سرايا - على وقع استمرار التصعيد في قطاع غزة، وفشل مفاوضات التهدئة بين الاحتلال الصهيوني وحركة حماس إلى الآن في إحراز أي تقدم، جاء الكشف عن خطة سلام أميركية عربية لمرحلة ما بعد حرب غزة، التي تشكل الدفعة الأكثر واقعية وطموحاً التي بذلها اللاعبون الإقليميون حتى الآن لوقف الحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاثة أشهر.




ويرى مراقبون أن الخطة بالنسبة لحكومة بنيامين نتنياهو الحالية، هي أمر غير مطروح على الإطلاق، ولكن إذا سقطت الحكومة، فقد يكون هناك احتمال وفرصة لنجاحها، مؤكدين أن الفرصة ستضيق مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.

وكانت صحيفة واشنطن بوست الأميركية، كشفت بأن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تسعى مع السعودية وقطر والإمارات، إلى جانب مصر والأردن، إلى إعداد خطة شاملة تتضمن قيام دولة فلسطينية لتحقيق سلام طويل الأمد بين الاحتلال والفلسطينيين، تبدأ بالإعلان عن وقف إطلاق النار في غزة لمدة ستة أسابيع وتبادل للأسرى.

وتتضمن الخطة، وفق ما أوردته الصحيفة، جدولاً زمنياً لإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وإخلاء مستوطنات في الضفة الغربية، لكن كل ذلك مرهون بإتمام اتفاق لوقف إطلاق النار يتضمن صفقة عاجلة لإطلاق المحتجزين في قطاع غزة، يتم التفاوض بشأنه بين الولايات المتحدة وقطر ومصر، وتقول الصحيفة إن المطلوب أن يتم وقف إطلاق النار قبل شهر رمضان.
وسيكون اتفاق وقف إطلاق النار مناسبة لإعلان الخطة وتجنيد دعم إضافي واتخاذ الخطوات الأولية نحو تنفيذها، بما في ذلك تشكيل حكومة فلسطينية مؤقتة.

ردّ الفعل الصهيوني جاء على لسان متحدث باسم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالقول إن الوقت الحالي "ليس مناسبا للحديث عن الهدايا للفلسطينيين".

وفي هذا الصدد، يقول الوزير الأسبق مجحم الخريشا: "بالنسبة للاعتراف المبكر بالدولة الفلسطينية، فهي خطوة تدعمها أطراف دولية عدة بمن فيهم حلفاء الاحتلال، والولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، مع تقديم ضمانات أمنية للكيان، لكن تبقى العقبة الأساسية التي تقف حجر عثرة أمام هذه الجهود هو مدى مرونة الاحتلال وقبوله بخطة اليوم التالي الأميركية العربية".

وتابع الخريشا: "يعتمد نجاح الخطة في نهاية المطاف على رغبة الاحتلال في الخوض بموضوع التشاركية والتنازلات المتبادلة، والتي تصطدم برفض اليمين الصهيوني المتطرف بقيادة نتنياهو لوقف الحرب، وتجاهل وجود السلطة الوطنية الفلسطينية كشريك على الأرض، إذ يدفع الاحتلال وقيادته الحالية اليوم، وبعد مضي أكثر من 134 يوما من العدوان على غزة، ثمناً سياسياً وعسكرياً وأخلاقياً، وتحديداً في ضوء الموقف الدولي المتضامن مع حقوق الشعب الفلسطيني، الذي تجلى بقرار محكمة العدل الدولية في مواجهة السردية العنصرية لتجريف غزة وتهجير سكانها وإعادة استيطانها".

واضاف: "تكمن المشكلة التي تواجه تنفيذ خطة السلام اليوم مع الحكومة المتطرفة الحالية في "إسرائيل" هي أن هناك وجهة نظر متطرفة ومطلقة لا تعمل على التوصل إلى تسوية، وبالتالي لن تتمكن أبدا من إنهاء الصراع".

غير أن الخطة قوبلت بانتقادات شديدة من قبل وزير الأمن القومي الصهيوني إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وكلاهما من المستوطنين المتطرفين الذين يعيشون في الضفة الغربية المحتلة، اذ كتب سموتريتش على منصة التواصل الاجتماعي (×): "لن نوافق بأي حال من الأحوال على هذه الخطة التي تقول في الواقع إن الفلسطينيين يستحقون مكافأة على المذبحة الرهيبة التي ارتكبوها"، في إشارة إلى عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

وأضاف أن الدولة الفلسطينية تشكل تهديدا وجوديا لدولة الاحتلال كما ثبت في السابع من تشرين الأول.

كما كتب بن غفير على منصة (×): "قتلوا 1400 شخص، والعالم يريد أن يمنحهم دولة، لن يحدث ذلك"، مشيرا إلى الحصيلة التي أعلنتها إسرائيل فور وقوع الهجوم قبل أن تتم مراجعتها لاحقا.

وأضاف بن غفير أن إقامة دولة فلسطينية يعني "إقامة دولة حماس".

