لجريدة عمان:
2025-03-20@04:27:12 GMT

صناعة الكتاب ومستقبل النشر

تاريخ النشر: 17th, February 2024 GMT

يشهد عام 2024 الكثير من التطورات التي مهَّد لها العام المنصرم من خلال المتغيرات الاقتصادية والسياسية والثورات التقنية المتسارعة؛ فعلى الرغم من أننا نعيش عصر المعلومات والبيانات الضخمة، إلاَّ أن هذا العصر يقدِّم دوما مجموعة من التقلبات في ظل ما يواجهه العالم من تحديات ومشكلات من ناحية، وتطورات معرفية وتنموية تشهدها العديد من البلدان.

ولعل هذا ما دفع العديد من المستثمرين على مستوى العالم للاستثمار في قطاع الصحافة والنشر سواء النشر الورقي أو السمعي، أو الإلكتروني الذي أصبح اليوم أحد أهم أقطاب النشر ووسيلة أساسية يعتبرها البعض مستقبل الكتاب أو على الأقل المساند الرئيس والداعم المعاضد له ولانتشاره، مما أسهم في انتعاش الوسائل والوسائط وتعددها، والتي جعلت منه مجالا رحبا لمشاركة المحتويات، والبيانات، بل والثقافة والمعرفة، إضافة إلى قدرته في انتعاش الإعلانات والتجارة الإلكترونية وغير ذلك.

ولأن الكتاب مسؤول عن نقل المعارف والأفكار، وتصوير ثقافة المجتمعات، فإنه يتمتع بقدرة مكَّنته من الانتشار والتداول، وجعلت منه قوة معرفية قادرة على التأثير على مرِّ السنوات، وهكذا فإن الكتاب وصناعة النشر اليوم تمر بمنعطف أساسي ومهم في ظل الكثير من المتغيرات التقنية التي قد تؤثر في هذه الصناعة خاصة على مستوى التوزيع والتسويق، سيما مع انتشار استخدام التواصل الرقمي، ومحركات البحث وانتعاش الذكاء الاصطناعي التوليدي.

ولهذا فإن مستقبل صناعة الطباعة والنشر عموما، لا تعتمد على التطورات والمنعطفات في المجال التقني والتواصل الإلكتروني، بقدر اعتمادها على عمل دور النشر المتخصصة، وصانعو السياسات، إضافة إلى المواءمة بين ما يُنشر وبين آفاق السوق والقُرَّاء، والقدرة الاقتصادية للدولة وإيمانها بهذا القطاع الحيوي، ودوره في دعم التنمية الثقافية والاقتصادية، ولذلك فإنه مهما تطوَّرت أساليب النشر وتغيَّرت، فإن دور النشر ستجد سبيلها إلى القارئ عن طريق مجموعة من الاستراتيجيات والسُبُل التي تجعل من صناعة الكتاب مستمرة وباقية على الرغم من التذبذب في أسواق البيع.

ولأن (الكُتب جزء مهم من اقتصاد المعرفة) - بحد تعبير تقرير بيانات النشر الدولية 2023 - وذلك بما يقدمه من أثر مباشر على اتجاهات الثقافة والتعليم والاقتصاد، فإن إقامة معارض الكتب الدولية، أحد أهم مظاهر ازدهار الكتب وقدرتها على الصمود في ظل المتغيرات، وهذا الصمود لا يعكس أهمية الكتاب وحسب، بل أيضا تلك المساهمة التي يقدمها قطاع النشر باعتباره جزءا أساسيا من المنظومة الثقافية، بل هو قطب مهم في الصناعات الإبداعية، وهذا ما أكدته (خارطة الصناعات الإبداعية)، التي أصدرتها وزارة الثقافة والرياضة والشباب، والتي تُعد كشافا مهما لدور هذه الصناعات في التنمية للمرحلة المقبلة.

ومن ناحية عرض المنشور والمقروء فإن معارض الكُتب بما تقدِّمه من دعم وتمكين لدور الكتاب في المجتمعات، وما تمثِّله من مجال وبيئة خصبة لعرض الكُتب وتسويقها وبيعها، يمكن اعتبارها ببساطة سوقا للكُتب، وكلٌ يشتري ما يرغب من معرفة وفكر وأدب وعلم وغيره، إنه عالم مليء بالإمتاع والتعليم والمهنية التي تنطلق من فكرة الكتابة إلى الطباعة إلى النشر والتسويق والبيع، ولهذا فإن هذه المعارض بقيت رغم جموح التقنية والوسائط الحديثة التي يعتقد البعض أنها كفيلة بإبادة النشر الورقي في القريب.

يخبرنا تقرير (صناعة النشر العالمية ) الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الوايبو) في العام 2023، أن صناعة النشر قد ازدهرت خلال السنتين الأخيرتين؛ حيث «بلغ إجمالي إيرادات صناعة النشر في الولايات المتحدة الأمريكية في العام 2022، 26.2 مليار دولار أمريكي، والذي يُعد أعلى إيرادات لمبيعاتها، تلتها ألمانيا 9.9 مليار دولار أمريكي، بعدها ألمانيا 9.3 مليار، ثم الهند 9.1 مليار، والمملكة المتحدة 5 مليار دولار)، فبصرف النظر إن كان النشر ورقيا أم إلكترونيا أم صوتيا، فإنه ينبئ عن مستقبل هذه الصناعة وازدهارها وقدرتها على الانتعاش بوسائلها ووسائطها المختلفة.

