تستحوذ الهواتف النقالة على اهتمام الناس؛ لما تشمله من برامج وتطبيقات تسهّل أمور الحياة من تخليص معاملات وسداد فواتير وعمليات البيع والشراء والسرعة في الحصول على الخدمات وغيرها، ولكن كثرة استخدام تلك الهواتف على المدى البعيد لها أضرار صحية ونفسية وعقلية، ويستشعر مواطنون من خلال استطلاع أجرته "عمان" الآثار السلبية للإفراط في استخدام الهواتف النقالة، مشيرين إلى أنها تهدد جودة الحياة، والشعور بعدم الرضا، إضافة إلى ما تسببه من أضرار على القدرات العقلية والصحية وهدر للأموال.

الإرادة

وأبدى خلفان بن سليمان القرشوبي رأيه بقوله: يستطيع الشخص تقليص استخدامه للهاتف النقال بالعديد من الطرق تبدأ بالإرادة ومحاربة النفس وتقديم الأولويات، كما أن التقليل من ساعات الفراغ عامل أساسي في ضبط النفس وبالتالي تقليل اللجوء إلى مغريات الدنيا ومتاعها، ويستطيع الفرد التقليل من استخدامه للهاتف عبر جدولة الأعمال اليومية المهمة وتضمينها الأشياء المفيدة التي تعود بالنفع على صاحبها، وزيارة الأقارب وزيادة العبادات، فكلما قام الفرد بتنظيم اهتماماته وأولياته وصل إلى جدول يومي مناسب ومكتمل.

ويضيف أن التقليل من استخدام الهاتف يساعد في الحصول على ذهن صاف وغير مشتت، مما يسهم في تنمية المواهب ومعرفة ما يحتاجه الإنسان للتطور ومواكبة العصر، وحصوله على أوقات كافية للراحة البدنية والبصرية، ويستطيع أن يقوم بجميع واجباته دون نقصان، ويتيح له ذلك التفكير المبدع إذ يعطي الفرد فرصة كسب معلومات جديدة عن طريق القراءة من الصحف والكتب والمجلات، كما أنّ صحة الفرد نفسيا ومعنويا أهم من الساعات التي يقضيها أمام الهاتف المحمول.

عدم الرضا

وتقول فاطمة الريامية: لا ننكر أن الهاتف النقال أصبح عاملا مساعدا للتطور ومعرفة المستجدات وسهَّل أمور الحياة وأسهم في سرعة إنجاز المعاملات ولكن الإفراط في استخدامه وما يحتويه من برامج يجعلان الفرد حبيس اللحظة، كما أن كثرة مشاهدة الحسابات والإعلانات ومشاهير التواصل الاجتماعي تشعل في الفرد الغيرة والرغبة في شراء واقتناء كل شيء جميل يراه وهذا يجعله غير راض عن حياته ويحلم بالمزيد مما يسبب له عبئا ماديا واستهلاكا للطاقة وتفكيرا مضاعفا، إذ كانت من الأولى أن تذهب جميعها في شيء يخدمه وينفعه.

وأضافت بقولها: أدركت هذا الشيء حين انتابني شخصيا الملل والضيق من كثرة المتابعة ومعرفة كل ما هو جديد في عالم الموضة والمنازل والسفر والرغبة الشديدة في اقتناء والحصول على كل ما هو جديد وممتع لأن الصورة دائما تعكس الجمال، بعدها قمت بتقليل الوقت المستنزف في استخدام الهاتف وحددت أهدافي وأولوياتي التي يجب أن أنفق فيها طاقتي ووقتي من ممارسة للرياضة والتأمل وقضاء أكبر وقت ممكن بصحبة الأهل والأبناء وبالتالي انعكس إيجابا بين صلتي وارتباطي بأسرتي، والشعور بالرضا والسلام الداخلي وبدأت ألاحظ سرعة الإنجاز في أعمالي وكمية الراحة النفسية والصحية التي أشعر بها الآن دون تتبع آخر الأخبار والمستجدات.

