القاهرة- بينما تُشغل مصر بحدودها الشرقية، في مواجهة التهديدات الإسرائيلية باجتياح رفح، تسبب قرار اللواء عادل الغضبان، محافظ بورسعيد شمالي شرق البلاد، بإخلاء ضاحية الجميل من السكان في تصعيد مواجهة حقوقية وغضب محلي.

وبينما يواجه المحافظ اتهامات حقوقية وشعبية بتوتير الأجواء داخليا وارتكاب جريمة تهجير قسري بحق المواطنين، وهو ما تنفيه الحكومة ومحسوبون عليها، تحرك برلمانيون لإيجاد حل متوازن وعادل.

كما رسم حقوقيون مستقلون تحدثوا للجزيرة نت، خريطة طريق لحل الأزمة "حتى لا يتكرر سيناريو أزمات سكان مثلث ماسبيرو وجزيرة الوراق ونزلة السمان"، وذلك بالتزامن مع سقوط قتيل أثناء الهدم، اعتبر بيان لمحافظة بورسعيد أن تواجده كان غير مبرر.

وتحظر المادة 63 من الدستور المصري، التهجير القسري للسكان، فيما تنص المادة 78 من الدستور على كفالة الدولة للمواطنين الحق في المسكن الملائم.

اللواء الغضبان يواجه اتهامات بالتهجير القسري لسكان ضاحية الجميل، وفق حقوقيين (مواقع التواصل) تطوير وتنمية

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد أصدر توجيها رئاسيا بحل الأزمة منذ بداياتها في عام 2020، لكن محافظ بورسعيد اللواء عادل الغضبان، أعلن قبل أيام في بيان رسمي، أن اللجنة التي شكلها الرئيس انتهت إلى وجوب تطوير المنطقة مؤكدا أن عمليات الإزالة لم تبدأ إلا بعد إرسال أكثر من إنذار للسكان يفيد بانتهاء حق الانتفاع وإخلاء المنطقة، دون استجابة.

وفي حديثه للجزيرة نت، قال عاطف أمين رئيس التحالف المصري لتطوير العشوائيات "لا يوجد لدينا في مصر تهجير عشوائي ولا إخلاء بالإكراه، سواء في الجميل في بورسعيد أو مثلث ماسبيرو أو جزيرة الوراق وغيرهم، مما يتم تدواله الآن على ألسنة البعض، ولكن لدينا تطوير لمناطق عشوائية، لإحداث نقلة حضارية فيها، وهو ما حدث في كل مناطق التنمية وآخرها مثلث ماسبيرو وروضة السيدة زينب".

وأضاف أمين أنه في عهد الرئيس السيسي شهد ملف التنمية الحضرية انجازات كبيرة لأنه كان يحتاج لقرار سيادي ورئيس قوي وموازنة كبيرة وهو ما تحقق ولا يزال بعد إهمال 60 عاما.

مطالبات برلمانية ببدائل

وتقدم عدد من النواب، بينهم عادل اللمعي عضو مجلس الشيوخ، وأحمد فرغلي عضو مجلس النواب، بطلبات برلمانية لوقف الهدم والإزالة حتى يتم دراسة الموقف القانوني، وتقديم بدائل لسكان المنطقة.

وأوضحت مذكرتان للنائبين اطلعت عليهما الجزيرة نت أن" الأراضي محل النزاع، وعددها 319 قطعة، تخصصت للسكان منذ عام 1978 من المجلس الشعبي المحلي لمحافظة بورسعيد مقابل سداد قيمة حق الانتفاع السنوي بعقد غير محدد المدة، وتم البناء وإدخال المرافق على نفقة السكان، ما قنن أوضاعهم.

ودعا رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد محمد عبد العليم داود، في حديثه مع الجزيرة نت، إلى الحكمة في معالجة الأمر، وإيجاد حلول ودية لمنع تفاقم الأزمة.

