مجزرة النبطية تفضحه.. بنك الأهداف الإسرائيلي برسم المجتمع الدولي!
تاريخ النشر: 17th, February 2024 GMT
ليس جديدًا القول إنّ "بنك الأهداف" الإسرائيلي من الحروب التي يشنّها بصورة عامة، وآخرها على قطاع غزة الفلسطيني، أو على جنوب لبنان بالتوازي، ليس سوى المدنيّين، وفي مقدّمهم الأطفال والنساء، بعيدًا عن الأهداف الكبيرة التي يعلنها، والتي تبدو في الغالب غير واقعيّة، إذ إنّ سجلّه الحافل من "المجازر" يؤكد هذه الحقيقة، ولو أنّه يجد دائمًا من يعطيه الأعذار والتبريرات، ولو أدرك سلفًا أنّها واهية ولا تمتّ إلى الحقيقة بصلة.
لعلّ الحرب على غزة تشكّل الدليل الساطع على صحّة هذه النظرية، إذ إنّ من يراقب مسار هذه الحرب منذ البداية يدرك أنّ إخفاق العدو في تحقيق هدفه المُعلَن، وهو "القضاء على حركة حماس"، كما يقول، عوّضه بتحقيق "هدفٍ آخر"، يتمثّل في تحويل القطاع إلى مكانٍ غير صالح للسكن، ولم يكن ذلك ليتحقّق إلا "بفضل" المجازر المتنقّلة بين المربعات السكنية والمنازل الآمنة، وصولاً إلى المدارس والمستشفيات، وحتى المخيّمات التي يفرّ الشعب إليها.
ولا يقف الأمر عند حدود غزة، فقد وصل الأمر إلى لبنان، حيث حاول الإسرائيلي الحديث عن عمليات "محدّدة"، يحصر من خلالها الاستهداف بشخصيّاتٍ بعينها، محسوبة على "حزب الله" أو "حماس"، إلا أنّ الوقائع كذّبت هذه الفرضية، وآخرها مجزرة النبطية، وقبلها الصوانة وغيرها، حيث كانت دماء الشهداء التي سالت خير معبّر عن "بنك أهداف" قوامه الأطفال، فإلى متى يبقى المجتمع الدولي متفرّجًا على كلّ ذلك؟ وماذا بعد مجزرة النبطية؟!
"لغة" المجازر
يقول العارفون إنّ "لغة" المجازر لطالما طبعت الحروب الإسرائيلية في كلّ مكان، إذ إنّ العدو "المتفوّق" خصوصًا بسلاح الجو، يتعمّد استهداف المدنيّين دائمًا لأكثر من سبب، على رأسها رغبته في "إلحاق الأذيّة" بالبيئة الحاضنة للمقاومة، ومحاولته بذلك الضغط عليها، لدفعها للانقلاب عليها، لكن ليس من بينها في المقابل ما يدّعيه سواء عن الأنفاق كما هو الحال في غزة، أو حتى حول وجود المقاتلين في مربعات سكنية.
بهذا المعنى فقط تُقرَأ "الرسائل" من المجازر التي ينفّذها العدو منذ قيام ما سُمّيت بـ"دولة إسرائيل"، حيث لا يكترث الإسرائيلي للقواعد والقوانين الدولية، فيستهدف المستشفيات مثلاً، بحججٍ تفتقد إلى الأدلة والبراهين، كما يستهدف المدارس وحتى المؤسسات التابعة للأمم المتحدة، والتي يكون المدنيون أساسًا قد لجأوا إليها هربًا من القصف الإسرائيلي، وهو ما تشهد عليه الحروب المتكرّرة على لبنان، كما على غزة.
لكنّ المشكلة وفقًا للعارفين، في المنطق الدوليّ، تكمن في أنّ هذه المجازر على وحشيّتها، لا تقترن سوى بـ"قلق" يعبّر عنه المجتمع الدولي في أحسن الأحوال، من دون أيّ محاسبة فعليّة لإسرائيل، بل يصل الأمر في بعض الأحيان إلى حدّ تبنّي سرديتها وروايتها من دون حدّ أدنى من التدقيق، كما حصل مثلاً في مجزرة المستشفى المعمداني في غزة، قبل أن يصبح استهداف المستشفيات من "بديهيات" الحرب على غزة، وسط صمت العالم.
موقف "حزب الله"
بعيدًا عن العموميات، يقول العارفون إنّ الجرائم الإسرائيلية الأخيرة في جنوب لبنان، وتحديدًا مجزرة النبطية، من شأنها أن تشكّل خطًا فاصلاً بين مرحلة وأخرى، بل إنّها تعطي المواجهات الدائرة في الجنوب منذ الثامن من تشرين الأول منحىً جديدًا، ولو أنّها لا تُعَدّ الأولى من نوعها، باعتبار أنّ خرق قواعد الاشتباك حصل منذ فترة طويلة، حيث يذكر الجميع مجزرة الطفلات الثلاث التي وقعت عند استهداف سيارة مدنية بين عيترون وعيناتا.
