الحوثيون.. تاريخ طويل من القصف الجوي بلا رادع
تاريخ النشر: 17th, February 2024 GMT
عقب اندلاع القتال في قطاع غزة بين الجيش الإسرائيلي ومسلحي حركة حماس، المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية، قامت جماعة الحوثيين في اليمن، بإطلاق موجات من الطائرات المسيرة والصواريخ الجوالة والبالستية، بإتجاه ميناء إيلات، الذي يمثل المنفذ الوحيد لإسرائيل على البحر الأحمر، وتمر عبره معظم تجارتها مع البلدان الآسيوية، بدعوى مساندة الشعب الفلسطيني.
وأعلنت الجماعة أنها ستستهدف السفن التجارية "التي لها علاقة بإسرائيل"، ما استوجب رداً دولياً، قابلته الجماعة بالتحول إلى الاستهداف المنهجي لحركة الملاحة البحرية عبر مضيق باب المندب.
وتعرض الحوثييون إلى ضربات جوية، منذ سيطرتهم على العاصمة اليمنية، لكنها لم تنجح في ردعهم أو تقليص قدراتهم، ما أثار تساؤلات حول فاعلية الضربات الغربية الأخيرة في تحقيق ما لم تنجح فيه قوات التحالف السعودي الإماراتي.
مشهد معقد وتحالفات متضاربة
منذ عام 2014 يسيطر الحوثبون على جزء هام من شمال ووسط اليمن، حيث يعيش نحو ثلثي سكان البلاد. كما يتحكمون في موانئ بحرية تطل على البحر الأحمر، أهمها ميناء الحديدة التجاري، وميناء رأس عيسى الذي يتم منه تصدير جزء من النفط اليمني.
ويُشكل الحوثيون امتداداً للجماعات التي تعتنق المذهب الشيعي الزيدي، المتواجدة في شمال اليمن، والتي تتخذ من مدينة صعدة معقلاً لها، وكان يمثلها نظام "الإمامة" الملكي، الذي تمت الإطاحة به عقب إعلان الجمهورية عام 1970.
وحدث ذلك إثر حرب إقليمية تدخل فيها الجيش المصري لمساندة الثورة العسكرية المسلحة التي اندلعت عام 1962، فيما تلقى الزيديون مساعدة علنية من المملكة السعودية والأردن وأسلحة وذخائر من إسرائيل سراً.
عقب حكم استمر منذ سنة 1978، بدأ الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، يواجه معارضة متزايدة، خصوصاً مع اندلاع أحداث ما يُعرف بالربيع العربي عام 2011، عندما ساند الحوثيون التحركات المؤيدة للإطاحة بحكم صالح، والذي خاضوا ضده مواجهات مسلحة قبل عقد من ذلك، رافعين شعار محاربة الفساد والنفوذ المتزايد لعائلة الرئيس.
لكنهم سرعان ما تحالفوا مع صالح، الذي ينتمي للطائفة الزيدية مثلهم، للسيطرة على العاصمة صنعاء عام 2014، وإبعاد رئيس "يمن ما بعد الثورة"، عبد ربه منصور هادي، وهو سني من الجنوب وكان نائبا لصالح في السابق، إثر فشل ما عرف بـ "الحوار الوطني في اليمن".
توحيد الساحات
لم يدم التحالف بين الحوثيين وصالح طويلاً، إذ سرعان ما أعلن هذا الأخير، أنه مستعد للحوار مع التحالف الذي تقوده المملكة السعودية لإنهاء الحرب في اليمن، التي عُرفت بعملية "عاصفة الحزم" بدأت عام 2015، وكرد فعل على ذلك لم يتردد الحوثيون في اغتياله بعد يومين من ذلل الإعلان.
وفي تلك الفترة من الحرب تحولت المخاوف من تزويد إيران للحوثيين بالأسلحة إلى حقيقة، إذ لم تتردد الجماعة في إطلاق الصواريخ البالستية والجوالة ضد كل من المملكة السعودية والإمارات العربية المتحدة.
يقول الخبير الأمني والاستراتيجي، رياض قهوجي، الذي تحدث إلى بودكاست زوايا، أن تهديدات الحوثيين ليست جديدة، وأن دول المنطقة حذرت الولايات المتحدة طيلة أكثر من عشر سنوات، من تنامي قدرات الجماعة العسكرية، ما يجعلها قادرة على تهديد الملاحة البحرية في البحر الأحمر.
