صنعاءُ وواشنطن.. مواجَهةٌ غيرُ متكافئة لصالح اليمن
تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT
يمانيون – متابعات
خلال حديثه الأسبوعي عن آخر التطورات في غزّة، أشار السيد عبد الملك الحوثي، إلى نقطة في غاية الأهميّة، لم تأخذ حقها في الالتفات إليها، أن الأمريكيين والبريطانيين “ورَّطوا أنفسهم وهم يحاولون أن يسندوا العدوّ الإسرائيلي بالعدوان على بلدنا؛ فأدخلوا أنفسهم في ورطة، هم معترفون في أنهم فشلوا في فرض استراتيجية ردع، لم يتمكّنوا من تحقيق هذا الهدف، ولا استراتيجية إجبار لبلدنا لوقف مساندته لغزّة”.
نعم، لقد نجحت صنعاء في تنفيذ التزامها المعلن بمنع الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، واضطرّت الشركات الصهيونية للإبحار عبر الرجاء الصالح، وامتنعت شركات دولية عن التعامل والنقل إلى الموانئ الإسرائيلية في فلسطين المحتلّة، بما يمثله من تداعيات وتأثيرات كارثية على الاقتصاد الإسرائيلي، بعد التوقف الكامل لميناء أم الرشراش “إيلات”، وكثير من التقارير الإسرائيلية تطفح بالأرقام عن جدوائية العمليات العسكرية اليمنية المساندة لغزّة، وكيف ارتفعت أسعار السلع أمام المستوطنين، وكيف فقد المنتج الصهيوني قدرته على المنافسة في الأسواق بعد ارتفاع تكاليف التصنيع والمواد الأولية المستوردة.
ليس بالأمر الهين أن تنجحَ صنعاء وتفشل واشنطن، في منطقة كانت الولايات المتحدة تظن أنها قد أمسكت بمقاليدها، وسيطرت على مفاصلها، وتحكمت بمداخلها ومخارجها، فجأة تجد نفسها أمام هذا التحدّي غير المسبوق، ويمكن تفسير ما يجري بتحليل الموقف الأمريكي العام، وموقف اليمن الخاص.
بالنسبة للأمريكي، رغم أن القوّة العسكرية الأمريكية تعتبر الأولى في العالم، إلا أنها قوة منهزمة، تاريخيًّا في فيتنام وكوبا، والصومال، مُرورًا بالعراق وأفغانستان، وهذه المعطيات يدركها جنرالات الجيش الأمريكي، ويدركون أَيْـضاً أن القوّة الكبرى لم تصنع لهم الانتصار في أفغانستان ولا في العراق، أحدث تجارب الحروب الأمريكية الفاشلة، وهنا لا نتحدث عن حرب أَيَّـام ولا ساعات ولا شهور، بل عن حروب استمرت عقدين من الزمن، كان المقرّر لها أن تصنع هيبة أمريكا الإمبراطورية للقرن الحادي والعشرين، وَإذَا بها تهوي بها إلى مستنقع من الإهانة والإذلال.
ثانيًا، أَيْـضاً بالنسبة لواشنطن، على مستوى العلاقات الدولية، والأزمة الواضحة في تشكيل التحالفات، ظهرت الولايات المتحدة عاجزة عن تشكيل تحالف دولي لحماية الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر؛ الأمر الذي جعلها تبحث عن أسماء دول ربما لا أحد يجدها على الخارطة، حتّى أُورُوبا لم تقبل الدخول معها في تحالفها البحري ضدّ اليمن، باستثناء لندن، وفضل الأُورُوبيون تشكيل تحالف خاص لا يبدو، حتّى هذه اللحظة، أنّهم بصدد التصرف بعدوانية كما هو حال الأمريكي والبريطاني.
ثالثًا: التوازن الدولي اليوم لم يعد في صالح الولايات المتحدة، والقوى الكبرى روسيا والصين المتنافسة والمتصارعة مع واشنطن، تحاول أن تستفيد من الوضع القائم في البحر الأحمر، والذي يقلص النفوذ الأمريكي، وهذا يجعل الولايات المتحدة، تفكر ألف مرة، وتضرب الأخماس بأسداس، خشية أن يصب التصعيد المحتمل، في صالح المنافسين في موسكو وبكين، ومواقفها أصبحت أكثر وضوحًا في مجلس الأمن، ضدّ التصرفات الأمريكية، وتحميلها أَيْـضاً مسؤولية تهديد المنطقة الاستراتيجية.
