آخر تحديث: 18 فبراير 2024 - 9:41 صبقلم:فاروق يوسف من الطبيعي ألاّ تتذكر أجيال من العراقيين صدام حسين. لا لأنها ولدت في العشرين سنة الماضية وحسب، بل وأيضا لأن زمن العراقيين ليس كأزمان الشعوب الأخرى، فهو يحمل معه الكثير من الكوارث غير المتوقعة في السياق التاريخي. تلك الكوارث يضفي عليها العراقيون طابعا تراكميا بما يجعلها قابلة للتوسع والتراكم والزيادة والامتداد.
إن حدثت مشكلة فهم لا يواجهونها بل يتعاملون مع تجلياتها المختلفة وفروعها المتشعبة، وهو ما يعني أن همهم يغدو هموما. أليس طبيعيا والحالة هذه ألاّ تفكر أجيال بصدام حسين؟ غير أن هناك مَن يفرض على العراقيين التفكير بالعائلة المالكة التي قُتلت عام 1958 أي قبل 65 سنة ولسان حاله يقول “أنتم قتلتم تلك العائلة البريئة”، وهمسا يقول “كما قتلتم من قبل الحسين بن علي”. ومن خارج العراق يأتي الصوت الذي يتهم العراقيين بأنهم قتلوا صدام حسين وهو آخر رئيس للدولة العراقية التي قد لا ترى النور مرة أخرى.ليس العراقيون أشرارا كلهم ولكنهم شعب أُبتلي بالعنف. هم مثل باقي الشعوب العربية لا يحبون القوانين إلا إذا تم إعفاؤهم من عقوباتها. يطلبون قوانين تكون على مقياس مزاجهم المتطرف. لذلك فإنهم لا يحبون الدولة. نخب قليلة منهم عرفت كيف تهذّب نفسها وتربّيها تربية حضارية وتخفف من تأثير العصف العاطفي الذي يعتريها. تلك النخب استطاعت في لحظة فارقة من التاريخ أن تبني دولة المؤسسات وهي دولة القانون التي كانت دائما في حاجة إلى القوة التي لا تخلو ممارساتها من العنف وهو ما أدى إلى أن يهدأ العراقيون بعد تذابح حزبي استمر عقدا من الزمن، سقط فيه الآلاف من القتلى بطريقة عبثية لا مبرر لها.بالمقارنة مع زمنيهم الملكي والجمهوري يُعتبر عقد السبعينات من القرن الماضي هو الأفضل في عمر العراقيين. وضعت الدولة يومها لأول مرة مؤسساتها الثرية في خدمة الشعب. شهد قطاعا التعليم والصحة تطورا لافتا كما أن البنية التحتية لم يكن ينقصها شيء. كان من الممكن أن يغادر العراق مكانه في العالم الثالث لولا أن العراقيين تذكروا شغفهم بالعنف فكان صدام حسين بمثابة بشارة لذلك العنف الذي لم ينته حتى هذه اللحظة وقد يستمر عقودا. لا أحاول هنا أن أستحضر صدام حسين الذي لم يُسمح له في محاكمته أن يقول كلمة مفيدة ولا أحاول أن أدين الشعب العراقي الذي كان في لحظة انقضاض صدام حسين على حزب البعث وقتله لنصف قيادة ذلك الحزب، وهو النصف الذي عارض استلامه للمنصب الأول في الدولة قد وقف معه ورقص له فكان رئيسا منتخبا بالإجماع الشعبي.كانت شعبية صدام حسين في الذروة يوم أعلن حربه على إيران وكان ذلك هو يوم نحس في تاريخ العراق. ولكنّني هنا أحاول أن أفكك ما صار غامضا على أجيال من العراقيين تعرضت للتضليل بسبب الإعلام الموجه الذي يرغب في تشويه صورة العراق والعراقيين وإضفاء طابع سوداوي على كل ما مر بالعراق قبل الاحتلال، بالرغم من أن الشيوعيين العراقيين، وهم من أكثر القوى السياسية رغبة في إخفاء الحقائق عن الأجيال الجديدة، كانوا حاضرين في كل المذابح التي شهدها العراق الجمهوري، قتلة وقتلى على حد سواء. ما يهمني هنا أن صورة العراق الحديث لن تكون واضحة عبر السنوات القادمة ولن تتحقق دولة العراق من وجودها في ظل الهيمنة الإيرانية التي تحرسها الميليشيات التي لا يعرف أفرادها شيئا عن الوطنية العراقية، فهم لم يتربوا على معانيها بعد أن أُلغيت مادة “التربية الوطنية” من المناهج الدراسية.لقد استلمت الميليشيات العراقيين لتزيدهم جهلا بوطنهم من غير أن يعرفوا أنهم قد فقدوا المواطنة وهي أعز ما يملكه الإنسان في العصر الحديث. صاروا أبناء الطائفة التي تم احتكار تمثيلها من قبل جماعة مسلحة تابعة لإيران، وهو ما يعني أنهم قد مُسخوا وطنيا ولم يعودوا عراقيين إلا بالاسم الذي يشير إلى هويتهم القلقة.هناك اليوم أجيال من العراقيين تحب وتكره، لا لأنها تعرف لماذا تحب وتكره، ولكن لأنها تجهل كل ما يتعلق بالماضي القريب لوطنها الذي صار مثل حبل غسيل تعلق عليه صور أبطال مزورين قد لا يكونون مسؤولين عما انتهوا إليه حين استولت عليهم الدعاية الحزبية الرخيصة.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: من العراقیین صدام حسین
إقرأ أيضاً:
مراسلة الجزيرة بموسكو تكشف عن الفندق الذي نزل به الأسد والأموال التي بحوزته
كشفت مراسلة الجزيرة في موسكو رانيا دريدي عن الفندق الذي أقام فيه الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد وأفراد أسرته، في الأيام الأولى لهروبه من سوريا، مؤكدة أن لا أحد يعرف مكانه حاليا.
