لم تسلم قضايا السودان المصيرية من ربطها بالعامل الأجنبي أو الخارجي بحثاً عن حلول، والأمثلة على الارتهان للخارج والتعويل عليه كثيرة في تاريخنا الحديث وحتى القديم، وعلى سبيل المثال للحصر فقط، نجد أن معظم قضايا الحرب والسلام في السودان ارتبطت بالخارج واتخاذ مقار خارجية للمفاوضات والحوار، مرورا باتفاقية أديس أبابا في عام 1972 م وانتهاء بنيفاشا التي فصلت الجنوب في عام 2005م وكذلك الحال في اتفاق كوكا دام في 1986م واتفاقيات الدوحة للسلام وقرارات الأمم المتحدة بشأن دارفور وغيره مما لا يسع المقام لذكره.

وبالجملة ظل تاريخ الطبقة السياسة السودانية مرتبطاً بالخارج لحد كبير لحل القضايا الداخلية بدءا بالديمقراطية الأولى وانتهاء بالثالثة وكذلك الانقلابات العسكرية الثلاث انتهاء بالإنقاذ، وحاليا بعد مائة (100) عام تقريباً أي من 1919م (تاريخ زيارة وفد العشائر لبريطانيا) إلى عام 2019م حيث تسيد المشهد حراك قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، وسادت مشاكسات الفترة الانتقالية ثم دستور المحامين والاتفاق الإطاري ثم اندلاع الحرب الآثمة حاليا، وما زالت القوى السياسية المدنية سادرة في غيها وخير مثال على ذلك الجوالات المكوكية التي تتنقل فيها القوى المدنية خاصة قوى الحرية والتغيير بواجهتها “تقدم” بين دول العالم تحت ذريعة وقف الحرب والتوصل لحل سياسي كان متاحا قبل خمس سنوات ضاعت بسبب أنانية القوى المدنية هذه وضيق أفقها السياسي وغض الطرف عن أحوال ما يزيد عن أربعين مليون مواطن سوداني يعاني الفقر والجهل والمرض، وفقط التركيز على المصالح الحزبية الضيقة.

إن القضاء على داء القابلية للاستعمار يتطلب تغييرا في الذات وإصلاحها والثورة على القوالب الموروثة التي تبعث على الركود لا التجديد والنظر إلى الحال دون المآل والاعتماد على الحلول الداخلية وإبعاد العوامل الخارجية التي تؤثر سلباً على التوافق الداخلي. وهذا كله يتطلب نمطاً فكرياً وسلوكياً حديثاً مغايراً ومعايير جديدة في ظل الواقع الذي أفرزته الحرب الجارية، فالشفاء من مرض القابلية للاستعمار، يتطلب وعياً أكبر في الحياة الداخلية وأول مراحل هذا الوعي أن يعقب هذه الحرب ثورة مفاهيمة للتعاطي مع قضايا الحرية والمساواة والعدالة ومحاربة الفساد ليس بالشرعية الثورة أو القانونية فقط، بل بمفاهيم جديدة، وأول هذه المفاهيم في رأيي هو تصفية الفكر السياسي السوداني من القابلية للاستعمار نفسيا.

علينا أن ندرك أن الاستعمار (الاستخراب) في ثوبه الجديد أصبح يعتمد على حروب الجيل الرابع أو ما يعرف بحروب الوكالة (Proxy war) التي يستخدم فيها تضييق الخناق الاقتصادي واستغلال التناقضات الداخلية للدول وتسخير مجلس الأمن ومنظماته الدولية والحقوقية والتجمعات الإقليمية لخدمة أجندة ومصالح الدول الكبرى. التعويل على العامل الخارجي لن يفيدنا البتة ودونكم الصراعات الحديثة منذ اتفاقية سايكس بيكو في عام 1916م وما حدث لفلسطين ومروراً بحرب البوسنة والهرسك، وحروب الخليج وما يعرف بالحرب على الإرهاب وما يعرف بثورات الربيع العربي وحرب غزة الحالية وسابقاتها والحرب الحالية ضد الشعب السوداني، للأسف العامل الخارجي في كل هذه القضايا ظل متحاملاً على هذه الشعوب وقائماً على مراعاة المصالح القومية البرغماتية للدول الكبرى، وإن تدثرت كذباً وزوراً بدثار الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهذا لا يعني أن نلتزم العزلة، بل لا بد من الحذر في وضع السياسة الخارجية التي تراعي مصالحنا القومية وتقوية الجوانب الاقتصادية والاعتماد على الذات بصورة أكبر.