وبمعزل عن صحّة معادلة "ما بعد مجزرة النبطية ليس كما قبلها" من عدمها، يشدّد العارفون على أنّ موقف "حزب الله" لا يمكن أن يكون إلا أكثر حزمًا وصلابة وتشدّدًا، فاستهداف المدنيين وقتلهم بهذا الشكل لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام، ولو أنّه يسجّل "مآخذ" على المجتمع الدولي، الذي جاء موفدون في الآونة الأخيرة لا يشغلهم سوى "حماية إسرائيل"، من دون أن تستثيرهم، ولو بالقدر نفسه، صور الأطفال الشهداء الذين سقطوا في الأيام الأخيرة.
صحيح أنّ العارفين بأدبيّات الحزب يقولون إنّ المواجهة تبقى "مضبوطة"، ما يعني أنّ ردود الحزب وإن استندت إلى معادلة "العين بالعين والسنّ بالسنّ والبادئ أظلم"، إلا أنّها لن تصل لحدّ "فتح الحرب الشاملة"، لكنّهم يؤكدون في الوقت نفسه، أنّ الحزب سيتعاطى مع المتغيّرات بحجمها، ما يعني أنّه سيتحرّر شيئًا فشيئًا من الكثير من "الضوابط" التي لا تزال تقيّده، لقناعة لديه بأنّ العدو يجب أن "يدفع ثمنًا" مقابل استمراره باعتداءاته.
يقول البعض إنّ توسّع الحرب بات أقرب من أيّ وقتٍ مضى، فنهج المجازر الذي يعتمده الإسرائيلي يمكن أن يُفهَم على أنّه "ضوء أخضر" لمثل هذا التوسيع. لكن هناك من لا يزال مقتنًعا بأنّ هذا التكتيك ليس سوى "هروب" من الواقع، على عادة إسرائيل، التي تعوّض إخفاقها العسكري بالمجازر ضدّ المدنيّين، وهي استراتيجية تفتقد للحدّ الأدنى من أخلاقيات الحرب، لكنّها تبقى صالحة، طالما أنّ لا حسيب ولا رقيب عليها!
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: المجتمع الدولی مجزرة النبطیة
إقرأ أيضاً:
سر الاستقواء الأمريكي – الإسرائيلي
شكّل الإعلان الصادر عن وزير الحرب في كيان الاحتلال يسرائيل كاتس، حول الحصول على ترخيص أمريكي بالبقاء في المناطق اللبنانية المحتلة دون قيد زمنيّ، صدمة للبنانيين وحكومتهم بعد نيل حكومة الرئيس نواف سلام الثقة وهي تبني آمالاً، كما قالت في مواقف رئيسها ووزير خارجيّتها وسبقهم رئيس الجمهورية بالقول، إنّ الحل الدبلوماسيّ والضغط الدبلوماسيّ هو رهان لبنان لإلزام كيان الاحتلال بالانسحاب من النقاط اللبنانية المحتلة داخل الخط الأزرق تمهيداً للانسحاب من الشق اللبنانيّ من بلدة الغجر الموجود أيضاً داخل الخط الأزرق وصولاً لحسم أمر النقاط التي يسجّل لبنان تحفظه على بقاء الاحتلال فيها وفي مقدّمتها مزارع شبعا المحتلة، كما نص اتفاق وقف إطلاق النار ونص قبله القرار 1701 وكفل الأمريكيّون تنفيذ كيان الاحتلال لهما، والحديث عن الحلّ الدبلوماسيّ والضغط الدبلوماسيّ هو التوصيف المنمّق لما ينتظره لبنان الرسمي من واشنطن، التي لا يُخفى على أحد حجم دورها في تظهير الصورة الجديدة للحكم والحكومة.
تجاهلت واشنطن مسؤوليتها بإصدار نفي لكلام كاتس، وتجاهل لبنان الرسميّ تجاهل واشنطن وكلام كاتس معاً، لما في الأمر من إحراج، ولبنان الرسمي لا يملك أن يقول ما يقوله بعض اللبنانيين عن مبرّرات وذرائع للموقف الإسرائيلي، لأنه يعلم أن الاتفاق واضح والتزامات لبنان فيه لا لبس حولها وهي محصورة في بند وحيد هو انسحاب قوات حزب الله إلى ما وراء الليطاني، ولبنان الرسمي راضٍ عن تجاوب حزب الله مع ما طلبه منه الجيش اللبناني في هذا السياق، وكان يعلن أنه لا يعتبر أن هناك أي إخلال لبناني بالموجبات يبرر الإخلال الإسرائيلي، عندما كانت “إسرائيل” تقول إن مبرّر إخلالها هو أن الاتفاق مشروط بانتشار الجيش اللبنانيّ وانسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني، كما قال بنيامين نتنياهو عشية انتهاء مدة الستين يوماً المنصوص عليها في الاتفاق لانسحاب إسرائيلي كامل إلى ما وراء الخط الأزرق.
