مرفأ قراءة... شمس الحجاجي بين الأسطورة والسيرة الشعبية
تاريخ النشر: 17th, February 2024 GMT
- 1 -
تميزت حقبة الخمسينيات والستينيات في مصر خاصة والعالم العربي عامة، بما عرف بالمد الناصري القومي على المستوى السياسي، وقد كان من أبرز اللوازم لهذا المد السياسي (بغض النظر عن تقييمنا لها اتفاقًا أو اختلافًا) بروز نشاط ثقافي وحركة أدبية ونقدية ربما لم نشهد لها مثيلا فيما عجت به من أسماء كتاب ومبدعين (روائيين، وقصاصين، وشعراء، ومسرحيين) ونقاد أيضًا.
وكان قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة القاهرة بؤرة لهذا "النشاط"، وقد كان ينطوي على تيارين علميين انبثقا من عباءة طه حسين، وفي مدرسته؛ التيار الأول تيار دراسة الأدب الحديث ونقده والانفتاح على تيارات الثقافة الغربية بغير وجل ولا توجس، وراد هذا التيار تلميذة طه حسين الأثيرة، سهير القلماوي.
أما التيار الثاني؛ فقد ركز جهده على دراسة الأدب القديم، والتأريخ له، والنظر بتوجس شديد إلى أي مظهر من مظاهر الاتصال بالثقافة الغربية الحديثة، وتحفظ أشد في الاستعانة بمناهجه ونظرياته إلا في أضيق الحدود الممكنة، وقد راد هذا التيار تلميذ طه حسين أيضًا الدكتور شوقي ضيف، وتلاميذه من بعده.
- 2 -
ضمن التيار الأول تحلقت مجموعة من أنبه تلاميذ قسم اللغة العربية حول أستاذتهم سهير القلماوي، وشرقوا وغربوا في كل مناحي الدراسة الأدبية والنقدية، رواية وقصة وشعرا ومسرحا ونقدا، ومنهم عبد المحسن طه بدر، وعبد المنعم تليمة، وجابر عصفور، ونبيلة إبراهيم، وسيد البحراوي، ومنهم كذلك الدكتور أحمد شمس الدين الحجاجي الصعيدي الأقصري سليل أسرة "الحجاجية" الشهيرة، وأستاذ المسرح والأدب الشعبي، والروائي والمسرحي صاحب النشاط الصاخب في الحياة الأكاديمية المصرية والعربية، الذي رحل عن عالمنا الأسبوع الماضي عن 88 عاما، عامرة بالنشاط والإبداع والكتابة والنقد، وأظنه آخر ورقة في شجرة هذا الجيل الذي تتلمذ على يد سلسال العميد طه حسين وتلامذته، كان الحجاجي تلميذًا لسهير القلماوي، وصار من بعدُ أستاذًا لمن صاروا أساتذة كبارا بدورهم، يتصدرون المشهد أكاديميًّا ونقديًّا وإبداعيًّا.
رحل أحمد شمس الدين الحجاجي (1935-2024) بعد رحلة عامرة حقا، فيها الكثير من الصخب والبحث والقراءة والتأمل وإنتاج الأفكار المبتكرة، والاشتباك مع قضايا الفن والمسرح والأدب و"السيرة الشعبية"، والبحث في تأصيل الأنواع الأدبية الحديثة، ووصلها بجذورها في تراثنا الرسمي منه والشعبي على السواء.
- 3 -
إن المتأمل لكتابات شمس الدين الحجاجي، النقدية والإبداعية على اختلافها، سيلحظ أن هذه الكتابات التي اهتمت بالتأصيل للأنواع الأدبية الحديثة (المسرح، والرواية، والشعر) من خلال البحث عن "الأصول الشعبية" لها، إنما استندت إلى محور واحد هو "الأدب الشعبي" بمفهومه القديم. وهو محور ارتكز على قاعدتين أساسيتين، هما: "الأسطورة" و"السيرة"، كما يستخلص ذلك بذكاء تلميذه خالد أبو الليل.
