زمن الشرعنة الأمريكية العبرية للعرب انتهى!!
تاريخ النشر: 17th, February 2024 GMT
مطهر الأشموري
عندما هبّت أطراف تمثل أنظمة عربية هي قطر ومصر والأردن، تبادر إلى ذهني تحول الجامعة العربية إلى رباعية وثلاثية بعد أول ” كامب ديفيد “، ومن تحول الجامعة العربية إلى ” أمركة “، وذلك تجسد في بيان صاغته أمريكا للجامعة العربية في قمة شرم الشيخ، وكل المطلوب من زعماء القمة مجرد تصويت على بيان أمريكي بنعم أو لا.
الأطراف العربية ذهبت إلى ما يسمى ملتقى باريس للتطبيع مع إسرائيل وأمريكا والرأس والرئيس ما سُميت ” ورقة باريس”..
كنت أردت وقتها أن أكتب في ذات الذي بدأت به، ولكني تراجعت أو تريثت على افتراض تغيير ومتغير من ناحية، ومن أخرى فالحدث والحديث من المنطلق الباريسي وقد يسبق ما كتبته في النشر..
وهو ما تسارع كحدث وحديث، حيث طرح مقترح أو ورقة باريس على الفلسطينيين الذين قدموا ورقة مقابلة موضوعية وواقعية..
لقد ضحكت من ” نتنياهو ” ليس فقط لرفضه الورقة الفلسطينية، ولكن لقوله ” نحن لا نتفاوض إلا على أساس ورقة باريس”..
هذا ببساطة يؤكد أن الأطراف العربية التي ذهبت إلى باريس لإعطاء مشروعية عربية لهذا الطرح من قبل ” نتنياهو “..
ما حدث في باريس هو قمة عربية مصّغرة، وحيث لم تتحول الجامعة العربية إلى جامعة مؤمركة بل جامعة ” عبرية “، ولم يعد يوجد فهم أو تفسير غير ذلك من منظور ” التفعيل ” وتصريح نتنياهو يؤكد عبرية الجامعة التي كانت تسمى ” عربية “..
لقد أرادوا وضع خطوط عريضة تقييدية للمقاومة ولم يترك لها إلا هوامش لتبصم، على طريقة شرم الشيخ ، وما لم تعمل فهي المقاومة – وليس العربان – من تعطي مشروعية لمزيد من الإبادة والجرائم لحكومة التطرف في الكيان الصهيوني..
في ميثاق الجامعة لا تكون قرارات القمة إلا من خلال قادة الدول، ولكنها بوقع الأمركة ربطاً بالعبرية أصدرت أهم القرارات في تاريخ الجامعة كإعطاء مشروعية أو غطاء عربي للتدخل في ليبيا وتعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية من خلال اجتماع لوزراء الخارجية الذين هم مجرد سكرتارية تُعِدَ للقمم ولا تصدر قرارات قممية..
العرب كأنظمة لم يتوحدوا ضد إسرائيل أو غيرها، ولم يحاربوا إسرائيل أو غيرها كما توحدوا ضد اليمن وكما حاربوا الشعب اليمني في عدوان هو انحطاط اللاعروبة وأسموه ” التحالف العربي “..
بداهة المنطق أن تدعى فلسطين المقاومة لمفاوضات لتقبل بما يمكنها قبوله من خلال هذه المفاوضات، وبالتالي من حقها رفض ما أسس من غيرها في باريس كأمر واقع، وإذا كان أي من العرب قبل دور الأداة والمطية أمريكياً وحتى إسرائيل ففلسطين المقاومة ومحور المقاومة وللمتطرف المتجبح والأرعن ” نتنياهو ” أن يرتكب المزيد من الإجرام والإبادة الجماعية لأنه لم يعد لدى الشعب الفلسطيني ما يخاف عليه، وهذا ما حدث في اليمن خلال تسع سنوات من العدوان وهو في ارتباط عضوي بالعدوان الأمريكي البريطاني، وهو ما كان كذلك مع حاجية لتغيير المسمى أو التسمية..
إنني بهذا الطرح لا أهاجم ولا حتى أهجو أنظمة عربية، ولكنه أدنى ما يوجبه الدفاع عن فلسطين الشعب والقضية، لأن المفترض أنه حتى مسمى نظام عربي وأنظمة عربية يجبر هؤلاء للحفاظ على أدنى حد من الحياء أو حتى ” حمرة خجل ” ولا يقبلوا انبطاحاً علنياً ومعلناً لمنح نتنياهو إبادة الشعب الفلسطيني من شرعنتهم الأمريكية والعبرية التي بها يباهي ويتباهى..
إذا هؤلاء لا يريدون لأسبابهم أياً كانت أن يفيدوا فلسطين الشعب والقضية، فنحن أصبحنا نطلب منهم أن لا يكونوا شركاء في العدوان عليه بالمباشرة أو بدونها، وكل ما أرادوه مما سميت ورقة باريس، الشرعية للمزيد من جرائم الإبادة ولا شيء غير ذلك يمكن أن يستشف أو يُفهم..
لقد طرحت وأكدت أنه ليس من مصلحة محور المقاومة السير في خلافات حتى سياسية أو إعلامية مع أنظمة عربية، ولعل هذا الهدف أمريكياً وإسرائيلياً من ملتقى وورقة باريس، لأنهم يدركون أن تفعيل أي شرعية أو مشروعية من أمركة وصهينة مسألة تجاوزها الزمن والواقع..
لذلك لازلت عند هذه القناعة، ولكننا نحتاج إلى سقف وصحوة لدى الأنظمة وبذات معيار مصالحه المفترضة من خلال أمركة أو صهينة أو غيرها..
فاستمرار هذا الغي والتخبط ربطاً بأمريكا وإسرائيل لا يكفي أن يظل طرف واحد يحتويه ويتحمله، والمفترض وجود سقف عقلانية وتعقل من هذه الأنظمة وحالة إسرائيل أمام المقاومة وحتى أمريكا في البحر الأحمر لا يعطي حداً أدنى من ثقة حماية أمريكية أو إسرائيلية لأي أحد وتوضيح الواضح عبث..
باختصار، لقد رفضت المقاومة ورقة باريس أو قدمت ورقة بديلة ” سيان “، فهل المعطى والبديل هو تصريح نتنياهو ربطاً بشرعنتكم أو التهديد باجتياح رفح؟..
ما الذي سيفضي إليه ذلك في ظل واقع صراعي ومتغيرات ساخنة وكاسحة، أثق أنكم عنها تعرفون أكثر مما يعرفه مثلي؟..
هل كل هذه الدماء والدمار الواقع بالشعب الفلسطيني هو من أجل وصول إلى شرعنه أمريكية إسرائيلية بتواطؤ عربي معلن؟..
لعلي أرى أن سقف التعايش والسلمية في منطقتنا هو الخيار الواعي والمستقبلي لمن يتفق أو يختلف مع أنظمة وشرط ذلك تجسيده في الأفعال والتفعيل، وبالتالي فإنه حتى مع المواقف المرنة للمقاومة في التفاعل حتى الإشادة بنظام أو أنظمة عربية كما قطر ومصر مثلاً، ولكنني لا أرى حاجية تستحق لحضور ملتقى باريس ومعطى ذلك ليس أكثر من سخف ومسخ فيه من الدناءة ما لا يحتاج إليه..
إن كان هذا قسوة فمن اجتهاد شخصي للحفاظ على هذا التعايش الذي يرتسم، وربما تحسباً من تفعيل أمريكي إسرائيلي خالٍ من حسن النوايا تجاه المنطقة كأنظمة ومحور مقاومة..!!.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الجامعة العربیة أنظمة عربیة ورقة باریس من خلال
إقرأ أيضاً:
الغرب انتهى في عصر ترامب وباتت أوروبا بمفردها
في عام 1966، بعد سنوات من الاحتكاك مع الولايات المتحدة حول ما إذا كان ينبغي أن تمتلك فرنسا رادعها النووي المستقل، سحب الرئيس الفرنسي شارل ديجول بلده من القيادة المتكاملة لحلف شمال الأطلسي (وإن لم يسحبها من الحلف نفسه - وهو فهم خاطئ شائع) وطلب مغادرة جميع القوات الأمريكية المتمركزة في فرنسا. وردا على ذلك، وجَّه دين راسك وزير الخارجية الأمريكي سؤالا لديجول: «هل يشمل هذا القتلى الأمريكيين في المقابر العسكرية أيضا؟»
في إجازة أسبوعية واحدة، حصل ديجول على تبرئة تاريخية من الهجمات المباشرة التي شنها جيه دي فانس على الديمقراطية الأوروبية في مؤتمر ميونيخ للأمن واجتماعه مع القوى السياسية اليمينية المتطرفة المناهضة لأوروبا في ألمانيا.
ثمة أمور يتجنب المرء قولها لأطول وقت ممكن، خوفا من أن يؤدي النطق بها إلى إيجادها.
