رفع متحف آرثر رامبو في شارلفيل ميزيير (شمال شرق فرنسا) النقاب عن مخطوطات للشاعر اشتراها أخيرا صناعيّ محلّي لقاء أكثر من 240 ألف يورو، بهدف التبرع بها للمتحف.

وفي وقت يحتفل فيه مسقط رأس رامبو بالذكرى الـ170 لميلاد الشاعر في أكتوبر/تشرين الأول، سُلّمت هذه المخطوطات رسميا إلى المتحف خلال احتفال أقيم مساء الجمعة، قبل إتاحتها للعامة اعتبارا من اليوم السبت وحتى يناير/كانون الثاني 2025.

والمخطوطات عبارة عن رسالتين وقصيدتين، اشتراها الصناعي خلال مزاد أقيم في فندق دروو بباريس في ديسمبر/كانون الأول.

وخلال هذا المزاد، حصلت بلدية المدينة لقاء 78 ألف يورو على رسالة ثالثة من رامبو يروي فيها بداية مرضه.

لكنها لم تتمكن من الحصول على مخطوطة قصيدة "الخلود"، لأن سعرها وصل إلى 700 ألف يورو.

وقال راعي المزاد باسكال أورانو لوكالة الصحافة الفرنسية "إنّ إحدى الرسالتين موجهة إلى والدته والثانية إلى أخته، فيما كتب واحدة من مرسيليا عندما كان في المستشفى، والأخرى من أفريقيا".

وتتضمن المخطوطات قصيدة "ما يُبقي نينا" لرامبو المؤرخة في 15 أغسطس/آب 1870، لكنّ بول فيرلين أعاد نسخها عام 1880.

وقالت مديرة المتحف كارول ماركيه موريل لوكالة الصحافة الفرنسية "كان فيرلين يحب رامبو بجنون، ويذهب إلى حد تقليد كتاباته لضمان عدم اختفاء النصوص".

أما الرسائل الـ3 الموجهة كلها إلى عائلته، فـ"تتعلق بمرحلتين مختلفتين في حياته".

مخطوطة للشاعر الفرنسي آرثر رامبو تعود للقرن الـ19 (الفرنسية)

وتشير الأولى والمؤرخة في 15 يناير/كانون الثاني 1883، إلى "رامبو الذي يعمل لدى ألفريد باردي في أفريقيا"، لكنّها تظهر أيضا "رامبو الشغوف بالتصوير والجغرافيا".

وتتناول الرسالتان الأخريان مرضه. وكتب في 20 فبراير/شباط 1891 "ساقي مصابة بدوالي"، وهو "لم يكن على علم بعد أنه مصاب بالسرطان"، على قول موريل.

شاعر فرنسا وتاجر اليمن

وإلى جانب سيرته كشاعر، فقد عاش رامبو حياة قصيرة مضطربة، وقاد عام 1886 قافلة تجارية عبر بلاد الحبشة المعروفة الآن بإثيوبيا، ورغم أن عمره كان 32 عامًا فقط، فإن اللون الرمادي كسا شعره الأشقر وأصبحت ملامحه مألوفة في المنطقة بعد سنوات من الفقر والمعاناة وسوء التغذية، في حين ظلت عيناه الزرقاوان كما هما دليلا على فرنسيته المختفية خلف الثياب الرثة، بحسب تقرير سابق للجزيرة نت.

وحاكت قصائد رامبو المبكرة مدرسة بارناس الفرنسية الأدبية (تيار أدبي ظهر في النصف الثاني من القرن الـ19) التي تزامن صعودها مع حياته القصيرة، وشددت على أن الأدب غاية في حد ذاته، ورفضت اعتباره وسيلة لعلاج هموم وقضايا المجتمع.

وفي كتابه "رسائل الرائي" كتب رامبو في مايو/أيار 1871 (أي عندما كان يبلغ من العمر 16 عاما فقط) رسالتين شرح فيهما فلسفته الشعرية، وقال إن تجربة كتابة الشعر تنطوي على معاناة هائلة، إذ يعمل الشاعر على تحويل نفسه إلى راءٍ أو مُشاهد، ويحاول الوصول للمجهول عبر تشويش جميع الحواس والبحث عن نفسه في كل شكل من أشكال الحب والمعاناة والجنون.