من جانبها تقول صبرة بنت محمود الحكمانية، أخصائية إرشاد وصحة نفسية: أصبحت الهواتف الذكية قرينا ملازما للكثيرين منا في وقتنا الحالي، وبشكل لا شعوري يبدأ كل منا تصفح هاتفه الذكي منذ أول الصباح، ويبدأ بالمرور عبر صفحات وسائل التواصل الاجتماعي والرسائل النصية، وحتى عند الجلوس وجها لوجه مع أفراد العائلة والأصدقاء في المناسبات الاجتماعية والأسرية مما يفقده متعة الجلوس مع الأهل وبالتالي كسر روابط العلاقة الأسرية، ويمكن للفرد التمرن على السيطرة على تقليص استخدامه الكبير للهاتف بالتعوُّد، ومن فوائد تقليص الوقت المُستهلك في تصفح الهواتف الذكية التخفيف من التوتر والقلق المصاحب بسبب الاعتمادية العالية على الأجهزة والهواتف الذكية، كما يسهم التقليص في خفض مستويات ضغط الدم وتحسين جودة النوم، كما يصبح للفرد وقت كاف لصلة الرحم وبالتالي زيادة الألفة والمحبة بين أفراد الأسرة.

الناحية النفسية

ومن الناحية النفسية أوضحت الحكمانية أن التقليل وتجنب استخدام الهواتف يزيدان من مستويات الثقة عند الأفراد ومنها زيادة التحفيز الذاتي والتي تنعكس بدورها على زيادة الإنتاجية اليومية، والتركيز بشكل أكبر على تحقيق الأهداف الحياتية والمهنية، مشيرة إلى أن إحدى الدراسات أوضحت أن النظر المستمر للهاتف وإدمانه يسببان القلق والاضطرابات النفسية الشديدة مما يعيق الشخص عن أداء واجباته اليومية بشكل جيد وبالتالي فقدان الإنتاجية إذ يشعر الشخص أن إنجازاته لم تعُد تشعره بالسعادة بالشكل الذي يشعر فيه أثناء تصفحه لهاتفه النقال، ويعود ذلك بسبب كميات الدوبامين التي يتم إفرازها بشكل غير منتظم، مما يشعر الإنسان أنه غير سعيد أثناء القيام بواجباته أو أعماله اليومية، إضافة إلى أن متابعة مشاهير التواصل الاجتماعي ورؤية إنجازات الآخرين دون القيام بأي شيء تؤدي إلى الشعور بالعجز وعدم الرغبة في العمل وبالتالي الركون إلى الكسل، كما أن الاستخدام المفرط للهاتف مضيع للوقت وهو أثمن ما يملكه الإنسان، حيث يبدأ الأمر عندما تؤجّل عملك لدقائق معدودة لتنشر شيئا ما عن حدث يومي وتكتب تعليقا على منشور ما فتطول هذه الدقائق لتصبح ساعات ثم تتفاجأ بضياع يومك دون أن تؤدي ما عليك من واجبات.

وأضافت أن محاولة تقليص عدد ساعات استخدام الهاتف النقال صعب في بدايته، ولكن يستطيع الشخص القيام بذلك حين ينجز ما عليه من واجبات أولا ثم يكافئ نفسه بتصفح الهاتف، ويعطي أولويات إنجاز ما عليه من مهمات وتوزيع وقته ما بين قراءة كتاب مفيد أو تعلم شيء يفيده وممارسة الرياضة والجلوس مع الأهل والتقرب منهم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: کما أن

إقرأ أيضاً:

هل يُؤسر الوعي؟!

يُعرفُ عن الوعي بأنه الإدراك، وهو حالة ذهنية؛ مطلقة؛ تنبثق عن جملة من القناعات التي يصل إليها الفرد، فيتخذ منها مواقف، ويصدر من خلالها آراء، وممارسات على أرض الواقع، وبالتالي فمجمل هذه المواقف والآراء والممارسات «تُقَيَّمْ من قبل الآخرين» على أنها مستويات من الوعي لدى هذا الفرد أو ذاك، وإن اتسعت الدائرة فيشار في ذلك إلى المجموع، وهذا الأمر لا ينفي أن يسبق تَكوّن هذا الوعي وتشكله مجموعة من المغذيات، وهذه المغذيات هي مجموع ما تنتجه البيئة الحاضنة من أحداث ومواقف، وتصادمات وتفاهمات، ومحتوى الحاضنة نفسها هو الذي يحدد نوع هذا الوعي، فالدول التي تعيش صراعات عسكرية، أو صراعات ثقافية، أو صراعات دينية، أو صراعات اقتصادية، سوف ينعكس ذلك حتما على وعي الفرد، فيصب كل ذلك في خانة الوعي عند الفرد، ويضاف إلى ذلك مجموعة من التجارب الشخصية التي يمر بها، وهو في حاضنته الاجتماعية؛ القريبة منها أو البعيدة، ومن هنا يقاس مستوى الوعي بين الأفراد على اعتبار سنوات العمر التي قطعوها في حياتهم، وبالتالي فلا يمكن أن ينظر إلى وعي من هو في العقد الأول من العمر، مثل من هو في العقد الرابع أو الخامس، وهنا أفرق بين اكتساب المعرفة «التخصص» وبين مكتسبات الوعي المتعمق في قضايا الحياة، ومعنى هذا أن هناك من يكون في العقد الثاني أو الثالث، ويملك مستوى من المعرفة المتقدمة، بينما لا يملكها من هو في العقد الرابع أو الخامس، وهذا أمر مسلم به، ولا يحتمل جدالا سفسطائيا مملا، فهذه حقيقة، ومعنى هذا أن الوعي شيء، واكتساب المعرفة شيء آخر، نعم؛ قد يزيد اكتساب المعرفة من مستويات الوعي، وليس العكس.

