كتب- محمد شاكر
اعتمدت الحضارة المصرية القديمة، على تسجيل مظاهرها على جدران المعابد وفي المقابر وتجسيد كل الحيوانات والطقوس التي يتم عملها على هيئة تماثيل، توثق مظاهر الحياة والعبادات وغيرها.
وكان لافتا غياب، الجمل، عن الحضارة المصرية القديمة، بينما كان مظهرا مهما في حضارات لاحقة، رغم ما يتمتع به قدرة عالية في التأقلم على الحياة الصحراوية وقطع المسافات الطويلة دفع الحضارة العربية إلى أن تطلق عليه لقب سفينة الصحراء.

وفيما يلي نستعرض تجسيد الحضارة الفرعونية للجمل في الفن المصري القديم، حيث تعتبر صورة الجمل من الهيئات الحيوانية النادرة في الفن المصري القديم، والتي ربما تكون قد ظهرت لوجود هذا الحيوان في صحراوات مصر أو في جنوبها، نتيجة لاتصال المصريين بجيرانهم الأسيويين ولاسيما في شمال غرب الجزيرة العربية.

وقد رصدت دراسة للدكتور حسني عمار، حملت عنوان "أضواء جديدة عن الجمل فى الفن المصرى القديم"، ونشرت في مجلة الاتحاد العام للآثاريين العرب، هذا الأمر، وفيما يلي نستعرض أبرز ملامح هذه الدراسة..

ظهرت صورة الجمل على فترات متباعدة في الفنون المصرية سواء في النقوش والرسوم الصخرية أو على هيئة دمى وتماثيل صغيرة، ولكن لا زال تأريخ بعض هذه الأعمال الفنية محل خلاف بين الباحثين، ولاسيما ما يتعلق منها بالفترات التاريخية السابقة على العصر اليوناني الروماني، فأغلب الأعمال الفنية التي تصور الجمل عبارة عن تماثيل صغيرة الحجم أو رسوم صخرية يصعب تأريخها في ظل غیاب صورة الجمل في النقوش المصورة على جدران المقابر والمعابد المصرية القديمة، بالإضافة إلى تأخر ظهور اسم الجمل في النصوص المصرية القديمة.

وأضافت الدراسة: يمكن تتبع صورة الجمل في الفنون المصرية على مر العصور كما يلي:

العصور الحجرية..
لم يظهر الجمل في الفنون المصرية بمختلف أنواعها في الحقب الزمنية الطويلة التي سبقت عصر ما قبل الأسرات. فلم تظهر صورة الجمل ضمن الهيئات الحيوانية المصورة في الرسوم الصخرية المؤرخة بالعصر الحجري القديم الأعلى (بداية ظهور النقوش والرسوم الصخرية في مصر)، وذلك على الرغم من وجود عظام الجمل في مصر في بعض المواقع الأثرية المؤرخة بالعصر الحجري القديم والوسيط.

كما تأخر ظهور اسم الجمل في الكتابة واللغة المصرية القديمة، على الرغم من تميز اللغة المصرية القديمة بثراء وتنوع مفرداتها والتي عبرت عن كل ما يُوجد في البيئة المصرية من الكائنات الحية بمختلف فصائلها. وقد يكون السبب في ذلك هو ارتباط الإبل من أصحاب حضارات المناطق الصحراوية والقائمين بدور الوسيط التجاري في نقل البضائع، وقلة اعتماد سكان وادي النيل عليه.

وقد دلت الشواهد الأثرية على معرفة المصريين بالجمل منذ عصر ما قبل الأسرات، وليس معنى ذلك أنه كان معتاداً في وادي النيل في مصر، ولكن على الأقل كان مستخدماً في عبور المناطق الصحراوية، وفي الأقطار المجاورة لمصر سواء في جنوبها أو شمالها الشرقي. في حين يبدو أن الحمار كان وسيلة النقل الأساسية داخل الوادي وكما هو واضح على جدران مقابر الأفراد منذ عصر الدولة القديمة.
ومما يؤكد هذا الاحتمال ظهور صورة الجمل في الفنون الصخرية بشكل واضح منذ عصر ما قبل الأسرات، وتأكد ذلك في عصر الأسرة السادسة وما تلاها من عصور. في حين أن التماثيل الصغيرة للجمل والتي عُثر عليها في المواقع الأثرية في داخل وادي النيل سواء كانت في معابد أو مقابر ، فلم تصور بشكل واضح ومتقن قبل عصر

الدولة الحديثة..
أصبح الجمل مألوفا على الأقل في أواخر العصر المتأخر مع استخدام الغزاة من الآشوريين والفرس له في اجتياز الصحراء بتجهيزاتهم العسكرية. واستخدم على نطاق واسع في العصر اليوناني الروماني مع ازدهار التجارة في العالم، فأصبح الجمل الحيوان الرئيسي لنقل البضائع والسفر عبر الصحراوات الشاسعة في مناطق الجزيرة العربية والشرق الأدنى. ونتيجة لذلك شاع تمثيل الجمل في الفنون المختلفة في هذه المناطق ومنها مصر بطبيعة الحال.