آرثر رامبو (1854-1891) يقف أمام شجرة في هرار بإثيوبيا (غيتي)

وفي قصيدته الشهيرة "القارب المخمور" يصف انجراف وغرق قارب فقد في البحر في قصة مجزأة مشبعة بالصور والرموز الحية، واستوحى فكرتها من رواية الروائي الفرنسي جول فيرن (1828- 1905) "20 ألف فرسخ تحت البحر".

واستقر رامبو في عدن اليمنية منذ عام 1880، ونجح في الحصول على فرصة عمل موظفا رئيسيا في شركة باردي لتجارة القهوة، وانتقل إلى هرار الإثيوبية ليستمر في العمل وكيلا للشركة فيها.

وتوفي رامبو في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 1991 في مرسيليا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رامبو فی

إقرأ أيضاً:

نوتردام دو بيتارام.. مدرسة كاثوليكية تهدد انتهاكاتها عرش رئيس الحكومة الفرنسية

مؤسسة تعليمية كاثوليكية خاصة، أسسها القديس "ميشيل غاريكويتس" (1798-1863) على ضفاف نهر "غاف دو بو" في مدينة "ليستيل بيتارام" جنوب غرب فرنسا. ومنذ تأسيسها عام 1837، حظيت بسمعة طيبة وشعبية كبيرة بين الأوساط الاجتماعية في منطقة البرانس الأطلسية.

استقطبت مدرسة نوتردام دو بيتارام بموجب ذلك العديد من أبناء العائلات الميسورة من داخل المدينة ومن خارجها، وكانت توفر المأوى لطلابها في قسم داخلي يخضع لنظام تربوي صارم، مما شجع الكثير من الآباء والأمهات وأولياء الأمور على إرسال أبنائهم للدراسة فيها رغبة منهم في تعديل سلوكهم وصقل شخصياتهم.

التاريخ والتأسيس

بدأت قصة المدرسة يوم الاثنين 25 أبريل/نيسان 1825، مع وصول 3 راهبات -تقودهن جان إليزابيث بيشيي- إلى بلدة إيغون، فقررن الاستقرار في مزرعة وحولن أحد مبانيها إلى دير، وأسسن مجمعا باسم "بنات الصليب"، خصصن جزءا منه لما يشبه مدرسة صغيرة.

بعد أقل من أسبوعين من افتتاح الدير، استقبلت جان إليزابيث الكوكبة الأولى من تلامذتها في ظروف تفتقر لأدنى الوسائل الضرورية، حتى إنه لقلة المقاعد، كان بعضهم يجلسون على أحجار كبيرة يجلبونها من النهر.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 1825، عيّن أسقف منطقة بايون "ميشيل غاريكويتس" قسا لبلدة بيتارام، وأثناء زياراته للبلدة، التقى الراهبات في ديرهن وأعجب بعملهن، فراودته رغبة في الاستفادة من تجربتهن وتأسيس مجمع مماثل للرجال في مدينة "ليستيل بيتارام".

ولم يتأت له تحقيق هذا المبتغى إلا في مطلع عام 1835 حين أسس مجمع "كهنة القلب المقدس ليسوع" في "ليستيل بيتارام"، الذي افتتح أبوابه رسميا عام 1837 وأصبح مدرسة دينية على نهج مجمع "بنات الصليب" في إيغون، وبدأ يستقبل التلاميذ الذكور، في حين تخصص مجمع "بنات الصليب" في تدريس الإناث.

مدرسة نوتردام دو بيتارام بناها راهب في الكنيسة الكاثوليكية في أواسط القرن التاسع عشر (الفرنسية) إشعاع واستقطاب

على مدى عقود من الزمن حجزت المدرسة مكانا ضمن المؤسسات التعليمية الأكثر استقطابا، وامتد إشعاعها إلى مناطق أبعد، فصارت قبلة للطلاب من مختلف الفئات الاجتماعية، لا سيما أبناء الطبقات الميسورة.

إعلان

ذاع صيتها بعد أن أصبحت مدرسة مرجعية في التربية على التعاليم المسيحية الكاثوليكية، كما اشتهرت بالصرامة والانضباط في إدارتها التربوية، الأمر الذي جعل الكثير من الآباء يقصدونها لمساعدتهم في ضبط أبنائهم "المشاغبين" وتعديل سلوكهم.

