الأُسطورة والوهم
تاريخ النشر: 17th, February 2024 GMT
د. صالح الفهدي
دخل الصحابي الجليل ربعي بن عامر رضي الله عنه، على رستم فرخزاد قائد جيش الإمبراطورية الفارسية في اعتدادٍ، وثقةٍ، وهو يمتطي فرسهُ، ويتمنطقُ بقطعةِ غنمها من الفرسِ إِذلالًا لهم، له منظرٌ مهيبٌ؛ فقد كان من أطول العرب شَعرًا ضفَرَه في أربع ضفائر، وحمل كنانة السهام على ظهره، وتمنطَّق بالسيف، وتدرَّع بالدرع والترس، وكانَ إلى جانبِ كونه قائدًا عسكريًا باسلًا، مفاوضًا شجاعًا؛ إذ قال لرستم: "لقد ابتعثنا اللهُ لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة" وكانت هذه الكلمات بمثابة هزيمة له قبل هزيمة الميدان.
وفي كتاب "الفتوحات الإِسلامية في عهدِ الصديق" وردَ أن خالد بن الوليد سار إلى الحيرةِ، وكان عليها من قِبل الفرس هانئ بن قبيصة الطائي، فقال له خالد: إنني أدعوكم إلى الله وإلى عبادته، وإلى الإِسلام، فإن قبلتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن أبيتم فالجزية، وإن أبيتم فقد جئناكم بقوم يحبون الموت كما تحبون أنتم شرب الخمر. فقالوا: لا حاجة لنا في حربك، فصالحهم على تسعين ومئة ألف درهم".
تلك الأُمم- الرومانية والفارسية- في ذلك الوقت أحاطتها الأَساطير بالهالةِ الفخمة التي أشاعت الوهم بأنها أُمم لا يمكنُ أن تقهرَ جيوشها الجرَّارة، بيدَ أنَّ الأحداث التاريخية بيَّنت انكسارها، وهزيمتها على رغم أعدادها المهولة، وعتادها العظيم، والسببُ يعود في ذلك إلى العقيدة التي يمتلكها المسلمون الذي رسخ فيهم الإِيمانُ بالحقِّ، واليقين بنصرِ اللهِ لهم، ولهذا قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقائدٍ من قادةِ جنده وهو يودِّعه: "إن هُزمتَ فليس لقوةٍ في عدوك، وإنما لضعفٍ فيك" ليسبقَ أَيَّ عذرٍ يتعذَّرُ به القائد لاحقًا أمام أمير المؤمنين إنْ هُزِمَ جيشه.
العقيدة هي التي تتفوَّقُ على العدوِّ الذي لا يملكُ عقيدة ترتبطُ باللهِ، وإنما مجرَّد طاعة لحكَّامه، وإذعانا لقادته خاصَّة إن كان غازيًا، أو محتلًا، وهنا لا تُرهب صاحب العقيدة مخاوف لأنه ارتبط إيمانيًا بالله سبحانه وتعالى "قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ" (البقرة: 249).
ولننظر للأحداث العظيمة التي هزَّت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي "لا يقهر" في السابع من أكتوبر 2023؛ حيث تبيَّنَ بأنَّ تلك الأُسطورة الدعائية التي روَّج لها الكيان الغاصب وتبنَّتها الدول الغربية بل وبعض الدول العربية قد انهار وهمها، حتى في واقع المعارك فإِنَّ الأسلحة التي تفاخرُ بها الجيش الصهيوني كمركبة النِّمر، ودبابة الميركافا قد تحطَّمت بقذائف "الياسين 105" وهي قذيفة محلية الصنع تعمل بالترادف..! أما الجيش الذي صُوِّر للعرب بأنه الجيش الكاسح الذي لا يمكن أن يُهزم، فلم يكن السابع من أكتوبر قمة انكساره وهزيمته وحسب؛ بل وتوالت هزائمه وانكساراته المتوالية بعد دخوله غزَّة العزَّة وعلى أيدي فئة بسيطةٍ استطاعت أن تلقي الرُّعب في جنوده الذين يعالَجون بأعداد كبيرة من التداعيات النفسية الناتجة عن فقدان العقيدة الأصيلة، أما البعض الآخر فيعصي أوامر الدخول إلى غزة "مقبرة الغزاة" بحجَّة أنه لم يتلقَّ التدريبات الكافية، وهي حجَّة واهية؛ إذ الحقيقة أنه لا يملك عقيدةً تدفعه لإلقاء روحه في مهاوي الرَّدى فداءً لقضيَّةٍ عادلةٍ، وحقٍّ مكتسب، فهو يدرك أنَّه محتلُّ غاصب، لا يملكُ حقًّا في الأَرض، ولا في قتل الأبرياء من شعبها.
الأمر الأهم هو الطبيعة النفسية لليهود وهي طبيعةٌ تتسم بالجبن، يتوارثونها في جيناتهم الفاسدة، ذكرها القرآن الكريم منذ أكثر من 1400 عام؛ حيث نزلت آية تصفهم بالجبن في يهود بن النضير، يقول الحق سبحانه وتعالى: "لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ" (الحشر: 14).