من جهته، يقول عميد كلية القانون السابق في جامعة الزيتونة الدكتور محمد فهمي الغزو، إن اليمين المتطرف يدعي أن موقفه من الحرب على قطاع غزة نابع من الجرح الذي سببته حركة حماس لليهود في غلاف غزة، ليتخذ موقفا سلبيا من المفاوضات حول تبادل الأسرى ويصر على ضرورة الاستمرار في الحرب حتى لو سقط ضحايا كثيرون، وذلك على الرغم من أن غالبية الأسرى الصهاينة لدى حركة حماس، الذين تهدد الحرب حياتهم، وهم من سكان غلاف غزة.

وتابع الغزو: "رغم ما تتضمنه خطة الرئيس الأميركي للسلام، يرفع اليمين الصهيوني من صوته ويعارض هذه الخطة، بل ويزيد من نشاطه السياسي استعداداً لحملته الانتخابية رغم الحرب، إذ إن الاستطلاعات تشير إلى أنه سيخسر الحكم بشكل شبه مؤكد في الانتخابات، لصالح بيني غانتس على نتنياهو لرئاسة الحكومة، كما أن الائتلاف الحكومي سيهبط من 64 مقعداً يحتلها إلى 43 مقعداً، فيما تزداد حصة المعارضة، بما فيها الأحزاب العربية، والليكود وحده سيخسر نحو نصف قوته، والصهيونية الدينية بقيادة سموتريتش وبن غفير ستنخفض مقاعدهما".

وأضاف: "تواجه إدارة بايدن لتنفيذ خطتها للسلام عقبات من داخل ائتلاف نتنياهو اليميني المتطرف، إذ إن رئيس الوزراء اليميني نتنياهو أمضى معظم حياته السياسية في تقليص احتمالات حل الدولتين، وعاد إلى السلطة مع حلفاء أقرب إلى اليمين يرفضون صراحة أي حديث عن إقامة دولة فلسطينية، كما يؤيدون المزيد من الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية وحتى في قطاع غزة الذي مزقته الحرب، خاصة ان الخطاب القادم من داخل الكيان جعل محاولات الولايات المتحدة لوضع خطة إقليمية لتهدئة الأزمة أكثر صعوبة".

بدوره، يرى المحلل السياسي الدكتور صدام الحجاحجة، أن الموقف الصهيوني الرافض بشكل قاطع لأي تسوية سياسية لا ينحصر في الحكومة الحالية والائتلاف المتطرف فحسب، بل إن المعارضة لا تختلف في الجوهر بطروحاتها السياسية، إذ يخشى كل من يائير لبيد وبيني غانتس وغادي أيزنكوت من مجرد القبول بتسوية الدولتين حتى عندما يجري الحديث عن دولة فلسطينية منزوعة السيادة والسلاح ومحاصرة.

وتابع الحجاحجة: "نتنياهو يخضع اليوم للقوى التي ستبقيه في السلطة، وعلى وجه التحديد مثيري الشغب اليمينيين المتطرفين مثل وزيري الأمن القومي إيتامار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش، واللذين يعملان باستمرار على تأجيج الخلافات بين تل أبيب وواشنطن، ويؤججان نيران الاستقطاب في دولة الاحتلال".

واضاف: "المتابع للمشهد يرى أن نتنياهو أسير لدى هذين الوزيرين، في ظل انفتاح شهية اليمين الصهيوني لتحقيق أقصى قدر من النصر والسياسة الداخلية الأوسع في الوقت الحالي، وهو أمر يعني أن نتنياهو لديه مصلحة واضحة في استمرار الحرب على غزة طوال العام الحالي".

الغد


المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية

كلمات دلالية: دولة فلسطینیة إطلاق النار قطاع غزة بن غفیر

إقرأ أيضاً:

نهاية أم مخرج سياسي.. ماذا حول صفقة "إقرار بالذنب" التي اقترحها الرئيس الإسرائيلي بشان نتنياهو؟ "تفاصيل"

في تطور سياسي وقانوني لافت داخل إسرائيل، دعا الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ إلى دراسة إمكانية إبرام صفقة "إقرار بالذنب" مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يواجه تهمًا بالفساد قد تضع مستقبله السياسي والشخصي في مهب الريح. هذه المبادرة تعيد إلى الواجهة تساؤلات كبيرة حول مصير نتنياهو وحجم التحديات السياسية والقانونية التي تواجهها إسرائيل في ظل أوضاع داخلية وإقليمية متأزمة.

خلفية القضية: نتنياهو في قفص الاتهام


يُحاكم نتنياهو منذ سنوات بتهم تتعلق بالرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال في عدة ملفات فساد معروفة في الأوساط الإسرائيلية. رغم محاولات مستمرة للطعن في الاتهامات واللجوء إلى الاستراتيجيات السياسية للبقاء في الحكم، إلا أن الضغوط القضائية تزايدت مع الوقت.

