عبد الله علي إبراهيم
أجد بين اوراقي رسائل قصيرة أعلق فيها على مكتوب ممن أحسن الظن بي وطلب رأياً مني حول فكرته. وهذه تعليق على رسالة من عرض عليّ مشروعاً للخلاص مما نحن فيه من بلاء اشرككم فيه. وربما غمض جزء أو آخر منه.

شكرا واثق على اطلاعي على شاغلك المؤرق. وأنت البركة. أرجو أن تقبل مني هذه الملاحظات على سلبيتها الإيجابية:
وددت لو أحطنا بالظاهرة الانقلابية من شقيها المدني والعسكري لأنه، متى احتججنا على الجيش، صار الانقلاب عسكرياً ومتى احتججنا على الأحزاب صار مدنياً.

أنا صادر هنا عن تحلينا في الحزب الشيوعي من أن الانقلاب حالة طبقية المدنيون والعسكريون فيها مجرد وظائف لا فضاءات منقطعة عن بعضها البعض.
هناك مقارنة تنعقد دائماً بين أوضاعنا من حيث منزلة الجيش وأوضاع سوريا واليمن وليبيا. واختلفت مع هذه المقارنة لأننا ما زلنا نملك جيشاً مهما يكن حاله في حين أن أياً من تلك الدولة لم تملك جيشاً مهنياً موحداً حين نشأ النزاع.
مع تعزيزي للموقف في الورقة من أن الجيش هو من يحتكر السلاح ولكن تخلصتم في مذكرتكم من الدعم السريع كمؤسسة اقتصادية وكيان عسكري معاً بصمت كأن هذا ممكناً للوهلة الأولى. فليس للدعم السريع ذكر في المجلس الأعلى المقترح من طرفكم.
عبارة "كيف يحكم السودان لا من يحكمه" تخفي سقماً في الصفوة حيال الصراع conflict . فنحن نطابق بين الصراع والفشل. فالصراع عندنا ليس لتحليل قواه ومشروعاته، بل لإطلاق صفارات الإنذار وإعلان القيامة السياسة. فالديمقراطية، بعد استباب إطارها، أكبر منشأة للصراع حول من يحكم لينهض بكيف يحكم. هذه هي الديمقراطية الليبرالية. وقد ساءت سمعتها عندنا لمجرد أنها تقوم به بما تقوم به كل ديمقراطية.
وكذلك الصراع في الفترة الانتقالية. كل ما كان ينقصنا هو الاعتراف بأن ما واجهنا في انتقالية ديسمبر (وكذلك في أكتوبر وأبريل) ثورة مضادة مما اصطدمت بمثلها كل ثورة. ليس المصطلح مما شاع فينا وجنحنا لمصطلح الدولة العميقة باستحياء. وبدلاً من مواجهة هذه الثورة المضادة في تكتيكاتها وتطويقها نلجأ للشكوى المرة منها بما يجعل منها "مؤامرة" لا مشروعاً سياسياً لقوى تتربص بالثورة لأنها سيدة مشروع مناوئ ومنافس.
لو سألتني لربما كنا بحاجة، بجانب هذه المشروعات للم الشمل، إلى مؤتمر أكاديمي يصفي تركة التفكير الذي تراكم خلال العقود الماضية منذ الاستقلال تراكماً صار حاجباً دون أن نرى عوجة رقبتنا. مثلا: وجدت نفسي أجادل نظرية صارت لها منزلة العقيدة من أن الانقلابات هي ما يوحي به المدني للعسكري الغشيم أو طيش حنتوب. ووظيفة هذه العقيدة التي لا غيرها أن تتغايظ بها جماعات الصفوة: انتو عملتو انقلاب ما أنتو عملتو قبلنا. والأمر أيسر من هذا. نريد بمثل هذا المؤتمر أن نصفي تركة الفكر الخطأ الذي لا نريد أن نلج به فضاءنا الجديد وننتظر نتيجة أفضل.
نستكمل ما تبقى بالكلام.

IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

لماذا يدعم بعض الوطنيين الجيش المختطف بواسطة مليشيا الحركة الإسلامية؟ وما مدى مصداقية هذه الحجج في الواقع؟

في سياق الصراع السياسي والاجتماعي المعقد في السودان، نجد أن العديد من الوطنيين لا يزالون يدعمون الجيش، على الرغم من اختطافه الواضح من قِبل مليشيا الحركة الإسلامية. هذه المفارقة السياسية تثير تساؤلات عميقة حول دوافع هذا الدعم ومدى مصداقيته في ظل الواقع الحالي. لفهم هذه الظاهرة، من الضروري أن نلقي نظرة متأنية على الحجج التي يسوقها هؤلاء الوطنيون لتبرير موقفهم، وتحليلها من منظور نقدي لتقييم مدى صمودها أمام التحديات السياسية والاجتماعية في البلاد.