وللتخلص من معضلة القابلية للاستعمار لا بد من التعويل على العامل الداخلي في المقام الأول من خلال الحفاظ على وحدة الجبهة الداخلية، فلنحافظ على النسيج الاجتماعي بالبعد عن الاستقطاب السياسي والعرقي والديني والاشتطاط في المواقف السياسية، بل يجب الاعتراف بالآخر وعدم المزايدة على وطنية بعضنا البعض طالما غاب ذلك الارتماء في حضن الخارج. علينا الابتعاد عن نشر الشائعات التي تضر بالأمن القومي، علينا الكف عن كل ما هو من شأنه إضعاف الجيش -مهما بلغ الأمر – فلا نشكك في وطنيته أو مقدرته على الفعل، ووصفه بالخيانة والجبن؛ لأن مواقف بعض قادته لم توافق هوانا، فللجيش تقديراته التي لا نراها نحن العوام وللأمن القومي أبعاده التي نفهمها نحن العوام بالكلية.

على ساستنا البعد عن الارتماء في براثن العامل الخارجي تحقيقا لمصالح حزبية ضيقة، واجبكم أيها السادة دون استثناء الإعلاء من قيمة الوطن بعدم التعنت في المواقف السياسية وعليكم التحلي بالمرونة حيال غرماء السياسة وعليكم بالتنازل من أجل تحقيق الوفاق السياسي وسعة الصدر وخفض الجناح في التفاوض والتحاور، عليكم بضبط الخطاب السياسي والشعارات السياسية لتخدم قضايا الوطن والوقوف مع الجيش في خندق واحد تعظيماً للمقاومة الشعبية وسنداً لها من أجل ردع التمرد وهزيمة داعميه من الخارج الذين يتربصون بالسودان شرا.

د. أحمد عبد الباقي

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (16 – 20)

