لجريدة عمان:
2024-07-07@00:33:20 GMT

حافة الهاوية في غزة.. والتفاوض تحت النار بالقاهرة

تاريخ النشر: 17th, February 2024 GMT

لا يشتري هذا المقال البضاعة الفاسدة التي يروج لها الأمريكيون والإسرائيليون في السوق السياسي من أن هناك خلافا كبيرا بين بايدن ونتانياهو وأمريكا ووكيلها الإقليمي حول الأهداف الخاصة بحرب طوفان الأقصى.

باعتراف بايدن ومستشاره للأمن القومي في تصريحات مترادفة (نشارك إسرائيل الأهداف نفسها في حرب غزة وهي القضاء على حماس والجهاد وإنهاء وجودهم في القطاع والتأكد من عدم تشكيلهم أي تهديد لإسرائيل في المستقبل وعدم تكرار هجوم ٧ أكتوبر آخر، وسنواصل مد إسرائيل بكل ما تحتاجه من سلاح حتى تقضي على حماس والتأكد من نزع سلاح غزة بعد ذلك).

لا يصدق المقال هذه الكذبة التي انجرفت في عملية ترويجها للأسف دوائر سياسية عربية ووسائل إعلام عربية فحسب بل يتحداها ويقول إن العكس هو الصحيح.

فحقيقة الأمر هو أن مخططا مرسوما بدقة من مؤسسة الأمن القومي الأمريكي التي تقود السياسة الخارجية الأمريكية قيادة شبه مطلقة «في عهد بايدن» بالتشارك مع مؤسسة الأمن القومي الإسرائيلي يستهدف توجيه وقيادة مفاوضات القاهرة حول الأسرى والهدنة نحو مسار سياسي مستقبلي تخرج فيه واشنطن وتل أبيب منتصرتين. مسار مستقبلي لشرق أوسط يخرج فيه الفلسطينيون وقضيتهم خاسرين ويخرج منه العرب أكثر خضوعا وامتثالا للهيمنة الأمريكية المستمرة الجاثمة على عقولهم وصدورهم منذ نصف قرن!!.

تتلخص هذه الاستراتيجية في ممارسة أكبر ضغط على وفد حماس في المفاوضات وتضمن هذا الضغط ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وعمليات قتل لعشرات الألوف من النساء والأطفال وكبار السن ومن إبادة وتطهير عرقي ممنهج على الشعب الفلسطيني في غزة.

وتضمن، أيضا، تسيير جسر جوي عسكري منتظم من أمريكا وحلف الأطلسي لإسرائيل يتعمد توسيعا مذهلا لحالة الخلل في ميزان القوى العسكري بين إسرائيل «رابع جيش في العالم» وبين فصائل المقاومة المعزولة في جيب محاصر لم تتلق من عالمها العربي طلقة ذخيرة واحدة بل تلقت منهم الخذلان ونشر اليأس وتثبيط الهمم.

هذه الاستراتيجية الأمريكية -الإسرائيلية- المنسقة يمكن تلخيصها في جعل المفاوضات تتم تحت النار وسياسة حافة الهاوية المحسوبة بحيث تخلق كعب أخيل فلسطيني في غزة يضغط على أعصاب المقاومة ويدفعها لتقديم تنازلات كبرى، شرطها الأساسي أن تجري مباحثاتها تحت غارات الطيران وقصف المدافع والدبابات وتهديدات الاجتياح البري ولكن في إطار تصعيد محسوب في الحرب. الغارات العسكرية الإجرامية -التي تقرها واشنطن سرا وتتحفظ على بعض جوانبها علنا- التي أمر بها نتنياهو في الأيام الماضية على محافظة رفح جنوب غزة والخطط المعلنة لاجتياحها بريا وما قد يقود إليه ذلك من مجزرة كانت موجهة لرفح قتلا وذبحا ولكن عينها كانت على القاهرة ورسالتها السياسية الحقيقية هي إلى مفاوضاتها الرباعية «أمريكا - إسرائيل - مصر- قطر» مستهدفة التأثير على مساراتها وخواتيمها.