أما بالنسبة لصنعاء، فليس خافيًا أنها تنطلق أولًا من المسؤولية الإنسانية، والأخلاقية التي يمليها الدين الإسلامي في نصر المظلوم، وتلبية نداء المستضعفين، من موقع قوة الحق والمبدأ، وهذا يجعل اتِّخاذ القرار في حَـلّ من النظر إلى التداعيات المحتملة، بل عندما يستند إلى القرآن الكريم الذي وعد بالنصر، فَــإنَّه يكون موقنًا إلى أبعد مدى، أن الله سبحانه هو من سيسدد الرمي، ويثبت الأقدام، ويصنع النصر الموعود.
عسكريًّا، راكمت القوات المسلحة اليمنية خبرات كبيرة خلال سنوات العدوان التسع الماضية، إلى جانب مراكمة الأسلحة والعتاد المتطور كمًّا ونوعًا، وتعترف قائدة البحرية الأمريكية، الأدميرال “ليزا فرانشيتي، حسب ما نقلته صحيفة التلجراف البريطانية، “بنجاح الأسلحة اليمنية في اختراق الأنظمة، وإصابة السفن التجارية مما يتسبب في أضرار وحرائق”، وفي وقت سابق قال قائد الأسطول الخامس الأمريكي تشارلز كوبر، إن الصواريخ والمسيَّرات اليمنية تستطيع أن تضرب هدفها خلال 75 ثانية، وأكّـد في مقابلة مع قناة سي بي سي حينها، أن قواته لا تملك سوى ما بين 9 و15 ثانية لاتِّخاذ قرار بإسقاط صاروخ أَو مسيّرة، بل ذكرت نيويورك تايمز تقارير تفيد بأن الجنرالات في البنتاغون بدأوا يتعلمون من التكتيكات اليمنية، وأن الجيش الأمريكي يعتمد تلك التكتيكات في بحر البلطيق بمواجهة روسيا.
في التخفي والتمويه، تنقل التلغراف أن حركة صاروخ أنصار الله تجعله هدفًا صعبًا لتحديد موقعه وضربه قبل إطلاقه، وتستنتج الصحيفة البريطانية أنهم “سوف يستمرون في إطلاق النار بشكل دوري”.
وبالأمس [الخميس] وجَّه السيد القائد عبد الملك الحوثي، إهانةً قويةً للجيش الأمريكي، متحدثًا عن فشله في استهداف القدرات اليمنية، فمحصلة عدوانه من بداية الأسبوع، “والتي وصلت إلى 40 غارة، كان معظمها على محافظة الحديدة، والبعض منها على محافظة صعدة، وحصيلتها، نتيجتها وإنجازها العملاق في محافظة صعدة، كان ماذا؟ استهداف سيارة مزارع تحمل أنابيب بلاستيكية، هذا هو الإنجاز العملاق لأمريكا وبريطانيا العظمى، في عدوانهم بصواريخهم، وتقنياتهم الضخمة، وإمْكَاناتهم العسكرية الضخمة: استهداف سيارة مزارع في محافظة صعدة تحمل أنابيب بلاستيكية! هذه هي الحصيلة، هذا يعبِّر عن فشلهم الكبير، ولن يصلوا إلى نتيجة”، يختم السيد عبد الملك الحوثي.
هذه المعطيات والمجريات على الميدان البحري تؤكّـد أن يد صنعاء هي العليا في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب، وأن المعادلات القائمة اليوم، والتي يمكن أن تتطور غدًا، ستكون مقدمة لإنهاء الهيمنة الأمريكية في المنطقة، بما يضمن بالمحصلة عدم القدرة الأمريكية على حماية الكيان الصهيوني الغاصب في فلسطين المحتلّة.
-المسيرة / علي الدرواني
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی البحر الأحمر
إقرأ أيضاً:
العدوان الأمريكي وحسابات المرتزقة..؟!