ويؤكد ذلك تتبعنا لدراسات الحجاجي التي ترتكز جميعًا على هذا الأصل الشعبي، من خلال اتخاذ "الأساطير" أو "السير" مادة للدراسة تارة، أو من خلال العناوين تارة أخرى؛ ومن هنا نفهم أو نتفهم عناوين كتبه وأبحاثه التي تركها لنا:
«الأسطورة في المسرح المصري المعاصر»، «انسلاخ الشعر من الأسطورة»، «الأسطورة والشعر العربي»، «الطيب صالح: صانع الأسطورة»، «قنديل أم هاشم بين العلم والأسطورة»، «مولد البطل في السيرة الشعبية»، «النبوءة أو قدر البطل في السيرة الشعبية»، «مولد البطل بين الرواية والسيرة الشعبية».. بالإضافة إلى درته اليتيمة في الرواية «سيرة الشيخ نور الدين» التي تحولت إلى مسلسل تليفزيوني عام 2006 بعنوان (درب الطيب).
في كتابه العمدة «الأسطورة في المسرح العربي الحديث» (رسالته للدكتوراه التي ناقشها عام 1973)، قدم الحجاجي دراسة مختلفة عن فن المسرح وعلاقته بالأسطورة أنثروبولوجيا وثقافيا واجتماعيا وسرديا.
وفي كتابه «العرب وفن المسرح» (الذي كتبه دفعة واحدة ونشر في المكتبة الثقافية عام 1975، وهو يعمل آنذاك في كوريا الجنوبية)، قدم واحدًا من أهم التفسيرات الاجتماعية عن غياب المسرح عن تاريخ الإبداع العربي؛ فالفن "ضرورة" وهو يلبي احتياجات الجماعات والشعوب وفق تكويناتها الاجتماعية وتصوراتها الجماعية وعلاقتها بالكون والطبيعة، وعلى هذا فلم يعرف العرب فن المسرح كما عرفه اليونان لكنهم عرفوا فنونا أخرى لبَّت لديهم حاجات واحتياجات فنية مثل "السير الشعبية"، و"المقامات" و"فنون الفرجة" و"الأداء والارتجال" (الأراجوز/ خيال الظل/ المحبظاتي/ الأدباتي... إلخ)
- 4 -
في الكتاب الأخير تحديدًا، "العرب وفن المسرح"، تناول الحجاجي طبيعة نشأة الفن المسرحي، والظروف الملائمة لنموّه وطبّق هذا على المجتمع العربي ليرى مدى ملاءمة هذه الظروف له. ومن ثم تناول "المسرح" في خمسة فصول: الأول "المسرح والعصر الجاهلي"، والثاني "العصور الإسلامية والمسرح"، والثالث "عصر السّيرة والمسرح"، والرابع "الاحتكاك الحضاري والمسرح".
وقد خلص الحجاجي إلى نتيجة مهمة مؤداها أن المسرح كأي فن من الفنون يوجد نتيجة للحاجة، وأن هناك طريقين يدفعان لظهور المسرح في أمّة من الأمم، الطريق الأول هو طريق النمو الذاتي لهذا الفن داخل الأمة نفسها، والطريق الثاني هو طريق "الانتقال"، وقد أثبت الحجاجي أن ظروف المجتمع العربي لم تكن ملائمة لظهور فن المسرح.
وحين تهيأت الظروف الملائمة لنمو فن المسرح في العصر الحديث، وظهرت حاجة المجتمع الماسة إليه كأداة من الأدوات الديمقراطية، ظهر المسرح. وكان ظهوره نتيجة امتزاج لهذين العاملين طريق النمو الذاتي، وطريق الانتقال، وكانت حركة نمو المسرح السريعة قد أثبتت أن الفترة السابقة لظهوره كفن مكتمل، والتي ارتفع فيها أداء قاص للسيرة إلى درجة الممثل أصَّلت لهذا الفن في نفس الجمهور العربي.
وقد خلص من دراسته إلى أن المسرح في البلاد الإسلامية ظهر بتأثير عاملين، أولهما التراث الشعبي والإسلامي، والثاني الثقافة الغربية، وأن المسرح لو كان غريبًا على الثقافة الإسلامية لما وجد قبولا في البلاد الإسلامية، وأن المسرح العربي لم يصل إلى قمة تطوره لاستمراره في الاعتماد على الحكي والغناء..
- 5 -
أما كتابه التأسيسي «المسرحية الشعرية في الأدب العربي الحديث» (1995)؛ فأنا أقولها بكل ثقة لولا هذا الكتاب ما اكتشفتُ ولا تذوقت جمال وإبداع ما قدمه شعراؤنا المحدثون بدءًا من شوقي وحتى صلاح عبد الصبور من مسرحيات شعرية تمثل ذخيرة حقيقة في أدبنا المعاصر.