الحجج الرئيسية لدعم الجيش المختطف:

1. رؤية الجيش كمؤسسة وطنية: يعتقد البعض أن الجيش، رغم اختطافه من قبل الحركة الإسلامية، لا يزال يمثل مؤسسة وطنية يمكن الحفاظ عليها وتحريرها من الداخل. يدافع هؤلاء عن فكرة أن الجيش السوداني كان، عبر التاريخ، مؤسسة وطنية ذات دور أساسي في حماية البلاد ووحدتها. هذا الدعم ينبع من الرغبة في الحفاظ على هذه المؤسسة كإرث وطني يمكن إعادة تأهيله وتوجيهه نحو مسار يخدم المصلحة الوطنية.

2. الخوف من انهيار الدولة: يرى بعض الوطنيين أن الجيش، برغم كل عيوبه الحالية، هو آخر خط دفاع أمام انهيار الدولة السودانية بالكامل. تطرح هذه الحجة أن أي تفكك أو إضعاف للجيش قد يؤدي إلى انهيار كامل للدولة، على غرار ما حدث في دول أخرى كليبيا واليمن. بالتالي، يُفضل هؤلاء دعم الجيش على أمل الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار ومنع الفوضى أو تقسيم البلاد.

3. العداء للقوى المعارضة الأخرى: بعض الوطنيين لديهم عداء تاريخي مع القوى السياسية الأخرى المعارضة، مثل قوى الحرية والتغيير أو الحركات المسلحة. بالنسبة لهم، هذه القوى لا تقدم بديلاً وطنياً حقيقياً، بل يسعى بعضها إلى مكاسب سياسية أو شخصية على حساب الدولة. لذا، يتمسك هؤلاء بالجيش، حتى وهو مختطف، باعتباره المؤسسة التي يمكن أن تضمن توازناً في مواجهة هذه القوى.

4. الاعتقاد بإمكانية استعادة الجيش: يرى البعض أن الجيش السوداني، رغم سيطرة الإسلاميين عليه، يمكن تحريره واستعادته كمؤسسة وطنية إذا تلقى الدعم الكافي من الوطنيين. يُبنى هذا الاعتقاد على أمثلة تاريخية تشير إلى أن بعض الجيوش، التي اختُطفت في سياقات سياسية معينة، تمكنت لاحقاً من التخلص من هذا الاختطاف واستعادة دورها الوطني.

5. الحفاظ على وحدة البلاد: في نظر العديد من الوطنيين، يظل الجيش هو القوة الأساسية التي يمكنها ضمان وحدة البلاد. يعتقدون أن الجيش، حتى تحت السيطرة الحالية، يمثل عامل توازن يمنع تفكك السودان إلى كيانات صغيرة، وهو سيناريو يُخشى تكراره بعد تجربة انفصال جنوب السودان.

6. الضغط الإقليمي والدولي: يرتبط الجيش السوداني بقوى إقليمية ودولية توفر له الدعم المادي والسياسي. بعض الوطنيين يرون أن الحفاظ على علاقات جيدة مع هذه القوى من خلال دعم الجيش هو ضرورة استراتيجية، خصوصاً في ظل توازنات إقليمية معقدة يمكن أن تضع السودان في موقف ضعيف إذا ما سقط الجيش.

تحليل مدى مصداقية هذه الحجج في الواقع:

عند النظر في هذه الحجج من منظور نقدي، نجد أن مصداقيتها تتفاوت بشكل كبير في ظل الواقع السوداني المعقد:

1. رؤية الجيش كمؤسسة وطنية: هذه الحجة، رغم قوتها التاريخية، أصبحت تفتقر إلى المصداقية في السياق الحالي. اختطاف الجيش بواسطة الحركة الإسلامية منذ انقلاب 1989 حوّله من مؤسسة وطنية إلى أداة سياسية تعمل وفق أجندات ضيقة. الأدوار التي لعبها الجيش خلال العقود الماضية، سواء في قمع الانتفاضات الشعبية أو في التواطؤ مع الأنظمة الشمولية، جعلته بعيداً عن طموحات الشعب السوداني، مما يضعف من حجية هذه الرؤية بشكل كبير.

