لجريدة عمان:
2024-12-22@23:02:25 GMT

صناعة الكتاب ومستقبل النشر

تاريخ النشر: 17th, February 2024 GMT

يشهد عام 2024 الكثير من التطورات التي مهَّد لها العام المنصرم من خلال المتغيرات الاقتصادية والسياسية والثورات التقنية المتسارعة؛ فعلى الرغم من أننا نعيش عصر المعلومات والبيانات الضخمة، إلاَّ أن هذا العصر يقدِّم دوما مجموعة من التقلبات في ظل ما يواجهه العالم من تحديات ومشكلات من ناحية، وتطورات معرفية وتنموية تشهدها العديد من البلدان.

ولعل هذا ما دفع العديد من المستثمرين على مستوى العالم للاستثمار في قطاع الصحافة والنشر سواء النشر الورقي أو السمعي، أو الإلكتروني الذي أصبح اليوم أحد أهم أقطاب النشر ووسيلة أساسية يعتبرها البعض مستقبل الكتاب أو على الأقل المساند الرئيس والداعم المعاضد له ولانتشاره، مما أسهم في انتعاش الوسائل والوسائط وتعددها، والتي جعلت منه مجالا رحبا لمشاركة المحتويات، والبيانات، بل والثقافة والمعرفة، إضافة إلى قدرته في انتعاش الإعلانات والتجارة الإلكترونية وغير ذلك.

ولأن الكتاب مسؤول عن نقل المعارف والأفكار، وتصوير ثقافة المجتمعات، فإنه يتمتع بقدرة مكَّنته من الانتشار والتداول، وجعلت منه قوة معرفية قادرة على التأثير على مرِّ السنوات، وهكذا فإن الكتاب وصناعة النشر اليوم تمر بمنعطف أساسي ومهم في ظل الكثير من المتغيرات التقنية التي قد تؤثر في هذه الصناعة خاصة على مستوى التوزيع والتسويق، سيما مع انتشار استخدام التواصل الرقمي، ومحركات البحث وانتعاش الذكاء الاصطناعي التوليدي.

ولهذا فإن مستقبل صناعة الطباعة والنشر عموما، لا تعتمد على التطورات والمنعطفات في المجال التقني والتواصل الإلكتروني، بقدر اعتمادها على عمل دور النشر المتخصصة، وصانعو السياسات، إضافة إلى المواءمة بين ما يُنشر وبين آفاق السوق والقُرَّاء، والقدرة الاقتصادية للدولة وإيمانها بهذا القطاع الحيوي، ودوره في دعم التنمية الثقافية والاقتصادية، ولذلك فإنه مهما تطوَّرت أساليب النشر وتغيَّرت، فإن دور النشر ستجد سبيلها إلى القارئ عن طريق مجموعة من الاستراتيجيات والسُبُل التي تجعل من صناعة الكتاب مستمرة وباقية على الرغم من التذبذب في أسواق البيع.

ولأن (الكُتب جزء مهم من اقتصاد المعرفة) - بحد تعبير تقرير بيانات النشر الدولية 2023 - وذلك بما يقدمه من أثر مباشر على اتجاهات الثقافة والتعليم والاقتصاد، فإن إقامة معارض الكتب الدولية، أحد أهم مظاهر ازدهار الكتب وقدرتها على الصمود في ظل المتغيرات، وهذا الصمود لا يعكس أهمية الكتاب وحسب، بل أيضا تلك المساهمة التي يقدمها قطاع النشر باعتباره جزءا أساسيا من المنظومة الثقافية، بل هو قطب مهم في الصناعات الإبداعية، وهذا ما أكدته (خارطة الصناعات الإبداعية)، التي أصدرتها وزارة الثقافة والرياضة والشباب، والتي تُعد كشافا مهما لدور هذه الصناعات في التنمية للمرحلة المقبلة.

ومن ناحية عرض المنشور والمقروء فإن معارض الكُتب بما تقدِّمه من دعم وتمكين لدور الكتاب في المجتمعات، وما تمثِّله من مجال وبيئة خصبة لعرض الكُتب وتسويقها وبيعها، يمكن اعتبارها ببساطة سوقا للكُتب، وكلٌ يشتري ما يرغب من معرفة وفكر وأدب وعلم وغيره، إنه عالم مليء بالإمتاع والتعليم والمهنية التي تنطلق من فكرة الكتابة إلى الطباعة إلى النشر والتسويق والبيع، ولهذا فإن هذه المعارض بقيت رغم جموح التقنية والوسائط الحديثة التي يعتقد البعض أنها كفيلة بإبادة النشر الورقي في القريب.

