أكاديميون وثقافيون: المشروع القرآني أصبح اليوم منهجاً لكل الأحرار والشرفاء في العالم
تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT
يمانيون – متابعات
يعد الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي – رضوان الله عليه- أحد أبرز القادة اليمنيين الذين كانوا لهم الدور الكبير والبارز في محاربة المشروع الأمريكي ليس في اليمن فحسب وإنما في المنطقة برمتها.
ومنذ انطلاقة المشروع القرآني ركز الشهيد القائد على مسألة الوعي لدى اليمنيين بخطورة أمريكا ومخططاتها الشيطانية على المنطقة، مطالباً بعدم الصمت والعمل كأمة واحدة على محاربة هذه المخططات.
ويؤكد مدير مكتب الإرشاد بالأمانة الدكتور قيس الطل إن الشهيد القائد -رضوان الله عليه- كان له دور كبير في كشف مخططات الأعداء، حيث قدم صورة كاملة عن المخططات الأمريكية والصهيونية، وعن اليهود من أهل الكتاب وتاريخهم وخطورتهم وأهدافهم وأساليبهم ووسائلهم، كما قدم الشهيد القائد من خلال القرآن الكريم، المنهجية الصحيحة والحكيمة لمواجهتهم، وكيف تصبح الأمة إذا تحركت لمواجهتهم،
وأضاف أن الشهيد القائد -رضوان الله عليه- كشف الكثير من أساليبهم في استهداف الأمة، منها لبس الحق بالباطل، من خلال العناوين البراقة كحقوق الأطفال وحقوق المرأة وحرية التعبير، وأثبت الواقع كذبهم وحقيقتهم، كما ذكر -عليه السلام- أن من أساليبهم هو التضليل من خلال تزييف الحقائق وتزييف الثقافات وتزييف الأعلام وصناعة القدوات المزيفة لشبابنا وللرجال والنساء وحتى للأطفال، كما كشف –رضوان الله عليه- خطورة اليهود في السعي لتفريق الأمة تحت كل العناوين المذهبية والسياسية والعرقية والطائفية، وكذلك خطورتهم في استهداف الشعب اليمني من خلال الحرب الناعمة سواء الفساد الأخلاقي أو الغزو الثقافي، ومن هذا كشف حقيقة الوهابية وعمالتها للأمريكان والصهاينة، وقد أثبت الواقع صحة كل ما تكلم عنه والأحداث في فلسطين اليوم وموقف الوهابية السلبي تجاهها أكبر دليل على ذلك، بالإضافة إلى أساليبهم في استهداف الأمة، ومنها أسلوب الحرب النفسية والدعاية والترويج ، وأسلوب الخداع وصناعة التوجهات، كما هو حال عنوان مكافحة الإرهاب وأساليب الترغيب والترهيب، والإغواء والإغراء، وهناك الكثير من الأساليب والحقائق التي وردت في دروسه –رضوان الله عليه-
ثورة وعي قرآني
ولم يكتفِ الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي – رضوان الله عليه- بالصمت أمام المؤامرات والمخططات الأمريكية الصهيونية، التي بدأت في الحادي عشر من سبتمبر 2001م، بل تحرك لمواجهتها والكشف عن طبيعة تلك المخططات الاستعمارية الرامية إلى احتلال الشعوب وتركيعها ونهب ثرواتها، وخطورتها على مستقبل الشعوب العربية، بما فيها اليمن، الذي أفشل كل التحركات الأمريكية فيه منذ وقت مبكر، مستلهماً أفكاره مما كان يجري في العراق وأفغانستان، حيث لم يتنبأ بما تخطط له أمريكا فحسب وإنما استطاع بوعي منفرد أن يقرأ أولاً طبيعة التحركات الأمريكية، فيما يسمى الدول النامية، وإحكام قبضتها على الأنظمة الحاكمة، ومحاربة أي فكر يؤدي لطردها من المنطقة.
