حتى رحيل نتانياهو لن يجلب السلام للشرق الأوسط..
تاريخ النشر: 17th, February 2024 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
ثمة قائمة طويلة من الأسباب الداعية إلى استقالة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وتقاعده من الحياة السياسية، وأولها اتهامه سنة 2019 بخيانة الأمانة والرشوة والاحتيال.
لقد أصبح نتانياهو ـ وهو أطول القادة الإسرائيليين حكما ويبلغ من العمر أربعة وسبعين عاما ـ رئيسا للوزراء في عام 1996 وهو يدفع «البلد» يمينا منذ ذلك الحين، مستبدلا بأجندة السوق الحرة التاتشرية حملةً شعبوية، مثيرا طائفة المزراحيم (أي الإسرائيليين ذوي الجذور الشرقأوسطية) والمهاجرين الروس المناهضين للاشتراكية ضد «نخب» الأشكيناز المثقفة -والأشكيناز هم الإسرائيليون ذوو الأصول الغربية ـ المترجم-.
وقد تسببت محاولته السابقة لتفكيك النظام القضائي الإسرائيلي في إثارة أكبر حركة احتجاج بتاريخ إسرائيل، إذ خرج مئات الآلاف إلى الشوارع في محاولة لمنع الثورة الدستورية التي كان من شأنها أن تجعل خسارة اليمين السياسي للسلطة ضربا من ضروب المستحيل.
وجاء هجوم السابع من أكتوبر الماضي الذي باغت البلد فحطم صورة نتانياهو باعتباره «رجل الأمن». فقد أدى الفشل في تأمين إسرائيل إلى أن انصب لوم الغالبية عليه وعلى حكومته في ذلك «السبت الأسود».
والحق أن الغضب الشعبي المنصب عليه هائل، إذ تشير الدراسات المسحية الحديثة إلى أن أكثر من 70% من الإسرائيليين يعتقدون أنه يجب أن يستقيل إما بنهاية الحرب أو فوريا.
وتشير استطلاعات حديثة للرأي إلى أن الحكومة الحالية ـ التي فازت بأربعة وستين مقعدا في نوفمبر 2022 ـ سوف تنهار إلى قرابة أربعين من مائة وعشرين مقعدا، إذا ما أقيمت انتخابات اليوم. وسوف يحقق حزب الوحدة الوطنية برئاسة بيني جانتس ثلاثة وأربعين مقعدا بالمقارنة مع اثني عشر مقعدا له الآن، بينما سيفوز حزب الليكود برئاسة نتنياهو بثمانية عشر مقعدا بالمقارنة مع اثنين وثلاثين فاز بها في نوفمبر 2022.
فالقول بأن نتانياهو يواجه على المستوى السياسي طريقا مسدودا هو إقرار واقع. لكن في حين أن قيادته ربما فقدت مصداقيتها تماما، فإنه يواصل السيطرة على حكومة مدعومة بأربعة وستين مقعدا في الكنيست، وتحتوي حزبين قوميين يدعمان ضم إسرائيل للأراضي العربية المحتلة.
من هذه الزاوية، يرى البعض في إسرائيل والكثيرون في واشنطن أن نتانياهو هو العقبة الأساسية أمام حل دبلوماسي لحرب غزة الذي ينبغي أن يقوم ـ في رأي الرئيس جو بايدن ومساعديه ـ على ما يعرف بـ«حل الدولتين» ويتضمن إنشاء دولة فلسطينية مستقلة.
الحق أن تقارير حديثة تشير إلى أن إدارة بايدن تعمل مع المملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى موالية لأمريكا على تصميم اتفاقية لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس. من شأن هذا أن يخلق الظروف لمبادرة دبلوماسية تاريخية تجعل السعوديين وأعضاء آخرين في جامعة الدول العربية يطبِّعون العلاقات مع إسرائيل في مقابل موافقة العاصمة الإسرائيلية على تحويل قطاع غزة بعد إعادة إعماره اقتصاديا، وبقيادة السلطة الفلسطينية بعد إعادة تشكيلها، إلى دولة فلسطينية مستقلة.
