بقلم: د. محمد حمد مفرح
mohammedhamad11960@gmail.com
ظلت أزمة السودان المتمثلة في الحرب المستعرة منذ ابريل الماضي اخذة في التفاقم بوتيرة متصاعدة افرزت تدهورا عاما طال العديد من المناحي، و خلقت واقعا كارثياً غير مسبوق Unprecedented Catastrophic reality أورد البلاد و العباد موارد المعاناة الحقيقية التي أسهب الكتاب و المحللون السياسيون في تناول تداعياتها.
و من مظاهر التدهور التي أفرزتها الحرب انهيار الخدمات الصحية بود مدني و ما اصاب الحياة هناك من شلل كبير بالإضافة إلى السرقات و النهب و خلافه، الأمر الذي ضاعف من معاناة المواطنين، و عمل على تعقيد الوضع العام بالبلاد، في ظل التدهور الذي تعاني منه المناطق الأخرى خاصة الخرطوم و دار فور و بعض مناطق كردفان.
كما ان بابنوسة شهدت، هي الأخرى، تدهورا في الكثير من المناحي بالإضافة إلى موجة نزوح اجبرت عشرات الالاف من المواطنين على الخروج من المدينة.
من جانب اخر، فان واقع الحال يؤكد على أن الحرب اخذة في التمدد على نحو يهدد كل مناطق السودان، ما يجعل الوضع العام بالبلاد منفتح على اكثر من سيناريو. غني عن القول أن فشل كل مساعي إيقاف الحرب حتى تاريخه، و بالتالي تعذر انسياب المساعدات الانسانية، الغذائية منها و الدوائية و خلافها، في ظل عرقلة جهود إيقاف الحرب من قبل الطرف الداعي لاستمرارها حول، أي الفشل المشار اليه، مشكل البلاد الى ازمة مركبة تحتاج الى اختراق فوق العادة Extraordinary breakthrough و مساعي غير تقليدية هادفة لتفكيك الأزمة.
و مما تجدر الاشارة إليه ان اشعال قيادات نظام الانقاذ للحرب و عملها على استمرارها بل و استخدامها لكل الأساليب من اجل تواصلها، تحدث عن نفسها بصورة جلية تشهد عليها اعترافاتهم (صورة و صوت)، ما يجعل انكار هذه الحقائق او محاولة التبرؤ منها عصي على النفي.
و تبعا لذلك فان ازمة البلاد المشار إليها تتمظهر في امساك قيادات نظام الانقاذ بمقاليد الامور في البلاد عبر هيمنتها على حكومة الأمر الواقع De facto government و عملها المتواصل و المثابر على الحيلولة دون إيقاف الحرب و معالجة اثارها و من ثم المضي قدما في العملية السياسية المرتجاة، و ذلك لتقاطع هذه المساعي مع مصالح فلول النظام السابق. هذه هي الحقيقة المحضة غير القابلة للدحض و التي جعلت معضل البلاد يراوح مكانه. و للأسف الشديد ستظل الأزمة، و الحال هذه، باقية، تمثل متراسا امام طريق الحل، طالما ظلت قيادات الانقاذ متسيدة المشهد و ممسكة بزمام الأمر بالبلاد.
و استنادا الى هذا الوضع الذي يمثل المعادل الموضوعي Objective correlative لانسداد الافق السياسي بالبلاد، فان ثمة حاجة لقيام (تقدم) التي يراسها الدكتور عبد الله حمدوك بمساعي فوق العادة عبر اعمال العقل السياسي، و استنفار القدرات و الإمكانات، من أجل مواجهة هذا الوضع الاستثنائي قبل استفحاله على نحو يؤدي الى خلق واقع يقود الى تسوية سياسية Political settlement تتقاطع مع مساعي التحول الديموقراطي المنشود، او يؤدي الى قيام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة باعمال الفصل السابع من ميثاق المنظمة الدولية UN Charter.
و لتحقيق هذا المسعى، يمكن ل(تقدم) فتح الباب للصفوة السياسية و الانتلجنسيا و المفكرين من الوطنيين الحادبين على مصلحة البلاد من اجل رفد مساعي (تقدم) بالرؤى و الافكار التي يمكن ان تعمل على مقابلة الوضع الكارثي الماثل الذي تواجهه البلاد، و ذلك سعيا وراء بلورة رؤية متماسكة و ذكية، مؤهلة لتفكيك الازمة السودانية. غني عن القول أن الجهود الجمعية Collective efforts لهذا الحراك يجب أن تنصب في وضع حد للمساعي الهدامة التي تقوم بها قيادات النظام البائد فيما يلي عرقلة مساعي وقف الحرب و ما يعقبها من خطوات اخرى لازمة لمعالحة اثارها و الشروع في العملية السياسية.