"لنْ يستطيعَ أحدٌ أنْ يركبَ على ظهرِك، ما لَمْ تَكُنْ مُنحنياً"
مارتن لوثر كينج

النور حمد

مصر تصدِّر نيابةً عن السودان
واضح من حديث وزير التجارة والصناعة المصري، أحمد سمير صالح، الذي سبق أن أوردناه، أن مصر تعلن على الملأ أنها تصدر المنتجات السودانية نيابةً عنه، بل وتتباهي أمام العالم بجودتها. وهذا يجعل المرء في حيرةٍ من أمره. فكيف يسمح بلدٌ مستقلٌ كالسودان بإرسال مواده الخام؛ كالصمغ واللحوم والذرة والسمسم والكركدي والقونقوليس والقرض وغيرها إلى مصر، لا ليستهلكها المصريون كمشترين، مثلهم مثل غيرهم من الدول، وإنما لتقوم الدولة المصرية أو الشركات المصرية بإضفاء القيمة المضافة عليها، التي قد لا تتعدى التنظيف والتغليف كما سبق أن ذكرنا، ثم إرسالها إلى الخارج بوصفها منتجاتٍ مصرية؟ هل يصعب على السودان أن يبرِّد لحومه أو يحولها إلى صيغ أخرى أو أن يغلف سمسمه أو صمغه أو زهرة الكركديه التي ينتجها بوفرة، وغير ذلك من السلع، ثم يرسلها إلى الخارج كمنتجاتٍ سودانية؟ أوليس من مسؤولية الدولة أن تسعى بكل السبل إلى إضفاء القيمة المضافة على منتجاتها الأولية لزيادة قيمتها، ومن ثم جني عوائدٍ دولاريةٍ منها تسهم في تحسين اقتصاد البلاد وأحوال العباد؟ أكثر من ذلك، وكما سبق أن ذكرنا، أن مصر؛ سواءً كانت الدولة المصرية أو التجار المصريين يشترون المنتجات السودانية بالعملة المحلية من داخل السودان، بل وبعملةٍ سودانيةٍ يقول البعض إن تزييفها يجري داخل مصر نفسها. فالشاحنات المصرية يُسمح لها بأن تدخل في العمق السوداني وتشتري مباشرةً من المنتجين فتشحن ما اشترته ثم ترسله مباشرةً إلى مصر. في حين أن الشاحنات السودانية لا يُسمح لها بعبور الحدود المصرية. أليس هذا، في حدِّ ذاته هيمنةٌ وامتهانٌ واستضعافٌ يدل على مذلَّةِ وانعدامِ كرامةِ من يحكموننا؟ لقد رضخ نظام الفريق البرهان للنظام الحاكم في مصر بصورةٍ لا أظنها قد حدثت قط بين أي بلدين جارين. بل، يمكن القول، وبكل تأكيد إن الفريق البرهان ومعه قطاعٌ من دهاقنة النظام الإخواني اللصوصي يبيعون الآن السودان لمصر، راضخين للمشروع المصري الكبير لاستلحاق السودان الذي يجري إعداده الآن بموافقة البرهان وطاقمه. وسوف نرى ذلك عندما نناقش في حلقةٍ قادمةٍ فيديو الصحفي الاقتصادي المصري، محمد أبو عاصم الذي جرى تبادله بكثافةٍ لافتةٍ في منصات التواصل الاجتماعي السودانية مؤخرا.
تذهب المنتجات السودانية إلى مصر عن طريقين: الطريق الأول عبر العلاقة بين شركات الجيش السوداني والجيش المصري. وقد أوردت صحيفة "سودان تربيون" أن الجيش السوداني الذي يحكم البلاد حاليًا يسيطر على قطاع تصدير الحيوانات الحية، إضافة إلى المذبوحة من مسلخ يمتلكه في العاصمة الخرطوم. (راجع: صحيفة سودان تربيون على الرابط: (https://shorturl.at/2I6Lf. ولابد من التنبيه هنا إلى أن ما تجنيه شركات الجيش السوداني من عملاتٍ حرة، ومن أسلحةٍ، أو من أيٍّ من احتياجاتها الأخرى، نظير ما تقوم بتصديره إلى مصر، لا يدخل في حسابات الدولة السودانية. وإنما يذهب إلى الدولة الموازية التي يسيطر عليها الجيش والنظام الإخواني اللصوصي. وقد تفاقم ذلك واتسعت دوائره، بصورةٍ غير مسبوقةٍ، بعد أن وصل الفريق عبد الفتاح البرهان إلى السلطة.
أيضًا يذهب جزءٌ كبيرٌ من موارد السودان عن طريق المصدِّرين القُدامى الذين سُمح لهم النظام الإخواني، منذ فترة حكم الرئيس عمر البشير، بمواصلة أعمالهم التجارية نظير التماهي السياسي مع النظام الحاكم. فطبقة رجال المال والأعمال التي اتسعت أعمالها وترسخَّت في الفترة الاستعمارية استطاعت، رغم تقلُّبات الأحوال السياسية في السودان في فترة ما بعد الاستقلال، أن تُبقي على مصالحها مع مختلف الأنظمة العسكرية. وقد أتى نظام الإنقاذ بخطةٍ محكمةٍ للهيمنة السياسية والاقتصادية الكاملة، لم يسبقه عليها لا نظام الفريق إبراهيم عبود ولا نظام المشير جعفر نميري. فنظام الإنقاذ ما أن وصل إلى السلطة في عام 1989 شرع في فرض ما يُسمى "التمكين"، وهو السيطرة الكاملة بواسطة التنظيم الحاكم على كل مفاصل الدولة.