في هذا الكتاب، حاول الحجاجي أن يستكشف رحلة الشِعر المسرحي في الأدب العربي قبل شوقي وبعد شوقي ليتعرف حقيقة ريادته للمسرحية الشعرية في الأدب العربي. وقد وضع الشعر المسرحي في أربع حلقات: حلقة التأصيل، وهي مرحلة تأصيل شوقي للشعر المسرحي العربي، وحلقة التطور، وهي التي تمت على يدي باكثير وعبد الرحمن الشرقاوي، ومرحلة النضج، وهي المرحلة التي ألف فيها صلاح عبد الصبور مسرحياته الشعرية.
وقد انتهى الحجاجي إلى نتيجة مهمة، وهي أنه قد حدث تطور في المسرح منذ أن كتب شوقي مسرحياته حتى كتابة صلاح عبد الصبور لمسرحياته، وهو تطور اعتمد اعتمادًا كبيرًا على تطور الشعر، وما زاد على ذلك في الحرفية وتقنية المسرح، إنما هو من امتداد التطور الذي حدث للمسرح العربي. لقد تطورت التقنية عند صلاح عبد الصبور ولكنه ما زال واقفا عند شوقي يغني ويسرد ويحكي؛ أي أنه ما زال متأثرا بتراث الفرجة، والتقنيات الجديدة، لم تخرج مسرحيات صلاح عبد الصبور خارج دائرة شوقي.
إن الفترة التي يمثلها مسرح صلاح عجزت عن أن تتخلص مما كان يحسب على شوقي. وإن كان امتداد الحركة الشعرية في المسرح بحلقاته الثلاث:
حلقة التأصيل عند شوقي، وحلقة التطور عند باكثير والشرقاوي، وحلقة التجديد عند صلاح، إنما هي فواصل في حركة شعرية واحدة يمكن أن تسمى فترة نشأة المسرحية الشعرية وتطورها.
رحم الله أستاذنا الجليل الدكتور أحمد شمس الدين الحجاجي..
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: شمس الدین الحجاجی صلاح عبد الصبور السیرة الشعبیة فی المسرح فن المسرح أن المسرح طه حسین
إقرأ أيضاً:
الإفتاء تكشف عن كيفية الاستفادة من ليلة النصف من شعبان
كشف الشيخ أحمد عبد العظيم، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، عن كيفية الاستفادة من ليلة النصف من شعبان، والتي تصادف 14 من شهر شعبان، مؤكدًا أنها من الليالي المباركة التي يجب على المسلم استغلالها في العبادة والطاعة.
وخلال حواره مع الإعلامية زينب سعد الدين ببرنامج "فتاوى الناس" المذاع على قناة الناس، اليوم الخميس، أشار أمين الفتوى إلى أنه من المستحب في هذه الليلة بعد صلاة العشاء وسنتها، قراءة سورة "يس" والدعاء، ثم أداء صلاة التسابيح.
وأوضح عبد العظيم أن صلاة التسابيح هي إحدى الصلوات التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا العباس بن عبد المطلب، ويمكن للإنسان أداء هذه الصلاة مرة واحدة في السنة، أو كل شهر، أو حتى كل أسبوع حسب استطاعته.
كيفية أداء صلاة التسابيحوأشار الشيخ أحمد عبد العظيم إلى طريقة أداء صلاة التسابيح، حيث يبدأ المسلم بتكبيرة الإحرام ثم قراءة الفاتحة وما تيسر من القرآن، بعد ذلك يقول "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر" 15 مرة. ثم يركع ويكرر التسبيحات عشر مرات، وبعد رفعه من الركوع، يكررها عشر مرات، ثم يسجد ويكرر التسبيحات عشر مرات في السجود الأول، ويرفع من السجود ويكررها عشر مرات، ثم يسجد مرة ثانية ويكرر التسبيحات عشر مرات. وبذلك، تُؤدى صلاة التسابيح المكونة من أربع ركعات بمجموع تسبيحات يصل إلى 300 تسبيحة.
صلاة قيام الليلوأضاف أمين الفتوى أنه من المستحب أيضًا في هذه الليلة أداء صلاة قيام الليل، ويمكن لكل مسلم أن يقرأ القرآن أو يصلي منفردًا، أو حتى يجمع أهل بيته للصلاة معهم إذا كانت الظروف تسمح بذلك. وأكد على أهمية اغتنام هذه الليلة بأي شكل من أشكال العبادة والطاعة، سواء بالصلاة أو الدعاء أو قراءة القرآن، حيث إنها تحمل بركة عظيمة في الدنيا والآخرة.