ويضيف قهوجي، أن الحوثيين باتوا يملكون ترسانة ضخمة من الصواريخ البالستية والجوالة، كما انخرطوا فيما يُطلق عليه مصطلح "توحيد الساحات"، وهي إشارة إلى ساحات القتال التي تنخرط فيها المجموعات المسلحة الموالية أو المقربة من إيران. ولذلك لم تتردد جماعة الحوثي في اتخاذ إجراءات عسكرية لمساندة حركة حماس، إثر اندلاع القتال فبي قطاع غزة.
قدرات عسكرية متنامية
تشير عدة تقارير غربية، إلى تزويد إيران للحوثيين بمجموعة من الصواريخ البالستية والجوالة، بالإضافة إلى عدد من الطائرات المسيرة.
كما تؤكد تلك التقارير امتلاك الحوثيين للقدرة على تصنيع وصيانة تلك الأسلحة. وخلال شهر يناير نفذت البحرية الأميركية عملية معقدة لاحتجاز شحنة من الأسلحة، كانت متجهة من إيران إلى الحوثيين في اليمن عبر بحر العرب، وتبين أنها تحتوي على صواريخ مضادة للسفن، وقطع غيار ومحركات للصواريخ الجوالة والبالستية.
وحسب الخبير الأمني رياض قهوجي، فإن خطوط الملاحة البحرية الدولية، التي تعبر البحر الأحمر عبر مضيق باب المندب، تقع في مدى عمل تلك الأسلحة. كما أن بعض النماذج من الصواريخ البالستية يبلغ مداها الألفي كيلومتر، ما يمكنها من الوصول إلى إسرائيل.
لم تنجح قوات التحالف العربي بقيادة المملكة السعودية خلال عملية "عاصفة الحزم"، التي استمرت عدة سنوات، في القضاء على الترسانة الصاروخية للحوثيين. بل نجحت الجماعة في أخذ دروس مستفادة من تلك الحرب، لتحصين مواقعها، وتركيز منشآت التخزين والصيانة في كهوف داخل الجبال، ما يعقد أي عملية لتدمير قدراتهم العسكرية.
كما طور الحوثيون قدراتهم بالاعتماد على ترسانة الجيش اليميني، والمساعدة التقنية من طهران، ليس فقط من ناحية إنتاج الصواريخ، بل حتى الزوارق الموجهة. كما يعتمد الحوثيون على إيران في الحصول على المعلومات الاستخبارية، لمراقبة الملاحة البحرية، اين تتمركز سفن مراقبة إيرانية تجمع المعلومات عن السفن التي تمر من مضيق باب المندب.
يرى الخبير الأمني والاستراتيجي، رياض قهوجي، أن الضربات الجوية الأميركية والبريطانية لن تردع الحوثيين، ولن توقف استهدافهم للسفن التجارية.
ويذكر قهوجي بأن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مارسا ضغوطاً على التحالف العربي، لمنع سيطرته على ميناء الحديدة، وإبقائه تحت تصرف الحوثيين، ويعتبر من أهم منافذ إدخال المساعدات الإنسانية لليمن الذي يعاني من المجاعة وانتشار الأمراض على إثر الحرب.
لكن الآن بات من الواضح أن تلك السياسة أدت إلى موقف خطير تُسيطر فيه جماعة مسلحة على مواقع استراتيجية، تمكنها من تهديد الملاحة الدولية. يُذكر في تلك الفترة، أعلن مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الاستخبارات، مايكل فيكرز، أن الولايات المتحدة لديها اتصالات استخبارية مع الحوثيين لاستهداف تنظيم القاعدة.
الحوثيون .. هل تردعهم ضربات الغرب؟
يتفق رأي قهوجي مع تحليلات مراكز الدراسات الاستراتيجية الأميركية، بخصوص عدم جدوى الحملة المنتقدة للتحالف العربي، ومنع قوات التحالف العربي من السيطرة على ميناء الحديدة والسواحل اليمنية، وأن السياسات الغربية تجاه اليمن كانت فاشلة، وغير واضحة المعالم. في الأثناء سيؤدي حصار السواحل اليمنية إن تم، إلى تردي الوضع الإنساني المنهار أصلاً، ويأتي ذلك في ظل قرار واشنطن إعادة تصنيف جماعة الحوثيين كمنظمة إرهابية، الذي يدخل حيز التنفيذ اليوم، الجمعة.