هكذا هو حالهم اليوم لم يتغيَّر أبدًا، تسمع تصريحات قادتهم في مجلس الحرب فتحسبهم جميعًا، ثم تعلم أنهم يتصارعون ويتلاعنون داخله وخارجه فقلوبهم شتَّى، زرع الله الرعب والجبن فيهم.
والمؤسف أن المسلمين لم يستوعبوا ما جاء في هذه الآية الكريمة وهم يقرأونها؛ بل استكانوا للأسطورة عن قصدٍ وغير قصد، حتى خرجت فئة لا يعنيها شيءٌ تحبُّ الموت حب العدو للحياة، ففقأت عين الفقاعة الموهومة، وأسقطت الجدار، وساقت الجرذان، وسَطَت على أوكار التجسس، فلجأ العدو إلى "حرب الجبناء" ليقصف الأبرياء من الجو ليقتل الأبرياء، ويحصد أرواح آلاف المدنيين من النساء والأطفال والرجال دون رحمة.
خلاصة القول.. إنَّ من يمتلك عقيدة راسخة الإيمان فلا أسطورة تخيفه، ولا وهم يرعبه، وإنَّما هو موقنٌ بالنصر "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" (الحشر: 7)، وهُنا فإنَّ على الأمة العربية الإسلامية أن تسقط هذه الأوهام التي احتمت وراءها إسرائيل؛ فالهزيمة -كما قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه- إنما هي بفعل ضعف العقيدة وليس لقوة العدو، أفَبَعْدَ ما حدث لا تزال الأُسطورة الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية والأوروبية تخيفُ العرب المسلمين الذين سُلبت حقوقهم، ونهبت ثرواتهم، وخذلت دولهم؟!
إنَّ الأُسطورة لا شيء في حقيقتها غير الوهم الذي لا ينطلي سوى على المعدم من عقيدته، المفرغ من إيمانه، ضعيف اليقين بنصر الله له وتأييده له، أما من لم ينطلِ عليه الوهم فلم تضعفه قلة عدده وعتاده، وما يحدث في غزة هو الذي يُجلي بصائر وأبصار الذين يرشدون.
رابط مختصر
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
احذروا القوي السياسية التي تعبث بالأمن
قوي سياسية وناشطون علي السوشل ميديا لا يكفون عن التلاعب بأمن هذه البلاد و امن شعبها وخاصة من يسمون أنفسهم الاخوان الجمهوريون وغيرهم من مجموعات الحرية والتغيير التي تشظت الي مجموعات كلها علي نهج الخيانة والغدر والعمالة للأجانب علي حساب الوطن واستقراره وامنه وسلامة انسانه بعد انقسام تقدم الي صمود و غيرها يدفعهم من وراء المساس بالأمن و الأجهزة الامنية الوطنية سهوة السلطة ولو علي سنابك خيول الغزاة والمرتزقة القادمين من وراء البحار ومن تحت الشمس كأنهم ياجوج وماجوج من شدة فسادهم في الأرض وطغيانهم علي الناس وصولتهم علي أبناء هذه الأمة الصابرة المحتسبة التي كما يقول شاعرها السودان :
همي اشوفك عالي ومتقدم طوالي
وما بخطر علي
بالي غير رفعة شأنك
وتقدم انسانك
بحبك من ما قمت
بحبك يا سودان
بحبك رغم الكان
٢-
لم يكتفي المتربصون بالاجهزة الامنية من جيش وشرطة وجهاز أمن وطني باستهداف هذه الأجهزة بحلها تحت مسمي الديمقراطية والحرية كما حدث مع جهاز الامن القومي عقب الانتفاضة في ٦ ابريل ١٩٨٥م .ولا التامر علي الأجهزة الأمنية عقب ثورة ديسمبر ٢٠١٩م والشعارات المرفوعة ضد الشرطة بقصد تحقيرها والحط من دورها كنداكة جات بوليس جرا .بوليس بحب الجرجرة … معليش معليش ما عندنا جيش وتم تريد هذا الشعار أمام رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك في الذكري الاولي للثورة وهو يتبسم لجوقة العابثين .
اما جهاز الأمن الوطني والمخابرات فقد تم تجريده عقب الثورة من صلاحياته وصارت مهمته جمع المعلومات وتحليلها ورفعها للمسئولين .وعندما قام الجهاز برفع المعلومات لا احد يأبه لها حتي تسللت عناصر داعش الي داخل الخرطوم ودفع جهاز الامن والمخابرات ثمنا غاليا في التصدي لها واستشهد أكثر الضباط ذكاءا افضلهم تدريبا في المواجهات مع الإرهابيين داخل الخرطوم التي تمكنوا من الوصول إليها .من غير حياء يتحدث كل من الامين العام للمؤتمر السوداني خالد عمر يوسف والقيادية بحزب الامة مريم الصادق المهدي داعين المجتمع الدولي للتدخل في السودان حماية لنفسه من هذه الرقعة الواسعة ودافعهم الحقيقي هو تعطيل تحرك القوات المسلحة صوب دارفور وكردفان للقضاء علي مليشيا ال دقلو الإرهابية التي يتحالفون معها عبر ميثاق سياسي يمكنهم من تشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة الدعم السريع المزعومة .
٣ –
بعد اندلاع الحرب التي اشعلوها تحت نير الاتفاق الاطاري والتدخل الدولي والرباعية الدولية والاتحاد الافريقي وما قامت به مليشيا الدعم السريع من احتلال لمنازل المواطنين والانتشار في المدن السودانية وتهديد الولايات الآمنة وعلي رأسها نهر النيل والشمالية .
أمام كل هذه المخاطر والتهديدات وأعلان القائد العام للقوات المسلحة رئيس المجلس السيادي الاستنفار العام خرجت المقاومة الشعبية المسلحة لدعم القوات المسلحة عندها ظهر سحرة فرعون من مكونات قحط الذين تحدثوا عن تجييش الشعب وكتائب إسناد القوات المسلحة مثل لواء البراء ابن مالك بانهم كيزان وإرهابيين .
٤-
بعد تحرير الخرطوم علي يد القوات المسلحة الباسلة و عودة قوات الشرطة لاستكمال دورها ووجودها …بدات إدارة الشرطة المجتمعية في التواصل مع المجتمع وهي من الإدارات المعروفة في الشرطة قررت الانطلاق والعودة ولكن سرعان ما ظهر جماعة (( الم اقل لكم)) بأن الكيزان يريدون العودة للسلطة والدليل هو عودة الشرطة المجتمعية والشرطة المجتمعية هي نفسها الشرطة الشعبية و هي شرطة النظام السابق ونسيت عصابة الجمهوريين ا سلاف القراى أن قوات الشرطة الشعبية وأصدقاء الشرطة نشأت بقانون في عهد مايو وكل ما جاءت به الإنقاذ بخصوص الشرطة الشعبية أنها فعلت القانون وظلت الشرطة الشعبية تتبع لقوات الشرطة الموحدة الي ان جاء نظام الحرية والتغيير الذي اختطف ثورة الشباب واستهدفت قحط مواقع بسط الأمن الشامل والشرطة الشعبية وعمت الجريمة المنظمة وسيطرت تسعة طويلة علي الخرطوم كما سيطر الجنجويد بعد ١٥ ابريل ٢٠٢٣م علي الاوضاع في السودان .
٥-
كانت ٩ طويلة عصابات اجرام منظمة لها إمكانات علي رأسها الدراجات النارية والأسلحة ودقة التنظيم والانسحاب المنظم والاعتداء علي رجال الشرطة أنفسهم و تصويرهم الأمر الذي يعتبر مران علي حرب الشوارع والمدن التي انخرطت فيها مليشيا الدعم السريع بموجب الخطة ب بعد المحاولة الانقلابية ومن غير سابق إنذار عادت تسعه طويلة الي ولاية نهر النيل وقد تمكنت قوات المباحث من القبض علي عصابة قامت بنهب مبلغ مالي وهواتف من مواطنين تحت تهديد السلاح في الأيام القليلة الماضية وهذا ما تريده جماعات الفوضي الخلاقة التي تحرك آليات الإجرام عبر هذه المجموعات قبل أن تضع الحرب أوزارها بصورة نهائية وتتسلم قوات الشرطة مقارها وتستجمع قواها وتضع خططها الأمنية والشرطية .
ختاما
الشعب السوداني قادر علي إسناد ودعم قوات الشرطة وجهاز الأمن والمخابرات مثلما دعم القوات المسلحة بالمستنفرين ويمكن أن يعود العسس وكان أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يقوم بالعسس أو العمل الشرطي ليلا لتأمين المدينة المنورة من المجرمين وهو من الأعمال التي تكون مدعاة لدخول الجنة لقوله صلي الله عليه وسلم : عينان لا تمسهما النار يوم القيامة عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله .
المرحلة القادمة من تاريخ السودان تستوجب نفرة شعبية واسعة مع قوات الشرطة لتأمين الاحياء السكنية والمنشآت وحماية مراكز البوليس نفسها .
الاحياء السكنية عليها أن تشرع في إعادة مواقع بسط الأمن الشامل والشرطة المجتمعية والشرطة الشعبية قبل الماء والكهرباء علي أن يتولي أبناء الحي عمليات الحراسة وتلقي البلاغات في المواقع وبقاء الارتكازات الحالية من المستنفرين وقدامي المحاربين وقدامي رجال الشرطة والأجهزة الأمنية والدفاع الشعبي وقوات الاحتياط .
إذا لم يقم السودانيون بهذ ه المهام الأمنية مباشرين لها بأنفسهم فسوف يدفعون الثمن من جديد في شكل اغتيالات وتصفيات وتفجيرات وتدوين مدفعي ومسيرات لأن حرب الإمارات العربية المتحدة لن تنتهي بهزيمة مليشيا الجنجويد والقضاء عليها وسوف تخرج الخلايا النائمة من اجحارها ومعها غاضبون وديسمبر يون بكل ما فيها من شر مستطير .
د.حسن محمد صالح
الاربعاء
٢٣ ابريل ٢٠٢٥م