من جهة أخرى فان من الضروري بمكان قيام (تقدم) بحراك مواز، نشط و عاجل يرمي الى تمليك الجهات الاقليمية و الدولية المعنية كالأمم المتحدة و الاتحاد الافريقي و الايقاد و منبر جدة و بعض الدول المؤثرة التي ليس لها اجندات تتقاطع مع مصلحة السودان، يرمي الى تمليكها الحقائق ذات الصلة بالازمة السودانية، و شرح ابعادها و مسبباتها الحقيقية مع مطالبتها بالقيام بدور فاعل و عاجل حيال وضع حد لهذه الازمة المدمرة.
و من الأهمية بمكان التأكيد على ان اي تراخي في القيام بالدور الوطني حيال الازمة، على النحو انف الابانة أو الركون الى حراك تقليدي يفتقر الى العبقرية و الديناميكية Genius & dynamism، و غير مؤهل لمقابلة الوضع الاستثنائي، سوف يفتح الباب أمام مجلس الامن للتدخل في البلاد وفقا للفصل السابع لميثاق الامم المتحدة. فميثاق المنظمة يخول الامين العام للمنظمة، وفقا للمادة ٩٩ من الميثاق، لأن ينبه المجلس الى أي مسالة يرى أنها تهدد السلم و الامن الدوليين International peace & security. و تعد هذه المادة واحدة من بين خمس مواد تحدد مهام الامين العام في ميثاق الامم المتحدة، و تعتبر اكثرها أهمية في سياق حفظ السلم و الامن الدوليين. كما تخول المادة ٣٥ من الميثاق أي دولة الى لفت انتباه مجلس الامن او الجمعية العامة الى اي مسألة يمكنها تهديد السلم و الامن الدوليين، أو أي نزاع ناشب بين دولتين او اكثر، بغية قيام هذين الجهازين بدورهما في هذا الشأن.
و سيقوم المجلس، عقب ذلك، بالنظر في الحالة و دراستها للتأكد مما إذا كانت تعمل على تهديد السلم و الامن الدوليين ام لا، و ذلك من اجل اتخاذ القرار المناسب.
و إذا تكشف للمجلس ان هذه الحالة تهدد بالفعل السلم و الامن الدوليين فسوف يقوم بالتدخل في البلاد عبر قوات أممية U N Forces يعهد إليها تحقيق الامن في سياق اهداف معينة ترمي الى احداث الاستقرار بالبلاد.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: السلم و الامن الدولیین
إقرأ أيضاً:
تحليل عبري: هل تحارب إسرائيل الحوثيين أم دولة اليمن.. وما الصعوبات التي تواجه السعودية والإمارات؟ (ترجمة خاصة)
قالت صحيفة عبرية إنه مع تراجع الصراعات مع حماس وحزب الله تدريجيا، تتجه إسرائيل الآن إلى التعامل مع الهجمات المستمرة من الحوثيين في اليمن.
وذكرت صحيفة "جيرزواليم بوست" في تحليل لها ترجمه للعربية "الموقع بوست" إنه مع تدهور حزب الله بشكل كبير، وإضعاف حماس إلى حد كبير، وقطع رأس سوريا، يتصارع القادة الإسرائيليون الآن مع الحوثيين، الذين يواصلون إطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار على إسرائيل.
وأورد التحليل الإسرائيلي عدة مسارات لردع الحوثيين في اليمن.
وقال "قد تكون إحدى الطرق هي تكثيف الهجمات على أصولهم، كما فعلت إسرائيل بالفعل في عدة مناسبات، وقد يكون المسار الآخر هو ضرب إيران، الراعية لهذا الكيان الإرهابي الشيعي المتعصب. والمسار الثالث هو بناء تحالف عالمي - بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة - لمواجهتهم، لأن الحوثيين الذين يستهدفون الشحن في البحر الأحمر منذ السابع من أكتوبر لا يشكل تهديدًا لإسرائيل فحسب، بل للعالم أيضًا.
وأضاف "لا توجد رصاصة فضية واحدة يمكنها أن تنهي تهديد الحوثيين، الذين أظهروا قدرة عالية على تحمل الألم وأثبتوا قدرتهم على الصمود منذ ظهورهم على الساحة كلاعب رئيسي في منتصف العقد الماضي ومنذ استيلائهم على جزء كبير من اليمن".
وأكد التحليل أن ردع الحوثيين يتطلب نهجًا متعدد الجوانب.
وأوضح وزير الخارجية جدعون ساعر يوم الثلاثاء أن أحد الجوانب هو جعل المزيد من الدول في العالم تعترف بالحوثيين كمنظمة إرهابية دولية.
دولة، وليس قطاعاً غير حكومي
وحسب التحليل فإن خطوة ساعر مثيرة للاهتمام، بالنظر إلى وجود مدرسة فكرية أخرى فيما يتعلق بكيفية التعامل مع الحوثيين، وهي مدرسة يدعو إليها رئيس مجلس الأمن القومي السابق جيورا إيلاند: التعامل معهم كدولة، وليس كجهة فاعلة غير حكومية.
