اللغة العربية في المدارس الخاصة «ثنائية اللغة»
تاريخ النشر: 17th, February 2024 GMT
كم أشعر بالأسف والإحباط حين يشكو أحد الأصدقاء معاناةَ ابنه مع اللغة العربية في إحدى المدارس الدولية ثنائية اللغة، حيث يعاني كحال ابنه الكثيرُ من الأطفال العرب مشاكلَ جسيمة في الحديث والتواصل مع محيطهم باللغة العربية، فضلاً عن تعثرهم قراءةً وكتابةً بلغتهم الأم. ولا ننسى أن الكثير من الآباء والأمهات ينفقون سنويا قسطا كبيرا من رواتبهم، وربما بشيء من الهوس بسؤال المستقبل (الهوس المشروع على أي حال) وذلك من أجل تعليم أبنائهم في المدارس الخاصة المنحازة للتعليم باللغة الإنجليزية، على أمل أن يتمتع هؤلاء الأبناء برعاية تربوية أفضل وتعليمٍ ذي جودة عالية بمعايير عصرية متقدمة، ما يمنح الأبناء والآباء وعداً بامتيازات مستقبلية تفتح لهم أبواب الفرص الصعبة وتنوّع أمامهم خيارات الغد، سواءً خلال مرحلة التعليم الجامعي أو ما بعدها في سوق العمل.
وهنا يأتي الشعور بالإحباط من أكثر من جهة: من هزيمة اللغة العربية وواقعها الأليم نتيجة لهزيمة المتحدثين بها، سياسيا واقتصاديا وعلى كل صعيد حيوي آخر، إلى درجة أن هذه المدارس ما تزال تغذي وهما يرى بأن تقدم العملية التعليمية مشروط بالاعتماد على اللغة المتفوقة، المنتصرة، اللغة الإنجليزية، وهو الوهم نفسه الذي كرّسته وتكرّسه قبل ذلك الجامعات التي تعتمد تدريس تخصصات العلوم الطبيعية في بلداننا بالإنجليزية... إلى جانب الإحباط الناجم عن فشل التعليم الحكومي نفسه في تعزيز مهارات اللغة العربية لدى الطلاب وتقديمها في مناهج قوية ومتطورة.
ولكن، وبالرغم مما تعد به بعض المدارس الخاصة (ثنائية اللغة) من جودة تعليم متطور يتجاوز منظومة التعليم الحكومي، فإنها وفي الوقت نفسه تؤسس لشرخ خطير في هوية أجيال متعاقبة من التلاميذ من خلال ازدواجية اللغة التي يجدر أن تضعنا أولاً بمواجهة سؤال نفسي قبل أن يكون سؤالاً تربوياً أو ثقافياً: كيف لطفل أن ينمو بلسانين متباينين؟ كيف لطفل أن يكبر باستقرار موزعاً بين عالمين مختلفين، بل ومتصادمين في كثير من النواحي؟ ما يحدث هو أن هذا النوع من التعليم لا يترك الأطفال يعتمدون اللغة الإنجليزية كلغة أولى للتعبير عن أنفسهم بدلاً من العربية، فحسب، بل سيربيهم على اعتماد الإنجليزية، تلقائياً، وسيلةَ تفكير علمي ومعجم تفاعل حيوي وشخصي سيغدو مع الوقت ملاذهم النفسي في ظل اغترابهم عن اللغة الأم، لغة المجتمع والمحيط، اللغة العربية.
وبناءً على تلك التربية اللغوية ستنمو شبكة علاقاتهم الإنسانية وتتحدد انتماءاتهم وانحيازاتهم الفكرية وحتى الذوقية؛ فاللغة ليست أداة أو مجرد وسيلة تعبير كما قد يظن بعض القائمين على سياسات التعليم في بلادنا؛ بل هي منظومة من القيم والاستعدادات الذهنية التي تتطور باستمرار، ولا مبالغة إن قلنا إنها العقل. فعلى سبيل المثال فإن علاقة النشء السيئة باللغة العربية أو انفصالهم عنها لا بدَّ أن تجعل من علاقتهم بأهم النصوص التأسيسية، ألا وهو القرآن الكريم، علاقة مضطربة، هذا وهو الكتاب الذي يمثل بالنسبة لتكوين الفرد المسلم المرجع التشريعي الأول والمنهج التربوي والأخلاقي، فضلاً عن قيمته الروحية. وهكذا تنسحب النتائج الوخيمة نفسها على علاقة هذا النشء بالتراث الأدبي بكل ما يحويه من قيم وملامح تؤسس الهوية العربية وتصقلها، دون أن تحدها أو أن تنغلق داخلها وتكبح تطورها عبر التداخل مع معطيات وهويات أخرى تحملها رياح اللغات الغريبة إلى أراضي اللغة العربية.