ومع تطوُّر التقنيات فإن صناعة النشر تتنامى وتزدهر، بما تجده من وسائط نشر مساعدة في التسويق والانتشار والبيع وغير ذلك؛ فقد صرَّح تقرير الوايبو ذاته؛ أنه في العام 2022 وحده (تم نشر ما مجموعة 206.674 عنوانا في تركيا، بينما نُشر في البرازيل 146.575، وفي فرنسا 111.503، وإيطاليا 121.127، والمملكة المتحدة 153.000عنونا). وهي أرقام تشي بما تقدمه صناعة الطباعة والنشر من دور معرفي واقتصادي مهم على المستوى المحلي بشكل خاص، ناهيك عن دورها على المستويات الإقليمية والدولية.

وكما ازدهرت صناعة الكتاب ونمت في العالم فإنها تظهر في عُمان بأشكال وسياقات متنوِّعة؛ حيث تظهر الإحصائيات الواردة في تقرير (إحصاءات التعليم والثقافة والاتصالات)، الصادر عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات للعام 2023، أن الارتفاع في إجمالي الكتب المنشورة في العام 2022 مقارنة بالعام السابق بلغت 48%، كما بلغ إجمالي الصحف المنشورة في العام نفسه 94 صحيفة مقارنة بـ 7 صحف في العام الفائت، وهكذا أيضا يظهر الارتفاع في إجمالي المجلات المنشورة التي بلغت 167 مقارنة بـ 37 مجلة في العام 2021، الأمر الذي يُظهر التنامي المتزايد في صناعة الطباعة والنشر، وإقبال المستثمرين على العمل في مجالاته المختلفة.

إن هذه الصناعة تشق طريقها في عالم الاقتصاد بالكثير من الثقة خاصة في ظل المتغيرات الحالية المتسارعة، ولعل الزائر للعديد من معارض الكتب خاصة في العواصم العربية سيجد تنامي طباعة الكتب والنشر، وتزايد أعداد الناشرين، على الرغم من ارتفاع أسعار التشغيل وسلاسل التوريد الخاصة به، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الكتب نفسها، إلاّ أننا سنجد أن التنامي ما زال مستمرا، وهو لا يظهر على المستوى السطح وحسب، والذي نراه في توافد مئات بل آلاف الجماهير بشكل يومي إلى صالات العرض، بل أيضا في أعداد الكتب التي تُباع، والقوة الشرائية التي تعكسها. ولأن معارض الكتب تمثِّل (أسوق للكتب) فإنها تُعد ظاهرة اجتماعية وثقافية وفنية واقتصادية؛ ذلك لأنها لا تعرض الكتاب مجردا من حسِّه الإنساني ولا منعزلا عن بيئته ومحيطه، بل هي قوة جاذبة لأفراد المجتمع. إنها مهرجانات ثقافية قائمة على المعرفة بأشكالها المتعددة، فنجد الأسر والأصدقاء والمجموعات يتوافدون جميعا إلى صالات الكتب والفعاليات الثقافية والفنية، في تظاهرة قادرة على لفت الانتباه إلى أهمية الكتاب الورقي وقدرته الجاذبة وسحره الذي ما زال رغم تعدد وسائط ووسائل النشر.

وها نحن نستعد وننتظر بشوق لافتتاح معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته (28)، والذي سيكون فرصة مهمة للناشرين في عُمان والمنطقة لتسويق كتبهم وبيعها في سوق معرفي حيوي، أثبت عبر دوراته المختلفة قدرته وجماهيريته، كما قدَّم للمجتمع آفاقا رحبة للمشاركة والتفاعل وتقديم الأفضل، بل هو فضاء أساسيا للإبداع والابتكار في عالم الطباعة والنشر والصناعات المعرفية.

فمشاهد تحلُّق الجماهير حول الكتب وصالات العرض، وتوافدهم على الفعاليات والمشاركة والتفاعل والحوارات الثقافية والمناقشات، بل كذلك تجمعهم حول المناشط الفنية والعروض المفتوحة وغيرها، كلها تشي بما تقدمه معارض الكتب من معارف وما يتميَّز به أفراد المجتمع من نهم وشوق لهذه التظاهرة الثقافية السنوية المهمة، وما يقدمه الكتاب عموما وما زال يشكله الكتاب الورقي خاصة من أهمية في حياة المجتمعات الإنسانية.

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة في مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: معارض الکتب صناعة النشر فی العام

إقرأ أيضاً:

من ساحات القتال إلى طاولات الحوار.. الفصائل المسلحة ومستقبل العراق السياسي

بغداد اليوم - بغداد

أكد النائب السابق حيدر أحمد قاسم، اليوم الثلاثاء (18 آذار 2025)، أن الفصائل لن تتحرك حيال أي اتفاق طاقة بين بغداد وأنقرة لعدة أسباب.