كما ستحاول إيران فرض وجهة نظرها، ودفع الدول الغربية إلى التفاوض معها طبقاً لشروطها، التي تتضمن ليس فقط وقف القتال في غزة، بل جملة من التفاهمات الإقليمية.
وتعتمد إيران في ذلك على عدم حاجة الحوثيين إلى تحقيق انتصار عسكري حقيقي، بل يكفي أن يستمر إطلاق الصواريخ والمسيرات غير الدقيقة في اتجاه السفن العابرة لمضيق باب المندب، لإدخال البلبلة وتعطيل حركة الملاحة التي بدأت بالفعل بالانخفاض بعد تحويل عديد شركات الشحن لوجهة سفنها، في انتظار حل دبلوماسي لهذه الأزمة.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن الحوثي امريكا ارهاب البحر الأحمر الصواریخ البالستیة الولایات المتحدة المملکة السعودیة الملاحة البحریة البحر الأحمر باب المندب فی الیمن
إقرأ أيضاً:
ما السلاح الإسرائيلي السري الذي ضرب إيران؟.. إليك تفاصيله
سلطت صحيفة عبرية، اليوم السبت، الضوء على ما وصفته السلاح "السري" الذي استخدمه جيش الاحتلال الإسرائيلي الشهر الماضي، في هجماته الجوية التي طالت العاصمة الإيرانية طهران.
وأشارت صحيفة "كالكاليست" العبرية، في تقرير ترجمته "عربي21"، إلى أن "هذا الصاروخ الخاص والسري، تم اختراعه عام 1956 لكسب حرب الميزانيات، وتعتبر إسرائيل بطلة العالم في تطويره".
وذكرت الصحيفة أنه جرى استخدام هذا السلاح صباح يوم 26 تشرين الأول/ أكتوبر لعام 2024، خلال الهجمات الجوية الإسرائيلية في عمق إيران، ما أدى إلى تدمير البنية التحتية للدفاع الجوي والبنية التحتية لإنتاج الصواريخ، ولم تفقد تل أبيب طائرة واحدة.
ولفتت إلى أنه وفقا للوثائق التي سربتها الولايات المتحدة، فإن الجيش الإسرائيلي خطط لاستخدام الصواريخ الباليستية التي يتم إطلاقها من الجو، وهو سلاح غير عادي للغاية وله تاريخ مثير للاهتمام.
تاريخ الصاروخ السري
وتطرقت إلى تاريخ الصاروخ الباليستي السري الذي "يعود لعام 1956 عندما بدأت الولايات المتحدة باختراعه، رغم أن السفن الحربية كانت هي الوسيلة الرئيسية لأمريكا لإبراز القوة وإخضاع المعارضين لإرادتها".
وتابعت: "جاء هذا الصاروخ الذي قلب الموازين، وبدأ الجيش الأمريكي بتطوير صاروخ باليستي يمكن إطلاقه تجاه الغواصات حتى عندما تكون تحت الماء، لضرب الاتحاد السوفيتي من أي مكان، وتم إعطاء جزء كبير من الميزانية لهذه الصواريخ الجديدة".
ونوهت إلى أن القوات الجوية قررت اصطحاب هذا الصاروخ الباليستي وتطويره لإمكانية إطلاقه من السماء، وتم تصميم الإصدارات الأولى لتتصرف مثل أي صاروخ باليستي عادي، يصعد إلى الفضاء بصاروخ قوي، ويسقط على الأرض في مسار منحني، ويكون صغيرا وخفيفا بما يكفي الوصول لأي نقطة.
وأفادت الصحيفة بأنه في البداية كانت هذه الصواريخ كبيرة جدا، وتم تطوير الصاروخ الأول وكان يحمل قاذفات قنابل كبيرة مزودة بستة محركات، مؤكدة أنه تم إطلاق الصاروخ لأول مرة في مايو 1958.
