الخليج الجديد:
2024-11-22@23:42:25 GMT

الغرب وإسرائيل والقواعد غير المدوّنة

تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT

الغرب وإسرائيل والقواعد غير المدوّنة

الغرب وإسرائيل والقواعد غير المدوّنة

كيف يصبح مفهوم العقلانية السياسية أكثر تركيباً ليشمل "المدوّن" و"غير المدوّن" لأجل فهمٍ أدق.

لا تزال إسرائيل دولة يستدعي التعامل معها نوعاً من "فك شفرات" الخطاب والسلوك معاً.

التفسير التآمري للتاريخ ينفي إرادة المقاومة والمواجهة، بينما المؤامرة جزءٌ من التاريخ والواقع السياسي، ووسيلة ضمن وسائل أخرى، وليست قدراً مقدوراً.

الرؤساء الأميركيون اتبعوا في دعم إسرائيل "قاعدة غير مدوّنة" خلاصتها أنه "إذا باعدتْ أميركا بينها وبين إسرائيل، فإن دول الجوار المحيطة بالدولة العبرية ستمحوها من الوجود"!!

دوافع دعم الغرب إسرائيل مركب من المصالح والعقائد، فلم يمكن استدامة "الاستثناء الصهيوني" في السياسات الخارجية للغرب أكثر من قرن دون "قواعد غير مدوّنة" و"تفاهمات ضمنية".

* * *

أحد أهم معالم الحداثة السياسية، وقد تكون أكثرها بداهة، أن تكون الحقائق في الوثائق، أي أن تكون "مدوّنة" (مكتوبة)، حيث لا مكان للشفاهية في دولة المؤسّسات الحديثة. ومنذ كانت إسرائيل مجرّد مشروع ترعاه المنظمة الصهيونية العالمية، وهي تترك بصماتٍ في العلاقات الدولية تستحقّ التوقف أمامها.

لا تخلو إحدى هذه البصمات من إثارة وترتبط بالسرّية، بدأت تخرُج إلى العلن بعد نشوب الثورة البلشفية (1917)، وبنشوبها كشف الحزب الشيوعي السوفياتي عن الاتفاقية السرّية المشؤومة (سايكس بيكو، 1916) ولم يهتم العقل السياسي العربي آنذاك بقدر كافٍ بدلالة أنها "سرّية".

وفي 4 فبراير/ شباط الجاري، استعرض موقع "بي بي سي" خلاصة مقال للكاتب الأميركي مايكل غودوين، نشرته صحيفة نيويورك بوست، عنوانه "بايدن يلعب بالنار ويجازف بإشعال حرب عالمية ثالثة".

والعبارة الأكثر إثارة في المقال أن الرؤساء الأميركيين اتبعوا في دعمهم إسرائيل "قاعدة غير مدوّنة"، خلاصتها أنه "إذا باعدتْ أميركا بينها وبين إسرائيل، فإن دول الجوار المحيطة بالدولة العبرية ستمحوها من الوجود"!! فلماذا هي "قاعدة غير مدوّنة" ولماذا يصفها بالرسوخ؟

ليست القضية هنا البحث عن سردية "تآمرية" تغني عن التفكير والتحليل والسعي إلى الفهم العقلاني، بل أن يصبح مفهوم العقلانية السياسية أكثر تركيباً ليشمل "المدوّن" و"غير المدوّن" لأجل فهمٍ أدق.

وأحد الاجتهادات المهمة في هذا السبيل ما صاغه عبد الوهاب المسيري، رحمه الله، في مصطلح: "العقد الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية"، وهو يصفه بأنه "تفاهم ضمني" بينهما. وقد لفت نظري منذ سنوات ما ذكره الباحث الإسرائيلي أفنير كوهين في كتابه "إسرائيل والقنبلة" عن بنود "غير مدوّنة" (شفهية) في الاتفاقية التي بموجبها قدّمت فرنسا لإسرائيل مفاعلها النووي!

والشفاهية، في النهاية وسيلة لتحقيق هدف، هي في معظم الحالات، جسر سرّي بين "العقائد" و"المصالح"، حيث يجري ترويج فكرة أن العلاقات الدولية (كل العلاقات الدولية) تقوم على المصالح ولا مكان فيها للعقائد، وبخاصة الدينية.

ولأن دوافع دعم الغرب إسرائيل تمثل مركباً من المصالح والعقائد، فإن "الاستثناء الصهيوني" في السياسات الخارجية للغرب لم يكن بالإمكان استدامته أكثر من قرن من دون "قواعد غير مدوّنة" و"تفاهمات ضمنية"، ومن هذه الغرفة المظلمة خرجت أشباح التفسير التآمري للتاريخ لتستوطن العقل العربي.