هذه البسطة في المقدمة عن الوعي لا تذهب إلى الإجابة عن السؤال الذي يحمله العنوان (هل يُؤْسَر الوعي؟)، بقدر ما تقدم توصيفا بسيطا للفكرة العامة في هذه المناقشة، والإجابة عن هذا السؤال: نعم؛ يُؤْسَر الوعي، وهذا الأسر لا يتوقف عند تحييده عن اتساع دائرته التأثيرية؛ فقط، بل يصل الأمر إلى تعطيل الدور الذي يقوم به، وتأثيره على الواقع المحيط، ولأن المسألة مرتبطة بالفرد، فإن وسائل التحييد تظل كثيرة، وفي مقدمتها الدعاية الإعلامية «البروباجندا» التي تسعى إلى أسر الوعي لدى المتلقي، وتوجيهه نحو الرسالة التي يبعثها المرسل من خلال رسالته فقط، دون أن تترك لهذا المتلقي حرية القبول أو الرفض، كما هو في حال الإعلانات التجارية؛ كمثال بسيط؛ وهذا ما أثبتته نظرية «الرصاصة الإعلامية» السائدة في مطلع القرن العشرين المنصرم، وإن ظهرت نظريات فيما بعد، عطلت هذه النظرية، ومنها نظرية «التعرض الانتقائي» التي أعطت الفرد المتعرض للرسالة حرية الاختيار والانتقاء لهذه الرسالة أو تلك.

وأسر الوعي؛ يمارس على نطاق واسع، وتتسع دائرته في الحاضنة الاجتماعية، عندما يعمد المجتمع، سواء عبر الممارسات الأسرية، التي تحتكر الكثير من المعلومات عن أبنائها؛ بحجة أنهم صغار لا يفهمون، أو عبر مؤسسات ، يعمد أفرادها إلى عدم إعطاء الجمهور الصورة الكاملة لكثير من أنشطتها؛ بحجة أن ذلك ليس مهما، بقدر ما تهم النتائج المترتبة على تنفيذ البرامج والخطط، كل ذلك حتى لا تقابل تلك البرامج والخطط بشيء من النقد، أو التعديل، أو محاولة الإفصاح عن حقيقتها الموضوعية، والمادية، ومآلات نتائجها، حيث يجد الجميع أنفسهم أمام واقع غير جديد، ويحدث هذا حتى على مستوى المؤسسة نفسها؛ في كثير من الأحيان، سواء أكانت مؤسسة عمل، أو مؤسسة أسرية، وخطورة هذه المسألة أن ممارستها أصبحت ضمن المعتاد، وتتوارثها الأجيال، وكأن الأمر عادي بالمطلق.

مقالات مشابهة

  • كيف تحسن جودة نومك في الشتاء: نصائح للحصول على نوم مريح في الطقس البارد
  • شعبة الاتصالات: حظر الهواتف غير المعتمدة يقضي على التهريب ويحمي المستهلكين
  • رئيس شعبة الاتصالات: حظر الهواتف غير المعتمدة يقضي على ظاهرة التهريب ويحمي المستهلكين
  • خبراء أتراك:د تراجع الكتابة اليدوية خطر يهدد اللغة والذاكرة
  • إدمان «شاشات الأجهزة الإلكترونية».. خطر يهدد صحة الأطفال
  • مواصفات وسعر هاتف Galaxy S25
  • هل يحمي «الذكاء الاصطناعي» الهواتف من السرقة؟
  • هل يُؤسر الوعي؟!
  • تسع كوارث مدمرة بدنية وصحية ناجمة عن إدمان الهاتف المحمول.
  • كيف تتخلص من الشبورة باستخدام الموبايل أثناء قيادة السيارة؟