يخبرنا تقرير (صناعة النشر العالمية ) الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الوايبو) في العام 2023، أن صناعة النشر قد ازدهرت خلال السنتين الأخيرتين؛ حيث «بلغ إجمالي إيرادات صناعة النشر في الولايات المتحدة الأمريكية في العام 2022، 26.2 مليار دولار أمريكي، والذي يُعد أعلى إيرادات لمبيعاتها، تلتها ألمانيا 9.9 مليار دولار أمريكي، بعدها ألمانيا 9.3 مليار، ثم الهند 9.1 مليار، والمملكة المتحدة 5 مليار دولار)، فبصرف النظر إن كان النشر ورقيا أم إلكترونيا أم صوتيا، فإنه ينبئ عن مستقبل هذه الصناعة وازدهارها وقدرتها على الانتعاش بوسائلها ووسائطها المختلفة.

ومع تطوُّر التقنيات فإن صناعة النشر تتنامى وتزدهر، بما تجده من وسائط نشر مساعدة في التسويق والانتشار والبيع وغير ذلك؛ فقد صرَّح تقرير الوايبو ذاته؛ أنه في العام 2022 وحده (تم نشر ما مجموعة 206.674 عنوانا في تركيا، بينما نُشر في البرازيل 146.575، وفي فرنسا 111.503، وإيطاليا 121.127، والمملكة المتحدة 153.000عنونا). وهي أرقام تشي بما تقدمه صناعة الطباعة والنشر من دور معرفي واقتصادي مهم على المستوى المحلي بشكل خاص، ناهيك عن دورها على المستويات الإقليمية والدولية.

وكما ازدهرت صناعة الكتاب ونمت في العالم فإنها تظهر في عُمان بأشكال وسياقات متنوِّعة؛ حيث تظهر الإحصائيات الواردة في تقرير (إحصاءات التعليم والثقافة والاتصالات)، الصادر عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات للعام 2023، أن الارتفاع في إجمالي الكتب المنشورة في العام 2022 مقارنة بالعام السابق بلغت 48%، كما بلغ إجمالي الصحف المنشورة في العام نفسه 94 صحيفة مقارنة بـ 7 صحف في العام الفائت، وهكذا أيضا يظهر الارتفاع في إجمالي المجلات المنشورة التي بلغت 167 مقارنة بـ 37 مجلة في العام 2021، الأمر الذي يُظهر التنامي المتزايد في صناعة الطباعة والنشر، وإقبال المستثمرين على العمل في مجالاته المختلفة.

إن هذه الصناعة تشق طريقها في عالم الاقتصاد بالكثير من الثقة خاصة في ظل المتغيرات الحالية المتسارعة، ولعل الزائر للعديد من معارض الكتب خاصة في العواصم العربية سيجد تنامي طباعة الكتب والنشر، وتزايد أعداد الناشرين، على الرغم من ارتفاع أسعار التشغيل وسلاسل التوريد الخاصة به، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الكتب نفسها، إلاّ أننا سنجد أن التنامي ما زال مستمرا، وهو لا يظهر على المستوى السطح وحسب، والذي نراه في توافد مئات بل آلاف الجماهير بشكل يومي إلى صالات العرض، بل أيضا في أعداد الكتب التي تُباع، والقوة الشرائية التي تعكسها. ولأن معارض الكتب تمثِّل (أسوق للكتب) فإنها تُعد ظاهرة اجتماعية وثقافية وفنية واقتصادية؛ ذلك لأنها لا تعرض الكتاب مجردا من حسِّه الإنساني ولا منعزلا عن بيئته ومحيطه، بل هي قوة جاذبة لأفراد المجتمع. إنها مهرجانات ثقافية قائمة على المعرفة بأشكالها المتعددة، فنجد الأسر والأصدقاء والمجموعات يتوافدون جميعا إلى صالات الكتب والفعاليات الثقافية والفنية، في تظاهرة قادرة على لفت الانتباه إلى أهمية الكتاب الورقي وقدرته الجاذبة وسحره الذي ما زال رغم تعدد وسائط ووسائل النشر.

وها نحن نستعد وننتظر بشوق لافتتاح معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته (28)، والذي سيكون فرصة مهمة للناشرين في عُمان والمنطقة لتسويق كتبهم وبيعها في سوق معرفي حيوي، أثبت عبر دوراته المختلفة قدرته وجماهيريته، كما قدَّم للمجتمع آفاقا رحبة للمشاركة والتفاعل وتقديم الأفضل، بل هو فضاء أساسيا للإبداع والابتكار في عالم الطباعة والنشر والصناعات المعرفية.

فمشاهد تحلُّق الجماهير حول الكتب وصالات العرض، وتوافدهم على الفعاليات والمشاركة والتفاعل والحوارات الثقافية والمناقشات، بل كذلك تجمعهم حول المناشط الفنية والعروض المفتوحة وغيرها، كلها تشي بما تقدمه معارض الكتب من معارف وما يتميَّز به أفراد المجتمع من نهم وشوق لهذه التظاهرة الثقافية السنوية المهمة، وما يقدمه الكتاب عموما وما زال يشكله الكتاب الورقي خاصة من أهمية في حياة المجتمعات الإنسانية.

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة في مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: معارض الکتب صناعة النشر فی العام

إقرأ أيضاً:

نتنياهو: إسرائيل ستتحرك ضد الحوثيين

سرايا - قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الأحد إن إسرائيل ستواصل التحرك ضد جماعة الحوثي في اليمن، متهما إياها بتهديد الملاحة العالمية والنظام الدولي، ودعا الإسرائيليين إلى الثبات.



وأضاف في بيان مصور، بعد يوم من سقوط صاروخ أطلق من اليمن على منطقة تل أبيب مما تسبب في عدد من الإصابات الطفيفة، “مثلما تحركنا بقوة ضد الأذرع الإرهابية لمحور الشر الإيراني، فسوف نتحرك بقوة أيضا ضد الحوثيين”.





تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا


طباعة المشاهدات: 736  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 22-12-2024 08:18 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
ضرورة العصر: كيف تضمن تطورك المهني في عالم متغير؟ "الجدة الخارقة" ترفع الأثقال في سن التسعين قصة فتاة سعودية أبلغت سلطات ألمانيا عن منفذ حادثة الدهس الولايات المتحدة .. رجل يرتكب "جريمة وحشية" بحق ابنه الرضيع الحكومة: "لن نستغني عن أي موظف .. ولكن!" هل يُصبح “نيولوك” الجولاني مذهب مُجاهديه للحُكم؟ ..... الحكومة تتوقع إقرار تعديلات الإجازة بدون راتب خلال... الجيش الأمريكي: "سقوط مقاتلة تحمل طيارين اثنين... المملكة على موعد مع تساقط الثلوج في هذا الموعد الشرع يطالب برفع العقوبات عن سوريةترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنمااسم يتردد مجددا .. ما هو دور فاروق الشرع في سوريا...هذه الدولة ستحظر التيكتوك لمدة عامبايدن يعلن حضوره حفل تنصيب ترامب في يناير المقبل"الخنوع والجبان" .. حرب كلامية تشتعل بين...اعترفت واشنطن بسقوطها بـ"نيران صديقة" .....حلب تواصل احتفالاتها بسقوط نظام الأسدوهاب يتحدث عن الشرع وزيارة جنبلاط ويكشف مكان ماهر... فضيحة جديدة في السينما المصرية: كاتبة توأم روحي... عبير فؤاد تحذر من انفصال 3 من أشهر أزواج الفن في... نادين نسيب نجيم تحتفل بجاكيت مايكل جاكسون: قصة... أيشواريا راي وزوجها يحسمان جدل انفصالهما بظهور مفاجئ كزبرة:"أنا كوميديان ولست تافها .. وأحزن... العراق ينتزع فوزاً صعباً أمام اليمن تمديد عقد إنزاغي على رأس أولويات إدارة إنتر رافينيا: أتحمل مسؤولية الهزيمة من أتلتيكو مدريد تعديلات على المناصب الرئيسية لادارة نادي الوحدات طاقم حكام أردني لإدارة مباراة كأس السوبر الإماراتي القطري خطط لاستهداف السفير السعودي .. منفذ حادثة ألمانيا عرض مكافأة لتحديد موقعه "موظف ملكي" يكشف عن سبب عدم عودة ميغان ماركل إلى بريطانيا جيف بيزوس يستعد لزفافه بحفل تكلفته 600 مليون دولار - تفاصيل بعد مقتل مراهق .. ألبانيا تحظر تيك توك لمدة عام دواء يتسبب بإدمان بريطاني على المراهنات .. وتعويض مالي لصالحه "ساعات العمر" .. توظيف علامات الدم للتنبؤ بالصحة وعمر الإنسان شبان يصفعون البلوجر "سوزي الأردنية" في مصر أمام والدها - (صورة) مدرسة أمريكية تطيح المعلمين لصالح الذكاء الاصطناعي من منا لا يكذب؟ علامات قد تفضحنا بثوانٍ! بالفيديو .. شاهد واحد من أكبر مصانع "الكبتاغون" المخدر في سوريا

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2024
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

مقالات مشابهة

  • حصاد 2024.. أبرز الخواتم الذكية التي أطلقت في هذا العام
  • نتنياهو: إسرائيل ستتحرك ضد الحوثيين
  • عندما تحرق الكتب من أجل رغيف الخبز!
  • إبراهيم عبدالمجيد يصدر أحدث رواياته «32 ديسمبر» في معرض الكتاب 2025
  • مقرر لجنة الحريات في رابطة الكتاب الأردنيين .. عليك السلام يا أحمد حتى نراك حراً طليقاً
  • "جمعية الكتاب" في جنوب الباطنة تحتفل بيوم اللغة العربية
  • ندوة في رابطة الكتاب الاردنيين حول مراحل نشوء الكيان الصهيوني ونظريته الأمنية
  • سوريا.. مسارات خادعة ومستقبل غامض
  • سوريا جذور عميقة ومستقبل واعد
  • لبنان: النظام الصحي أمام طريق صعب ومستقبل مجهول