وإذا كان الغرض من تصوير الجمل في النقوش الصخرية في مصر يُعد نوعا من تسجيل أحداث معينة لعل أغلبها مرتبط باستخدامه في عبور المناطق الصحراوية والوصول به إلى الوادي كما هو الحال في نقش الأسرة السادسة بالقرب من أسوان، فلا يُعرف الغرض من تشكيل ونحت تماثيل صغيرة للجمل على وجه الدقة في ظل عدم وجود نصوص مصرية قديمة تتحدث عن الجمل.

وإذا حاولنا أن ننظر في الحضارات المجاورة نجد أن الجمل حيوان حظى بكثير من التقدير لدى سكان الجزيرة العربية منذ أقدم العصور، ولا يزال ذلك التقدير مستمر حتى وقتنا الحاضر. وقد عُثر على دمى صغيرة للجمال أغلبها من الفخار في معظم المراكز الحضارية.

الحضارات المجاورة..
لعبت الإبل دورا كبيرا في التاريخ الحضاري لبعض المناطق الصحراوية في الشرق الأدنى القديم بصفة عامة والجزيرة العربية بصفة خاصة. وعلى الرغم من هذه الأهمية وذلك الدور الكبير، فقد اختلفت آراء الباحثين حول تحديد الفترة التي استؤنس الجمل خلالها. فهناك من يعود بذلك لتاريخ مبكر وهو الألف الرابع قبل الميلاد. وذلك بناء على الأدلة الأثرية في مصر ووادي الرافدين.

ويرى فريق آخر أن استئناس الجمل حدث في أواخر الألف الثالث وبدايات الألف الثاني قبل الميلاد، وهناك من يرى أن ذلك حدث في القرنين الثاني عشر والثالث عشر قبل الميلاد وفي مقابل هذا الدور الكبير للإبل في بعض مناطق الشرق الأدنى القديم والجزيرة العربية، يحيط بدورها الغموض في مصر القديمة، ولا زال هذا الدور محل بحث وخلاف بين المتخصصين. ولا يرجع هذا الاختلاف إلى قلة ظهور الجمل في الفنون المصرية القديمة فقط، وإنما أيضاً إلى وجود اختلاف وشك حول هذه النماذج القليلة التي ظهر فيها الجمل في الفن المصري، ولاسيما تلك التي تعود إلى العصور السابقة على الدولة الحديثة وذلك يثير الكثير من التساؤلات حول هذا النقص لاسيما وأن الفنان المصري القديم نجح في تصوير كل الكائنات الحيوانية التي وجدت في البيئة المصرية بل وأحيانا في البيئات الأخرى بالأقطار المجاورة.

المصدر: مصراوي

كلمات دلالية: مسلسلات رمضان 2024 سعر الفائدة أسعار الذهب سعر الدولار مخالفات البناء الطقس فانتازي طوفان الأقصى رمضان 2024 الحرب في السودان حضارة مصر القديمة الجمل ركوب الجمال طوفان الأقصى المزيد المناطق الصحراویة فی الفنون المصریة المصریة القدیمة فی مصر

إقرأ أيضاً:

حاتم الجمل عمدة فن المولوية .. يفتح أشرعة الخيال والتجلي الروحاني عبر الدوران

على مدى أكثر من عام يكون لي نصيبا من حضور البرنامج الرمضاني في دار الأوبرا السلطانية، والذي تحضر فيه مجموعة من الفرق الانشادية العربية لتقدم من موروثها الديني والانشاد الصوفي أروعه، ولطالما اقترن ذلك مع فنون بصرية تضفي على الفن الصوتي جمالا آخر وبعدا أعمق تنتشي به الروح وتتجلى بالذكر النبوي والديني، ومن تلك الفنون "فن المولوية" التي تقترن مع الفرق الانشادية السورية، ويعد فن المولوية أحد أبرز الفنون الصوفية التي تعبر عن التأمل الروحي والسمو بالنفس من خلال الدوران جهة اليسار بتناغم إيقاعي على ألحان الانشاد الصوفي، وتشير المصادر إلى أنه تأسس على يد جلال الدين الرومي في القرن الثالث عشر الميلادي، ويمزج الفن بين الحركة التعبيرية العميقة والتأمل، ليكون وسيلة للتقرب إلى الله ويرتدي مؤدوه ملابس رمزية، حيث يرمز اللون الأبيض إلى الكفن، والطربوش إلى القبر، فيما تعبر العباءة السوداء عن الدنيا، والتي يتم خلعها أثناء الأداء كدلالة على التحرر من قيود الحياة المادية.