وفي هذا الشأن تقول مستشارة مكتب رئاسة الجمهورية لشؤون المرأة الدكتورة نجيبة مطهر إن الشهيد القائد استطاع أن يكشف المخططات الأمريكية وأن يفضحها منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وإعلان الإدارة الأمريكية آنذاك على لسان “بوش الابن ” حربها الشاملة على ما سمته “الإرهاب” وكان شعاره ” من ليس معنا فهو ضدنا “.
وتشير إلى أن عدداً من رؤساء وزعما العرب، وفي مقدمتهم ملوك وأمراء دول الخليج، سارعوا بإعلان تأييدهم ووقوفهم الكامل للقرار الأمريكي، ومن بين الزعماء رئيس النظام السابق “عفاش” الذي أعلن قبوله وتأييده للقرار الأمريكي، لافتاً إلى أن الشهيد القائد –رضوان الله عليه – تحرك بعد قبول النظام السابق القرار الأمريكي، وأعلن رفضه لذلك القرار، محاولاً تقديم واجب النصيحة للنظام السابق وتنبيهه من الوقوع في شرك المخطط والمؤامرة الأمريكية، التي تستهدف الإسلام والأوطان والشعوب العربية والإسلامية تحت غطاء مبرر وذريعة ما تسميه ” مكافحة الإرهاب” ولكن النظام الخائن أصم أذنيه عن سماع نصيحة الشهيد القائد ولم يعرها أيَّ اهتمام.
وتشير مطهر إلى أن الشهيد القائد كشف حينها أبعاد الحملة الأمريكية على الإسلام والمسلمين تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، فأتى احتلال أفغانستان في نهاية 2001م ، ثم غزو العراق في العام 2003م ، وفي يوليو 2004 بدأت الحرب العسكرية والعدوانية على الشهيد السيد حسين بدر الدين الحوثي ، ومشروعه القرآني، والمعروفة بالحرب الأولى على صعدة، موضحة أن اليمن في تلك المرحلة كانت تحت السيطرة الأمريكية، حيث سلم النظام السابق الخائن والعميل اليمن طواعية لأمريكا، وبات السفير الأمريكي حينها أدموند هول هو صاحب القرار السياسي، وبات ضباط المارينز والسي آي إيه والإف بي آي ، أصحاب القرار في الملفات الأمنية والعسكرية ، وتحولت السلطة العميلة إلى شرطي ينفذ أوامر الامريكان بالريموت كونترول.
وتواصل حديثه لصحيفة “المسيرة”: “ولهذا تحرك الشهيد القائد – رضوان الله عليه- بالمشروع القرآني العظيم، الذي حمل بين طياته العديد من الأهداف التي تمثلت في مواجهة أمريكا ومخططاتها الخبيثة التي تستهدف بها الأمة، واليمن جزء منها، ومواجهة المشروع الصهيوني الخبيث في فلسطين المحتلة والمنطقة، واستنهاض الأمة وتوعيتها بطبيعة العدو ومخططاته، ومخاطر الصمت، ونتائج التحرك لمواجهتها، ولهذا كانت الحرب والعدوان في محافظة صعدة أمريكية بامتياز، وفق الدكتورة مطهر.
وعن المشروع القرآني تؤكد مطهر أنه “ثورة استقراء واستشراف للمستقبل، وإدراك للمخططات والمؤامرات الأمريكية والصهيونية المحدقة بالأمة العربية والإسلامية، وأيضاً ثورة دفاع عن الحق الإنساني، ونهوض بالواجب الديني، وتحرك سليم وصائب، وهو منطلقٌ من قناعات وأفكار ورؤى قرآنية هادفة إلى إعادة بناء واقع الأمة وتحريرها من ربقة الخنوع والخضوع للوصاية والهيمنة الأمريكية الصهيونية، وانتشالها من واقع الوهن والضعف والعجز، والحفاظ على استقلالها والذود والدفاع عن هويتها وعزتها وكرامتها ، واستعادة مجدها ووهج حضارتها الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ الإسلامي”.