أشار نتانياهو في الماضي إلى أنه سوف يعتزم القبول بدولة فلسطينية حدد لها في خطاب سنة 2009 بجامعة بار إيلان، شروطا لا يمكن لزعيم فلسطيني أن يقبلها أبدا: فهي لا تقتصر على أن تكون دولة منزوعة السلاح وأن تكون لإسرائيل فيها السيطرة الأمنية على الجو ولكن منها أيضا أن تكون القدس كاملة عاصمة لإسرائيل. بدا الخطاب راميا إلى الحفاظ على استمرار وهم عملية السلام حيا مع مزيد من الترسيخ للاحتلال، وكان اعتقاد نتانياهو الأساسي هو أن الاحتلال قد يستمر إلى الأبد.
يصر مشرعون وخبراء في واشنطن أن رفض نتانياهو حل الدولتين هو العائق الرئيسي أمام إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ومن ثم أمام إحياء عملية السلام وتبني صفقة كبيرة من شأنها أن تتيح لإسرائيل أخيرا أن تندمج في الشرق الأوسط.
وهذه في الحقيقة هي فرضية كاتب نيويورك تايمز النافذ توماس فريدمان الذي أكد عبر سلسلة مقالات «رؤيته المقبضة لنوايا نتانياهو في ما يتعلق بـ-حل- الدولتين» وذهب إلى أن بايدن وولي العهد السعودي محمد بن سلمان هما القادران دون غيرهما على اتخاذ خطوات لتغيير خريطة الشرق الأوسط السياسية فيرغمان نتانياهو افتراضا على مغادرة السلطة.
وتشير تقارير صحفية من واشنطن إلى أن إحباط بايدن من نتانياهو ـ الذي يعرفه منذ أربعين سنة ـ قد تصاعد. ولم يكن انتقاده لنتانياهو موجها فقط إلى طريقة الأخير في إدارة العملية العسكرية في غزة. ولكنه في ما يبدو يراه عائقا لاستراتيجية أمريكية بعيدة المدى في الشرق الأوسط.
وفقا لصحيفة واشنطن بوست «يزداد مسؤولو البيت الأبيض اقتناعا بأن نتنياهو يركز على نجاته السياسية مستبعدا أي هدف آخر وأنه حريص على أن يضع نفسه في موضع المقاوم لدفع بايدن إلى حل الدولتين».
ومن هنا ففي مؤتمر صحفي الشهر الماضي قام نتانياهو بتوبيخ بايدن علنا بسبب دعمه لقيام دولة فلسطينية، قائلا إن رئيس وزراء إسرائيل ينبغي أن «يقدر على قول لا للأصدقاء».
ثمة منطق كبير في توجيه اللوم لنتنياهو على إدامة الوضع القائم في إسرائيل-فلسطين وعلى عمله بموجب وهم بأنه يمكن تجاهل الفلسطينيين وأهدافهم السياسية من خلال مزيج من التكنولوجيا والقوة العسكرية.
فعلى نحو ما، رأينا أن استراتيجية نتنياهو ـ القائمة على فكرة أن العالم والدول العربية السنية بخاصة قد سئموا من القضية الفلسطينية ـ تحطمت في السابع من أكتوبر، مثلما تحطم اعتقاده بأنه يمكن شراء قيادة حماس في غزة عبر توجيه الدعم المالي من قطر وأن المنظمة سوف تعمل بمثابة قوة توازن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.
لكن لا يوجد ما يشير إلى أن صدمة السابع من أكتوبر قد حولت المواقف الإسرائيلية العامة تجاه القبول بفكرة وجود دولة فلسطينية مستقلة. وإن كان من أثر فهو ـ بحسب ما أشار أحد منظمي استطلاعات الرأي الإسرائيليين البارزين ـ أن هجوم حماس قد حول المواقف الإسرائيلية العامة إلى اليمين بحيث إن أغلب الإسرائيليين هم مع نتانياهو إلى حد كبير للغاية في ما يتعلق باستمرار السيطرة العسكرية الإسرائيلية على غزة وبقية الأراضي العربية المحتلة. إن قرابة 25% فقط من الإسرائيليين هم الذين قد يدعمون الآن إقامة دولة فلسطينية ويوافقون على ذلك فقط وفق شروط محددة لن يقبلها أغلب الفلسطينيين. ومن هذه الزاوية فمن شأن أغلب الإسرائيليين ـ باستثناء المتطرفين اليمينيين وأنصار السلام اليساريين ـ أن يتفقوا اليوم على الحجج التي ذهب إليها نتانياهو في خطاب بار إيلان.
