جريدة الرؤية العمانية:
2024-09-16@10:06:32 GMT

حُسن المُوافقات

تاريخ النشر: 17th, February 2024 GMT

حُسن المُوافقات

 

سلطان بن محمد القاسمي

   

منذ بزوغ الشمس في بداية الزمن، تفرَّدَتِ البشرية بأنغامِ الحياة المتنوعة، وأذواقها المختلفة، فأصبحت كلُّ روح ترقص على إيقاعها الخاص، تعزف مقاماتها المتباينة في سمفونية الوجود، وفي عالمنا المتنوع، يتلون كلُّ فرد بألوانه الخاصة، ويطبع بصماته الفريدة على لوحة الزمان.

رحلة الإنسان في هذا الكون تُشكِّل غزوة مملوءة بالأذواق المتنوعة، فبعضهم يجد في رحيق الحياة نكهات لا تُضاهَى، تحفُّه بلحظات لذيذة، وذكريات تزهو بأنوار السعادة، بينما يمر بعضهم الآخر في ممراته الضيقة، يشقُّ طريقه وسط أشواك الألم، وصعاب الوجود، يتجرع المرارة، ويعاني الشقاء.

ففي متاهات القلوب، وفي دسائس الأرواح، تتنوع المشاهد، وتتداخل القصص، فما يراه أحدهم بريقًا وسحرًا قد يكون لآخرينَ جرحًا عميقًا، ينزف بألم لا يُطفَأ، وفي كل زاوية تنبت زهور الفرح، وتسقيها أمطار السماء، بينما في أخرى يعتلي جراحَ الفراق، ويغمرها أنين الألم.

هكذا تتشابك خيوط الحياة في نسجها العجيب، تقودنا بين لحظات السعادة، وألم الفقد، فنرقص على إيقاعات الزمان، نحلق في فضاء الوجود، نذوق من أطياف الحياة ما يمزجنا بالجمال، والمرارة في آنٍ معًا، حاملين في أعماقنا أسرار الوجود، وأحلام الغد المشرق.

وخلف تلك الابتسامات العريضة، تتناغم موسيقى الحياة بنغماتها المختلفة، فرغم وجود السرور الظاهر فإنه يكمن في أعماق قلوبهم عالمٌ مظلمٌ من الأحزان، والهموم. يتألقون كنقاط ضوء في سماءِ حياتنا، وفي كل لحظة ابتسامة يحملون وراءها حكايات معقدة، وخفايا مختلفة.

إنِّهم فعلًا يُضفون لوحة جمالية فريدة؛ حيث يتناغم السطوع الخارجي مع الظلام الداخلي؛ مما يجعلهم لوحة تعبِّر عن التناقض الجميل في الحياة، تبقى أرواحهم مملوءة بالعواطف الكامنة، والألم الخفيّ، حيث يُضفُون على المشهد حكمة الخبرة، والعمق.

وفي عالم يَظهر الكثيرون بمظهر قوة، وعنف، يختزنون بداخلهم مقدارًا كبيرًا من الرحمة، والغفران. يكوِّنُون تحفة فنية حية، تتلاقى فيها القوة، والرقة بسحر خاص، حيث يرسمون لوحة مدهشة من التناقضات الإنسانية.

وهكذا، يكمن جمالهم في أنهم يُضِيئون عتمة الحياة ببريقهم، ويحوِّلون الأحزان إلى فرص للتأمل، والنمو.

إنهم نقاط تفتح أمامنا أبوابًا إلى عوالمَ متنوعةٍ، حيث يمتزج الضوء بالظل، وتنسج الحياة قصة روعةٍ، وجمالٍ.

وفي خِضَم هذه الحياة ستجد الكثير ممَّن شغلتْه الحياة بهموم الأولاد، والوظيفة، والمعيشة، وغيرها، والنوم عند مثل هؤلاء سيكون شحيحًا قليلًا، وإذا رقدوا توسَّدوا همومهم، ومشاغلهم، فأيُّ نوم هو!!، وآخرون ينامون ملء عيونِهم، رقدوا، وقد اطمأنوا على معيشة أولادهم، ووظائفهم، ومدارسهم، فالنومُ عندهم سكونٌ، وهدوء، فما أروع هذا النوم!.

وكلا الفريقين يشكِّل جوهر الحياة؛ إذ لولا الحركة ما أدركنا السكون، ولولا الهمُّ ما عرفنا السكينة، إلا مَنْ يحمل إحداهما هو المسؤول عن ذلك، وهو المستشعر للألم إن كان ألمًا، وللبهجة إنْ كانت بهجة، وسرورًا.

ومن حُسْنِ الموافقات أني تَعَرَّفْتُ في السنةِ الثانيةِ من دراستي للماجستير، على زميل أزعمُ أنه كان لوحة متكاملة، بَدَا، ويَبْدُو هادئًا .. نابِهًا.. ويمشي الْهُوَيْنَا.

تمنيت لو أني تعرفْتُ إليه قبل سنين، لا يتركك أدبه، وتواضعه دون أن تقترب منه ليكون من أعز، وأخلص أصحابك، حتى توطدتْ علاقتنا فكان مُحبًّا للخير، معطاءً، يبذل دون مقابل، بسَّام المُحيا،  ففي ظل هذا الزميل المُلهم، الذي يظل خالدًا في ذاكرتي كشمعة تنير درب الإبداع، لا يُمكنني إلا أن أعيش تلك اللحظات التي كُتِبت معه بأحرف من ذهب. لم يكن مجرد شخصٍ يُشجعني على الكتابة؛ بل كان دليلًا حيًّا على قوة الإيمان بالإنسان، وقدرته على تحقيق الإبداع.

كان يُظهِر لي أن لديَّ مهارات في كتابة المقالات، والشعر، وكان يعزِّز هذه القدراتِ بكلماته النديَّة، وتحفيزه الدائم.

كان يعلِّمني أن الكتابة ليست مجردَ عملٍ فنيٍّ؛ بل هي تعبير عن الروح، والإبداع الشخصي، كان يشدُّ من أزري بإيمانٍ لا حدود له، وكأنه يعزف سيمفونيةَ الإلهام؛ ليشدَّني إلى القمة.

ومن خلال إشادته بقدراتي، وتوجيهه الفعَّال، وصلتُ إلى مراحلَ في حياتي لم أكن لأحلم بها. فقد أوجد لي الفرصةَ لاكتشاف إمكاناتي في كتابة البحث العلمي، وكأنه فتح أمامي أفقًا جديدًا من التحديات الفكرية، والإبداعية. كان يروّج للإيمان بالذات، مؤكدًا أن كل فرد يملك قصة فريدةً، وصوتًا خاصًّا يستحق أن يُسمَع.

في هذا الإنسان، وجدت ليس فقط معلمًا؛ بل رفيقَ دربٍ يشاركني أحلامي، ويشجعني على تحقيقها. كان يُمثِّل لي قوة الإرادة، والإصرار، مما جعلني أتسلح بالكلمات، وأستعد للتحديات بثقة أكبر.

إنّه إنسانٌ بلسمٌ للروح، يبني الجسور بين الكلمات، والأحاسيس، ويحمل بين طواياه حكايات النجاح، وقصص الإلهام.

وعندما تنظر إليه تظن لأول وهلة أنه لا يحمل همًّا، وليس وراء عطائه أي أمر، حتى أدركتُ أن الحياة كَبَتْ به أكثر من مرة، ثم ينهض من جديد ينفض غبار الكبوة، ويمضي في بذله وعطائه؛ لتُلقي على محياه بسمةً عريضةً؛ ليمد الحياة بنكهة طيبة، فتسعد بصحبته، وتُسَرُّ بعلمه، وهو نفسه الذي يعيش، وملء عيونه الأرق، مما يشغله من معيشة أولاده، وهموم مدارسهم، وتغربه عن موطنه، وداره، فكأنَّ مَنْ يراه يظن أنه ينام مِلء جفونه؛ مما يرى من جميل سمته وهمَّته وهدوئه وتبسُّمه، لكنما في الجانب الآخر هو قليلُ النوم، عظيمُ الهمِّ، إلّا أن الفاصل في ذلك هو قراره الداخلي، بأن يكون مُميزًا في إنسانيته؛ ليشغل من حوله بخيره، وعلمه، وينشغل هو بهمومه، ومشاكله، وهذه لوحة الحياة التي رأيتُها فيه، فما أنبله! وما أكرمه!

هذا قد ينسحب على عدد من الناس، لكن بنسب مختلفة؛ فالآمال والآلام هي ألوان الحياة الطبيعية، لكنها تغدو شاذة حين لا نرى إلّا ما يُعكِّر صفوها، وجمالها، وبهاءَها، أو أننا لا نرى إلّا ما نرى، ولا نذهب بعيدًا في المظاهر التي تكمن وراءها جواهرَ حقيقيةٌ هي سِرٌّ من أسرار الشخصيات التي نتعرَّف إليها، ونُعايِشها، فليس كل ما يلمع ذهبًا، وليس كل حجرٍ ترابًا.

ولعل أهم ما يتجلى لي من هذه الحياة أن القرار النفسي والسكينة أمرٌ لا علاقة له بالموجودات، بقدر ما هو مُتعلق بإرادة الإنسان التي وهبها الله- تعالى- إياه، وبسمو الأهداف التي يسعى لتحقيقها في مثابرته، ونضاله، ويحدث للإنسان أن يفتقد موجودًا مرجوعًا، أو مذهوبًا إليه، لكنه يتألم لفراقه، وربما يكون الفراق من أصعبِ ما يحدث للمرء، حتى لو كان المُفارِق موجودًا، ففراق الدار، وفراق الحبيب، وفراق الوالد، وفراق الولد، كلُّها حاصلة، ومؤلمة حتى لو تَيَقَّنَّا أنهم موجودون، وأننا سنلتقي بهم، لكن فراقهم في الدنيا، أو أنهم غادروها إلى الآخرة، هو ألمٌ يزيد وينقص، تبعًا ليقين الذات بوجودهم ولقائهم، ومقدار الشوق إليهم.

هذا هو سر اختلاف ذائقة الناس، وتحسُّسهم لمواطن السرور في الحياة وسط أمواج الهموم والمفقودات، وهذه هي لوحة الحياة الحقيقية التي يرى جمالَها مَنْ يراه، ويفتقده مَنْ يفتقده، فبعض الألوان البراقة وراءها ما وراءها من المعاناة، وبعضُ الغيوم التي تتجمع وراءها الغيثُ المغيثُ، والكمالُ الإنسانيُّ يكمُن في الرؤية الشاملة لهذه اللوحة، والثناء على العليّ القدير أنْ منحنا هذه النعمَ التي لا تُعَدُّ، وتلك المِنَنَ التي لا تُحصَى.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

«زحل يلتهم ابنه وملك تقتله خيوله».. حكايات مرعبة وراء أشهر 7 لوحات غامضة

ملايين الدولارات تُنفق سنويًا لزيارة المتاحف وشراء اللوحات النادرة، والبعض يقطع آلاف الأميال لمشاهدة الأشكال الفنية المذهلة، لكن على الجانب الآخر وبينما تسحر هذه القطع الفنية العيون وتدهش العقول، هناك أنواعًا نادرة من اللوحات التي رُسمت في القرن التاسع عشر، يعد النظر إليها أمرًا مخيفًا فضلًا عن الحكايات الغريبة وراءها.

اللوحات الـ 7 الأكثر رعبًا

اللوحة الأولى والأكثر رعبًا للرسام الإسباني فرانسيسكو دي غويا، واسمها «زحل يلتهم ابنه» بتاريخ عام 1820، وتدور قصتها حول أنه في بداية القرن التاسع عشر، حاولت إسبانيا التخلص من جوزيف بونابرت، الذي نصبه شقيقه الأصغر نابليون على العرش في عام 1808، وكانت النتيجة حرباً وحشية عانى منها الشعب الإسباني.

واستلهم فرانسيسكو دي غويا من الجو العنيف في وطنه الإبداع وأنتج 14 لوحة بين عامي 1819 و1823، خرجت للنور بعد سنوات قليلة من سقوط نابليون، والتي يطلق عليها اسم «اللوحات السوداء».

وتحتوي على زخارف مخيفة، ومن بين هذه الأعمال لوحة زحل يلتهم ابنه، والتي تصور حلقة من الأساطير اليونانية، حول زحل الذي كان يخشى أنَّ يطيح به أحد أبنائه، لذا كان يأكلهم بعد الولادة، وفق موقع مجلة «بارنيبيز».

لوحة هنري فيوزيلي.. «الكابوس» 

كان هنري فوسيلي فنانًا سويسريًا عاش في القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر وكان مفتونًا بالرعب والظواهر الخارقة للطبيعة، وتُعَد لوحة فوسيلي الأكثر شهرة هي «لكابوس» التي رسمها عام 1781، وفيها يتجسد كابوس على امرأة نائمة، بينما يظهر رأس حصان بعينين بيضاوين منتفختين من الظلام.

لوحة ثيودور جيريكولت.. «الرؤوس المقطوعة»

داخل المتحف الوطني الأمريكي توجد لوحة للفرنسي تيودور جيريكو، «الرؤوس المقطوعة»، وتعود قصتها إلى أنَّه عندما عرض تيودور جيريكو عمله الشهير «طوف ميدوسا» في صالون باريس عام 1819، اندلعت فضيحة كبيرة في فرنسا، وذلك لأنّ اللوحة صورت الأحداث الحقيقية والمروعة التي حدثت قبل 3 سنوات من عرضها.

وكانت لوحة «ثيودور» عن غرق سفينة قبالة سواحل غرب أفريقيا، تحول الناجين منها إلى آكلي لحوم بشر من شدة الجوع، ليس هذا فحسب، بل تمّ تصوير الأشخاص بطريقة مرعبة مستوحاة من بعض الدراسات عن الحادث ورسم عدد من الصور من بينها «الرؤوس المقطوعة».

