غزة.. قصص صمود رغم القتل والنزوح والتهجير
تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT
غزة- قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، امتلك الشاب الفلسطيني محمد حسونة صيدلية في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، درت عليه أرباحا جيدة.
لكنه اليوم يقضي نهاره بائعا في بسطة صغيرة على رصيف بمخيم دير البلح بوسط قطاع غزة، بعد أن نزح إلى وسط القطاع هربا من جحيم الهجمات الوحشية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وعلم حسونة (35 عاما)، من أصدقاء ما زالوا يقيمون في مدينة غزة، أن جيش الاحتلال دمر منزله، وصيدليته بشكل كامل، وأرسلوا له عبر الإنترنت بعض الصور التي أدمت قلبه.
حصل حسونة عام 2013 على بكالوريوس في الصيدلة من جامعة الأزهر بغزة، وعمل في البداية في مستودعات طبية، ثم مندوب إعلانات لشركات أدوية، قبل أن ينجح في إنشاء مشروعه الخاص، والمتمثل بصيدلية أطلق عليها اسم "تسنيم".
وفي السابق، درت الصيدلية أرباحا جيدة، على حسونة، كما يقول، وكان يمني نفسه بتطوير مشروعه، وافتتاح سلسلة صيدليات، قبل أن تندلع الحرب، ويخسر كل شيء.
في البداية، شعر حسونة بالإحباط واليأس، بعد أن خسر صيدليته، ومنزله ورأى حلم حياته ينهار، لكنه قرر أن يبدأ من جديد، فاتخذ قراره بإنشاء بسطة صغيرة يبيع فيها بعض المستلزمات المنزلية، حتى لا يضطر إلى "مد يده" والاستدانة من الناس.
ويقول الصيدلاني حسونة للجزيرة نت إنه بدأ مشروعه بمبلغ قدره 400 شيكل (110 دولارات)، كان آخر ما يمتلكه من مال بعد أن اضطرت زوجته لبيع قطعة مصاغ ذهبي تمتلكها للإنفاق على الأسرة.
ويضيف "بعد أن علمت بتدمير صيدليتي ومنزلي، تحطمت معنوياتي.. أنا الآن تحت الصفر والمستقبل يبدو بائسا حزينا، ولا يوجد أي أفق، فأخذت بالتفكير كيف سأعيش؟ كيف سأكمل حياتي؟ لا أريد أن أمد يدي لأي أحد وأطلب المساعدات، فقررت أن أعمل على بسطة، لأن العمل لا يعيب أحدا، بل يحسن معنوياتي، ويدفعني لعدم التفكير في الماضي".
وتحتوي البسطة على أدوات تنظيف، بالإضافة إلى بعض المواد الغذائية. وتدر البسطة القليل من المال، لكن حسونة يرى أنه مبلغ لا بأس به لتغطية تكاليف أسرته.
استشارات طبية
وخلال تواجده على البسطة، يستغل حسونة علمه وخبرته، في تقديم الاستشارات للنازحين والسكان. فحينما أتاه زبون يبحث عن صابون طبي (غير متوفر في الأسواق بسبب الحرب) لابنته التي تعاني "الأكزيما" في يديها، نصح حسونة الفتاة باستخدام أي صابون عادي شريطة استخدام مرطب كالفازلين عقب الاستخدام مباشرة.
كما قصدته سيدة عجوز كي يبين لها طبيعة الأدوية التي حصلت عليها من عيادة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأممية "أونروا"، فأجابها قائلا "هذا أسبرين لحماية القلب، وهذا دواء لضغط الدم المرتفع لا تأخذيه ليلا، لأنه يحتوي على مادة مدرة للبول، وسيسبب لك الأرق والإزعاج، وهذا دواء ميتفورمين، ويساعد على تقليل السكر في الدم، ويحافظ على أداء البنكرياس، وهذا دواء ينظم ضربات القلب".
وحول هذه الاستشارات يقول حسونة "أحاول أن أوصل معلوماتي والخبرة التي حصلت عليها للناس".
من مالك إلى بائعوكالصيدلاني حسونة، كان التاجر أكرم أبو الحسن، يقطن قبل الحرب حي الشجاعية بمدينة غزة، ويمتلك متجرا كبيرا يدر عليه دخلا جيدا يمكنه من الإنفاق على أسرة مكونة من 12 شخصا. لكن العدوان البري الإسرائيلي على غزة، دفعه للنزوح المتكرر إلى أن استقر في مدينة دير البلح.
وعلى أحد الأرصفة، يعمل أبو الحسن بائعا لبسطة صغيرة تحتوي مواد غذائية. ويقول أبو الحسن للجزيرة نت "قبل الحرب كانت مهنتي ممتازة، كان لدي متجر محترم في منطقة جيدة، وكنت أعيل أسرة كبيرة مكونة من 12 شخصا".
ويقول أبو الحسن إن أوضاع النازحين صعبة للغاية، حيث إن المساعدات الخارجية شحيحة للغاية، والأسعار في ارتفاع كبير، ولا توجد أي فرص للعمل، موضحا أن غالبية النازحين، بلا عمل، أو يعملون في مهن لا تمت لتخصصاتهم بصلة، وفي هذا الصدد يشير إلى أحد الباعة من زملائه، ويقول "هذا كان مقاول بناء كبير، والآن يبيع الشاي والقهوة على الرصيف".
ويبلغ رأس مال مشروعه نحو 300 شيكل (83 دولارا)، وتدر عليه دخلا يقارب الـ20 شيكلا في اليوم (5 دولارات).
وحينما كان عبد الكريم المطوق (50 عاما) يعيش في بلدته جباليا، شمالي القطاع، كان يعمل جزارا محترفا في المزارع والمسالخ المنتشرة، ويحصل على دخل جيد يبلغ حوالي مئة شيكل في اليوم (28 دولارا).
كما يمتلك المطوق دراية جيدة بمهنة "القصارة" وتسمين المواشي، وبعد أن اندلعت الحرب، نزح المطوق مع عائلته إلى عدة أماكن، وانتهى به المطاف إلى مدينة دير البلح.
ومع صعوبة الأوضاع المعيشية، وعدم امتلاكه المال، لجأ المطوق إلى مهنة لف السجائر الشامية، وبيعها للمدخنين.
ويقول المطوق للجزيرة نت "الآن أعمل في لف السجائر الشامية، وأبيع السيجارة بـ2 شيكل (الدولار: 3.6 شواكل)، أنا أبيع السجائر، حتى لا أمد يدي للناس".
ولا تدر هذه المهنة الكثير من المال، حيث يقول إنه يحصل على قرابة 10 شواكل يوميا من بيع السجائر.
ويختم حديثه قائلا "نحن نازحون وفقراء ومشردون، ولا نستطيع الحصول على المساعدات التي تأتي من الخارج، وإذا لم نعمل ونتدبر أمورنا لن نجد ما نطعم به أولادنا".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: أبو الحسن بعد أن
إقرأ أيضاً:
عدوان واشنطن.. إعلان عجز أمام صمود جبال اليمن الشامخة
في فصلٍ جديدٍ من تاريخ الهيمنة والاستعمار، شنت الولايات المتحدة عدوانًا غادرًا على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية، هذا الهجوم يثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن واشنطن لم تكن يومًا مجرد داعمٍ للكيان الصهيوني، بل شريكٌ أصيل في جرائمه بحق شعوب المنطقة، جاء هذا العدوان السافر في محاولةٍ يائسة لمعاقبة اليمنيين على موقفهم المبدئي في دعم فلسطين، وعلى تصدرهم لجبهة المواجهة ضد المشروع الأمريكي-الإسرائيلي في المنطقة.
لم يكن هذا العدوان الغاشم سوى حلقةً جديدةً في مسلسل العربدة الأمريكية، ومحاولةً فاشلةً لإخضاع شعبٍ لم يعرف الهزيمة يومًا، فالولايات المتحدة، التي عجزت عن كسر إرادة اليمنيين عبر الحصار والتجويع، لجأت إلى صواريخها وطائراتها، متوهمةً أن بإمكانها فرض معادلات جديدة بالقوة. لكنها تناست أن هذا الشعب، الذي واجه تحالفًا عالميًا طيلة سنوات، لا تزيده النيران إلا بأسًا، ولا يولد من تحت الركام إلا أكثر إصرارًا على المواجهة. ما جرى ليس مجرد عدوان، بل إعلان عجزٍ أمريكي أمام صمودٍ يُربك حسابات الطغاة، ويُفشل كل رهاناتهم الواهمة على إخضاع اليمن.
إن ما حدث يكشف بوضوح أن الولايات المتحدة لم تعد تملك سوى سلاح القوة الغاشمة، بعد أن فشلت في تحقيق أهدافها عبر الحصار السياسي والاقتصادي. فحين تعجز واشنطن عن فرض مشاريعها بالضغوط الدبلوماسية، تلجأ إلى القصف المباشر، ظنًا منها أن بإمكانها إخضاع الشعوب الحرة كما تفعل مع الأنظمة التابعة لها. لكن اليمن ليس من تلك الدول التي تُشترى مواقفها أو تُلوى ذراعها، بل هو أرضٌ عصيةٌ على الانكسار، وشعبٌ لا يُهادن في قضاياه المصيرية.
لقد تجاوز العدوان الأمريكي على اليمن البعد العسكري ليصبح إعلان حربٍ على كل مشروع مقاوم في المنطقة، ومحاولةً لترسيخ هيمنة واشنطن بأي ثمن، لكن ما لم تدركه الإدارة الأمريكية هو أن هذه الاعتداءات لن تزيد اليمنيين إلا ثباتًا، ولن تدفعهم إلا نحو مزيدٍ من الصلابة في مواجهة كل مشاريع الاحتلال والاستعمار الجديد. فمن أراد كسر إرادة هذا الشعب، فهو كمن يحاول تحطيم الجبال بأيدٍ واهنة، ومن راهن على إخضاعه، فقد حكم على نفسه بالهزيمة المحتومة.
في اليمن، لا تُكسر الإرادة بالقصف، ولا تُطفأ جذوة الصمود بالنار، من راهن على إخضاع هذا الشعب بالحديد والنار، لم يقرأ تاريخ اليمن، ولم يدرك أن هذه الأرض مقبرةٌ لكل غازٍ ومستعمر، هنا، لا تُكتب المعادلات بالقوة، بل تُرسم بدماء الأحرار، ولا مكان فيها للضعفاء والمتخاذلين. فليحشد المعتدون أساطيلهم، وليزجّوا بترساناتهم، فلن يحصدوا إلا الخيبة، ولن يجدوا إلا الموت الزؤام على يد رجالٍ لا يعرفون إلا النصر أو الشهادة، فاليمن ليس مجرد أرضٍ تُغزى، بل هو قدرٌ أسود يلاحق الطغاة، وقوةٌ لا تُكسر، وإرادةٌ لا تُقهر!
إن الشعب اليمني، الذي يواجه أعتى قوى العدوان، يؤكد يومًا بعد يوم تمسكه بقضيته الفلسطينية، رافضًا كل محاولات التطبيع والتخلي عن حقوق الشعب الفلسطيني. هذا الموقف الثابت يعكس أصالة الشعب اليمني ورفضه لكل أشكال الظلم والاضطهاد، ويثبت أن اليمن سيظل سندًا لفلسطين وقضيتها العادلة مهما كانت التضحيات.