البرتغال: ندعم دور مصر المهم وجهودها الحثيثة لاحتواء الأزمة في قطاع غزة
تاريخ النشر: 17th, February 2024 GMT
التقى سامح شكري وزير الخارجية، يوم السبت مع جواو كرافينيو وزير خارجية البرتغال، وذلك على هامش أعمال الدورة ٦٠ لمؤتمر ميونخ للأمن.
ووفقاً لتصريحات السفير أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي ومدير إدارة الدبلوماسية العامة بوزارة الخارجية، فإن المحادثات تناولت مجمل العلاقات الثنائية المتميزة التي تجمع بين مصر والبرتغال، وسبل دفعها قدماً خاصة في ضوء الزخم الذي تشهده العلاقات المصرية الأوروبية، حيث أكد الوزير البرتغالي دعم بلاده الكامل لمسار ترفيع العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي لمستوى الشراكة الإستراتيجية الشاملة بما ينقل مستوي التعاون الثنائي لآفاق أرحب.
وكشف المتحدث باسم الخارجية، أن المحادثات تناولت بشكل موسع تطورات الأوضاع في قطاع غزة، حيث أكد الوزير البرتغالي دعم بلاده للدور الهام الذي تضطلع به مصر وجهودها الحثيثة لاحتواء الأزمة في القطاع، مشيراً إلى تأكيده خلال اتصالاته مع نظرائه الأوروبيين على أهمية تبني موقف أوروبي موحد يطالب بالوقف الفوري لإطلاق النار وتعزيز نفاذ المساعدات الإنسانية، وإطلاق عملية سياسية جدية للتسوية الشاملة للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين باعتبارها السبيل الوحيد لاستعادة الاستقرار في المنطقة.
وفي ذات السياق، أشاد سامح شكرى بمواقف البرتغال المتوازنة والداعمة تاريخياً للقضية الفلسطينية وللجهود المصرية لإنهاء الحرب في غزة.
وأضاف المتحدث الرسمي، بأن الوزيرين أكدا خلال اللقاء على ضرورة إطلاق تحرك دولي فوري وفاعل لوقف التحركات الإسرائيلية لاجتياح مدينة رفح جنوب قطاع غزة والحيلولة دون الانزلاق بالمنطقة في صراع أوسع. كما اتفق وزيرا الخارجية على ما يفرضه الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة من حتمية دعم الدور المحوري لوكالة الأونروا في تقديم الدعم لأهالي قطاع غزة، لاسيما في ظل الظروف الإنسانية الكارثية التي يتعرضون لها، والتي تتطلب دعم كافة الآليات الدولية العاملة بالمجال الإغاثي.
وفي ختام اللقاء، اتفق الوزيران على مواصلة التشاور من أجل استمرار الارتقاء بالعلاقات بين البلدين الصديقين، وكذلك مواصلة تنسيق المواقف إزاء الأزمات التي تمس أمن واستقرار المنطقة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: وزير الخارجية سامح شكري وزير خارجية البرتغال مؤتمر ميونخ للأمن السفير أحمد أبو زيد قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
عيوب الوساطة الدولية في السودان
يعاني النهج الذي اعتمدته القوى الدولية في وساطتها لحلّ النزاع السوداني خللاً جوهرياً، فسواء كان ذلك عبر اتفاق جنيف، الذي يطرح حلّاً يقوم على دولتَين منفصلتَين، أو اتفاق جدّة (2023)، الذي يعيد إنتاج النظام القديم ويختزل الصراع في مجرد صراع بين فصيلَين عسكريَّين، فإن أيّاً من الإطارين لا يقدّم مساراً حقيقياً للخروج من الأزمة. بل تعمل هذه المقاربات، بدلاً من تحقيقها تقدّماً ملموساً، لإطالة أمد الأزمة فقط، ما يزيد من معاناة المجتمعات المهمّشة التي ترزح تحت وطأة الإقصاء والتهميش منذ نحو قرن. وإذا لم يُصحَّح هذا المسار، فسيواجه السودان خطر التفكّك بوتيرة متسارعة.