لوحة ويليام بليك.. التنين الأحمر العظيم والمرأة التي تكتسي بالشمس

كان الشاعر والرسام الإنجليزي ويليام بليك متأثرًا بالروحانية في أعماله، وتعرض للتنمر وللرفض من قبل معاصريه المستنيرين، لكن مع ظهور الرومانسية في أوائل القرن التاسع عشر، وجدت أعماله تقديرًا متزايدًا وتقليدًا من قبل فنانين آخرين، وأبدع بليك لوحة التنين الأحمر العظيم والمرأة الملتحفة بالشمس بين عامي 1805 و1810، كتوضيح لكتاب أيوب في العهد القديم في عام 1981، ألهمت هذه اللوحة الكاتب الأمريكي توماس هاريس لأول رواية في سلسلة هانيبال ليكتر، التنين الأحمر.

لوحة ويليام بليك.. شبح برغوث

صرح الرسام الإنجليزي ويليام بليك عدة مرات في حياته بأنَّه رأى رؤى غريبة وظواهر مرعبة، وإحدى هذه الظواهر كانت شبح برغوث زاره في نومه، قام على الفور بتصوير تجربة حلمه في صورة مصغرة تصور البرغوث كوحش يشبه الشيطان ينظر بشراهة إلى فريسته الدموية في وعاء.

لوحة بيل ستونهام.. «الأيدي تقاومه»

في بعض الأحيان لا تكون اللوحة وحدها مخيفة، بل القصة التي تكمن وراءها أيضًا، مثل لوحة «لأيادي تقاومه» التي رُسمت عام 1972 بواسطة الفنان الأمريكي بيل ستونههام، وهي مستوحاة من صورة فوتوغرافية تظهره في سن صغيرة بجوار فتاة، تم تصويرها على أنها دمية، يقف الطفلان أمام نافذة خلفها العديد من الأيدي التي تبدو وكأنها تمد يدها إلى الطفلين من الظلام.

في عام 2000، عُرضت اللوحة للبيع على موقع شهير، وفي الإعلان، قال البائعان، وهما زوجان مسنان، أنهما «وجدا اللوحة مهجورة على جدار حظيرة فأخذاها معهما إلى المنزل، ثم حدثت فيما بعد كل أنواع الأشياء المخيفة، ففي الليل كان من الممكن سماع الأطفال يتحدثون مع بعضهم البعض في الصورة، وكان الصبي يخرج من الإطار بشكل متكرر»، حسب زعمهم.

وأصبح الإعلان واللوحة حديث الإنترنت، واكتشف فيما بعد أن ثلاثة من المالكين السابقين للوحة قد ماتوا بينما كانت اللوحة في حوزتهم. 

لوحة غوستاف مورو.. ديوميديس تلتهمه خيوله 

ماذا يمكنك أن تفعل إذا انقلبت حيواناتك الأليفة عليك فجأة؟ هذا هو السؤال الذي دار في ذهن الفنان الفرنسي غوستاف مورو ليرسم لوحته المرعبة، إذ أن الملك ديوميديس في الأساطير اليونانية التهمته خيوله.

كان ديوميديس مالكًا فخورًا لأربعة أحصنة تعيش في المستنقعات وتأكل لحوم البشر وبها أرعب شعبه، ثم خطا البطل هرقل على الساحة، الذي كان عليه أيضًا أن يتولى مهمة مواجهة حيوانات الحصان في سياق المهام الاثنتي عشرة المفروضة عليه، وأنهى أخيرًا عهد الرعب بإلقاء ديوميديس نفسه على جياده لتأكله.

مقالات مشابهة

  • وليد فواز: سعيد بردود الأفعال حول "برغم القانون".. وشخصيتي وراءها قصة كبيرة
  • بالصور.. 20 جهة حكومية و12 جالية يجسدون "لوحة وطن" بالخُبر
  • «ع ب د 55».. مزايدة على لوحة سيارة مميزة بقيمة 430 ألف جنيه
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • «زحل يلتهم ابنه وملك تقتله خيوله».. حكايات مرعبة وراء أشهر 7 لوحات غامضة
  • واشنطن بوست تكشف تفاصيل الوجود العسكري الأمريكي في العراق ما بعد الانسحاب
  • عاجل|وزير الخارجية: مصر ترفض الوجود العسكري الإسرائيلي في محور فيلادلفيا
  • بغداد تؤكد والبنتاغون ينفي.. من يحدد مستقبل الوجود الأمريكي في العراق؟
  • اتهام رجلين بسرقة لوحة بانكسي من معرض فني في لندن
  • لجنة أمن ولاية الخرطوم : حملات ضبط الوجود الأجنبي وتنفيذ قرار منع بيع بائعات الشاي بعد الخامسة مساء