بدأ التمكين بتسريح غالبية العاملين في الخدمة المدنية ووضع أعضاء التنظيم الحاكم في أماكنهم، على قاعدة "الولاء قبل الكفاءة". ثم تمددت إجراءات التمكين لتشمل السيطرة على كامل اقتصاد الدولة بواسطة أعضاء التنظيم الإخواني. بهذا أصبحت أنشطة التصدير والاستيراد، وغيرها من الأنشطة الاقتصادية، في يد التنظيم الحاكم. ولا مجال للآخرين أن يبقوا في هذه الدائرة إلا عن طريق إثبات ولائهم الكامل للممسكين بالسلطة والثروة من أهل التنظيم الإخواني الحاكم. وهكذا ارتدف النظام امعه على سرجه قطاعًا من أصحاب المصالح الاستثمارية والتجارية. وكان من بين هؤلاء زعماء أحزاب سياسية وورجال صناعة وتجارة وقيادات قبلية وشيوخ طرق صوفية. إلى جانب ذلك، لف النظام حول نفسه تجمُّعات حديثة، شملت قطاعًا من الأكاديميين ومن أهل الأدب والفن والإعلام والرياضة.
أما الطريق الآخر الذي تذهب به مواد السودان الأولية إلى مصر فهو طريق التهريب. والأرجح عندي أن ما يذهب إلى مصر من موارد السودان الاقتصادية عن طريق التهريب المباشر، أو عن طريق دفع الرشى لموظفي الجمارك على الحدود، أكبر بكثير مما يجري عبر الطرق الرسمية. وبما أن نظام الحكم في السودان نظامٌ لصوصيٌّ سيطر عليه الفساد المؤسسي، فإن بعض العاملين من كبار الضباط في الجيش والشرطة وكبار المسؤولين في الدولة منخرطون بمختلف الصور في أنشطة التهريب المباشر، وفي أنشطة التهريب الأخرى التي تجري عبر شبكات الفساد. وكما ذكرنا من قبل أن ثوار ترس الشمال حين قاموا بإيقاف الشاحنات المصرية المتجهة إلى مصر وتفتشيها وجدوا سبائك الذهب مخبأةً وسط عبوات الحبوب، كما سبق أن ذكرنا. وما من شك أن قمة السلطة ممثلةً في البرهان وحلفائه يغضون الطرف عن أنشطة التهريب لسببين؛ أولهما: الزبائنية التي تربط بين مركز السلطة وقادة القوى الأمنية التي تحرس النظام. أما السبب الآخر: فهو عدم اكتراث الفريق البرهان بسيادة السودان وبموارده وهو يسعى لتلقي الدعم والحماية المصرية واستدامة إمساكه بالسلطة.
لا بد من الإشارة هنا إلى أن الفريق البرهان قد سار على طريقٍ مطروقٍ مشى عليه قبله الرئيس عمر البشير وتنظيمه الإخواني. ويتمثَّل ذلك النهج في نهب موارد البلاد وإيداعها الجيوب الخاصة في حسابات واستثماراتٍ ضخمة خارج السودان. وهذا هو ديدن الكثير من الأنظمة الديكتاتورية العسكرية الكليبتوقراطية. وقاد ساد هذا النهج حتى الآن لفترةٍ بلغت 36 عامًا. وعلى سبيل المثال، فإن البترول الذي ظل يُستخرج عبر عقدٍ من الزمان قبل انفصال الجنوب، لم يعرف السودانيون إلى اليوم مقدار ما جري تصديره منه، على وجه الدقة. كما أن عائداته لم تدخل خزينة الدولة، ولم يشعر السودانيون بأي أثرٍ بارزٍ له على حياتهم. كما أن الذهب ظل يُستخرج بكمياتٍ كبيرةٍ لما يقارب العشرين عامًا حتى الآن، ولم ير له السودانيون، أيضًا، أثرًا على حياتهم. وسوف نعرض لتهريب الذهب السوداني في الفقرات القادمة.
الفترتان اللَّتان سيطر فيهما على مقاليد الأمور كلٌّ من الرئيس المخلوع عمر البشير وخلفه الفريق البرهان، الذي عمل تحت إمرته، وقاد انقلاب 25 أكتوبر 2021، على الوثيقة الدستورية وخارطة طريق التحول الديمقراطي، هما الفترتان اللَّتان حدث فيهما هذا الانفجار الكبير في إنشاء مصانع الصناعات التحويلية، في مصر. وواضحٌ جدًا أن هذا الانفجار الضخم في أعداد المصانع في مصر قد كان نتيجةً مباشرةً لتفاقم معدلات الفساد في السودان، بل وللعمالة الصريحة من جانب البشير والبرهان لمصر. لقد أصبح السودان في هذه الفترة المظلمة وكأنه مستعمرةٌ مصرية. وقد حدث ذلك بطريقةٍ خفيَّةٍ بالغة النعومة. في هذه الفترة، جعلت مصر من نفسها وكيلاً شبه حصريٍّ لتصدير منتجات السودان بإسمها. وكما رأينا، كيف لم يجد وزير التجارة المصري أي حرجٍ في أن يسرف في مدح المنتجات السودانية ويتباهى بها أمام العالم بها وكأنها من منتجات بلده! وكل المنتجات التي عدَّدها الوزير المصري لا تنتج منها مصر شيئًا، باستثناء قليلٍ من الكركديه والسمسم والذهب، التي لا تقارن كمياتها قط بما ينتجه السودان منها. وتعج شبكة الانترنت بالإحصاءات الدولية التي تؤكد الكميات القليلة مما تنتجه مصر من هذه السلع.