لذلك ووفق للدكتورة نجيبة مطهر، فقد كانت ثورة الشهيد القائد ثورة وعي قرآني، وارتباط محمدي، ونهج إيماني ومسار جهادي، أسس له وحمل لواء قيادة الأمة، في مسيرة السير على درب أعلام الهدى من آل بيت الرسول المصطفى -صلوات ربي وسلامه عليهم- ولم يبق أمام الشهيد القائد حسين بدر الدين إلا أن يعتمد على الله وأن يتحمل مسؤوليته بشكل مباشر، ومن قاعة مدرسة الإمام الهادي في مران صعدة بتاريخ 17/ 1/ 2002م، وأطلق أهدافه التي تمثلت في الآتي:
النهوض والتحرك ضمن مشروع ثورة وعي قرآني، ورفض للطغيان والاستكبار الأمريكي، وإيقاظ لمشاعر الأمة واستنهاض لهمتها وعزيمتها، وتأكيداً على ضرورة وأهمية القيام بواجب المجابهة والمواجهة والتصدي للأخطار والمؤامرات المحدقة بالأمة، وإطلاق شعار الصرخة في وجه الاستكبار والطغيان والأمريكي والصلف الصهيوني وتحديد موقفهم منه، والذي شكل شرارة ثورة وعي قرآني وتصحيح تربوي وثقافي لواقع الأمة، وتحديد لمعالم الطريق والمسار الصحيح والسليم الذي يجب على الامة السير فيه.
إفشال مخططات ومؤامرات الأعداء، وإخراج الأمة من حالة التقوقع والانكفاء على ذاتها وانعدام موقفها، إلى حالة الموقف والاستشعار والنهوض بمسؤولية التعامل الصحيح مع المخاطر المحيطة بها.
الدعوة لمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية كواجب ديني وأخلاقي يعبر عن مشاعر السخط والغضب ترجمها إلى مواقف عملية ليس فيها أي تحريض أو استهداف لسلطة نظام صالح أو شخصه.
إفشال المساعي الأمريكية والصهيونية، في السيطرة على كل المجالات، بالإضافة الى المحافظة على موقع متقدم للشعب اليمني في قضايا الأمة، ومساهماً في التصدي لمحاولات الأعداء، وفرض الوصاية الخارجية والسيطرة الأجنبية على البلد، وفي التصدي للعدوان.
وبحسب الدكتورة نجيبة مطهر فإن المشروع القرآني أصبح منهجاً يحرم موالاة أعداء الله، ويجعل أحرار اليمن والشرفاء يقدمون التضحيات، بل ساهمت الرؤية القرآنية للشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي، في تغيير وجه المنطقة، والصمود الأسطوري للمجاهدين في حروب صعدة، والصمود في مواجهة العدوان شاهد على ذلك، كما يشهد الواقع اليوم بأن العزة والكرامة التي يعيشها اليمنيون، إنما هي ثمرة من ثمار المشروع القرآني العظيم، حيث أصبح اليمن لاعباً رئيسياً في المنطقة، وقوة إقليمية، يحسب لها الأمريكي والإسرائيلي ألف حساب.
– المسيرة / عباس القاعدي
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: المشروع القرآنی رضوان الله علیه حسین بدر الدین الشهید القائد الدین الحوثی من خلال
إقرأ أيضاً:
أولها الدرعية وتاليها بوصة العالم.. أكاديميون لـ”البلاد”: الدولة السعودية.. رحلة في عمق التاريخ
جدة – ياسر خليل
تحتفل المملكة العربية السعودية في 22 فبراير بيوم التأسيس، مستذكرة إنجازاتها الاقتصادية والاجتماعية في مختلف المجالات. وقد نجح الملك المؤسس عبدالعزيز -رحمه الله- في توحيد الدولة السعودية، وسار على نهجه أبناؤه، مما جعل المملكة نموذجًا للوحدة والاستقرار. وفي هذا السياق، يتحدث نخبة من أساتذة الأدب والتاريخ الإسلامي والسياسة لـ”البلاد” لإبراز عظمة هذه الإنجازات.