وقال داود إنه يشعر بالقلق من طريقة إدارة ملف هذه الأزمة، موضحا ضرورة "ألا تكون صورة مصر في هذه الأوقات بالذات هي صورة الإزالات، ويجب أن تلتزم الأجهزة المحلية والتنفيذية، بالمرونة الكافية والسياسة، وأن تنتهج حلا سياسيا بشكل يرضي الجميع وليس معنى أن تطور أن تهدم تراثا مثل المقابر، أو سكنا للمواطنين دون بديل".

وأضاف البرلماني أن هناك سبلا كثيرة للتوافق والتراضي، ولن تعدم مؤسسات الدولة حلولا في إطار القانون، لتجنب إحداث فجوة بينها وبين المواطنين.

وتساءل النائب المقرب من مؤسسات الدولة مصطفي بكرى في حلقة من برنامجه التلفزيوني "هل يعقل أن يتم هدم المنازل بهذة الطريقة وأين حقوق الناس؟".

"إحنا قاعدين في الشارع".. استمرار أعمال إزالة منازل ضاحية الجميل في بورسعيد pic.twitter.com/I0OpVfgEKs

— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) February 10, 2024

التزامات على الورق

الأزمة من وجهة نظر حقوقية، أعمق من ذلك، وهو ما يراه الباحث إبراهيم عز الدين، المتخصص في ملف السكن والتهجير القسري والإخلاء الجبري في مصر، والذي يوضح، في حديثه للجزيرة نت، أن الدولة المصرية تعلن التزامها بتطبيق العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وخاصة الحق في السكن الملائم، وحظر الإخلاء القسري في مناطق التنمية، وهو ما يتوافق مع الدستور المصري وقانوني "البناء الموحد" و"نزع الملكية" ولكن واقعيا لا تلتزم الحكومة المصرية بكل ذلك وتتحايل عليه، وفق تأكيده.

ويضيف عز الدين، أن الحكومة في أزمة ضاحية الجميل، على وجه التحديد، ترتكب جريمة، بعدما خصصت الضاحية للأهالي مقابل حق انتفاع، يجدد سنويا، وقاموا بتعميرها على نفقتهم الخاصة، ثم بعد ظهور مخطط التطوير، قبل عامين، أرسلت فجأة إنذارات لهم للإخلاء، دون توفير أي بدائل أو تشاور أو تعويضات مناسبة، كما بدأت في الهدم رغم حرص السكان على التفاوض وإيجاد حلول مناسبة.

ويشير الباحث المتخصص في ملف السكن، إلى أن نموذج ضاحية الجميل، سبق أن تكرر في جزيرة الوراق ومنطقة نزلة السمان ومثلث ماسبيرو مع إضافة حيل أخرى وضغوط، من أجل إجبار الأهالي على الإخلاء الجبري الفوري دون بدائل أو تعويضات، رافضا الرواية الحكومية الرائجة مؤخرا حول نجاح تطويرها لمثلث ماسبيرو.

مفتاح حل الأزمة

بدوره لا يجد المحامي والحقوقي، محمد أبو العزم، أي مبرر لتكرار نفس الأزمات مع كل تحرك حكومي للتطوير، موضحا أن عمليات إجلاء وإعادة توطين السكان التي تنفذ في مصر في السنوات الأخيرة، في مواقع عدة، وآخرها في ضاحية الجميل، تتم عبر إجراءات وممارسات أمنية وعسكرية مشددة وغير مبررة ويشوبها إخفاق في تنفيذ النصوص الدستورية والمعايير الدولية للحق في السكن اللائق، دون دمج لاهتمامات وأصوات السكان في عمليات صنع القرار، حتى تستطيع الحكومة تحقيق توازن أكثر إنصافا بين أهداف التنمية وحقوق مواطنيها.

ويضيف أبو العزم للجزيرة نت أنه في حال تقديم الحكومة معطيات مبررة لعمليات الإخلاء من أجل تنفيذ مشروعات التطوير والتنمية الحضرية، ينبغي عليها الالتزام الصارم بالأحكام الدستورية والقانونية ومبادئ حقوق الإنسان والمبادئ العامة للمعقولية والتناسب، وأن تضمن توفير الحماية الإجرائية في عمليات الإخلاء، بما في ذلك التشاور الحقيقي، وتوفير أماكن الإقامة البديلة في فترة زمنية معقولة، وتوفير سبل الانتصاف القانونية والمساعدة القانونية.