مصر تصدر الذهب السوداني
أورد موقع Trends in Africa أن صادرات مصر من الذهب إلى دولة الإمارات العربية المتحدة قد ارتفعت في الفترة من يناير إلى نوفمبر 2024، بنسبة 103% ، بقيمةٍ بلغت 1.7 مليارًا من الدولارات. أما بالنسبة لسويسرا، فقد زادت صادرات مصر من الذهب بنسبةٍ بلغة 193%، بقيمة بلغت 1 مليار دولارًا خلال نفس الفترة. وهي الفترة الممتدة من يناير إلى نوفمبر 2024. ويقول الموقع إن أغلب هذا الذهب الذي تصدره مصر ذهبٌ سوداني. ويجري إرسالة إلى مصر بواسطة شركة مصرية سودانية نشأت في صورة شراكة بين جهاز المخابرات العامة المصري ومنظومة الصناعات الدفاعية السودانية، التي صدرت ضدها عقوباتٌ أمريكية. (راجع: موقع Trends in Africa، على الرابط: https://shorturl.at/VWmH9). ولابد من التذكير هنا بما سبق أن قلناه وهو أن مصر كانت تصوِّت في المحافل الدولية على تمديد فرض العقوبات على السودان، وقد اتضح لاحقًا أنها تفعل ذلك لكي تصبح هي المستحوذ لمنتجاته بكونها المنفذ الوحيد المتاح لصادراته.

