الحدود أصبحت منيعة تقريبًا.
ويضيف أن التحقيقات أظهرت أيضًا أن القوات لم تكن مستعدة لسيناريو متطرف، حيث يقتحم أكثر من 5 آلاف مسلح أكثر من 100 نقطة إسرائيلية على حدود غزة.
ويقول "حتى عندما بدأت الكارثة تتكشف أمام أعينهم، واجهت القادة صعوبة في تصور الأسوأ الذي كان ينتظرهم".
ويختم التحليل بالتأكيد على أن القيادة العسكرية الإسرائيلية تواجه الآن تحديًا كبيرًا في إعادة بناء الثقة داخل الجيش وبين الجمهور الإسرائيلي بعد أن كشفت التحقيقات المستمرة المزيد من التفاصيل الصادمة عن مدى هشاشة البنية الدفاعية على حدود غزة".