ظهور نادر وأسباب مدهشة.. سر غياب الجمل عن حضارة مصر القديمة
تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT
كتب- محمد شاكر
اعتمدت الحضارة المصرية القديمة، على تسجيل مظاهرها على جدران المعابد وفي المقابر وتجسيد كل الحيوانات والطقوس التي يتم عملها على هيئة تماثيل، توثق مظاهر الحياة والعبادات وغيرها.
وكان لافتا غياب، الجمل، عن الحضارة المصرية القديمة، بينما كان مظهرا مهما في حضارات لاحقة، رغم ما يتمتع به قدرة عالية في التأقلم على الحياة الصحراوية وقطع المسافات الطويلة دفع الحضارة العربية إلى أن تطلق عليه لقب سفينة الصحراء.
وفيما يلي نستعرض تجسيد الحضارة الفرعونية للجمل في الفن المصري القديم، حيث تعتبر صورة الجمل من الهيئات الحيوانية النادرة في الفن المصري القديم، والتي ربما تكون قد ظهرت لوجود هذا الحيوان في صحراوات مصر أو في جنوبها، نتيجة لاتصال المصريين بجيرانهم الأسيويين ولاسيما في شمال غرب الجزيرة العربية.
وقد رصدت دراسة للدكتور حسني عمار، حملت عنوان "أضواء جديدة عن الجمل فى الفن المصرى القديم"، ونشرت في مجلة الاتحاد العام للآثاريين العرب، هذا الأمر، وفيما يلي نستعرض أبرز ملامح هذه الدراسة..
ظهرت صورة الجمل على فترات متباعدة في الفنون المصرية سواء في النقوش والرسوم الصخرية أو على هيئة دمى وتماثيل صغيرة، ولكن لا زال تأريخ بعض هذه الأعمال الفنية محل خلاف بين الباحثين، ولاسيما ما يتعلق منها بالفترات التاريخية السابقة على العصر اليوناني الروماني، فأغلب الأعمال الفنية التي تصور الجمل عبارة عن تماثيل صغيرة الحجم أو رسوم صخرية يصعب تأريخها في ظل غیاب صورة الجمل في النقوش المصورة على جدران المقابر والمعابد المصرية القديمة، بالإضافة إلى تأخر ظهور اسم الجمل في النصوص المصرية القديمة.
وأضافت الدراسة: يمكن تتبع صورة الجمل في الفنون المصرية على مر العصور كما يلي:
العصور الحجرية..
لم يظهر الجمل في الفنون المصرية بمختلف أنواعها في الحقب الزمنية الطويلة التي سبقت عصر ما قبل الأسرات. فلم تظهر صورة الجمل ضمن الهيئات الحيوانية المصورة في الرسوم الصخرية المؤرخة بالعصر الحجري القديم الأعلى (بداية ظهور النقوش والرسوم الصخرية في مصر)، وذلك على الرغم من وجود عظام الجمل في مصر في بعض المواقع الأثرية المؤرخة بالعصر الحجري القديم والوسيط.
كما تأخر ظهور اسم الجمل في الكتابة واللغة المصرية القديمة، على الرغم من تميز اللغة المصرية القديمة بثراء وتنوع مفرداتها والتي عبرت عن كل ما يُوجد في البيئة المصرية من الكائنات الحية بمختلف فصائلها. وقد يكون السبب في ذلك هو ارتباط الإبل من أصحاب حضارات المناطق الصحراوية والقائمين بدور الوسيط التجاري في نقل البضائع، وقلة اعتماد سكان وادي النيل عليه.
وقد دلت الشواهد الأثرية على معرفة المصريين بالجمل منذ عصر ما قبل الأسرات، وليس معنى ذلك أنه كان معتاداً في وادي النيل في مصر، ولكن على الأقل كان مستخدماً في عبور المناطق الصحراوية، وفي الأقطار المجاورة لمصر سواء في جنوبها أو شمالها الشرقي. في حين يبدو أن الحمار كان وسيلة النقل الأساسية داخل الوادي وكما هو واضح على جدران مقابر الأفراد منذ عصر الدولة القديمة.
ومما يؤكد هذا الاحتمال ظهور صورة الجمل في الفنون الصخرية بشكل واضح منذ عصر ما قبل الأسرات، وتأكد ذلك في عصر الأسرة السادسة وما تلاها من عصور. في حين أن التماثيل الصغيرة للجمل والتي عُثر عليها في المواقع الأثرية في داخل وادي النيل سواء كانت في معابد أو مقابر ، فلم تصور بشكل واضح ومتقن قبل عصر
الدولة الحديثة..