جبريل وتهريب الذهب
من أقوى الأدلة على شفط موارد السودان لمصلحة مصر ما ورد على لسان وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم الذي قال لوكالة (رويترز): إن السودان أنتج 64 طنًّا من الذهب في عام 2024، غير أن القدر الذي جرى تصديره رسميًا كان31 طنًا فقط. ويعني ذلك أن أكثر من نصف الإنتاج من الذهب قد خرج من البلاد عبر طرقٍ غير رسمية. فتصوروا وزيرًا للمالية في دولةٍ يتسرَّب من بين يديه أكثر من نصف إنتاج بلاده من الذهب، ولا يجد حرجًا في قول ذلك للصحافة العالمية، ثم لا يذكر ما قام به هو من تحقيق حول أسباب هذا التسريب الضخم، ولا ما هي خطته لإيقاف هذا الهدر العجيب لموارد البلاد. تحدث الوزير جبريل إبراهيم في هذا الأمر وكأنه يتحدث عن بلادٍ أخرى، وكأنه ليس وزير مالية السودان! (راجع صحيفة "التغيير" على الرابط: https://shorturl.at/BbFPF). بل، ظهر السيد، جبريل إبراهيم في فيديو وهو يرتدي زيًّا عسكريًا، مع الكدمول الدارفوري، ليحكي أنه كان في دولةٍ جارةٍ وإن مسؤوليها ذكروا له إنهم حصلوا في عام 2024 عن طريق التهريب وحده على 48 طنًا من ذهب السودان. وقد جَبُنَ الوزير جبريل حتى عن ذكر اسم تلك الدولة، رغم أن مسؤوليها قالوا له ذلك دون حياءٍ وبجرأةٍ وقحةٍ أمام عينيه. وقد عكس هذا في نظري مبلغ استهانتهم به وبقدر بلاده. ثم، حتى بعد أن جاء ليحكي لشعبه هذه المعلومة في مقابلة مبثوثة، لم يستطع أن يذكر إسم تلك الدولة، وقال مرة أخرى "دولة جارة"! فهل هذه قياداتٌ يرجى منها أن تحفظ أي قدرٍ من الكرامة لبلادها ولشعبها؟ لكن، لا عجب فقد شاهد جبريل إبراهيم حرص رئيسه البرهان على تقديم فروض الولاء والطاعة للنظام المصري. فقد لخَّص الفريق البرهان ولاءه المطلق للنظام المصري يوم أن قدَّم التحية العسكرية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لدى استقباله له في القاهرة. قدم البرهان التحية العسكرية إلى الرئيس السيسي رغم أن الأخير استقبله بالزي المدني، كرئيسٍ مدنيٍّ "منتخبٍ" للشعب المصري، وليس كقائدٍ لانقلاب عسكري. لكنها الرغبة في الانبطاح التي تعمي صاحبها وتجعل جلده أكثر سماكةً من جلد التمساح.

بئرٌ معطلة وقصر مشيد
يمقل الفريق البرهان في نظري نمطًا بالغ الغرابة من الخراب النفسي. فإلى جانب جنونه بالسلطة أظهر لهفًا استثنائيًا على جني الثروات الطائلة. وهو أمرٌ عُرفت به العصابة الإخوانية التي حكمت السودان عبر الستة وثلاثين عامًا الماضية. لكنه فاقها كثيرًا في هذا المنحى. فقد رشح في الأيام الأخيرة أن الفريق البرهان راكم في السنوات الخمس الأخيرة ثروةً بلغت 5 مليارات دولار. هذا البرهان أُتي به ليشارك في إدارة فترةٍ انتقاليةٍ قصيرةٍ يُسلِّم بعدها البلاد إلى أهلها. لكنه اختار بدلاً عن ذلك أن يخون الأمانة، ويستقوى على شعبه بالقوة العسكرية. أكثر من ذلك قام بنهب المال العام وذهب به دون أدنى ذرةٍ من حياءٍ إلى تركيا ليبني لنفسه فيها قصرًا بملايين الدولارت. وهو حدثٌ كشف عنه سفير سوداني سابق في تركيا كان شاهدًا على إجراءات الشراء. (راجع صحيفة التحرير على الرابط: https://shorturl.at/mlyIW) فعل البرهان هذا في حين أن أكثر من نصف الشعب السوداني يعيش تحت خط الفقر. وفي حين يُعدُّ السودان من أبأس الدول في البنيات التحتية وفي جميع الخدمات التي ترعاها الدولة. والأدهى والأمر، أن البرهان اشترى قصره هذا وهو يعد للحرب التي تسببت في تهجير 13 مليون سوداني من بيوتهم!