وأشارت إلى أنه تم تطوير النسخة التشغيلية الأولى من الطائرة دون طيار بالتعاون مع البريطانيين عام 1962، وكانت تحتوي على صاروخ يحمل قاذفات قنابل عملاقة، وصاروخ آخر يحمل قاذفات بريطانية.
وأوضحت أن الطائرة كان يمكنها التحليق في مدار مرتفع نسبيا يبلغ 480 كيلومترا، لمسافة 1850 كيلومترا، ومن ثم تنفيذ قصف جوي بعيد المدى، مضيفة أن "الطائرة يمكنها البقاء في الجو لمدة يوم كامل، إذا تم ربطها بطائرة للتزود بالوقود".
وتابعت: "بهذه الطريقة سيكون المهاجم قادرا على التجول على طول حدود الاتحاد السوفيتي وإثارة الرعب، وهو بالضبط ما أرادته الولايات المتحدة".
وذكرت أن النسخة البريطانية كانت أصغر حجما وأضعف بكثير، وحلقت لمسافة تزيد قليلا عن 900 كيلومترا، ولم يكن النموذج الأول صاروخا باليستيا مناسبا على الإطلاق، وقد وصل ارتفاعه فقط إلى 20 كيلومترا، وتم إيقاف هذه النسخة، واعتمدت بريطانيا على النسخة الأمريكية.
ولفتت إلى أنه عام 1974 ظهرت النسخة الأمريكية الأكثر جنونا، وتم وضع صاروخ باليستي أرضي من نوع Minuteman على منصة نقالة، وتم إدخال طائرة شحن ضخمة من طراز C5 Galaxy، وأثناء طيرانها على ارتفاع 20 ألف قدم، تم سحب مظلات كبيرة للصاروخ من الباب الخلفي للطائرة ووجهته للأعلى، ثم اشتعلت محركاتها وذهب إلى الفضاء.
وأكدت الصحيفة أن "هذه الطريقة الغريبة نجحت وعملت بشكل جيد، ومنذ ذلك الحين، تم إجراء المزيد من التجارب المماثلة، ما أثبت أن طائرات الشحن يمكن أن تصبح قواعد صواريخ متنقلة".
واستكملت بقولها: "هكذا أصبح الصاروخ الباليستي المحمول جوا وسيلة حربية ذات مزايا لا يتمتع بها أي صاروخ باليستي عادي"، مشددة على أن "الصاروخ يتميز بالدقة، ويمكن توجيهه عبر الأقمار الصناعية، ويسمح بضرب هدم بحجم رادار مضاد للطائرات من مسافات طويلة جدا، ويمكن استخدامه لاختراق الأنظمة الدفاعية، واختراق الطلعات الجوية دون تعريض الطائرات للخطر".
النسخة الإسرائيلية
وذكرت أن شركة رافائيل الإسرائيلية قامت بتطوير هذا الصاروخ، وبات يتم إطلاقه من طائرات F15 الحربية، إلى جانب إطلاق طائرة بدون طيار اسمها "روكس"، وهي تجمع بين الملاحة عبر الأقمار الصناعية وكاميرا ذكية، ما يمنحها دقة لا يتمتع بها أي سلاح يسقط من ارتفاع الفضاء.
وبحسب الصحيفة، فإن الجيش الإسرائيلي لا يكشف عن الصواريخ التي يستخدمها، لكن وثائق البنتاغون التي تم تسريبها قبل أسابيع من الهجوم على إيران، تشير إلى استخدام هذا الصاروخ الباليستي المحمول جوا.
وتابعت: "من الناحية النظرية إيران تمتلك صواريخ دفاعية من نوع S300 وS400 والتي يمكنها صد الصواريخ الباليستية، لكن هذا إنجاز معقد للغاية، ويجب التدرب عليه كثيرا حتى يكون ناجحا، وربما لا تفعل إيران ذلك في الوقت الحالي لأسباب متعلقة بالميزانية".
وأردفت بقولها: "نعم لدى إيران نفقات دفاعية كبيرة للغاية، لكن تطوير القدرة على اعتراض الصواريخ من الفضاء أمر مكلف للغاية"، مضيفة: "إلى أن تتمكن إيران من تحقيق مثل هذه القدرة الاعتراضية، فإن إسرائيل تتمتع نظيرا بالتفوق من خلال الصواريخ الباليستية المحمولة جوا".