في البداية، تحدث الدكتور محمد صالح حامد سيد أحمد، وكيل كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الملك عبدالعزيز سابقًا ومستشار في مركز البحر الأحمر بجدة، عن نجاح الدولة السعودية الأولى في ضم مكة المكرمة والمدينة المنورة. إلا أن قوات الإمام عبدالله بن سعود لم تتمكن من دخول مدينة جدة، ولم تتمكن المدينة من السقوط في يد السعوديين. فقد قام الإمام عبدالله بن سعود بحصار المدينة لمدة أسبوع، تكبد خلالها خسائر كبيرة، مما دفعه إلى تعديل خطته والتوجه في طريق العودة إلى وادي مر الظهران، حيث استقبلته الأسرة الشريفة في المنطقة، وعين أميرًا من ذوي بركات هناك. بعد ذلك، غادر الإمام إلى الدرعية تاركًا وراءه حامية صغيرة في مكة. وعند عودته إلى بلاده، تمكن الشريف غالب من دخول مكة المكرمة بسهولة. وفي موسم الحج، ترك أمير الحج الشامي 150 جنديًا تحت قيادة الشريف غالب. ومن خلال القوة العسكرية التي كانت ترافقه، بالإضافة إلى الأموال التي قدمت له والمدافع التي جلبها من جدة، تمكن الشريف غالب من رفع الحصار عن مكة واستعادة ميناء الليت التابع لجدة. وقد تحقق ذلك من خلال عملية مشتركة من البر والبحر، حيث أعيد الميناء مرة أخرى تحت إدارة جدة.
وأضاف: استعرضنا تاريخ الدولة السعودية ودخول الحجاز تحت حكم الدولة السعودية الأولى، حيث استمرت المدن والأقاليم في الانضواء تحت الحكم السعودي. لكن إذا نظرنا إلى مساحة المملكة العربية السعودية الواسعة، يمكننا تخيل طبيعتها الجغرافية والطبوغرافية، بما في ذلك الصحاري التي تمتد من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، حيث كانت الطرق وعرة والمواصلات محدودة، مع الاعتماد على الجمال والقوافل التي كانت وسيلة النقل الأساسية في الجزيرة العربية للتجارة والنقل، فضلاً عن استخدامها في الزراعة لسحب المياه.
ومضى سيد أحمد قائلًا: نعود إلى فترة تأسيس الدولة السعودية الأولى، حيث كانت المملكة شاسعة الأطراف وغير مأهولة بالسكان باستثناء الواحات، مما جعلها بيئة صحراوية طبيعية. وقد شد انتباهي الرحلة التي قام بها الكابتن ج. فورستر سادلير، الإنجليزي، في عام 1819م، حيث جاء من الهند إلى الخليج العربي، شرق المملكة، وطاف بالأحساء والقطيف، مرورًا عبر الجزيرة العربية من الشرق إلى الغرب. وكان سادلير مبعوثًا من الحكومة البريطانية التي كانت قد استولت على الهند وبدأت تمارس تجارتها مع دول الخليج والعراق العثماني وبلاد فارس، وكانت علاقاتها مع الخليج قوية للغاية.
وتابع: ألف الكابتن سادلير، مبعوث الحكومة البريطانية في الهند، كتابًا عن رحلته، وكان قد حمل معه رسالة من الحاكم العام للهند وسيفًا هدية لإبراهيم باشا، قائد القوات المصرية التي كانت تتجه إلى الحجاز ونجد. وكان هدف سادلير من هذه الرحلة مقابلة إبراهيم باشا وطلب مساعدته العسكرية للهجوم على قواسم رأس الخيمة، الذين كانوا خاضعين للسيادة السعودية، حيث أزعجوا البريطانيين في مياه الخليج حتى سواحل الهند. ثم أبحر سادلير إلى أبوشتهر، القطيف، الأحساء، ثم إلى نجد، حيث علم بأن إبراهيم باشا رحل إلى المدينة المنورة، فتابع رحلته للحاق به، حيث اجتمع به في آثار، ثم ذهب إلى ينبع ومنها إلى جدة. في عام 1819، قابل الباشا مرة أخرى في جدة قبل أن يغادر إلى المخا عائدًا إلى الهند عبر البحر. وقد وثق سادلير خلال رحلته الكثير من الأحداث والرجال والبلدان والمناطق التي مر بها، واعتبر الأوربي الوحيد الذي عبر الجزيرة العربية من شرقها إلى غربها. وقد قامت الحكومة البريطانية بنشر مذكراته عام 1866 في بومباي.