أصبح الجمل مألوفا على الأقل في أواخر العصر المتأخر مع استخدام الغزاة من الآشوريين والفرس له في اجتياز الصحراء بتجهيزاتهم العسكرية. واستخدم على نطاق واسع في العصر اليوناني الروماني مع ازدهار التجارة في العالم، فأصبح الجمل الحيوان الرئيسي لنقل البضائع والسفر عبر الصحراوات الشاسعة في مناطق الجزيرة العربية والشرق الأدنى. ونتيجة لذلك شاع تمثيل الجمل في الفنون المختلفة في هذه المناطق ومنها مصر بطبيعة الحال.
وإذا كان الغرض من تصوير الجمل في النقوش الصخرية في مصر يُعد نوعا من تسجيل أحداث معينة لعل أغلبها مرتبط باستخدامه في عبور المناطق الصحراوية والوصول به إلى الوادي كما هو الحال في نقش الأسرة السادسة بالقرب من أسوان، فلا يُعرف الغرض من تشكيل ونحت تماثيل صغيرة للجمل على وجه الدقة في ظل عدم وجود نصوص مصرية قديمة تتحدث عن الجمل.
وإذا حاولنا أن ننظر في الحضارات المجاورة نجد أن الجمل حيوان حظى بكثير من التقدير لدى سكان الجزيرة العربية منذ أقدم العصور، ولا يزال ذلك التقدير مستمر حتى وقتنا الحاضر. وقد عُثر على دمى صغيرة للجمال أغلبها من الفخار في معظم المراكز الحضارية.
الحضارات المجاورة..
لعبت الإبل دورا كبيرا في التاريخ الحضاري لبعض المناطق الصحراوية في الشرق الأدنى القديم بصفة عامة والجزيرة العربية بصفة خاصة. وعلى الرغم من هذه الأهمية وذلك الدور الكبير، فقد اختلفت آراء الباحثين حول تحديد الفترة التي استؤنس الجمل خلالها. فهناك من يعود بذلك لتاريخ مبكر وهو الألف الرابع قبل الميلاد. وذلك بناء على الأدلة الأثرية في مصر ووادي الرافدين.
ويرى فريق آخر أن استئناس الجمل حدث في أواخر الألف الثالث وبدايات الألف الثاني قبل الميلاد، وهناك من يرى أن ذلك حدث في القرنين الثاني عشر والثالث عشر قبل الميلاد وفي مقابل هذا الدور الكبير للإبل في بعض مناطق الشرق الأدنى القديم والجزيرة العربية، يحيط بدورها الغموض في مصر القديمة، ولا زال هذا الدور محل بحث وخلاف بين المتخصصين. ولا يرجع هذا الاختلاف إلى قلة ظهور الجمل في الفنون المصرية القديمة فقط، وإنما أيضاً إلى وجود اختلاف وشك حول هذه النماذج القليلة التي ظهر فيها الجمل في الفن المصري، ولاسيما تلك التي تعود إلى العصور السابقة على الدولة الحديثة وذلك يثير الكثير من التساؤلات حول هذا النقص لاسيما وأن الفنان المصري القديم نجح في تصوير كل الكائنات الحيوانية التي وجدت في البيئة المصرية بل وأحيانا في البيئات الأخرى بالأقطار المجاورة.
المصدر: مصراوي
كلمات دلالية: مسلسلات رمضان 2024 سعر الفائدة أسعار الذهب سعر الدولار مخالفات البناء الطقس فانتازي طوفان الأقصى رمضان 2024 الحرب في السودان حضارة مصر القديمة الجمل ركوب الجمال طوفان الأقصى المزيد المناطق الصحراویة فی الفنون المصریة المصریة القدیمة فی مصر
إقرأ أيضاً:
في اليوم العالمي للغة العربية.. رحلة لغة الضاد التي توجت بحروف من نور تضيء بآيات القرآن الكريم وسياسة الاعتماد الدولي بعد سنوات عجاف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يوافق اليوم الأربعاء، 18 ديسمبر من كل عام، الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، تقديرًا لهذه اللغة العظيمة، "لغة الضاد"، ومكانتها الكبيرة، تحت شعار "العربية والذكاء الاصطناعي: تحفيز الابتكار وصون التراث الثقافي".
وتعد اللغة العربية هي لغتنا التي شرفها الله تعالى بأن أنزل بها القرآن الكريم من فوق سبع سماوات؛ وعلينا أن نعتز جميعا باللغة العربية وأهمية الحفاظ على هذه اللغة، وتعلمها.
ويهدف اليوم العالم للغة العربية، إلى تعزيز استخدام اللغة العربية، والاعتراف بمكانتها الثقافية، والإرثية في العالم، ويعد هذا اليوم فرصة لتسليط الضوء على أهمية اللغة العربية في التواصل العالمي، وفي الثقافة والفكر العربي.