أتذكر هنا أن الكاتب والشاعر العراقي سنان أنطون كان قد وصف اللغة العربية في المنفى الإنجليزي، في الولايات المتحدة، بأنها البيت. أخشى أن أقول بأن ما يحدث مع أبنائنا في المدارس الدولية هو العكس تماما؛ بمعنى أن تكون اللغة الإنجليزية هي بيتهم والعربية منفاهم.
سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: اللغة الإنجلیزیة اللغة العربیة
إقرأ أيضاً:
"أبوظبي للغة العربية" يدعم ناشرات إماراتيات في "العين للكتاب"
يدعم مهرجان العين للكتاب مساهمة المرأة الإماراتية في صناعة النشر، عبر مبادرة "الناشرات الإماراتيات"، التي استقطبت نحو 20 ناشرة تميزت إصداراتهن بالإبداع والتنوّع.
ويستضيف المهرجان هذا العام 4 دور نشر إماراتية نسائية الإدارة تشارك للمرة الأولى، فاتحاً المجال أمام عشّاق القراءة للاطلاع على تجاربها النوعية الرائدة، وما تقدمه من إصدارات في مجالات ثقافية، وفكرية مختلفة.
ومن دور النشر هذه دار "عالمكم للنشر والتوزيع"، لمؤسِستِها حمدة البلوشي، التي عبّرت عن اعتزازها بالمشاركة، خاصة أنها ابنة مدينة العين، مؤكدة أن المهرجان، وبعد 15 عاماً من العطاء والإبداع رسّخ مكانته منبراً مهماً تجاوز حضوره مفهوم بيع الكتب، وأصبح فضاءً نابضاً يدعم الإبداع المحلي.
وأوضحت إن الدار تقدم قصصاً مبتكرة للأطفال تُشجعهم على القراءة بالعربية، ما يسهم في ترسيخ حب اللغة الأم، وربطها بالمناهج التعليمية، وصولاً إلى تعزيز الهوية الثقافية للأجيال القادمة.
وتشارك "آرام للنشر" للمرة الأولى في المهرجان؛ حيث أكدت مديرتها مريم القاسمي أنها نقلة نوعية في مسيرة الدار، موضحة أن "آرام" تركز على تقديم إصدارات ثنائية اللغة للأطفال، تعزز فهمهم للغات المختلفة، وتفتح لهم آفاقاً جديدة نحو المعرفة.
وذكرت إن المهرجان فرصة مثالية للتفاعل مع القراء من مختلف الأعمار، ومنصة مهمّة لدعم مواهب أدب الطفل محلياً، مؤكدة التزام الدار بتقديم محتوى ثقافي متنوع ومُلهم.
وذكرت الدكتورة فاطمة بنعمر، صاحبة دار المسار لنشر الكتب، أن مهرجان العين للكتاب يشكل جسراً ثقافياً يربط بين الكُتّاب والقُرّاء، موضحة أن الدار تسعى لإحياء جماليات الكتاب التقليدي من خلال تقديم محتوى معرفي يجمع بين التعليم والترفيه، وكشفت عن مجموعة من القصص الحصرية التي تُعرض للمرة الأولى في الحدث، منها "القوة الخارقة" (قصة مترجمة من اللغة التركية)، و"الطوق الذهبي"، و"أسماء لا أحبها"، و"رسالة لطيفة من الملكة عفيفة".
وعبّرت إليازية النيادي، مديرة دار "متعة القراءة لبيع الكتب" عن سعادتها بالمشاركة في هذا الحدث الثقافي المميز، مؤكدة أن مهرجان العين للكتاب منصة لتبادل الأفكار مع نخبة من دور النشر والكُتّاب العرب، ما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون الثقافي والإبداعي، وأوضحت أن الدار حريصة على تقديم قصص تعليمية مصمّمة بأسلوب بسيط وجذاب يُسّهل على الأطفال استيعاب المعلومات.
وتهدف المبادرة، التي أطلقها مركز اللغة العربية، إلى استقطاب الناشرات الإماراتيات ممن لديهن محتوى جاد وهادف للمشاركة في مهرجان العين للكتاب، ويذلل أمامهن أي صعوبات قد تعرقلها، تمهيدا لمشاركتهن في معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025.