شيوع التفسير التآمري في هذه الحالة مفهوم وإن لم يكن منطقياً. ومن الاجتهادات المنهجية المهمة التي قد تضع الأمر في سياق أكثر منهجية اجتهاد الأستاذ بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، ريتشارد نيو ليبو، وخلاصته أن الدول ليس لها "دين"، لكن من يحكمون الدول يعتنقون أدياناً، وفي حالات كثيرة يستخدمون مقدّرات "دولهم" لنصرة "أديانهم".

ولا تزال إسرائيل دولة يستدعي التعامل معها نوعاً من "فك شفرات" الخطاب والسلوك معاً، وما كتبه الأميركي مايكل غودوين ليس سوى نموذج لنهج أصبح مكوّناً مؤثراً في العلاقات الدولية يشكل الاستخفاف به تضليلاً له عواقبه.

وحديث غودون عن "قاعدة غير مدوّنة" هو، من ناحية، اعتراف غربي مهم بهذا النمط من الدوافع، وهو أيضاً يفتح الباب لاستكشاف (نحن في حاجة ماسّة إليه) لإعادة التوازن إلى خطابنا التحليلي بعيداً عن التبسيط وعن الاستهجان الاستعلائي على المؤامرة، في آنٍ.

التفسير التآمري للتاريخ يعني نفي إرادة المقاومة وإمكانية المواجهة، بينما المؤامرة جزءٌ من التاريخ ومن الواقع السياسي، وهي وسيلة ضمن وسائل أخرى، وليست قدراً مقدوراً.

*ممدوح الشيخ كاتب وباحث مصري

المصدر | العربي الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: إسرائيل بايدن الصهيونية الشفاهية المصالح العقائد المقاومة سايكس بيكو العلاقات الدولية العلاقات الدولیة

إقرأ أيضاً:

باحث: كان على المحكمة الجنائية الدولية إدانة بايدن مع نتنياهو وجالانت

قال عبد الله نعمة، الباحث في العلاقات الدولية، إن المحكمة الجنائية الدولية كانت خاطئه حين أصدرت أوامر اعتقال بحق رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه الأسبق، يوآف جالانت فقط، بل كان عليها أن تصدر أوامر اعقتال بحق الرأس الأكبر جو بايدن الذي شجعهم على جرائمهم وأعطاهم الضوء في قتل الفلسطينيين واللبنانيين، وتدمير قطاع غزة ولبنان.


وأضاف «نعمة» خلال مداخلة ببرنامج «ملف اليوم» الذ يقدمه الإعلامي كمال ماضي على شاشة قناة «القاهرة الإخبارية»، أن بايدن اشترك مع الجمهورين في تاريخهم الطويل من إشعال الحروب.

على جانب آخر، تساءل الباحث في العلاقات الدولية، عن سر اختيار المحكمة الجنائية الدولية هذا التوقيت الذي يزور فيه مبعوث الرئيس الأمريكي للبنان، لمحاولة التوصل لإتفاق وقف إطلاق النار، مشيرًا إلى أنه على الرغم من وجوب صدور مذكرة الاعتقال، إلا أن نتنياهو حاليًا من الممكن أن يستخدم قرار الجنائية الدولية كبوابة لكي يزيد من وتيرة التصعيد لعنف والعدوان على لبنان.

مقالات مشابهة

  • فيتو روسي.. شرارة الحرب الساخنة؟
  • وفاة 7 أشخاص في الحوادث خلال يوم!
  • هناك فرق كبير بين السودان وإسرائيل.. السودان زمن الإنقاذ كان “دولة مارقة”
  • باحث: كان على المحكمة الجنائية الدولية إدانة بايدن مع نتنياهو وجالانت
  • السيد عبدالملك الحوثي: الغرب أكثر توحشا من الوحوش في الغابات ورصيده الإجرامي هو القتل للملايين من البشر
  • أكثر لحظات الندم وتأثيرها على المحتضرين: اعترافات ممرضة رعاية المسنين
  • أكاديمي إسرائيلي يهاجم أردوغان بعد دعوته لقطع العلاقات الدولية التجارية مع الاحتلال
  • خبير مصري: نعيم قاسم بات مفأجاة لـ إسرائيل أكثر من نصر الله
  • الغرب يسعى لإدانة إيران بالوكالة الدولية للطاقة.. وطهران تحذر
  • مجالس المحافظات تتعثر: الرقابة ترقص على إيقاع المصالح