تاريخ الاحتفال
قررت الأمم المتحدة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في 18 ديسمبر من كل عام؛ لأنه اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3190 في ديسمبر عام 1973، والذي يقر بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية، ولغات العمل في الأمم المتحدة، بعد اقتراح قدمته المملكة المغربية، والمملكة العربية السعودية، خلال انعقاد الدورة 190 لـ "المجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو".
وصدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 878 الدورة التاسعة المؤرخ في 4 ديسمبر 1954، والذي يجيز الترجمة التحريرية فقط إلى اللغة العربية، ويقيد عدد صفحات ذلك بأربعة آلاف صفحة في السنة، وشرط أن تدفع الدولة التي تطلبها تكاليف الترجمة، وعلى أن تكون هذه الوثائق ذات طبيعة سياسية، أو قانونية تهم الدول العربية.
هذا الأمر تطور في عام 1960؛ حيث اتخذت منظمة اليونسكو قرارًا يقضي باستخدام اللغة العربية في المؤتمرات الإقليمية التي تُنظَّم في البلدان الناطقة بالعربية، وبترجمة الوثائق والمنشورات الأساسية إلى العربية.
بينما في عام 1966، تم اعتماد قرار يقضي بتعزيز استخدام اللغة العربية في اليونسكو، وتقرر تأمين خدمات الترجمة الفورية إلى العربية، ومن العربية إلى لغات أخرى، في إطار الجلسات العامة.
وفي عام 1968، تم اعتماد اللغة العربية تدريجياً كـ "لغة عمل" في منظمة اليونسكو، التابعة لـ الأمم المتحدة، مع البدء بترجمة وثائق العمل، والمحاضر الحرفية، وتوفير خدمات الترجمة الفورية إلى اللغة العربية.
وبعد هذا التاريخ، استمر الضغط الدبلوماسي العربي، وتحديدا من دولة المغرب الشفيفة، بالتعاون مع بعض الدول العربية الأخرى، إلى أن تمكنوا من جعل اللغة العربية تُستعمل كلغة شفوية خلال انعقاد دورات الجمعية العامة في سبتمبر 1973.
وبعد إصدار جامعة الدول العربية في دورتها الستين قرارا يقضي بجعل اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية للأمم المتحدة، وباقي هيئاتها، ترتب عنه صدور قرار الجمعية العامة رقم 3190 خلال الدورة 28 في ديسمبر 1973 يوصي بجعل اللغة العربية لغة رسمية للجمعية العامة وهيئاتها.
وفي أكتوبر من عام 2012، وعند انعقاد الدورة 190 لـ المجلس التنفيذي لليونسكو، تقرر تكريس هذا اليوم 18 ديسمبر من كل عام ليكون اليوم العالمي للغة العربية، واحتفلت اليونيسكو في تلك السنة للمرة الأولى بهذا اليوم.
وفي 23 أكتوبر من عام 2013، قررت الهيئة الاستشارية للخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية "آرابيا" التابعة لليونسكو، اعتماد اليوم العالمي للغة العربية، كأحد العناصر الأساسية في برنامج عملها لكل سنة.
لغة عالمية
قالت الأمم المتحدة، في الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية 2024، إن العربية لغة عالمية ذات أهمية ثقافية جمّة، إذ يبلغ عدد الناطقين بها ما يربو عن 450 مليون شخص، وهي تتمتع بصفة لغة رسمية في نحو 25 دولة، ومع ذلك، فإن المحتوى المتاح على شبكة الإنترنت باللغة العربية لا يتجاوز نسبة 3%؛ مما يحد من إمكانية انتفاع ملايين الأشخاص به.
وتابعت المنظمة، أن العربية هي كذلك لغة شعائرية رئيسة لدى عدد من الكنائس المسيحية في المنطقة العربية حيث كتب بها كثير من أهم الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى، فضلًا عن ذلك، مثَّلت اللغة العربية كذلك حافزًا إلى إنتاج المعارف ونشرها، وساعدت على نقل المعارف العلمية والفلسفية اليونانية والرومانية إلى أوروبا في عصر النهضة، كما أتاحت إقامة الحوار بين الثقافات على طول المسالك البرية والبحرية لطريق الحرير من سواحل الهند إلى القرن الإفريقي.
كما قالت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونسكو"، أن اليوم العالمي للغة العربية الذي تنظمه اليونسكو يوفر منبرًا تفاعليًا يعزز الحوار والتبادل والتفاهم، وذلك احتفاءً بأهمية اللغة العربية على الصعيد العالمي، فضلًا عن السعي إلى جمع المتحدثين من مختلف الفئات وتعزيز الروابط الثقافية.