فضلا عن أن ذلك إلى حد كبير هو موقف جانتز الذي يعد أبرز خلفاء نتنياهو المحتملين. وفي حين أنه يظل معارضا لضم الضفة الغربية وغزة، فإنه سوف يعارض أيضا أي حل يفضي إلى كيان فلسطيني غير منزوع السلاح تماما أو إلى ألا تكون القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل.
وفقا لصحيفة تايمز أوف إسرائيل، «أعرب» كل من جانتس والرئيس الإسرائيلي إسحق هيرتسوج بل وزعيم المعارضة يائير لابيد «عن عدم ارتياحهم إلى إحياء إدارة بايدن خطابها المتعلق بضرورة حل الدولتين منذ اندلاع الحرب» وحثا سرا «إدارة بايدن على الإحجام عن الحديث علنا عن حل الدولتين في أعقاب هجوم حماس في السابع من أكتوبر».
فقال هيرتسوج في حوار مع وكالة أنباء أسوشييتد بريس «ما أريد أن أحث عليه هو خلاف القول بـ-حل الدولتين-، لماذا؟ لأن ثمة جانبا عاطفيا هنا لا بد من التعامل معه. إن أمتي ثكلى. وأمتي مصدومة».
وإن إصرار إدارة بايدن على ترويج حل الدولتين قد يصب لا أكثر في مصلحة نتنياهو الذي اتهم جانتس فعلا بدعم النداءات الأمريكية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وعلى الذين يشيرون إلى دفع الولايات المتحدة إلى اتفاقيات فض الاشتباك المصرية الإسرائيلية في أعقاب حرب السادس من أكتوبر سنة 1973 باعتبارها نموذجا محتملا للإقناع بصفقة إسرائيلية فلسطينية اليوم، عليهم أن يتذكروا أن حمل إسرائيل على تقديم التنازلات اللازمة في ذلك الوقت لم يتسن إلا لأن إسرائيل كانت قد حققت بالفعل انتصارا عسكريا في تلك الحرب.
فضلا عن أن واشنطن لم تدفع في عام 1973 إلى صفقة كبيرة بين إسرائيل ومصر، فاتفاقية السلام الإسرائيلية المصرية لم توقع إلا بعد ست سنين.
ولو أن إدارة بايدن تريد أن تدخل الرأي العام الإسرائيلي في معادلة مبادراتها الدبلوماسية وتضمن أن يرحل نتانياهو عن السلطة عاجلا لا آجلا، فعليها أن تقلل مطامحها الدبلوماسية وتركز جهودها على التوصل إلى اتفاقية لإنهاء حرب غزة، وهو أمر قد تتبين صعوبته في ذاته. فلن يتحقق السلام الإسرائيلي الفلسطيني حتى في حال رحيل بيبي عن السلطة غدا.
ليون هادار محرر مشارك في «ذي ناشونال إنتريست» وزميل كبير لمعهد أبحاث السياسة الخارجية في فيلادلفيا، وباحث زميل سابق في دراسات السياسة الخارجية بمعهد كاتو. عمل أستاذا في جامعة واشنطن وجامعة ميريلاند، وكلية بارك.
عن ناشونال إنتريست
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: دولة فلسطینیة مستقلة السابع من أکتوبر حل الدولتین إدارة بایدن إلى أن
إقرأ أيضاً:
شبكة ألمانية: ماكرون يأمل في إحراز تقدم في عملية السلام خلال زيارته إلى مصر
أكدت شبكة دويتشه فيله الألمانية ، في تقرير إخباري لها ، أن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الرسمية لمصر والتى ستستمر لمدة ثلاثة أيام - تكتسب أهمية خاصة حيث تأمل فرنسا في إحراز تقدم في الصراع في منطقة الشرق الأوسط، ويعود ذلك جزئيًا إلى دورها التاريخي كجسر للتواصل مع العالم العربي.