وقال قاسم لـ"بغداد اليوم"، إن "الحكومة بشكل عام تتألف أغلبها من قوى الإطار التنسيقي، وبالتالي على الإطار مسؤوليات كثيرة خاصة مع مؤشرات بأن صيف 2025 سيكون صعباً بعض الشيء إذا لم توفر الحكومة بدائل تؤمن استمرارية محطات إنتاج الكهرباء لتزويد المدن".

وأضاف أن "ما يقال عن إن إيران قد تحرك الفصائل الموالية لها في العراق لضرب مشاريع أو اتفاقيات بين العراق وتركيا تخص ملف الطاقة، هذه كلها تكهنات وافتراضات ليس هناك أي أدلة عليها"، مؤكداً أن "هذه التكهنات هي محاولة ربما من أطراف لخلط الأوراق، لكن بشكل عام نعتقد بأنه لن يكون هناك أي تحرك لأن، كما قلنا، الإطار التنسيقي يهمه أن تنجح الحكومة وأن تتجاوز تحديات الصيف المقبل".

وتابع قاسم، أن "التبادل التجاري بين بغداد وأنقرة ليس وليد اللحظة بل هو مستمر منذ عقود وتصاعد في العشرين سنة الماضية، ونما بمستويات عالية، ولم يكن هناك تدخل من قبل تركيا في طبيعة التبادل التجاري بين بغداد وطهران، والأخيرة أيضاً لم تتدخل في طبيعة النشاط الاقتصادي بين العراق وتركيا، لذا فإننا لا نتوقع أي استهداف لهذا الأمر".

وأشار إلى أن "العراق تصل ذروة إنتاجه من الكهرباء إلى 24 أو 25 ألف ميجا واط، لكن في الوقت الحالي لا تتجاوز 15 ألفاً لكن بشكل عام، مشكلة العراق ليست في الإنتاج بل في التوزيع والهدر، وحتى لو كان إنتاج العراق 50 ألف ميجاوات ستبقى ذات الإشكالية لأن الموضوع معقد، وهذا ما لمسناه في لقاءاتنا المتكررة مع وزراء الكهرباء في الدورات السابقة".

وأكد، أن "القوى الشيعية في العراق بكل عناوينها هي مع الحكومة في تجاوز أزمة الكهرباء، لأنه أي جهة تسعى لعرقلة وجود أي بدائل أو اتفاقيات لتخفيف وطأة أزمة الصيف سواء مع العراق أو غيرها، هي كمن يعمل على تخريب بيته، وهذا يؤدي إلى خلق مشاكل أمام الشعب"، مشيرا إلى "أننا لا نعتقد بأن الفصائل أو غيرها قد تسعى إلى عرقلة أو استهداف أي مشاريع طاقة، سواء مع أنقرة أو غيرها من البلدان".

وتشكل فصائل المقاومة العراقية جزءا فاعلا في المشهد الأمني والسياسي العراقي، حيث برز دورها بعد عام 2003 في مواجهة الوجود الأجنبي، ثم لاحقا في محاربة تنظيم داعش.

ومع استقرار الأوضاع الأمنية نسبيا، بدأت هذه الفصائل بالدخول في حوارات مع الحكومة المركزية لمناقشة قضايا تتعلق بوجود القوات الأجنبية، ودور الحشد الشعبي، ومستقبل العمل السياسي لبعض مكوناتها.

وفي هذا السياق، تأتي الحوارات الجارية بين الطرفين في محاولة للوصول إلى تفاهمات تضمن استقرار البلاد، مع حديث عن إمكانية مشاركة بعض ممثلي الفصائل في العملية السياسية مستقبلا، في ظل التحولات التي يشهدها العراق على مختلف الأصعدة.

مقالات مشابهة

  • وزير قطاع الأعمال العام يبحث مع شركة تركية التعاون في قطاع الغزل
  • الخوف من الكتب
  • بخصومات 25%.. افتتاح معرض للكتب والمشغولات الفنية بدار الكتب والوثائق
  • من ساحات القتال إلى طاولات الحوار.. الفصائل المسلحة ومستقبل العراق السياسي
  • شخصيات حكومية برئاسة محافظ درعا يتفقدون جرحى الغارات الإسرائيلية التي استهدفت محيط المدينة
  • باكستان وأفغانستان.. أزمات متفاقمة ومستقبل غامض
  • النائب العام يقف على حجم الانتهاكات التي ارتكبتها القوات المتمردة خلال فترة سيطرتها على مقر منطقة قري العسكرية
  • استشهاد ثلاثة مدنيين وإصابة آخرين جراء الغارات الجوية التي شنتها طائرات الاحتلال الإسرائيلي على محيط مدينة درعا
  • السيسي: تحركنا بخطى ثابتة ومدروسة على الرغم من التحديات التي واجهتنا
  • دمياط تتصدر قائمة أفضل الجامعات المصرية في تصنيف Nature Index