أمامنا مشهدان واحد ميدانيّ والثاني سياسيّ، حتى تاريخ نهاية مهلة الستين يوماً، الميداني يقول إن الاحتلال فشل في احتلال القرى والبلدات اللبنانية طوال أيام المواجهات العسكرية الممتدة من 27 أيلول 2024 الى 27 تشرين الثاني 2024، إلا أنه في أيام تطبيق الاتفاق دخل 47 قرية وبلدة ودمّر ما فيها من منازل وبنى تحتية، بعدما صار أمن الجنوب في عهدة الدولة اللبنانيّة والحل الدبلوماسيّ، والعجز الإسرائيلي عن احتلال القرى والبلدات خلال المواجهات هو الذي أجبره على قبول الاتفاق الذي ينصّ على الانسحاب الكامل، وما لمسه من قدرة على حرية التوغل والتدمير في مرحلة تطبيق الاتفاق هي ما أغراه على طلب تمديد المهلة، لكننا في السياسة كنّا طول المرحلتين أمام مشهد تعبّر عنه المواقف الصادرة عن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، تتحدث حصراً عن اتفاق يقضي بانسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني، ومواقف أمريكية في لجنة الإشراف على الاتفاق تقول إن هناك انتهاكات إسرائيلية تهدّد الاتفاق ويجب أن تتوقف.
إذا كان الدخول في المسار الدبلوماسيّ شكل مصدر شعور الإسرائيلي بالاطمئنان لدخول مناطق لم يتمكّن من دخولها خلال الحرب، والسعي لتمديد المهلة حتى 18 شباط، ثم التنكّر للمهلة واختيار البقاء في أراضٍ لا خلاف على وجوب الانسحاب منها. فالسؤال هو ماذا حدث حتى صار لدى الإسرائيلي تعديل في الخطاب وربط الانسحاب بشروط لا تقتصر على انسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني؟ ولماذا تبدّل الخطاب الأمريكي من اعتبار التأخير الإسرائيلي والبقاء في أراضي لبنان انتهاكاً للاتفاق وباتت تعطي الترخيص للبقاء دون مهلة زمنيّة، كما قال كاتس؟
الجواب المؤلم، هو أن الداخل اللبناني المعادي للمقاومة هو السبب، وأن هذا الداخل اللبناني الذي دأب على الزعم بأن لا انسحاب كامل دون إنهاء أمر سلاح المقاومة، ولا أموال سوف يسمح بوصولها بهدف إعادة الإعمار دون نزع هذا السلاح، وجد خطابه موضع طعن في مصداقيّته واتهامه بالعدائيّة لدرجة وصفه الإسرائيلي أكثر من “إسرائيل” نفسها، حتى تمّ تشييع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، فتحرّك أصحاب هذا الخطاب يحملون ما يسمّونه بالتراخي الأمريكي والإسرائيلي مسؤولية ما يسمّى بتعافي حزب الله واستعادة بيئته وشعبيته، وكانت النتيجة بالون الاختبار الذي أطلقه كاتس وصمتت عنه واشنطن، كورقة ضغط بيد هذا الداخل اللبناني عساه يستطيع توظيفه، كما يزعم في محاصرة المقاومة وابتزازها، وربما تحقيق مكاسب في اتجاه تسريع وضع مستقبل سلاحها على الطاولة.
إذا كان قد حُسم أمر أن الحكومة هي حكومة القرار 1701 وليست حكومة القرار 1559، فإن ما لم يُحسم بعد، هو هل القرار 1701 هو خطوة نحو القرار 1559 أم هو خطوة نحو القرار 425؟
إذا كان نص خطاب القَسَم عن حق الدولة في احتكار حمل السلاح وبسط سلطة الدولة بقواها الذاتية على كامل أراضيها، استعادة لما جاء في اتفاق الطائف، فإنه من المفيد التذكير أن اتفاق الطائف ترافق مع رهانات وأحلام دبلوماسيّة شبيهة برهان قادة الدولة الحاليين، يومها مسار مدريد ووعود تنفيذ القرار 425، واليوم وعود أمريكية بتحييد لبنان عن صراعات المنطقة وأزماتها، كان كلام الطائف قبل مقتل رابين، وكانت وعود أمريكا للبنان قبل إعلان تهجير غزة.
الاستقواء الأمريكي الإسرائيلي بالداخل اللبناني، رهان يسقط مع سقوط الحل الدبلوماسي للاحتلال، كما هو حال الاستقواء من بعض الداخل اللبناني بالحضور الأمريكي والإسرائيلي.
* رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية