بغداد والهوية المعمارية
تاريخ النشر: 17th, February 2024 GMT
بغداد اليوم - بغداد
بقلم: المهندسة المعمارية لينا الموسوي
تحدثت في مقالاتي عن معظم المدن العربية التي حطت رحالي عليها ولكني لم اتكلم عن العاصمة التي ينتمي قلبي لها وإن لم انشأ او أعيش فيها، انها بغداد ،المدينة التي لم ازورها منذ زمن ولا أتذكر منها سوى بعض الاحياء المعروفة والتي كما قيل لي انها قد تغيرت معالمها المعمارية مع تغير الظروف السياسية والحالة الاجتماعية والاقتصادية للبلاد.
كما نعلم ان اي مدينة عبارة عن مرآة تعكس ظروف وحياة المجتمع في حقبته الزمنية التي يمر بها.
فبلاد الرافدين وحضاراتها المتعددة غنية عن التعريف في تغيراتها وصراعاتها السياسية على مر العصور وهذا بدوره له انعكاسات متعددة لتحديد الصورة المعمارية للدولة في كل عهد وزمان حيث بنيت بغداد في العصر العباسي من قبل ابو جعفر المنصور لكنها اقترنت بهارون الرشيد لا رتقاءها في ذلك الوقت.
سميت بدار السلام نسبة الى نهر دجلة الذي يسمى وادي السلام ومنذ ذلك العهد اخذت الهندسة المعمارية جوانب مختلفة تعكس المراحل الاجتماعية والتاريخية والسياسية التي مرت فيها البلاد على مر العهود.
نجد مثلا في بدايات العهد الملكي الى العهد الجمهوري ظهرت بوادر دخول العمارة الحديثة التي اخذت تدريجيا في التطور والتقدم و الازدهار في رسم بعض المعالم الاخرى لصورة بغداد.
واستمرت في فترة السبعينات حيث كانت تعتبر من الفترات الجميلة لبغداد من حيث التطور الاقتصادي والاجتماعي والعلمي آن ذاك، وانعكس ذلك بدوره على الصورة المعمارية للأبنية والتي تميزت بالبساطة والوضوح في المخططات والواجهات، في انتقاء الزخارف الطابوقية والجداريات حيث تنوعت لمسات المعماريين العراقيين العمالقة في رسم معالم المدينة واحترام كل المواصفات، هذا اضافة الى جمالية المدينة القديمة التي كانت تتميز في دروبها وشناشيلها (المشربيات) وحلولها المناخية الراقية الصحيحة.
ومع تغير الحالة العامة في الثمانينات و التسعينات انعكس ذلك بوضوح على الصورة المعمارية للمدينة حيث ابتدأت المفاهيم المعمارية تتمحور بتغير الفكر الاجتماعي وذلك بسبب هيمنة بعض المفاهيم مثل الشعور بالفخامة والانا في المجتمع مما ظهر بصورة واضحة على الارتفاعات المتزايدة في الطوابق وعناصر البناء في واجهات الابنية المعمارية من اعمدة وابواب وتعدد المواد وذلك للتعبير عن الهيبة والفخامة ومنها اخذ التوجه المعماري طابعا آخر، عاكسا الحالة النفسية والاجتماعية والسياسية لتلك الفترة وعلى رغم تلك التغيرات بقيت العمارة في بغداد محافظة على معالمها العامة كما اذكر.
ولكن الآن وبعد غياب بعد كل المتغيرات والصعوبات التي حلت في البلاد، بدأت اتسائل عن الصورة التي سترسم وتعبر عن الحالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الآنية للعاصمة بغداد وكيف ستعرف الهوية المعمارية لها بعد كل المتغيرات والانفتاحات واختلاف الطابع العام لحياة المجتمع في المعتقدات التي تسود البلاد.
حيث تحولت الاحياء الى بيوت صغيرة غير مدروسة المخططات وابنية جميلة راقية مستنسخة من مختلف الدويلات لا تمتلك هوية او اصول تعكس حضارة وتاريخ العاصمة الجميلة بغداد.
لذلك اعزائي هذه رسالة تذكرة بسيطة لكل من يقرأ تلك الكلمات لمن يعيش في العاصمة بغداد ويبني ويعمر البنايات، انها عاصمة اسسها عمالقة العمارة من بلد الحضارات عميقة الجذور غنية في الفكر والتاريخ والتراث، وان العمارة ليست مجرد بنايات ومعامل ومولات انها اسس وانظمة وانعكاس لتطور المجتمعات متمنية من القلب اجمل صورة معمارية ترسم بها مباني بغداد.
المصدر: وكالة بغداد اليوم
إقرأ أيضاً:
لعنوها بالمرض والموت.. قصة فتاة سوهاج المسحورة
في يوم غائم بمدينة سوهاج، اجتمعت حملة لتنظيف المقابر بمنطقة العارف بالله، وهو المكان الذي يحمل قدسية وروحانية خاصة لدى سكان المنطقة، كان هدف الحملة نبيلًا، ولكن لم يكن أحد يتوقع أن تتحول تلك المهمة إلى اكتشاف يزلزل القلوب.
أثناء إزالة الأعشاب الجافة وجمع الأوراق المتناثرة بين القبور، استوقفتهم حفرة صغيرة بدت وكأنها دُفنت حديثًا، عندما حفروا بأيديهم، وجدوا كيسًا قماشيًا مغلقًا بإحكام.
بداخله صورة فتاة عشرينية، ملامحها البريئة وابتسامتها الهادئة تشي ببراءة وعفوية، كانت ترتدي زيًا ورديًا، لكن ما أحاط الصورة جلب القشعريرة إلى أجساد الجميع، كانت الصورة مطوية بعناية، وعليها طلاسم مكتوبة بخط متعرج.