في حفل انشادي أقيم بالأوبرا قبل عامين، لفت انتباهي مؤدي لفن "المولوية" وهو حاتم الجمل، إذ بدى أكبرهم سنا إلا أنه يتمتع بالنشاط والحيوية بشكل كبير، أجبرني أداءه السلس والعذب والطويل في المدة إلى التأمل فيه، وجدت في ملامحه شرودا عن المكان، وكأنه يسرح في ملكوت الله، غارقا في عذب النشيد، منتشيا وطَرِبًا بالإيقاع والنغم، لتتكرر زيارته لسلطنة عمان في هذا العام، فكانت فرصة سانحة لحواره والغوص في أغوار احساسه، هنا عرفت أني أحوار روحا طيبة بشوشة مرحة، وعمدة لفن المولوية –إن جاز وصفي له- فإلى ما جاء في الحوار:

*****************************************************************************************

- متى بدأت ممارسة فن المولوية؟ وكيف تستمر بهذه الحيوية والنشاط رغم التقدم في السن؟

• أولاً، أرحب بك وبجميع أهل عمان الكرام، الذين عُرفوا بالكرم والجود، لقد كانت لي مشاركات عديدة في سلطنة عُمان، ودائمًا ما أشعر بالتميز خلال لقاءاتي مع أهلها الطيبين، أما بالنسبة لفن المولوية، فقد تعلمناه منذ الصغر عن آبائنا وأجدادنا، وهو فن يقام في مجالس الذكر ومدح الرسول الكريم، حيث يترافق مع الإنشاد والتأمل الروحاني، هذه الممارسة ليست رياضة جسدية، بل هي رياضة روحانية عميقة تمنح المؤدي طاقة داخلية متجددة، ورغم أنني أُعتبر من أقدم المولويين في دمشق، بل وربما في العالم العربي، إلا أنني ما زلت أمارس هذا الفن، لأن الروحانية التي يتمتع بها المولوي تمنحه طاقة متجددة، إلى جانب الإحساس العميق بالكلمات والألحان التي ترافق الدوران.

*****************************************************************************************

- لماذا يدور المولويون دائمًا جهة اليسار؟

• الدوران في المولوية ليس عشوائيًا، بل هو رمز لحركة الكون، فكل شيء في هذا الكون يدور جهة اليسار، من الأفلاك والكواكب إلى الذرات وحتى الحجاج الذين يطوفون حول الكعبة، نحن ندور بنفس الاتجاه، مع القلب، تعبيرًا عن توجهنا إلى الله تعالى، كما تدور الملائكة حول العرش تسبح بحمد الله.

*****************************************************************************************

- ذكرت أن المولوية ليست رياضة جسدية، بل روحانية، هل هذا يعني أنك لا تشعر بالتعب أثناء الأداء؟

• تمامًا، كثيرًا ما يُطرح عليّ هذا السؤال حول التمارين التي أقوم بها قبل الأداء، وإجابتي دائمًا هي أنني لا أقوم بأي تمرين سوى ذكر الله ومدح الرسول، الطاقة التي تمنحني القدرة على الدوران تأتي من هذه الروحانية، وأشعر أنني أستمدها مباشرة من الذكر والإنشاد، كما أن تفاعل الجمهور معنا يضفي المزيد من الروحانية والاندماج، مما يمنحني طاقة إضافية.

*****************************************************************************************

- حدثنا عن مشاركاتك في سلطنة عمان؟

• شاركت في فعاليات عديدة، وكان زملائي أيضًا قد شاركوا في سلطنة عُمان. وفي إحدى المشاركات كان معنا طفل يُدعى عصام، وهو ابن الأستاذ محمود الطير الذي قدم معنا اليوم حفلا انشاديا، وهو ينتمي إلى عائلة مولوية عريقة، فجده ووالده وأعمامه كلهم من المولويين، تمامًا كما هو الحال في عائلتي، وقد تم تدريبه على يد والده، كما أنني قمت بتدريب أبنائي وأبناء إخوتي وأخواتي على هذا الفن.