منذ أن تولى فلاديمير بوتن السلطة، وله مشروع جيوسياسي مزدوج، يتمثل في تفكيك حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي. وكان نثر بذور الشك والريبة استراتيجية أساسية لتحقيق هذه الغاية. ولقد تم الوصول إلى نقطة تحول، فأصبح التشبث في شيء لم يعد له وجود أخطر من الجهر باختفائه، فها هو بين أيديكم:
لقد انتهى الغرب، بأي معنى متماسك.
يعتقد علماء العلاقات الدولية البنيويون أن مصالح الدول في نهاية المطاف هي نتاج أنظمة المعنى التي نخلقها مع بعضنا البعض. وطالما نظر الكثيرون إلى حلف شمال الأطلسي باعتباره المثال الأبرز للبنائية في العمل. فبعد الحرب العالمية الثانية، حل التحالف العسكري لحلف شمال الأطلسي فجوة الثقة من خلال إعادة تعريفه للأمن الأوروبي باعتباره شأنا جماعيا. ففتح بذلك الباب أمام الدول الأوروبية للإمعان في التخلي عن بعض السيادة سعيا إلى الاتحاد السياسي أيضا.
كانت الدول الأعضاء التي تمثل جوهر حلف شمال الأطلسي هي التي تمثل جوهر «الغرب»، وليس ذلك فقط لأنها كانت ترى الاتحاد السوفييتي تهديدا، ولكن أيضا لأن هذه الدول كان لديها شعور بـ«الجماعة» تجاه بعضها بعضا. فقد كانت تمارس الديمقراطية الليبرالية، القائمة على الانتخابات الحرة والنزيهة وإخضاع السلطة الصرفة لسادة القانون (لا على المستوى المحلي فقط بل وعلى المستوى الدولي أيضا ــ وإن بشكل غير كامل). باختصار، هو مجتمع قائم على القيم، انسحب منه إيلون ماسك ودونالد ترامب وفانس واليمين المتطرف في الولايات المتحدة.
في عام 2019، أثار إيمانويل ماكرون رد فعل عنيف بإعلانه أن حلف شمال الأطلسي «ميت دماغيا»، فما كان من الحلف إلا أن استعاد هدفه بعد غزو بوتن لأوكرانيا في عام 2022. والواقع أن هذا الانبعاث كان أقرب إلى صحوة الموت الأخيرة لا إلى الانبعاث، وجاء انتخاب ترامب فكان بمقام سحب للقابس. وأيا كانت المؤسسات التي تستمر في عجزها، أو أيا كانت الاجتماعات التي تُعقد بالفخامة الدبلوماسية اللازمة، فثمة سؤال واحد فقط هو الجوهري والعملي. هل يعتقد أحد حقا أن ترامب سوف يحترم تفعيل المادة الخامسة من معاهدة حلف شمال الأطلسي التي يعتبر بموجبها الهجوم على دولة عضو هجوما على الجميع؟
دعكم من الإهمال الحميد. فمع تهديدات بشن حرب اقتصادية أو غزو صريح من أجل ضم كندا وجرينلاند، أصبحت الولايات المتحدة الآن هي التهديد الأساسي لجارتها الشمالية المسالمة، وثاني أكبر تهديد لحلفائها الأوروبيين السابقين. والشعوب الأوروبية تفهم هذا، فـ22٪ فقط منهم هم الذين يرون الولايات المتحدة حليفا.
وكما أن حلف شمال الأطلسي - في الوقت الحالي - لا يستطيع أن يوجد وظيفيا بدون الولايات المتحدة، وهي أقوى أعضائه، فإن «الغرب» لا يمكن أن يوجد مفاهيميا عندما تبدو الدولة التي تمثل 35٪ من سكانه البالغ عددهم حوالي مليار نسمة وأكثر من 40٪ من اقتصاده معادية للقيم الديمقراطية الليبرالية في ظل سيادة القانون، مؤثرة على ذلك حكم الأقلية التكنو-عدمية في ظل استبداد تنافسي.