وزاد: من هنا، أصبح من الواضح للحكومة السعودية ضرورة ربط أطراف المملكة ببعضها البعض، ولذلك تم تأسيس شركة الخطوط الحديدية السعودية (SAR). وقد بدأت بخطوط قطار الحرمين الشريفين التي تربط جدة بمكة المكرمة والمدينة المنورة، بالإضافة إلى خط آخر من الدمام إلى الرياض، مع رحلات إضافية إلى المجمعة والقصيم وحائل والجوف. وفي المستقبل القريب، سيكتمل الخط من الجوف إلى جدة، حيث سيتصل قطار شرق المملكة مع قطار غربها. هذا المشروع كان حلمًا تحقق بفضل توجيهات صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي أتاح تطوير وسائل النقل المتنوعة مثل الطائرات والقطارات والحافلات التي تعمل على مدار الساعة لخدمة الحجاج والمسافرين. كما تم مد الشبكة الحديدية لتصل إلى دول الخليج، مما يعزز التواصل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي بين دول مجلس التعاون الخليجي. هذه الإنجازات تبرز في عهد المملكة الحالية، تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، عراب رؤية 2030. نسأل الله أن يحفظ المملكة العربية السعودية ويجعلها دائمًا في عز وازدهار، لنحتفل بيوم التأسيس في السنوات القادمة بسعادة ورفاهية وتنمية مستدامة.
توحيد واستقرار وأمن
أشارت الدكتورة هالة ذياب المطيري، الأمين العام للجمعية التاريخية السعودية ونائب المشرف على فرع الجمعية في منطقة مكة المكرمة، إلى أن أئمة الدولة السعودية الأولى تمكنوا من توحيد معظم مناطق شبه الجزيرة العربية، مما نقلها إلى عهد جديد اتسم بالاستقرار والأمن، إضافة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية. وبفضل قيام الدولة السعودية القوية، ظهر العديد من العلماء، وازدهرت المجالات العلمية والاقتصادية، كما تم إنشاء العديد من المؤسسات والنظم الإدارية. وأصبحت الدولة تتمتع بمكانة سياسية كبيرة بفضل قوتها ومبادئها الإسلامية، فضلاً عن اتساع رقعتها الجغرافية وسياسة حكامها المتوازنة التي كانت تعتمد على نصرة الدين الإسلامي وخدمة المجتمع وتعزيز تقدمه الحضاري. وقد شهدت الدولة السعودية الأولى (1744-1818م) تطورًا حضاريًا بارزًا في مختلف المجالات، ومن أبرز هذه المجالات:
الجانب السياسي والإداري:
قامت الدولة السعودية الأولى على أسس الإسلام، حيث كان الحكم يعتمد على الشريعة الإسلامية. أسس الإمام محمد بن سعود نظامًا إداريًا قويًا شمل الحاكم والمستشارين والقضاة وولاة الأقاليم، مما ساعد في توسيع الدولة لتشمل معظم شبه الجزيرة العربية وبالتالي تحقيق الاستقرار السياسي.
الجانب الاقتصادي:
شهدت الزراعة ازدهارًا ملحوظًا بفضل الاهتمام بالآبار والعيون، خاصة في مناطق مثل الدرعية والأحساء. كما ازداد النشاط التجاري نتيجة تطور الأسواق الداخلية وازدهار طرق القوافل التجارية. فرضت الدولة نظامًا ماليًا يعتمد على الزكاة والضرائب المنظمة لتمويل الأنشطة الحكومية والعسكرية.
الجانب الاجتماعي:
لعبت القبائل والعشائر دورًا كبيرًا في المجتمع، لكن الدولة السعودية الأولى عملت على توحيد هذه القبائل تحت راية واحدة، مع تعزيز القيم الإسلامية من خلال التعليم والوعظ، مما ساعد في نشر الأخلاق والتسامح. كما دعم الحكام العلماء والمصلحين، مما أسهم في نشر الفكر الصحيح.