بفضل سمعتها استقطبت المدرسة العديد من أبناء الشخصيات البارزة، وبينهم أبناء السياسي الفرنسي البارز فرانسوا بايرو، الذي تدرج في مناصب سياسية عدة منذ شبابه إلى أن عيّنه الرئيس إيمانويل ماكرون رئيسا للحكومة الفرنسية أواسط ديسمبر/كانون الأول 2024.

هزة عنيفة

في مايو/أيار 1996، تعرضت سمعة مدرسة "نوتردام دو بيتارام" إلى هزة عنيفة، كسرت تحت تأثيرها تلك "الصورة المشرقة" التي تميزت بها لعقود طويلة من الزمن، فقد فتحت السلطات تحقيقا بناء على شكوى من والد طالب في المدرسة يتهمها بـ"سوء المعاملة" وبـ"الاعتداء الجسدي الوحشي".

وتقول شكاية الوالد إن مدير المدرسة صفع ابنه -البالغ من العمر 14 عاما- صفعة أفقدته السمع بشكل جزئي (بنسبة 40%)، إلا أن نتيجة التحقيق اعتبرت الأمر "حادثا معزولا"، ولا يمكن اعتباره ممارسة ممنهجة، وأشار إلى وجود تباين بين الاتهامات الموجهة للمدرسة، وما تم رصده في الميدان طيلة أيام التحقيق.

وخلص تقرير التحقيق -الذي استمر 3 أيام متتالية- إلى أن "مدرسة نوتردام دو بيتارام ليست مؤسسة يتعرض فيها التلاميذ للمعاملة الوحشية".

ولم تنته الحكاية بصدور هذا التقرير الرسمي، بل أخذت القضية أبعادا أخرى وضعت سمعة المدرسة والمسؤولين على تدبيرها على المحك، ففي عام 1998، قدم العديد من الطلاب السابقين شكاوى رسمية ضد المؤسسة، متهمين إياها بـ"ممارسات وحشية واعتداءات جنسية".

تضمنت الشكاوى المقدمة اتهامات بالتعنيف البدني بالضرب المبرح، والتعنيف المعنوي عبر ما سمته "تعذيب الشرفة"، إذ كان يتم إجبار التلاميذ المعاقبين على البقاء بملابسهم الداخلية لمدة تتراوح بين ساعة وساعتين في منتصف الشتاء على الشرفة المطلة على نهر "غاف دو بو"، كما أشارت إلى "ممارسات واعتداءات جنسية واغتصابات".

إعلان

أحيلت تلك الشكاوى على القضاء، وفي الوقت نفسه اعتبر جزء من الرأي العام المحلي أن العنف وسيلة تربوية تعتمدها المدرسة بشكل شبه رسمي، وكان عدد مهم من الآباء على علم بالأمر ويقبلون به، بل ويرونه أسلوبا مجديا لتعديل سلوك أبنائهم "المنحرفين".

رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا بايرو متهم بالتغاضي عن "انتهاكات" المدرسة عندما كان وزيرا للتعليم (غيتي) "الغصن الجميل"

في أكتوبر/تشرين الأول 2023 قرر أحد الطلاب السابقين في المؤسسة يدعى "ألان إسكير" إنشاء مجموعة على منصة فيسبوك بعنوان (قدماء إعدادية وثانوية بيتارام)، بهدف "جمع كل الطلاب السابقين الذين عانوا من الإساءة في المؤسسة، بشكل مباشر أو غير مباشر، بهدف توحيد كلمتهم وفضح الممارسات التي كانوا ضحايا لها"، وعلى الفور بدأت التقارير تتوالى عن "العنف والاعتداء الجنسي".

في يناير/كانون الثاني 2024 فتحت النيابة العامة في مدينة "بو" تحقيقا أوليا بناء على 20 شكوى من تلاميذ سابقين تتعلق بـ"أعمال عنف جسدي ومعنوي، واغتصاب واعتداء جنسي على قاصرين" داخل المؤسسة في فترة الثمانينيات من القرن العشرين.

في فبراير/شباط 2024، رفع طلاب سابقون 13 دعوى أخرى ضد مؤسسة "نوتردام دو بيتارام"، ضمنها 10 دعاوى بتهمة "الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي"، ومع تراكم الشكاوى تمت إقالة أحد المشرفين من منصبه في مدرسة الغصن الجميل -وهو الاسم الجديد للمدرسة منذ 2009- بعدما تردد اسمه في 8 شكاوى، وذلك يوم 14 فبراير/شباط 2024.