2. الخوف من انهيار الدولة: الخوف من انهيار الدولة قد يكون مبرراً، لكن الجيش في شكله الحالي لم يمنع حدوث الفوضى، بل في كثير من الأحيان كان جزءاً من المشكلة. دوره في تأجيج الصراعات في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان يُظهر أن وجود الجيش في هذا الشكل لم يكن ضمانة للاستقرار، بل على العكس، كان عاملاً مساهماً في عدم الاستقرار.

3. العداء للقوى المعارضة الأخرى: دعم الجيش بسبب العداء للقوى المعارضة الأخرى يعكس استقطاباً سياسياً حاداً، لكن هذا الدعم غالباً ما يكون قصير الأمد ويؤدي إلى تعميق الأزمة. الجيش، في حالته الراهنة، لا يمكن أن يكون بديلاً لأي قوى سياسية ديمقراطية، وأي دعم له على هذا الأساس يُعتبر هروباً من مواجهة التحديات الحقيقية التي تتطلب حواراً وطنياً شاملاً.

4. الاعتقاد بإمكانية استعادة الجيش: استعادة الجيش كمؤسسة وطنية يُعد من الناحية النظرية خياراً محتملاً، لكنه بعيد عن الواقع. تجربة العقود الثلاثة الماضية أظهرت أن الجيش السوداني لم يتمكن من التخلص من قبضة الإسلاميين، بل أصبح أكثر ارتباطاً بهم مع مرور الوقت. أي محاولة لتحرير الجيش دون تغييرات جذرية في هيكلته ستكون محكومة بالفشل، مما يجعل هذه الحجة ضعيفة من الناحية العملية.

5. الحفاظ على وحدة البلاد: الجيش، في حالته الحالية، لم ينجح في الحفاظ على وحدة البلاد، بل كان جزءاً من عوامل تأجيج الصراعات والانقسامات الداخلية. انفصال جنوب السودان مثال حي على أن الجيش السوداني، حتى وهو في أوج قوته، لم يتمكن من منع تقسيم البلاد، مما يشكك في قدرة الجيش الراهن على الحفاظ على وحدة ما تبقى من السودان.

6. الضغط الإقليمي والدولي: دعم الجيش من قِبل قوى إقليمية ودولية يُبنى على مصالح تلك القوى وليس على مصلحة السودان. أي اعتماد على هذا الدعم يجعل الجيش أداة لتحقيق أهداف خارجية وليس لتحقيق الاستقرار الداخلي، مما يُضعف من مصداقية هذا المبرر ويجعله رهيناً للتوازنات الإقليمية التي قد تتغير في أي لحظة.

يمكن القول إن دعم بعض الوطنيين للجيش، رغم اختطافه من قبل الحركة الإسلامية، يعكس حالة من التخبط السياسي والاستقطاب الحاد في السودان. الحجج التي يسوقها هؤلاء لدعم الجيش تفتقر في مجملها إلى المصداقية والواقعية، حيث أن الجيش لم يعد مؤسسة وطنية تمثل الشعب السوداني، بل تحول إلى أداة بيد قوى سياسية ضيقة. استمرار هذا الدعم سيعزز من حالة الجمود السياسي ويزيد من تعقيد الأزمة، مما يتطلب مراجعة شاملة للمواقف الوطنية تجاه الجيش في سياقه الراهن، والتركيز على إيجاد حل شامل ينهي حالة اختطاف الدولة بواسطة قوى سياسية وعسكرية تعمل ضد تطلعات الشعب السوداني.

hishamosman315@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • القضاء العراقي يحكم بالإعدام بحق داعشي وثلاثة تجار للمخدرات
  • لماذا تعلوا أصوات الحرب على السلام في السودان ؟
  • لماذا يدعم بعض الوطنيين الجيش المختطف بواسطة مليشيا الحركة الإسلامية؟ وما مدى مصداقية هذه الحجج في الواقع؟
  • الحركة الاسلامية السودانية وتفكيك الجيش القومي السابق والمؤسسة العسكرية السودانية
  • المعضلات النفسية والاجتماعية في السودان: جذور الصراع وافاق الحلول
  • لأول مرة.. القضاء البريطاني يحكم بسجن رجل تآمر على ختان فتاة
  • بعد سيطرة الجيش السوداني عليه.. ماذا تعرف عن جبل مويه بولاية سنار؟
  • نجم يد الأهلي: «كنا عاوزين نوصل النهائي ونستاهل الفوز على برشلونة»
  • الجيش السوداني يتقدم وسط الخرطوم وقوات متحالفة معه تحقق انتصارات بدارفور
  • الصراع الداخلي في السودان و الأبعاد السياسية والتجاذبات المدنية حول التدخل الدولي