الجانب الديني والثقافي:
تأسست الدولة على منهج الدعوة الذي نادى به الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مما ساعد في نشر التوحيد ومحاربة البدع. كما تأسست حلقات علمية ومساجد ساهمت في نشر العلم الشرعي. كان للقضاء الشرعي دور مهم في فض النزاعات وإقامة العدل بين الناس.
الجانب العمراني:
شهدت الدرعية، عاصمة الدولة السعودية الأولى، نهضة عمرانية كبيرة، حيث تم بناء القصور والمساجد والأسواق. كما تطورت أنظمة الري والزراعة، مما ساهم في تحسين الإنتاج الغذائي. استخدمت المواد المحلية في البناء، مثل الطين والخشب، بما يتناسب مع طبيعة المنطقة الصحراوية.
الجانب العسكري:
امتلكت الدولة جيشًا قويًا يعتمد على القبائل والفرق النظامية، مما ساعد في توسيع نفوذها. كما استخدمت الدولة استراتيجيات حربية متقدمة، مثل التحصينات وبناء القلاع. بفضل هذه العوامل، أصبحت الدولة السعودية الأولى قوة مؤثرة في الجزيرة العربية، قبل أن تسقط عاصمتها الدرعية على يد العثمانيين في عام 1818م بعد الحملة التي قادها إبراهيم باشا.
عمق تاريخي وحضاري
من جانبها، أكدت أ.د. رحمة بنت عواد السناني، أستاذ آثار وتاريخ الجزيرة العربية القديم بجامعة طيبة، أن تأسيس الدولة السعودية الأولى عام 1139هـ يعكس العمق التاريخي والحضاري للمملكة العربية السعودية، وهو ما حرص ولي العهد صاحب السمو الملكي محمد بن سلمان -حفظه الله- على تأكيده في أولويات رؤية 2030. فقد شكلت هذه الدولة ركيزة راسخة لإبراز تاريخ المملكة العريق الذي يتجاوز الثلاثمائة عام من خدمة الإسلام والمسلمين. إذ تُعد الدولة السعودية الأولى أول نظام سياسي موحد في الجزيرة العربية بعد قرون من التمزق والتشتت منذ انتقال العاصمة الإسلامية إلى دمشق في منتصف القرن الأول الهجري.
وأضافت أنه عند احتفالنا سنويًا بيوم التأسيس، يجب أن نتذكر بفخر الإمام المؤسس محمد بن سعود -رحمه الله- الذي اختار الدرعية عاصمة لدولته الجديدة، وهو خيار يعكس رؤية ثاقبة. فالدرعية، التي أسسها الأمير مانع المريدي في سنة 850هـ، تتمتع بتاريخ عريق وموقع استراتيجي متميز على وادي حنيفة وتشرف على أهم طرق الحج والتجارة، مما جعلها محط أنظار الإمام محمد بن سعود وأحفاده من بعده. لقد كانت الدرعية مركزًا دينيًا واقتصاديًا، حيث كان من الضروري الحفاظ على الأمن وتأمين الطرق التي يسلكها الحجاج والتجار. هذا بدوره ساعد على ازدهار الاقتصاد والتجارة وتقدم الدولة السعودية الأولى، بدءًا من عاصمتها الدرعية.
وتابعت د. رحمة قائلة: إن قيام الدولة السعودية الأولى انعكس إيجابًا على استقرار الحجاز، حيث أصبح الحج ممكنًا للمسلمين من جميع أنحاء العالم في ظروف آمنة ومستقرة، وهو ما كان مفقودًا قبل ذلك بسبب انتشار الفوضى والاعتداءات على الحجاج. وقد تمكن الإمام محمد بن سعود من تمكين الدين الإسلامي وتيسير أداء شعائره، في مقدمتها فريضة الحج، مصداقًا لقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.