إن يراهن بعض من المحسوبين على البلاد على العدوان الخارجي كي يستعيدوا مكانتهم في الداخل الوطني فهذا هو رهان الخاسرين دوما الذين لم يفلحوا عبر التاريخ، منذ حكومة (فيجي) وحتى حكومة (الجولاني) قدم التاريخ نماذجاً حية لنهاية كل من يربط مصيره الوطني بالدعم الخارجي والذي تكون دائما نهايته مأساوية، منذ عشر سنوات وهناك من يراهن منا على دعم ورعاية جهات إقليمية ودولية لمناصرته في مواجهة أبناء وطنه، واصطفوا إلى جانب قوى تحالف العدوان وقاموا بأسوأ عدوان ضد الوطن والشعب، عدوان دمر قدرات الوطن وإمكانياته، وذهب صحيته مئات الآلاف من أبناء الشعب نساء وأطفالاً وشيوخاً ومدنيين عزل، وقد فشلوا في تحقيق أهدافهم جراء هذا العدوان الذي هزمته إرادة الوطن والشعب، رغم الفجوة في القدرات بين ما لدى الصامدين في الوطن وما لدى قوى العدوان وتحالفه. عشر سنوات وأبواق الأفك تصدح بعبارة ( عائدون يا صنعاء) وصنعاء التي ترحب بالجميع لم تطلب منهم مغادرتها بل طلبت منهم الاعتراف بالأمر الواقع وبالمتغيرات الجديدة التي برزت على خارطة الوطن وهو فعل تحكمه تطورات التاريخ وأحداثه، فقد انتهي عصر الأئمة في 26 سبتمبر 1962م وحدث بعدها ما حدث في نوفمبر 1967م ثم حدث ما حدث في 13 يونيو 1974م وحدث ما حدث في أكتوبر 1977م وأكتوبر 1978م وفي مايو 1990م وفي صيف 1994َ وفي نوفمبر 2011م وأخيرا في سبتمبر 2014م والذي جاء حصيلة لتداعيات متراكمة كان لابد من وضع حد لها، بعد أن أخفقت النخب المعنية في تقديم رؤى وطنية لحل أزمة الوطن والشعب، وكان طبيعي أن يحدث ما حدث في سبتمبر 2014م وعلى مختلف الجوانب السياسية والاجتماعية وحتى الديمقراطية التي يتشدق بها البعض ولكنه لا يعترف بها إلا إذا أن كانت لصالحه ومحققة لأهدافه.
بعد أحداث عام 2011م سقط النظام وتم تنصيب نظام آخر تم احتواؤه وحدث انقلاب داخلي في مفاصل النظام عمل أطرافه على إقصاء شركائهم الآخرين وفرض (الإخوان) وبقايا فلول الفساد من النظام السابق خياراتهم على الوطن والشعب وحاولوا إعادة تكريس ذات النظام ولكن بوجوه كانت تحتل مكانتها في الصف الثاني من النظام السابق..!
فرض الشعب خياره في سبتمبر 2014م وكان المفترض بالبقية التسليم والاعتراف بالمتغيرات الوطنية الجديدة، كما اعترفوا بنتائج أحداث سابقة حدثت ولم تكن معبرة عن إرادة وطن وشعب بل حصيلة مؤامرات داخلية وخارجية صنعتها ذات الجهات التي رفعت شعار (استعادة الدولة) ومن من؟! من الشعب؟ ولماذا؟ لأن الحكام الجدد في صنعاء، لم يقبلوا الركوع لأولياء النعم الذين يريدون إبقاء اليمن حديقة خلفية تعيش على هامش الحياة وتبقى في دائرة الارتهان والتبعية تدين بدين الجيران وتعبد ما عبدوا، كان يمكن أن لا يحدث ما حدث في البلاد منذ عشر سنوات من عدوان وتمزق وصراع دامٍ لو أن أولئك النفر من أبناء جلدتنا حكموا عقولهم وتقبلوا الوضع كما تقبلوه يوم اغتيال الشهيد الحمدي مثلا وتصفية رموز القوى الوطنية .!
هل لأن الجيران هم من اغتالوا الشهيد الحمدي وعملوا على تصفية القوى الوطنية؟ وأن حكام صنعاء الجدد يسيرون في طريق الشهيد الحمدي بصورة أو بأخرى؟!
وهذا سلوك لا يعجب الجيران ولا يناسبهم ولذا اتخذوا قرارهم بتصفية حكام صنعاء الذين لا يروق لهم من خلال افتعال مزاعم وتهم بالأمس نسبت لعبد الناصر واليوم تنسب لإيران!
لذا وبعد عقد من العدوان نرى من يراهن على العدوان الأمريكي _الصهيوني _الاستعماري الرجعي، وعلى ماذا يراهنون؟ على العودة لحكم البلاد على ظهر البوارج والأساطيل الأمريكية؟ ومن سيقبل بهم؟ وهل يتوهم من يراهن على هذا الخيار أن الشعب سيقبل بهم وأن بإمكانهم تطويعه؟! هل بلغت فيهم الوقاحة هذا المدى من التفكير العقيم؟ وهل وصل بهم الإجداب السياسي والفكري هذه الدرجة المخزية من الارتهان؟!
والمثير حين يصر بعضهم على إتهام صنعاء بالارتهان لطهران و(العمالة لطهران) إلى آخر المعزوفة التي تسوق، فهل هم أنقياء بوطنيتهم؟ أم أنهم أنفسهم (عملاء ومرتهنون) لمن هم أسواء من إيران، التي لم نرى منها ما يقلق سكينتنا وأمننا، ولم نر فيها ما نرى من خيانات ومؤامرات من مولوا الفتنة والأزمة ودمروا الوطن والشعب ومزقوا نسيجهم الاجتماعي والجغرافي..؟
ماذا فعلت بناء إيران مقابل ما تفعله بنا دول الجوار؟!