ماسك الآن ملك بالوكالة، غير منتخب، دخل أتباعه المباني الحكومية الآمنة، واستولوا على أنظمة تكنولوجيا المعلومات، ونفذوا عمليات محو معلومات بالجملة. وأنهت الإدارة برنامج المساعدات الخارجية الأمريكية دون موافقة الكونجرس ـ وهي خطوة وصفها المشرعون الديمقراطيون بـ«غير الدستورية وغير القانونية» ـ دافعة الملايين إلى الجوع والمرض واليأس. وأشار كل من ترامب وفانس إلى أنهما قد يتجاهلان أوامر المحكمة، ويوظفان عشرات آلاف الموالين، ويستعملان الدولة سلاحا ضد الصحفيين والناشطين ومعارضيهم السياسيين. وتجري بالفعل عملية تطهير للخدمة المدنية الفيدرالية. وعلاوة على ذلك، وقع ترامب أيضا أمرا تنفيذيا لوقف مقاضاة الأمريكيين المتهمين برشوة المسؤولين الحكوميين الأجانب للفوز بأعمال تجارية. ولا شيء من هذه التغييرات الجذرية في النظام الدستوري الأمريكي يجري في الخفاء، فقد ذكر ترامب أكثر من مرة أنه سيخدم لفترة رئاسية ثالثة، على الرغم من حدود فترات الرئاسة الأمريكية. وفي نهاية الأسبوع الماضي فقط استحضر شبح نابليون وبدا كأنه يعلن أنه فوق القانون عندما نشر تغريدة قال فيها: إن «من ينقذ بلاده لا ينتهك أي قوانين». وحتى في حال إجراء الولايات المتحدة انتخابات حرة ونزيهة في عام 2028 ـ وهو ما يتضاءل احتمال حدوثه بسرعة ـ فإزاحة ترامب والجمهوريين عن السلطة، فلن يكون هناك سبيل إلى إعادة ما تحطم الآن إلى حالته الأصلية. وليس ذلك على المستوى المحلي فقط، وإنما على المستوى الدولي أيضا. فلا يمكن التنبؤ بتصرفات الولايات المتحدة. ولن تكون إدارة «صديقة» في المستقبل بقادرة على تقديم أي التزامات طويلة الأجل تتجاوز فترة ولايتها في السلطة. وحجم الولايات المتحدة الهائل اقتصاديا يجعل الفوضى الحالية والمستقبلية غير محتملة لبقية العالم الذي يجب عليه الآن أن يحاول تطويقها قدر الإمكان. وقد تكون بداية ذلك هي فرض تعريفات جمركية بنسبة 100% على واردات تسلا وهو ما كانت تروجه كريستيا فريلاند، المرشحة لمنصب رئيسة وزراء كندا المقبلة، والتحرك بسرعة إلى تعويض هجوم إدارة ترامب على أهداف المناخ العالمية.
لقد أهدر زعماء أوروبا مهلة أربع سنوات، ولكن لعل الأيام الماضية أكدت لهم أخيرا أن الفوضى كدأبها هي نتاج أفعالنا. حظر موقع إكس؟ طال انتظار ذلك. اعتماد على ستارلينك أو سبيس إكس أو أي شيء آخر مرتبط بماسك؟ لا يمكن أن يكون حصان طروادة أوضح من ذلك حتى لو ظهر مكتوبا في النجوم.
يجب على أوروبا أن تستحوذ على كل ذرة من القوة الناعمة تتخلى عنها الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، حيث تعاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، يجب أن يرى الاتحاد الأوروبي فرصة كبيرة للتدخل. وفي حين أننا لا ينبغي أن نستسلم لأي وهم بشأن الصين ـ وهي دولة ذات خطط إقليمية إمبريالية وسياسات اقتصادية استعمارية في جميع أنحاء القارة الأفريقية وسجل فظيع في حقوق الإنسان ـ خلافا للولايات المتحدة، فإنها اللاعب العالمي الوحيد الذي لديه القدرة على التحرك بالحجم والسرعة اللازمين لإزالة الكربون بما يكفي من الانبعاثات حتى نتمكن من الاستمرار في الحصول على فرصة للحد من الانحباس الحراري العالمي إلى درجتين مئويتين. لو أن هناك فرصة لإبرام صفقة تركز على المناخ، فلا يجب أن يتردد الاتحاد الأوروبي في إعطاء الأولوية لذلك على اعتراضات الولايات المتحدة في نهاية المطاف.
من المؤكد أن أوروبا يجب أن تكون قادرة على ردع العدوان بمفردها تماما ـ بغض النظر عن ماهية المعتدي. ثم إنها يجب أن تستدعي روح ديجول وتخبر الولايات المتحدة بأن وقتها في القارة انتهى. أما عن القتلى الأمريكيين في المقابر العسكرية؟ ففي الوقت الحالي على الأقل، لا تزال القيم التي ضحى الأمريكيون بأنفسهم من أجلها قائمة في أوروبا.