وأضافت أن هذا النهج استمر في الدولة السعودية الثانية والثالثة، حيث أولت المملكة عناية كبيرة بتوسيع الحرمين الشريفين وتوفير كافة الخدمات لضيوف الرحمن، مما مكن ملايين المسلمين من أداء شعائرهم بيسر وسهولة. وأشارت إلى أن التوسعات المتتالية للحرمين الشريفين هي خير مثال على ذلك. كما ختمت بالحديث عن الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- الذي اختار لقب “خادم الحرمين الشريفين” ليختصر كل حديث عن التمكين والنصرة لله.
أما الدكتورة ريم بنت عجب العوني، أستاذ مساعد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فقد أوضحت أن يوم التأسيس في 23 فبراير من كل عام يمثل مناسبة وطنية تُذكر بذكرى وضع اللبنات الأولى للدولة السعودية على يد الإمام محمد بن سعود عام 1139هـ/1727م. هذا اليوم يعكس عمق الجذور التاريخية للدولة السعودية ويبرز تطورها السياسي والاجتماعي على مر القرون، وصولًا إلى الدولة الحديثة التي تمد جذورها في عمق الجزيرة العربية.
وأشارت إلى أن تأسيس الدولة السعودية جاء في سياق تاريخي يميز تلك الفترة، حيث كانت الجزيرة العربية تعيش حالة من التشتت السياسي وعدم الاستقرار. في ظل هذه الظروف، برز الإمام محمد بن سعود وأسس الدولة السعودية الأولى في الدرعية، مستندًا إلى مبادئ الاستقلال السياسي، والاستقرار الاجتماعي، والازدهار الاقتصادي. وأضافت أن تأسيس الدولة السعودية لم يكن مجرد حدث سياسي عابر، بل كان نقطة تحول في تاريخ الجزيرة العربية، حيث شكلت الدرعية نموذجًا للدولة المستقرة ومركزًا سياسيًا وثقافيًا، كما كانت قاعدة لنشر مبادئ الوحدة والتنمية.
تحولات كبيرة في تاريخ الجزيرة العربية
أكد الدكتور خالد عبدالله الكُريري، من قسم التاريخ بجامعة الملك عبد العزيز، أن الإمام محمد بن سعود، رحمه الله، يُعتبر من الشخصيات البارزة التي أحدثت تحولاً كبيرًا في تاريخ الجزيرة العربية. فقد كان رائد التأسيس وصاحب المشروع السياسي الذي أسفر عن قيام دولة قوية ذات أركان ثابتة، تقوم على مبادئ القرآن الكريم، ويعمها الأمن والاستقرار، والعدل والنماء. استمرت رحلته البطولية نحو بناء الدولة ما يقارب الأربعين عامًا، حيث عانت الجزيرة العربية قبل حكمه من الاضطراب والتفكك، وكانت تفتقر إلى وحدة سياسية تجمع الأقاليم تحت سلطة واحدة، مما أدى إلى انتشار الفوضى والفقر والجهل.
وأضاف الدكتور الكُريري أن الإمام محمد بن سعود كان يدرك جيدًا ضرورة بناء دولة موحدة في ظل الظروف المضطربة، وكان يتسم بالقيادة الحكيمة والقوة السياسية. وقد بدأت انطلاقة الدولة السعودية الأولى في عام 1139هـ/1727م عندما وحد الإمام محمد بن سعود شطري الدرعية، وأخذ من حي سمحان مركزًا لحكمه، ما شكل بداية عهد جديد للدولة السعودية، يتسم بالقوة والأمن والاستقرار.
وأشار إلى أن الإمام محمد كان حريصًا على بناء مجتمع قوي ومستقر في الدرعية، حيث فرض العدل ومنع الظلم، وساهم في تقوية العلاقات بين المدن النجدية وبناء جيش قوي لحماية الدولة من الهجمات الخارجية. كما عمل على تأمين طرق الحج والتجارة، مما ساهم في ازدهار الاقتصاد وتأسيس أسواق ومواسم تجارية.
