رحيل محجوب محمد صالح يطفئ نجومية آخر الآباء مؤسسي الصحافة السودانية. أولئك آباء لم يأت بمثلهم أي جيل . رؤاهم تفتّحت على الهم الوطني عقب انكسار موجة ١٩٢٤ . دائرة التعليم كانت ضيّقة برسم الاستعمار .لكنهم كسروا حواجز الممكن فارتادوا مدارات شاهقة في آفاق الوعي بالمثابرة الذاتية. صدورهم اختلجت بأنفاس الشعب ،فتنافسوا على بناء حركة صحافية ديدنها التجويد المهني، الأخلاقي والوطني ،فنسجوا مساهمات في تجرد إلا من حب الشعب و عشق البلد.
*****
عند بدايات تشُكل فجر الحركة الوطنية برق نجم عدد من حملة شُعل التنوير .تلك الكوكبة الوضيئة ساهمت بجهد وفير في بث الوعي إذ ايقظت آذان الاصغاء ولفتت إلى الانتماء والعطاء على الصعيد الوطني. مع لتلك الصحوة المبكرة المرافقة لتحسن في أحوال الناس المعيشة بدأ الحرث في الحقل الصحافي. فالحركة التجارية- وأعمدتها وافدون -بادرت إلى الاستثمار في هذا الحقل كما أدرك زعماء الارستوقراطية السودانية حتمية استيعاب جهود المثقفين . كذلك انتبهت سلطة الاحتلال إلى تنامي الوعي فعمدت إلى إحتوائه او تطويقه. هكذا برزت صحف تحت كنف زعماء الزعامات التقليدية بينما لم تنأى السلطة الاستعمارية بنفسها وأموالها عن هذه الصناعة الجديدة الخطيرة.
*****
تك اليقظة الوطنية تبلورت على صدى مقال الصحافي الرائد حسين شريف (شعب بلا صحيفة قلبٌ بلا لسان) قبيل وفاة صحيفة (السودان)١٩١٨.وهي صحيفة خدمت المستعمر والناطقين بالعربية من غير السودانيين. ففي العام التالي وُلدت (حضارة السودان) بتمويل من عبد الرحمن المهدي ، محمد الخليفة شريف ، عثمان صالح ورأسماليين آخرين. فصدور (النهضة) في العام ١٩٣٢ ثم (النيل) ثم (الفجر) في ١٩٣٦ ،قبل تأسيس حزب الامة جريدته (الامة) واطلاق على الميرغني (صوت السودان) في العام ١٩٤٥.
*****
ما يميز (الأيام ) انها وُلدت في العام ١٩٥٣سودانية خالصة لحماً ، دما ،عظما ولبناً . كما أنها صنيعة جهد ومثابرة فرسانها الثلاثة ؛ بشير محمد سعيد ، محجوب عثمان ومحجوب محمد صالح . إذ لم تتلق تمويلا من جهة بعينها. كما لم تستهدف خدمة جهة سياسية إلا بقدر ما يصدر عن تلك الجهة مع ما يتوافق مع رؤاها القومية الديمقراطية. السير على ذلك الخط يشكل ضربا من ممارسة الوقوف على حد السكين. خاصة في ظل تشقق الحركة الوطنية منذ بداياتها ،ثم تصدع القوى السياسية وخلافاتها غير المبدئية . أكثر من ذلك أن المحافطة على ذلك النهج من قبل ثلاثة رؤوس يجسد خرقاً في سياق الفهم العام لشخصية المثقفين السودانيين غير التوافقية حتى داخل الإطار الواحد تحت السقف المشترك!
*****
من منطلق نهجها القومي ظلت الأيام وفقا للمؤرخ السياسي فيصل عبد الرحمن علي طه في كتابه المعنون (السودان على مشارف الاستقلال) تدافع الأزهري لجهة الاستقلال حتى اذا ما تحدث عن المزاج السوداني العام في هذا الشأن إبان لقائه المبعوثين في لندن وصفتها الأيام المناسبة (بأنها كانت المرة الأولى التي قال فيها الأزهري كلمة الاستقلال صراحة ) ثم يروي دكتور فيصل ان أزهري استدعى بشير محمد سعيد للقاء في منزله بام درمان حيث ابلغه رأيه الشخصي في هذه المسألة. بالطبع جاء اختيار رئيس تحرير الأيام في ضوء توجه الجريدة وتقديرا لموقف بشير .الايام احتفت في ملحق خاص صدر للمرة الأولى في طبعة مستقلة صباحية. ذلك الإصدار يشكل اختراقا مهنياً في تاريخ الصحافة السودانية
*****
بشير والمحجوبان التزما في تسيير الأيام بروح الفريق ميثاقا مهنيا اخلاقيا رفيعا لم يكن مكتوبا إلا في ضمائرهم وعقولهم. وفق هذا الميثاق سارت ادارة المؤسسة صحافيا، ماليا واداريا ما منحها مناعة ذاتية ضد الخلافات الشخصية ومنعة ضد الأخطار والتهديدات المحيطة. فكما لم تتعثر الدار ماليا منذ نشأتها لم تزل عن خطها السياسي تحت كل العواصف الرعدية والترابية، فظلت قابضة على نهجها القومي التقدمي. لتجربة بشير في مجال الأعمال باع أطول في استقرار المؤسسة ماليا لكن كان لعلاقاته حتما يدٌ طولى. فلخاله و والدزوجته محمود احمد عبد الله- وهو رجل أعمال-اسهام في مراحل التأسيس وفق رواية من أثق في أمانة معلوماته.