لم تحظَ القوات المسلّحة السودانية، ولا قوات الدعم السريع، بتفويض شعبي من سكّان الشمال والغرب (على التوالي)، غير أن مواجهتهما المحتدمة دفعت مسألة الشرعية إلى الواجهة، وهي قضيةٌ لطالما كانت موضع نزاع في السودان. ويتيح هذا الواقع فرصةً ثمينةً لتجاوز الثنائية العسكرية المبسّطة، والبحث في الأزمة السودانية بأبعادها الأوسع والأكثر تعقيداً. لا ينبغي أن ينصبّ التركيز على مجرّد إبرام تسوية هشّة بين فصيلين عسكريين فشلا في تمثيل المجتمعات التي يدّعيان الانتماء إليها، بل ينبغي التصدّي للجذور العميقة للأزمة، المتمثّلة في التفاوتات السياسية والاقتصادية والثقافية التي ظلّت تؤجّج النزاعات في السودان عقوداً طويلة. فمن دون تمثيل سياسي واسع يشمل مختلف مكوّنات المجتمع، ستظلّ أيّ اتفاقية يتم التوصل إليها ضعيفةً وهشّةً، وقد تؤدّي إلى مزيد من الإقصاء والغضب الشعبي.
منذ صياغة اتفاق جدّة، شهد السودان تغيرات ميدانية كبرى. ولن يؤدّي تجاهل هذه التحوّلات إلا إلى تقويض جهود التسوية السياسية برمّتها وإطالة أمد الصراع، ما سيؤخّر عملية المصالحة التي تحتاجها البلاد لاستعادة وحدة نسيجها الاجتماعي، فلا يمكن لأيّ إطار سياسي أن ينجح ما لم يعكس ديناميكيات القوة المتغيّرة، والتحالفات الناشئة، والتطلّعات المتجدّدة للمجتمعات المهمّشة، بدلاً من التمسّك بأطر قديمة فقدت صلاحيتها. ومن أبرز هذه التطورات، إعلان تحالف السودان التأسيسي (TASIS)، في فبراير/ شباط الماضي (2025)، حين وقّعت قوات الدعم السريع، إلى جانب 23 كياناً سياسياً ومدنياً، ميثاقاً تأسيسياً في نيروبي (كينيا)، يهدف إلى إنشاء حكومة مدنية في المناطق الخاضعة لسيطرتها. ويعكس هذا التحالف تحوّلاً جوهرياً نحو الانخراط في العملية السياسية المدنية، إذ يضمّ مجموعةً متنوّعةً من الأحزاب السياسية ومنظّمات المجتمع المدني. كما يؤكّد الميثاق ضرورة إقامة دولة ديمقراطية علمانية لامركزية، قائمة على مبادئ الحرية والمساواة والعدالة، مع احترام التنوّع الثقافي السوداني. ويقرّ الميثاق أيضاً حقّ تقرير المصير، في حال فشل أيّ دستور مستقبلي في ضمان العلمانية أو المبادئ الأساسية للديمقراطية.
لتفادي انهيار اتفاق جدّة (وهو انهيار قد تكون له تداعيات كارثية في هذه اللحظة الحساسة)، تجب معالجة عدة قضايا جوهرية. فعلى سبيل المثال، لم يمنح الاتفاق أيَّ اعتراف سياسي أو دولي لقوات الدعم السريع، ما حدّ من فاعليته في تحقيق تسوية دائمة. كما أن الجيش السوداني لا يزال يرفض الاعتراف بسلطة "الدعم السريع"، وتكوينها الاجتماعي، والدور السياسي الذي تلعبه قاعدتها الإثنية، ما يعمّق الانقسامات داخل المشهد السوداني (كما يذهب زرياب عوض الكريم في مقال له).