ومن أمام فندق "فور سيزن/ الفصول الأربعة" الواقع قرب الساحة الحمراء في موسكو، قالت رانيا إن الأسد وعائلته كانوا قد نزلوا بهذا الفندق في الأيام الأولى من هروبهم، وإن أحد أبناء الجالية السورية التقى صدفة في بهو الفندق بزوجة بشار، أسماء وابنها وابنتها، وكانوا تحت حماية أمنية مشددة.
وحسب مراسلة الجزيرة، فإنه بعد أن ترك الأسد وأسرته الفندق، فإن مكان إقامتهم الحالي ما زال مجهولا، مشيرة -أي المراسلة- إلى أن معلومات تداولتها العديد من الصحف والمواقع الروسية تؤكد أن الرئيس المخلوع اقتنى مع عائلته عددا من العقارات في موسكو وفي المراكز الإستراتيجية المهمة، من بينها المركز التجاري والسكني "موسكو سيتي"، مشيرة إلى أن هذه العقارات تقدر بملايين الدولارات.
وحول موضوع الأموال التي بحوزة الرئيس المخلوع، نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن تحليل سجلات مصرفية أن نظام الأسد نقل حوالي 250 مليون دولار نقدا إلى موسكو بين عامي 2018 و2019، بينما كانت عائلته تشتري سرا أصولا في روسيا.
إعلانوقالت فايننشال تايمز إن الأموال المنقولة إلى موسكو تم تسليمها إلى البنك الروسي للمؤسسة المالية، وإن كبار مساعدي الأسد واصلوا نقل الأصول إلى روسيا رغم العقوبات الغربية.
وفي سياق متصل، قالت رانيا دريدي إن مدير الاستخبارات الخارجية الروسية سيرغي ناريشكين رفض التعليق على موضوع الحماية الروسية للرئيس السوري المخلوع وأفراد أسرته، بعد هروبهم من سوريا.
ولم يقدم المسؤول الروسي أي معلومات حول ما إذا كانت السلطات الروسية قد وفرت أم لم توفر الحماية للأسد وعائلته.
وأقرت السلطات الروسية على لسان سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي -خلال مقابلة سابقة أجرتها معه شبكة "إن بي سي" الأميركية- بأن بشار بضيافة روسيا، في أول تأكيد حكومي روسي لذلك.
يذكر أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان قد منح اللجوء لبشار بعد وصوله إلى موسكو هاربا من سوريا، وقال إنه فعل ذلك لدواع إنسانية، وتقول مراسلة الجزيرة إنه بالنسبة لبوتين فقد أصبح الأسد خارج المعادلة السياسية، ولذلك لم يمنحه اللجوء السياسي.
إجلاء ومباحثاتومن جهة أخرى، أشارت المراسلة إلى شح المعلومات بشأن عملية إجلاء موظفي البعثات الخارجية الروسية لدى دمشق، وقالت إنه تم الإعلان عن إجلاء عدد من هؤلاء، بالإضافة إلى إجلاء موظفي البعثات الدبلوماسية التابعة لبيلاروسيا وكوريا الشمالية وأبخازيا من سوريا.
وكانت السلطات الروسية قد أكدت أن سفارتها في دمشق تواصل عملها بشكل طبيعي، وتزامن ذلك مع تصريحات لميخائيل بغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الروسي الخاص إلى الشرق الأوسط بشأن تعويل موسكو على استمرار عقد اجتماعات مع تركيا وإيران لبحث تطورات الملف السوري، واصفا الاجتماعات بالمهمة وأن موسكو مهتمة بها.
وفي وقت سابق أعلنت الخارجية الروسية أن موسكو تقوم حاليا بعقد مشاورات وحوارات ومفاوضات مع ممثلي السلطات الجديدة في سوريا، بشأن مستقبل العلاقات الروسية السورية، ووجود القواعد العسكرية الروسية في سوريا.
إعلان"وهي مسألة مهمة وحساسة بالنسبة لموسكو"، كما تقول مراسلة الجزيرة، والتي أكدت أن موسكو "تسعى للحفاظ على القاعدتين الروسيتين في حميميم وطرطوس".