وظهرت فكرة صفقة الإقرار بالذنب عدة مرات في السنوات الأخيرة، لكنها كانت تصطدم برفض نتنياهو التام لأي تسوية تعني انسحابه من المشهد السياسي، الذي يعتبره خط دفاعه الأساسي. القبول بهذه الصفقة يعني الإقرار بوصمة عار قانونية تمنعه من تولي أي منصب رسمي مستقبلًا، وهي خطوة لم يكن مستعدًا لها حتى الآن.

تفاصيل صفقة الإقرار بالذنب

وفقًا لما نشرته صحيفتا "يديعوت أحرونوت" و"هآرتس"، تتضمن الصفقة خروج نتنياهو من الحياة السياسية مقابل عدم دخوله السجن. الصفقة تعتمد على إقرار نتنياهو جزئيًا أو كليًا ببعض المخالفات، بعد تعديل لائحة الاتهام لتقليل خطورة الجرائم المزعومة.

مقابل ذلك، ستسقط النيابة العامة بعض التهم أو تقبل بعقوبة مخففة، ما يجنبه المحاكمة الطويلة واحتمال السجن الفعلي. هذه الاستراتيجية القانونية، المعروفة عالميًا باسم "صفقة الإقرار بالذنب"، تتيح إنهاء القضايا الجنائية بسرعة لكنها غالبًا ما تكون محفوفة بالجدل السياسي والأخلاقي.

السياق الدولي: مذكرات اعتقال إضافية تلاحق نتنياهو

لا تقتصر التحديات القانونية لنتنياهو على المحاكم الإسرائيلية فقط. ففي نوفمبر 2024، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة.

وجاء في بيان المحكمة أن هناك أسبابًا منطقية للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت أشرفا على هجمات استهدفت السكان المدنيين واستخدما التجويع كسلاح حرب. كما أشارت المحكمة إلى أن الجرائم شملت القتل والاضطهاد وأفعالًا غير إنسانية أخرى.

الكشف هذه الأوامر ضاعف من الضغوط على نتنياهو داخليًا وخارجيًا، وساهم في تعقيد حساباته السياسية والقانونية.

احتمالات المستقبل: إلى أين يتجه المشهد الإسرائيلي؟

دخول الرئيس هرتسوغ على خط الأزمة يعكس قلق المؤسسة السياسية من تداعيات استمرار محاكمة نتنياهو على استقرار الدولة. فالخيار بين محاكمة رئيس وزراء حالي أو سابق وسجنه، أو التوصل إلى تسوية سياسية قانونية تخرجه بهدوء من المشهد، يحمل في طياته آثارًا سياسية واجتماعية عميقة.

ورغم أن إبرام صفقة الإقرار بالذنب قد يبدو مخرجًا مناسبًا للعديد من الأطراف، إلا أن قبول نتنياهو بها لا يزال بعيد المنال. فنتنياهو، الذي يَعتبر نفسه ضحية ملاحقات سياسية، قد يفضِّل المضي قدمًا في المعركة القضائية حتى النهاية، آملًا في البراءة أو في انقلاب سياسي لصالحه.

أما إسرائيل، فهي تجد نفسها أمام مفترق طرق: هل تواصل السير في طريق المواجهة القانونية بكل تبعاته، أم تلجأ إلى تسوية مكلفة سياسيًا لكنها تتيح طي صفحة من أكثر الفصول إثارة للانقسام في تاريخها الحديث؟

تطرح مبادرة الرئيس هرتسوغ سؤالًا وجوديًا على إسرائيل: ما هو ثمن العدالة وما هو ثمن الاستقرار السياسي؟ بغض النظر عن النتيجة، فإن مصير بنيامين نتنياهو سيكون علامة فارقة في مسار السياسة الإسرائيلية للسنوات المقبلة.

 

مقالات مشابهة

  • حماس: تصريحات نتنياهو بشأن رفح تعكس جنون الهزيمة ووهم الانتصار
  • نورة الكعبي: التراث جسر للسلام وصون الهوية في مناطق النزاع
  • إعلام إسرائيلى .. تعرض موكب نتنياهو لحادث سير قرب القدس
  • نتنياهو: مهمتنا ليست الانتصار في الحرب فقط بل إعادة المحتجزين
  • البيت الأبيض: ترامب يركز على تراجع معدلات التضخم التي خلفتها إدارة بايدن
  • ارتفاع عدد الصحفيين المعتقلين إلى 49 منذ بدء العدوان الصهيوني على غزة
  • 65 % من شهداء العدوان الصهيوني على قطاع غزة من النساء والأطفال
  • نهاية أم مخرج سياسي.. ماذا حول صفقة "إقرار بالذنب" التي اقترحها الرئيس الإسرائيلي بشان نتنياهو؟ "تفاصيل"
  • ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني على قطاع غزة إلى 52,243 شهيدا، و117,639 مصابا
  • هل يكون سموتريتش صاعق تفجير لانهيار حكومة نتنياهو؟