وعلاوة على ذلك، لم يتناول الاتفاق بشكل كافٍ التفاوتات التاريخية في السودان، لا سيّما التمييز الاقتصادي والاجتماعي الذي تعاني منه الأطراف المهمّشة، مقارنةً بالنخب المُسيطِرة في السودان النيلي (الجَلابة). وبالتالي، أيّ حلٍّ مستدام لا بد أن يعترف بالسودان دولةً فيدراليةً متعدّدةَ الإثنيات، وأن يواجه الدولة العميقة التي كرّست نظاماً سياسياً واقتصادياً قائماً على الإقصاء. لا سيّما أن الجيش لم يعترف بعد بحملاته العسكرية المتواصلة ضدّ الأطراف المهمّشة، ولم يلتزم بوقف إطلاق النار أو وقف الغارات الجوّية اليومية على دارفور والأحياء المهمّشة في الخرطوم.
وفي الوقت نفسه، لم يتطرّق الاتفاق بشكل كافٍ إلى الخطاب العدائي الذي تتبناه النُخَب الشمالية وأنصار النظام السابق، الذين يواصلون شيطنة المجتمعات المهمّشة، بما في ذلك القاعدة الاجتماعية لـ"قوات الدعم السريع". وبدلاً من تعزيز الوحدة الوطنية، يخاطر الإطار الحالي بتكريس مزيد من العزلة لهذه القوات، ما يفاقم الانقسامات بدلاً من معالجتها. إلى جانب ذلك، لا بدّ من تحقيق شامل في جرائم الحرب التي ارتكبتها جميع الأطراف، ومحاسبة المسؤولين عنها. لقد عانت الأطراف السودانية المهمّشة عقوداً من القمع والاضطهاد، بينما استفادت الخرطوم من سياسات التوزيع غير العادل للثروة، ما أدّى إلى فصل العاصمة عن الواقع المأساوي لبقية البلاد. لكن حين انهار النظام، وهدّدت مصالح سكّان الخرطوم أنفسهم، تحرّكوا في ثورة شعبية، غير أن هذه اللحظة الأخلاقية البارقة سرعان ما تبدّدت مع عودة العسكر إلى السلطة بعد الثورة.
يبدو أن المجتمع الدولي يسير نحو تكرار أخطائه في مؤتمر لندن المزمع عقده في 15 إبريل/ نيسان الجاري، فكما كان الحال في اتفاق جدّة، يتجه هذا المؤتمر إلى أن يكون مجرّد منبر لنقاشات مغلقة بين الأطراف الإقليمية، مع إقصاء القوى المدنية السودانية التي تشكّل الحجر الأساس في تحقيق السلام المستدام. يعمّق اقتصار الحوار على وجهتي نظر المعسكرَين المتخاصمَين الأزمة، إذ لن تحقّق أيّ تسوية قائمة على رؤية عسكرية محضة الاستقرار، ما لم يتم تبنّي إطار سياسي شامل يعالج الأسباب الجذرية للصراع.
لتحقيق حلّ حقيقي للأزمة السودانية، يتعيّن اتخاذ خطوات استراتيجية تضمن إشراك جميع الأطراف المعنية في عملية السلام. أولاً، يجب أن يشمل الحوار القوى المدنية والمجتمعات المهمّشة، بالإضافة إلى القوى السياسية التي تدعم إقامة دولة تعدّدية. إذ لا يمكن حصر الحلول في الترتيبات العسكرية فقط، بل من الضروري معالجة جذور الصراع من خلال مناقشة قضايا الحكم والعدالة الاقتصادية والاعتراف بالتنوع الثقافي في البلاد. كما أن أيّ اتفاقية يجب أن تعكس الواقع السياسي المتغيّر في الأرض، بدلاً من التمسّك باتفاقات أصبحت غير صالحة لتلبية تطلّعات المجتمع السوداني. من الأهمية بمكان أيضاً رفض العودة إلى النظام القديم الذي فشل في تقديم حلول حقيقية لأزمات السودان المتراكمة، والتمسّك بمسارٍ يستند إلى المبادئ الديمقراطية، ويعزّز العدالة وسيادة القانون. في هذا السياق، يجب على المجتمع الدولي أن يقدّم الدعم اللازم لبناء أسس ديمقراطية تُرسّخ الحقوق والعدالة في الدولة السودانية.
العربي الجديد