الهدف من التصعيد الأخير في الأيام الماضية بالتدمير والقتل سواء بالقصف أو بخلق مجاعة تهدد نحو 1.5 مليون شخص من سكان القطاع تكدسوا في رفح هو جعل انهيار الوضع الإنساني وما قد ينتظرهم من حمام دم ومجازر نقطة ضعف للمقاومة التي لا تريد حاضنتها الشعبية التي صمدت معها أن تصل إلى نقطة الموت قتلا أو جوعا أو بردا أو مرضا.

الهدف من التصعيد أيضا هو خلق إيحاء وشعور لدى الجميع بأن المنطقة والعالم عليها أن تتعامل مع نتانياهو وكأنه «نيرون» جديد قد يغامر بحرق المنطقة كلها ولن يتورع عن عمل مجزرة بشعة في رفح تبدو معها مجزرة صبرا وشاتيلا نزهة خلوية، وتهدد بأن تتجدد معها احتمالات فرض سيناريو تهجير قسري أو طوعي على مصر وسيناء.

لكن المقاومة هنا لا تزال قادرة على مكافحة هذه الضغوط، وتستطيع أن تصمد وتقوي قلبها أمام هذا الوجع على أهلهم في غزة إذ إنها تعلم علم اليقين أن الفلسطينيين من النهر إلي البحر سينقلبون عليها فعلا لو قدمت تنازلات تجعل تضحياتهم المهولة من مقتل وإصابة ١٠٠ ألف مدني وتدمير ٩٠٪ من القطاع بلا ثمن سياسي ووطني يكافئ هذه التضحيات.

وهنا يأتي الشق الثاني من التخطيط وهو محاولة تحويل الأطراف العربية المشاركة في المفاوضات بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر فيها عبر مجموعات تلقت ضوءا أخضر من واشنطن وشملت اجتماعاتها عدة دول عربية أحيانا وشملت أحيانا أخرى هذه الدول ولكن مضافا إليها تركيا عضو حلف الأطلسي. تأمل واشنطن من هؤلاء الحلفاء الإقليميين أن يعملوا كروافع للتأثير على المقاومة لتجنيب شعبها مذبحة كبرى في رفح بتقديم تنازلات في مواقفها التي ثبتت عليها كالصخرة وهي مبادلة الأسرى الإسرائيليين لديها في غزة منذ ٧ أكتوبر بوقف شامل لإطلاق النار، وانسحاب تام للاحتلال من غزة، وإطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين من سجون إسرائيل.

الفكرة هنا أنه سيكون بمقدور واشنطن أن تهمس في أذن السلطة الفلسطينية ودول عربية حليفة ومعهم تركيا أنه إذا أرادوا تجنب مجزرة أو تهجير الفلسطينيين إلى سيناء فليس أمامهم حيال جنون «بيبي ملك إسرائيل»: عليكم أن تساعدونا في تليين قناة حماس ودفعها للقبول بتغيير مواقفها.

تغيير يعني عمليا أن تتنازل حماس عن أهم ورقة استراتيجية في يدها وهي الأسرى الإسرائيليون وعن نصرها العسكري في ٧ أكتوبر الذي رج إسرائيل وسيواصل رجها من الرأس لأخمص القدم لعشرات السنين القادمة دون أن تحصل حماس على أي نصر سياسي حقيقي لقضية شعبها.

لإكمال حلقة الضغط على العرب وبالتبعيّة على المقاومة كان لابد من استخدام الأوراق القديمة التي مارست تأثيرا تاريخيا لم تمح بصمته القاسية حتى الآن على العالم العربي بشكله الحديث ألا وهما بريطانيا وفرنسا القوتان الاستعماريتان القديمتان اللتان صاغتا حدود المنطقة بل وحددوا الكثير من كيان وسلوك الدولة الوطنية أو القطرية العربية الحديثة.