مصر تُصَنِّع القطن السوداني
في 16 أبريل 2009، أصدر أمين أباظة، وزير الزراعة، قرارًا باستيراد 3000 طن قطن من السودان لصالح شركة الدلتا الزراعية. وتقول صحيفة اليوم السابع المصرية، التي أوردت الخبر أن ذلك قد جاء نتيجة لما ظل يعانيه المزارعون فى مصر بسبب عدم قدرتهم على تسويق محصول القطن لثلاثةِ أعوامٍ متتالية، بسبب انخفاض سعره. وهو ما دفع المزارعين المصريين فى المحافظات المصرية إلى الإقلاع عن زراعة القطن. وبالتالي، انخفضت المساحات المزروعة قطنًا خلال ذلك الموسم إلى 300 ألف فدان، مقارنة بالعام السابق الذى كانت المساحة فيه تزيد عن 650 ألف فدان. (راجع: صحيفة اليوم السابع على الرابط: https://rb.gy/tzmwyf). وفي 24 /08‏/2017 أعطى الدكتور عبدالمنعم البنا، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي المصري، الموافقة على سفر لجنة من الإدارة المركزية للحجر الزراعي المصري إلى السودان بغرض الإشراف على فحص وتبخير 6500 طن من القطن السوداني، وذلك لحساب إحدى الشركات. وشدَّد القرار على الالتزام الكامل بجميع إجراءات الفحص التي تتم عند وصول الشحنة إلى مصر، وذلك طبقا للقوانين والتشريعات الحجرية المُنظِّمة في هذا الشأن. (راجع: موقع النيلين على الرابط: https://shorturl.at/0LKUS).
وفي 1 أبريل 2022 كشفت الحكومة المصرية، أن أهم المجموعات السلعية التي استوردتها مصر من السودان قد كانت حيوانات حية بقيمة 193.2 مليون دولارا. حبوب بقيمة 70.8 مليون دولارا، وقطن بقيمة 43.6 مليون دولارا، ولحوم بقيمة 24.2 مليون دولارا. (موقع صحيفة الراكوبة على الرابط: https://shorturl.at/tACly). ولا بد من الملاحظة هنا أن هذه الأرقام لا تشمل التهريب الذي يجري عبره شفط القدر الأكبر من الموارد السودانية بواسطة مصر. وأعني هنا التهريب الذي يجري بعلم سلطات الجمارك في المنافذ الحدودية والآخر، وهو الأكبر، الذي يجري عبر الحدود في المناطق الصحراوية. ويبلغ طول الحدود المشتركة بين مصر والسودان حوالي 1270 كيلو مترًا.
(يتواصل).

elnourh@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • صحف عالمية: نتنياهو استأنف الحرب للحفاظ على حياته السياسية
  • وزير الداخلية الفرنسي يرفض دعوة جزائرية لحضور إفطار رمضاني
  • على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (16 – 20)
  • هآرتس: نتنياهو يكذب وإسرائيل هي التي خرقت اتفاق وقف إطلاق النار
  • هآرتس: إسرائيل وليست حماس هي التي خرقت اتفاق وقف إطلاق النار
  • سدرة منتهى الإرادة السودانية الجبارة التي لاتعرف المستحيل
  • تيتيه: ملتزمون بعملية شاملة لمعالجة قضايا الأمن السياسي والاقتصادي والمصالحة الوطنية
  • الداخلية تضبط قضايا عملة بقيمة 7 ملايين جنيه
  • رئيس الوزراء: الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة هي حرب على الإنسانية
  • كوارث بيئية لا تنسى.. العامل البرتقالي الأميركي بفيتنام