*****
بثبات الرجال الشجعان على المبادئ والطموح تحولت( الأيام) من صحيفة يومية إلى مؤسسة تصدر عنها كذلك صحيفة يومية ناطقة في اللغة الإنجليزية(مورنينغ نيوز) ثم مجلة ثقافية أسبوعية(الحياة)١٩٥٧ ثم ضمت مركزا للدراسات الثقافية والتنمية لاحقا . صحافيون متميزون من أجيال متباينة نهلوا من نبع (الأيام).من مفارقات التاريخ العصية على النسيان تولي محجوب عثمان وزارة الإعلام بينما أُسندت رئاسة لجنة إعادة تنظيم الصحف بعد تأميمها إلى محجوب محمد صالح .حدث ذلك تحت رياح العاصفة اليسارية على عتبة العهد المايوي . من منطلق الانتماء ؟ ربما .لكنها حتما ليست خطيئة بل خطأ محتمل إذ لم يفطن (الرفاق ) إلى نصيحة عبد الخالق محجوب بتوصيف الانقلاب ( حركة بورجوازية صغيرة ،سنكون أول ضحاياها) .مع ذلك لم تتأثر نصاعة ثوب المحجوبين ربما أبرز الإثباتات في حق محجوبنا الأخير اطلاق جائزة في فنون الصحافة تحمل اسمه.دع عنك جوائز عدة كرّمته بها من مؤسسات خارج الوطن.
aloomar@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: فی العام
إقرأ أيضاً:
كيفية استقبال واستغلال الأيام المباركة.. فضل شهر شعبان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
شهر شعبان من الأشهر الهجرية المميزة، بين شهري رجب ورمضان، ويعتبر فرصة للمسلمين للاستعداد لشهر رمضان المبارك، ورغم أن شهر شعبان ليس من الأشهر الحرم، فإنه يحمل بين طياته فضلًا كبيرًا، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الصيام فيه، ويحث المسلمين على استغلاله في العبادة والتقرب إلى الله تعالى.
فضل شهر شعبان
شهر شعبان من الأشهر المباركة، وهو بمثابة فترة تحضيرية لتأهيل النفس للعبادة في رمضان، ورد في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر من الصيام في هذا الشهر، عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أكثر صيامًا منه في شعبان”.
كما يتميز هذا الشهر بليلة النصف من شعبان، وهي ليلة عظيمة يتم فيها الدعاء، والاعتكاف في المساجد، والتهجد، حيث يستجاب فيها الدعاء وتغفر الذنوب، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا كانت ليلة النصف من شعبان، ينزل الله إلى السماء الدنيا فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن”.
طريقة استقباله
يجب على المسلمين استقبال شهر شعبان بروح من العبادة والاستعداد لشهر رمضان، فيبدأ المسلمون بالإكثار من الأعمال الصالحة، مثل صيام التطوع وقراءة القرآن الكريم وكثرة الدعاء والاستغفار، ومن السنة أن يبدأ المسلم بالصيام في هذا الشهر، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم أيامًا عديدة، خاصة في النصف الثاني من شعبان.
كما يمكن للمسلمين أن يتوجهوا إلى الله بالدعاء في هذه الأيام المباركة، ويكثروا من الاستغفار، طلبًا للمغفرة والرحمة، وفي ليلة النصف من شعبان، ينبغي إحياء هذه الليلة بالصلاة والدعاء، لعل الله تعالى أن يغفر لنا ما مضى من ذنوبنا.
أفضل الأعمال في شهر شعبان
الصيام: صيام النفل في هذا الشهر من أفضل الأعمال التي يمكن للمسلم أن يؤديها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من صيامه في هذا الشهر استعدادًا لرمضان.
الصدقة: كثرة الصدقة في شعبان تعود على المسلم ببركات عظيمة، خاصة في هذا الشهر الفضيل الذي يسبق شهر رمضان.
الذكر والدعاء: الإكثار من الذكر، مثل التسبيح والتكبير، وتخصيص وقت للدعاء في هذا الشهر، خاصة في ليلة النصف من شعبان، والتي تُعد من الليالي التي يُستجاب فيها الدعاء.
قراءة القرآن الكريم: يجب على المسلم أن يحرص على ختم القرآن الكريم في هذا الشهر أو قراءة أجزاء منه بانتظام.
أدعية شهر شعبان
من الأدعية المستحبة في شهر شعبان:
"اللهم بلغنا رمضان، واجعلنا من صيامه وقيامه من المقبولين".
"اللهم اجعلنا من أهل الجنة واعتق رقابنا من النار".
"اللهم اجعل شهر شعبان شهر خير ورحمة وعتق من النار".