تحت إشراف أمريكي جرى منذ بداية الحرب ولكن بالتحديد في الأيام العشرة الأخيرة تم تحريك باريس ولندن تجاه المنطقة بوعود فارغة عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية والمضي في وقت ما نحو حل الدولتين وإنشاء دولة فلسطينية. وتحت هذا الغطاء الكثيف من الدخان الذي يعمي العيون تحرك كل في حدود مهمته التي حددتها له واشنطن القيادة العليا للغرب للمناطق التي يمتلك فيها التأثير الأكبر. تحرك البريطانيون نحو قسم من المشرق والخليج عارضين حلولا لليوم التالي لغزة أهم شيء فيه هو نزع سلاح حماس والجهاد وباقي منظمات المقاومة وإنشاء وضع في غزة بدون حكم حماس وتأهيل السلطة الفلسطينية وتحويل غزة إلى منطقة تنسيق وخضوع أمني لإسرائيل مثل ماهو الحال في الضفة الغربية بعد أوسلو.

وتحركت باريس إلى ما هو أبعد لضمان أمن إسرائيل وعدم الاكتفاء بتحييد الساحة الفلسطينية ولكن أيضا تحييد المقاومة اللبنانية باتفاق يعيد حزب الله 10 كيلومترات عن الحدود الشمالية مع إسرائيل، ثم الانتقال بعد ذلك لنزع سلاح حزب الله كليا فإما أن يقبل أن يكون حزبا سياسيا فقط أو يتم تدميره عسكريا في أول فرصة يستطيع فيها الإسرائيليون الاستفراد بلبنان مجددا.

الخطة الأمريكية تستثمر بقوة في «تشجيع» أطراف عربية على التطبيع مع إسرائيل أو الحفاظ على التطبيع الإبراهيمي القائم أو تلك التي تعاني من ظروف اقتصادية صعبة وتسعى من هذا الاستثمار إلى أن تسفر مفاوضات الهدنة والأسرى عن قاعدة متينة لهندسة شرق أوسط أمريكي يقوم من جهة على تطبيع واسع بين إسرائيل والعرب سياسيا ومن جهة أخرى على تفعيل لهيكل منتدى تحالف النقب الأمني العسكري بين إسرائيل والعرب الذي بنته واشنطن بدأب في السنتين الماضيتين تحت قيادة المنطقة المركزية الأمريكية للشرق الأوسط.

سيتحقق ساعتها التصور الاستراتيجي الأمريكي المطروح منذ سنوات بخلق تحالف إقليمي من إسرائيل والعرب المعتدلين يواجه إيران ويحمي مصالحها في المنطقة ويجعلها توجه قدرا أكبر من مواردها الاستراتيجية لمنافسة وتحجيم الصين في آسيا والباسيفيك وبحر الصين الجنوبي.

السؤال هو هل تصمد المقاومة على الأرض وتستكمل ما يشبه معجزة عسكرية لم تحدث في التاريخ المعاصر وستكون لاشك مادة للدراسة في معاهد الحرب العليا.. وبالتالي تستطيع أن تصمد سياسيا أمام ضغوط العم سام وأولاد العم وبعض الأشقاء؟

حسين عبد الغني إعلامي وكاتب مصري

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی غزة

إقرأ أيضاً:

انفراجة في مساعي التهدئة بعد رد حماس الأخير

سرايا - بعد رد حماس على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة كشفت أوساط إسرائيلية، أن رد الحركة يسمح للمرة الأولى بتحقيق تقدم والمضي قدما نحو مفاوضات بشأن النقاط العالقة مع إمكانية التوصل إلى اتفاق.

تطور بدى جليا في موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي أعلن خلال اتصال هاتفي مع الرئيس الأميركي جو بايدن الموافقة على إرسال وفد مفاوض من أجل اطلاق صراح المحتجزين في غزة، وأكد نتنياهو أن إسرائيل لم تنهي الحرب إلا بعد تحقيق جميع أهدافها.