وذكرت شبكة دويتشه فيله الألمانية أن ماكرون يسعى إلى الاستفادة من العلاقات التاريخية الوثيقة بين فرنسا ومصر للعمل على وقف إطلاق النار في الشرق الأوسط ، مضيفة أنه على الرغم أن التركيز الرسمي للزيارة هو التعاون الاقتصادي لكن في الواقع، تتجه الأنظار صوب غزة بعدما انتهكت إسرائيل مؤخرًا وقف إطلاق النار الذي اتفقت عليه مع حماس.
وهاجمت إسرائيل قطاع غزة بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023 عندما احتجزت أكثر من 200 رهينة، بعضهم لا يزال محتجزا فى قطاع غزة ، بينما لقي أكثر من 50 ألف شخص حتفهم في العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية.
وصرحت متحدثة باسم قصر الإليزيه: "سنتحدث عن وقف إطلاق النار وإمكانية إنهاء الحرب، نريد أيضًا ترسيخ شراكة استراتيجية بين فرنسا ومصر، على غرار الشراكة القائمة بالفعل بين مصر والاتحاد الأوروبي".
وعن دور فرنسا في العالم العربي، أوضح أحمد القيعي، الصحفي السابق والمدير الإداري الحالي لشركة الاستشارات السياسية "إيك كونساي" للشبكة الألمانية إن فرنسا، بين دول الاتحاد الأوروبي، لطالما كانت رائدة في تعاملاتها مع مصر والعالم العربي.
وأضاف أن العلاقات الفرنسية المصرية ممتازة منذ عقود ، حيث تنشط العديد من الشركات الفرنسية في مصر، ويعمل بها عشرات الآلاف من الموظفين. إضافةً إلى ذلك، كانت مصر أول دولة تشتري 24 طائرة مقاتلة فرنسية من طراز رافال عام 2015، مما مهد الطريق لمزيد من صادرات هذه الطائرات إلى دول أخرى.
وقال القيعي :" كان الرؤساء الفرنسيين جاك شيراك ونيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند، والآن الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، يتشاورون جميعا مع القاهرة مرة واحدة على الأقل أسبوعيًا".
ومن جانبه، يرى فواز جرجس، أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد، أن توقيت زيارة ماكرون أمر بالغ الأهمية، قائلاً: "يستفيد ماكرون من فراغ في السلطة الدولية ليبرز على الساحة العالمية كزعيم للغرب حيث تبدو الولايات المتحدة الآن متفككة. وألمانيا تُعيد ترتيب أوراقها من خلال مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية. وهي على أي حال أقل حضورًا في الشرق الأوسط، تمامًا مثل إيطاليا والمملكة المتحدة".
وتابع: "مصر لاعب مهم، يبلغ عدد سكانها حوالي 110 ملايين نسمة، وتقع على مفترق طرق بين أفريقيا وآسيا وأوروبا. مصر مهمة في مجال منع الهجرة غير الشرعية ، حيث تستقبل العديد من اللاجئين من الدول المجاورة ".
وفي نفس السياق، أشار الصحفي خالد سعد زغلول، المعتمد لدى قصر الإليزيه منذ عام 1995، إلى أن مصر تتوسط في جميع النزاعات الإقليمية، موضحا :" في الشرق الأوسط، يُقال إنه لا يمكن شن حرب ولا صنع سلام بدون مصر فهي دولة رائدة بين الدول العربية".
ولفتت الشبكة إلى أنه في مطلع الشهر الماضي، اجتمعت الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، وعددها 22 دولة، في القاهرة، واتفقت على خطة لإعادة إعمار غزة خلال خمس إلى سبع سنوات. وسيبقى السكان في المنطقة، والهدف هو أن تُدار من قِبل السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.
وقالت المتحدثة باسم قصر الإليزيه: "الخطة العربية أساس جيد للنقاش، لكنها بحاجة إلى توسيع نطاقها ليشمل الضمانات الأمنية وشكل الحكم المستقبلي في غزة"، مضيفةً أن نتائج الزيارة ستُعرض على واشنطن لاحقا.
كما تخطط فرنسا والمملكة العربية السعودية لعقد مؤتمر حول حل الدولتين في يونيو المقبل المقبل حيث يأمل سعد زغلول أن تُثمر زيارة ماكرون، موضحا :" على فرنسا والاتحاد الأوروبي ومصر العمل على إنهاء الحرب ".