السكان يناشدون

وبث عدد من سكان الضاحية التي يقطنها 2500 أسرة، على حساباتهم الشخصية على فيسبوك العديد من الفيديوهات التي تظهر عمليات هدم وإزالة في الضاحية، وتناشد الرئيس السيسي للتدخل، مؤكدين أنهم مع الدولة المصرية، ومستعدون لشراء أراضيهم مجددا ودفع الثمن لإفادة خزانة الدولة مقابل عدم ترحيلهم من بيوتهم والتعسف معهم.

وبالتزامن دشنت المفوضية المصرية للحقوق والحريات (منظمة حقوقية مستقلة) حملة حقوقية تضامنية مع سكان الضاحية لوقف الإخلاءات القسرية بحقهم وإنصافهم، مؤكدة توثيقها انتهاكات السلطات المصرية بالضاحية، بعد ما وصفتها بـ"استمرارها في نهجها المجحف في التهجير القسري، وإعادة أزمة سكان جزيرة الوراق".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: للجزیرة نت فی مصر وهو ما

إقرأ أيضاً:

آخرها تحرير طفل.. جهود مواجهة ظاهرة الخطف في مدينة حمص

حمص- لمدة 7 أيام، لم يعرف النوم وهو يعيش برعب وقلق خوفا على ابنه المختطف زين، "لأنني لم أستطع تأمين مبلغ 50 مليون للإفراج عنه" حسب ما يقول مدين الأحمد، معبرا عن اللحظات التي كانت تعيشها أسرته في مدينة حمص.

وفي حديثه للجزيرة نت عن تفاصيل الحادثة، يقول الأحمد إن طفله زين (4 سنوات) كان برفقة أخته ووالدته في سوق "كرم شامي" في مدينة حمص لشراء الثياب، وفجأة فقدت الأم أطفالها لتبدأ البحث عنهما في السوق والصراخ باسمهما، وبعد مرور ما يقارب الساعة وجدت الطفلة دون الطفل، لتخبرها أن "هناك أشخاصا أخذوا أخي، وأنا هربت منهم".

وأضاف أنه بعد يوم، جاءه اتصال من رقم مجهول يطالب بفدية 50 مليون ليرة سورية مقابل ترك الطفل، مهددين بذبحه إذا لم يستجب لمطالب الخاطفين، ليبدأ معهم التفاوض، لأنه لا يملك المال "والمبلغ المطلوب كبير جدا ولا يمكن تأمينه بأي شكل" حسب وصفه.

عملية خطف الطفل زين الأحمد استمرت لمدة أسبوع قبل التمكن من تحريره (الجزيرة) عملية التحرير

وعلى مدى 7 أيام، لم يترك الخاطفون الطفل، رغم كل محاولات الوالدين التوسل لهم دون تحقيق أي فائدة، ويقول الأحمد "مع التهديد من قبل الخاطفين بذبح الطفل أو دفع المال، توجهت إلى قسم الشرطة في حمص، وأبلغتهم بالتفاصيل، فتم تحديد موقعهم بعد التواصل معهم بداعي تسليمهم المبلغ، فألقت الشرطة القبض عليهم وحررت طفلي من الخطف".

بدوره، وضّح المساعد أول أحمد الحمادة رئيس قسم حمص الخارجي في الشرطة للجزيرة نت قائلا إنه "بعد ورود بلاغ لقسمنا بوجود طفل مخطوف، وطلب الخاطفين مبلغ 50 مليون ليرة سورية مقابل إطلاق سراحه، تمكنا من تحديد المكان ومحاصرته، ومن ثم تحرير الطفل واعتقال الخاطفين".

ووجه رسالة إلى "كل من يحاول العبث بأمن سوريا، سواء من خاطفين أو مجرمين أو مروجي مخدرات، بالملاحقة والقبض عليهم ويد العدالة سوف تطول جميع المجرمين، وسيتم تحقيق العدل والمساواة بين جميع طوائف المجتمع" حسب قوله.