*****************************************************************************************

- هل هناك معاهد متخصصة لتعليم فن المولوية، أم أن تعلّمه يتم من خلال التناقل بين الأجيال؟

• لا توجد معاهد رسمية لتعليم المولوية، بل يتم نقلها من جيل إلى جيل عن طريق الأساتذة والمربين، أهم شرط لتعلم هذا الفن هو الرغبة الصادقة والاندماج الروحاني، فمن دون رغبة قوية، يصبح من الصعب جدًا على أي شخص أن يتقن المولوية، لأنها ليست مجرد حركات جسدية، بل هي حالة روحانية عميقة تتطلب إيمانًا داخليًا.

*****************************************************************************************

- ما أطول مدة قمت فيها بالدوران خلال الأداء؟

• عندما كنت في العشرينيات والثلاثينيات من عمري، كنت قادرًا على الدوران لمدة تصل إلى ساعة متواصلة، أما الآن، فأدائي يستمر عادة لمدة 20 إلى 30 دقيقة، لكن ليس هناك مدة ثابتة، فالأمر يعتمد على مدى اندماجي في الذكر ومدح الرسول، وعلى ما يقدمه لي المنشدون من أجواء روحانية.

*****************************************************************************************

- هل طرأت تطورات على فن المولوية مع مرور الزمن؟

• أدخلنا بعض الحركات الطفيفة المستوحاة من الذكر والإنشاد، لكن الأساس لم يتغير، في الأصل، كانت حركة المولوية تعتمد على رفع اليد اليمنى إلى الأعلى وخفض اليسرى، تعبيرًا عن الأخذ من الخالق والعطاء للمخلوق، هذه الحركة لها معانٍ صوفية عميقة، مثل التوجه إلى الله بيدنا اليمنى وعدم الرغبة في الدنيا التي تمثلها اليد اليسرى، أضفنا بعض الإشارات الأخرى التي تعبر عن الذكر والتأمل، ولكن مع الحفاظ على جوهر الفن وروحانيته.

*****************************************************************************************

- هل يقتصر فن المولوية على دمشق فقط؟ أم أنه موجود في مناطق أخرى؟

• المولوية موجودة في دمشق وحلب، كما أنها تمارس في تركيا، حيث تأسست على يد مولانا جلال الدين الرومي، ومقامه في قونية. توجد أيضًا في مصر، لكن الفرق المصرية تقدمها بأسلوب استعراضي أكثر منه دروشة مولوية، فهم يستخدمون الألوان ويقدمون عروضًا فنية، بينما نحن نمارسها باللباس الأبيض الفضفاض وبطريقة روحانية.

*****************************************************************************************

- هل لديك فرقة خاصة، أم أنك تتعاون مع فرق أخرى؟

• لدي فرقتي الخاصة من المولويين، لكنني أيضًا أتعاون مع فرق إنشاد حول العالم. لقد قمت بأداء المولوية في العديد من الدول، من المشرق إلى المغرب، وأوروبا وأمريكا وكندا وأستراليا وحتى الهند وباكستان والصين، كما تشرفت بالعمل مع كبار المنشدين، مثل الأستاذ محمد ياسين المرعشلي، الذي يعد من كبار مشايخ الإنشاد الصوفي.

*****************************************************************************************

- في الختام، ما الذي تعنيه لك المولوية؟

• المولوية ليست مجرد فن أو أداء حركي، بل هي طريق للتأمل والسلام الداخلي والمحبة. إنها وسيلة للتقرب إلى الله من خلال الذكر والتواضع والروحانية. طريقتنا تقوم على الأدب والمحبة والأخوة، وهي رسالة سلام نوجهها للعالم أجمع.

مقالات مشابهة

  • اكتشاف تقليد غريب لدى شعب المايا القديم!
  • السعودية تخلع معطفها القديم
  • حاتم الجمل عمدة فن المولوية .. يفتح أشرعة الخيال والتجلي الروحاني عبر الدوران
  • موقع صدى البلد ينعى الكاتب الصحفي مصطفى الجمل
  • الدول العربية التي أعلنت غدًا الأحد أول أيام عيد الفطر 2025
  • ما هي الدول العربية التي أعلنت الأحد أول أيام عيد الفطر المبارك؟
  • فرط التفكير والعزلة.. أحمد هارون يحدد أبرز أعراض وأسباب الهشاشة النفسية| فيديو
  • فرط التفكير والعزلة.. أعراض وأسباب الهشاشة النفسية «فيديو»
  • المُجدِّد.. علي عزت بيجوفيتش
  • شعبة الأدوات الكهربائية: المناطق الحرة بوابة جذب الاستثمار وزيادة الصادرات في مصر