وقال إيلاند في مقابلة على كان بيت إن إسرائيل يجب أن تقول إنها في حالة حرب مع دولة اليمن، وليس "مجرد" منظمة إرهابية. ووفقاً لإيلاند، على الرغم من أن الحوثيين لا يسيطرون على كل اليمن، إلا أنهم يسيطرون على جزء كبير منه، بما في ذلك العاصمة صنعاء والميناء الرئيسي للبلاد، لاعتباره دولة اليمن.
"ولكن لماذا تهم الدلالات هنا؟ لأن شن الحرب ضد منظمة إرهابية أو جهات فاعلة غير حكومية يعني أن الدولة محدودة في أهدافها. ولكن شن الحرب ضد دولة من شأنه أن يسمح لإسرائيل باستدعاء قوانين الحرب التقليدية، الأمر الذي قد يضفي الشرعية على الإجراءات العسكرية الأوسع نطاقا مثل الحصار أو الضربات على البنية الأساسية للدولة، بدلا من تدابير مكافحة الإرهاب المحدودة"، وفق التحليل.
وتابع "ومن شأن هذا الإطار أن يؤثر على الاستراتيجية العسكرية للبلاد من خلال التحول من عمليات مكافحة الإرهاب إلى حرب أوسع نطاقا على مستوى الدولة، بما في ذلك مهاجمة سلاسل الإمداد في اليمن".
ويرى التحليل أن هذه الإجراءات تهدف إلى تدهور قدرات اليمن على مستوى الدولة بدلاً من التركيز فقط على قيادة الحوثيين - وهو ما لم تفعله إسرائيل بعد - أو أنظمة الأسلحة الخاصة بها. ومع ذلك، هناك خطر متضمن: تصعيد الصراع وجذب لاعبين آخرين - مثل إيران. وهذا ما يجعل اختيار صياغة القرار مهمًا.
وأشار إلى أن هناك أيضًا آثار إقليمية عميقة. إن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية من شأنه أن يناسب مصالح دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي تنظر إلى الحوثيين باعتبارهم تهديدًا مباشرًا والتي قاتلتهم بنفسها.
إعلان الحرب على اليمن يعقد الأمور
أكد أن إعلان الحرب على اليمن من شأنه أن يعقد الأمور، حيث من المرجح أن تجد الإمارات العربية المتحدة والسعوديون صعوبة أكبر في دعم حرب صريحة ضد دولة عربية مجاورة.
وقال إن الحرب ضد منظمة إرهابية تغذيها أيديولوجية شيعية متطرفة ومدعومة من إيران شيء واحد، ولكن محاربة دولة عربية ذات سيادة سيكون شيئًا مختلفًا تمامًا.
وطبقا للتحليل فإن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية يتماشى مع الرواية الإسرائيلية الأوسع لمكافحة وكلاء إيران، ومن المرجح أن يتردد صداها لدى الجماهير الدولية الأكثر انسجاما مع التهديد العالمي الذي يشكله الإرهاب. ومع ذلك، فإن تصنيفهم كدولة يخاطر بتنفير الحلفاء الذين يترددون في الانجرار إلى حرب مع اليمن.
بالإضافة إلى ذلك حسب التحليل فإن القول بأن هذه حرب ضد منظمة إرهابية من الممكن أن يعزز موقف الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في حربها ضد الحوثيين، في حين أن القول بأنها حرب ضد اليمن من الممكن أن يضفي الشرعية عن غير قصد على سيطرة الحوثيين على أجزاء أكبر من اليمن.
وأكد أن ترقية الحوثيين من جماعة إرهابية إلى دولة اليمن من الممكن أن يمنحهم المزيد من السلطة في مفاوضات السلام والمنتديات الدولية. كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى إقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع دول أخرى، وتغيير طبيعة التعامل الدولي مع اليمن.
يضيف "قد يؤدي هذا الاعتراف إلى تقويض سلطة الحكومة المعترف بها دوليا في العاصمة المؤقتة عدن ومنح الحوثيين المزيد من النفوذ في مفاوضات السلام لإنهاء الحرب الأهلية في اليمن بشكل دائم".
ولفت إلى أن هناك إيجابيات وسلبيات في تأطير معركة إسرائيل على أنها ضد الحوثيين على وجه التحديد أو ضد دولة الأمر الواقع في اليمن.
وتشير توجيهات ساعر للدبلوماسيين الإسرائيليين في أوروبا بالضغط على الدول المضيفة لتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية إلى أن القدس اتخذت قرارها.
وخلص التحليل إلى القول إن هذا القرار هو أكثر من مجرد مسألة دلالية؛ فهو حساب استراتيجي له آثار عسكرية ودبلوماسية وإقليمية كبيرة.