في المقابل رحب بايدن بقرار نتنياهو السماح لمفوضية بالتعامل مع الوسطاء الأمريكيين والقطريين والمصريين في محاولة لإتمام صفقة التبادل. فهل تشهد الفترة المقبلة انفراج بين طرفي الأزمة وتحقيق تقدم في ملف المفاوضات؟ وهل تنجح الجهود الدولية في وقف إطلاق النار وإتمام صفقة التبادل بين إسرائيل وحماس؟.

بكثير من الأريحية المختلطة بالحذر استقبلت إسرائيل الرد الأخير لحركة حماس على اقتراح يتضمن اتفاقا على الإفراج عن الرهائن ووقف إطلاق النار في قطع غزة، تعتقد مصادر إسرائيلية أن حكومة نتنياهو تواجه خيارات حاسمة بعد رد حماس على مقترحات التهدئة في غزة بشروط غير مشددة.

ووصف مسؤولون في الجيش الإسرائيلي رد حركة حماس الأخير بأنه أفضل اقتراح تم تقديمه معتبرين أنه بناء وإيجابي ويتيح التقدم نحو مفاوضات مفصلة بخصوص النقاط العالقة وربما التوصل إلى اتفاق.

القناة الثانية عشرة الإسرائيلية نقلت أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قال في اجتماع مع عائلات أسرى إسرائيليين إن الاتفاق بشأن تبادل الأسرى بات أقرب من أي وقت مضى. وكشف مسؤول أمني إسرائيلي أن حركة حماس تصر على وجود بند يمنع تل أبيب من العودة للقتال بعد تنفيذ المرحلة الأولى من صفقة تبادل المحتجزين والأسرى بين الطرفين.

وأوضح المسؤول أن هذا البند لم توافق عليه إسرائيل مضيفا أن هناك ثغرات أخرى في بنود الصفقة لم يتم إغلاقها بعد، مشيرا إلى أن الجيش سيواصل الضغط العسكري على غزة.

صحيفة "نيويورك تايمز" أبرزت تصريحات مسؤولين أمنيين إسرائيليين حاليين وسابقين قالوا فيها إن كبار القادة العسكريين الإسرائيليين يريدون وقف إطلاق النار حتى لو أبقى ذلك حماس في السلطة في الوقت الحالي.

وأضافت الصحيفة أن هؤلاء القادة يعتقدون أن وقف إطلاق النار أفضل وسيلة لإطلاق سراح الرهائن ويرون أن قوتهم المنهكة التي تعاني من نقص الذخائر بحاجة لإعادة تجميع صفوفها في حالة اندلاع حرب أوسع مع حزب الله اللبناني. وقد فشلت المقترحات السابقة في تقريب وجهة النظر بين الطرفين المتحاورين بسبب إصرار حماس على وقف تام للحرب وانسحاب كامل للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة فيما تصر إسرائيل على القبول بهدن مؤقتة لحين القضاء على الحركة. سكاي نيوز


مقالات مشابهة

  • وزير خارجية بريطانيا الجديد يؤكد موقف بلاده بشأن الحرب في غزة
  • وزير خارجية بريطانيا الجديد يعيد التأكيد على موقف بلاده بشأن الحرب في غزة
  • خبراء ومحللون: نتنياهو سيماطل بشأن المفاوضات لحين عودته من واشنطن
  • فاينانشيال تايمز: واشنطن تستشعر "فرصة كبيرة" في صفقة المحتجزين بين إسرائيل وحماس
  • صحيفة بريطانية: واشنطن تستشعر فرصة كبيرة في صفقة المحتجزين بين إسرائيل وحماس
  • الحية يلتقي نصر الله ببيروت ويبحثان تطورات طوفان الأقصى وجهود وقف إطلاق النار
  • وكالة الأنباء الفرنسية: حماس تتوقع ردا من إسرائيل حول مقترح صفقة وقف إطلاق النار غدا
  • واشنطن بوست: الإدارة الأمريكية تصف التصريحات الإسرائيلية بشأن استئناف المفاوضات بـ«الانفراجة»
  • انفراجة في مساعي التهدئة بعد رد حماس الأخير
  • التهدئة جنوبا تنتظر لقاءات نتنياهو في واشنطن