وأبرز الكُريري الدور الهام الذي لعبه الإمام محمد في الإصلاح الديني والثقافي، حيث قام بتوظيف مبادئ الدعوة الإصلاحية التي أتى بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نشر التعليم، وتعزيز محو الأمية، وتأسيس دور علمية في مختلف مناطق الدولة. وختم حديثه بالتأكيد على أن يوم التأسيس يُعد يومًا تاريخيًا مهمًا يعكس عمق الدولة السعودية التاريخي والحضاري، ويعزز الانتماء والهوية الوطنية والثقافية.
الدرعية معهد الدولة
قال الأستاذ الدكتور فهد بن عتيق المالكي، نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية التاريخية السعودية، أن الدرعية تُعد مهد الدولة السعودية الأولى، حيث كانت المدينة التاريخية التي تأسست على يد الإمام محمد بن سعود عام 1139هـ/1727م. ولفت إلى أن الدرعية بدأت نشأتها على يد مانع بن ربيعة المريدي، الذي أسس غُصيبة، أحد أقدم أحياء المدينة، ما جعلها نقطة استراتيجية في قلب الجزيرة العربية، وساهم موقعها الجغرافي في توسعها وازدهارها. وأضاف المالكي أن خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، أولى الدرعية اهتمامًا خاصًا، حيث أطلق برنامج تطوير الدرعية التاريخية ليجعلها مركزًا ثقافيًا حضاريًا. كما أشار إلى أن الأمير محمد بن سلمان ضم مشروع تطوير الدرعية ضمن المشاريع الكبرى التي يملكها صندوق الاستثمارات العامة، مع خطط لاستقطاب 27 مليون زائر بحلول 2030.
من جهة أخرى، أكد الأستاذ الدكتور زهير بن عبدالله الشهري، مدير مركز بحوث التأسيس والتاريخ الوطني، أن تأسيس الدولة السعودية كان بمثابة إنجاز سياسي استثنائي، حيث استطاع الإمام محمد بن سعود تحويل التشتت والولاءات المتعددة في الجزيرة العربية إلى مشروع دولة موحدة. وأضاف أن مشروع الدولة السعودية يرتبط بالقيم والمبادئ التي تمثل دافعًا فكريًا ومعنويًا لاستدامة الوحدة والتنمية، مشيرًا إلى أن هذه القيم لا تزال حية في ذاكرة المجتمع السعودي، وتواصل تحفيزهم نحو الصعود التاريخي والحضاري، ما يضمن استمرارية النجاح والتقدم.
مناسبة تجسد معاني العزة
في السياق ذاته، اعتبر الدكتور محمد الحلفي، عضو جمعية التاريخ السعودية، أن يوم التأسيس في 22 فبراير يمثل مناسبة وطنية هامة تجسد معاني العزة والاعتزاز بالجذور التاريخية العميقة للمملكة. ففي عام 1727م، وضع الإمام محمد بن سعود الأساس لدولة سعودية موحدة، مؤسسًا مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي والوحدة، ليجعل هذا اليوم شاهدًا على الإرادة الصلبة والنهج الراسخ لقادة المملكة.
وأشار الحلفي إلى أن يوم التأسيس يعكس الهوية الوطنية الممتدة عبر ثلاثة قرون، والتي بنيت على أسس العدل والمساواة والترابط الاجتماعي، ما جعلها نواة قوية لبناء كيان متماسك قادر على التكيف مع التحولات. وأضاف أن المملكة اليوم، تحت قيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تسير بثبات نحو المستقبل مع رؤية 2030، مستلهمة من روح الطموح والإنجاز التي رسخها يوم التأسيس.
ولفت إلى أن الهوية البصرية ليوم التأسيس تُجسد الإرث التاريخي العريق للمملكة، من خلال الرموز التي تعكس سمات المجتمع السعودي، مثل الفروسية والشجاعة والتجارة والتكافل الاجتماعي، ما يُبرز غنى التراث الوطني. وتابع الحلفي بأن الاحتفال بهذا اليوم ليس مجرد إحياء لذكرى تاريخية، بل هو تأكيد على استمرارية المسيرة الوطنية والوفاء للوطن وقيادته، وجدد أبناء المملكة عهدهم بالحفاظ على مكتسبات الوطن وتحقيق رؤى طموحة لمستقبل مشرق.