وفي 23 أبريل/نيسان 2024 تقدم مواطنون آخرون بشكاوى جديدة ضد المدرسة، ووصل العدد الإجمالي للشكاوى إلى 76، بينها 38 لها علاقة بـ"أفعال ذات طبيعة جنسية". وفي 9 يوليو/تموز 2024 وصل العدد الإجمالي إلى 102 شكاية، 50 منها تتعلق بـ"جرائم جنسية".

عودة بعد خفوت

وفي 12 فبراير/شباط 2025، وبعد سنوات من الخفوت الإعلامي، عادت قضية مدرسة "نوتردام دو بيتارام" إلى الواجهة وشغلت الرأي العام في فرنسا، بعدما نشرت صحيفة "ميديا بارت" الإلكترونية وثائق وشهادات تشير إلى "وقوع حالات اغتصاب وعنف جنسي" ضد الطلاب داخل المدرسة في الفترة الممتدة ما بين سبعينيات القرن العشرين وعام 2010.

إعلان

وردا على الوثائق المنشورة، نفى فرانسوا بايرو -الذي كان وزيرا للتعليم في الفترة ما بين 1993 و1997- علمه بوجود تلك الانتهاكات، إلا أن صحيفة "ميديا بارت" نشرت يوم 14 فبراير/شباط من العام نفسه وثائق جديدة قالت إنها "تثبت علمه بالانتهاكات التي كانت تشهدها المدرسة"، عندما كان وزيرا للتعليم.

وفجّرت هذه القضية سجالا سياسيا قويا في فرنسا، فنادت المعارضة باستقالة بايرو من منصب رئيس الحكومة، وأعلن هو بدوره عزمه مقاضاة الصحيفة بتهمة "التشهير"، مؤكدا أنه لم يكن يعلم شيئا عن تلك "الانتهاكات".

وتقول "ميديا بارت" إن بايرو تلقى 3 تنبيهات على الأقل، حول حالات العنف والاعتداءات الجنسية في المدرسة، لكنه لم يتخذ أي إجراء لحماية الطلاب.

إحدى الشهادات البارزة كانت من جان ماري ديلبوس، الذي يقول إن راهبا في المدرسة اغتصبه بين عامي 1957 و1961، ويضيف أنه أرسل رسالة إلى بايرو في مارس/آذار 2024 دون أن يتلقى أي رد.

خلفت هذه الوقائع ردود فعل سياسية قوية، إذ واجه بايرو انتقادات واسعة من المعارضة اليسارية، التي اتهمته بـ"التستر على هذه الجرائم لحماية المؤسسة الكاثوليكية". وكان من أبرز المنتقدين النائب عن حزب فرنسا الأبية بول فانييه، الذي اتهم بايرو بالصمت لمدة 20 عاما على الرغم من علمه بما يحدث داخل المدرسة.

كما أثارت هذه القضية غضبا واسعا بين الجمهور، وطالب العديد من الناشطين بمحاسبة المسؤولين وتقديمهم للعدالة، كما أنشأ بعض الطلاب السابقين في المدرسة جمعية لتقديم الدعم للضحايا.

مقالات مشابهة

  • آرثر شوبنهاور .. فيلسوف التشاؤم أم الحقيقة؟
  • الذكرى الـ19 لرحيل الإعلامية العراقية أطوار بهجت
  • انسحاب شركة توتال الفرنسية من سوق بوركينافاسو
  • «مهرجان الشيخ زايد» يحتفي بـ «شاعر الهمم»
  • مهرجان الشيخ زايد يختتم مسابقة شاعر الهمم
  • نوتردام دو بيتارام.. مدرسة كاثوليكية تهدد انتهاكاتها عرش رئيس الحكومة الفرنسية
  • وفاة شاعر الجيش “محمد علي عبد المجيد”.. ينضمو فوقو ناس الجيش
  • ساحل العاج تستعيد السيطرة على آخر القواعد الفرنسية في البلاد
  • أبي رميا التقى رئيس الجديد للجنة الصداقة الفرنسية اللبنانية في باريس
  • الأعلى للآثار يكشف أهمية مقبرة تحتمس الثاني .. وأبرز ملوك الأسرة 18