إعلان

وأضاف أنه في لحظة تحرير الطفل، لم يتوقع الخاطفون وجود مراقبة لهم من قبل قوات الأمن والشرطة، "وتم تنفيذ العملية بشكل سريع وخاطف، وبفضل من الله لم يتأذ الطفل، وهو بصحة جيدة وتم تسليمه لأهله" يقول الحمادة.

الحمادة: يد العدالة سوف تطول جميع المجرمين (الجزيرة) واقع مختلف

أكد قائد الشرطة في محافظة حمص المقدم علاء العمران أن ظاهرة الخطف مقابل الفدية المادية تراجعت بشكل كبير بعد انتصار الثورة السورية، وبعد سقوط النظام وحل جميع المليشيات والمجموعات التابعة له، التي كانت تقوم بخطف المدنيين بحجج سياسية وأمنية، بهدف ابتزاز أهالي المخطوفين بمبالغ مالية كبيرة مقابل إطلاق سراحهم.

وأضاف في حديث للجزيرة نت أن "عمليات الخطف كانت مرتبطة ببنية النظام البائد، ومنتشرة بكثرة في ظل غياب القوانين وسيطرة شريعة الغاب، وانتشار مليشيات النظام، بل إن النظام اعتمد عليها في تمويل عمله واستمرار نشاط المليشيات التابعة له" حسب قوله.

ونوه العمران إلى أن آلية قيادة شرطة حمص بالتعامل مع قضايا الخطف تتركز حول استقبال الشكوى من ذوي المخطوف، وجمع المعلومات حول أي حادثة خطف أو غيرها، ومن ثم التنسيق مع بقية الجهات الأمنية ومراكز الشرطة في محافظة حمص لمتابعة القضية والوصول إلى معلومات تساعد في إنجاز أي مهمة، أو الوصول إلى تحرير المخطوفين واعتقال الخاطفين.

وقال العمران إن الدوافع لعمليات الخطف كثيرة، منها:

نشر الفوضى، في ظل الوضع الأمني الذي دخلت فيه البلاد بعد سقوط النظام السابق. الحصول على مبالغ مالية بطريقة سهلة، في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتركة النظام المتهالكة في هذه المجالات. تصفية بعض الحسابات الشخصية من قبل بعض الأشخاص خارج نطاق القضاء، ردا على الظلم الذي تعرضوا له أيام حكم النظام البائد والمليشيات التابعة له. إعلان

وموجها حديثه للمتسببين بهذه الحالات، قال العمران بخطاب شديد اللهجة "رسالتنا في هذا المجال هي الضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه العبث بأمن المواطنين وزعزعة الاستقرار، مستغلين الوضع الأمني، وخاصة الذين ينتحلون صفة أمنية بهدف إثارة النعرات الطائفية، ولتجييش الشارع ضد الدولة الجديدة".

مقالات مشابهة

  • قتل المدينة.. ذكريات تتلاشى في ضاحية بيروت التي دمرتها إسرائيل
  • مليون كشاف في مصر يعلنون من بورسعيد رفضهم تهجير الفلسطينيين
  • آخرها تحرير طفل.. جهود مواجهة ظاهرة الخطف في مدينة حمص
  • رئيس اقتصادية قناة السويس يتفقد أعمال تطوير ميناءي شرق وغرب بورسعيد
  • رئيس المصرية للمطارات يتابع أعمال تطوير مطاري سانت كاترين وشرم الشيخ
  • تيسير مطر: الدعوة لمؤتمر يضم كافة الأحزاب المصرية لإعلان موقفنا الثابت من رفض التهجير
  • إيندهوفن يفوز بثنائية على فينورد في كأس هولندا
  • أشرف العربي يستعرض رؤية شاملة لتجاوز الأزمة الاقتصادية المصرية
  • مجلس أمناء جامعة شرق بورسعيد الأهلية يبحث سبل تطوير الخدمات للطلاب
  • مجلس الدولة: اللجنة الاستشارية تضيف طرفا جديدا في الأزمة الليبية بدلاً من حلها