ليس جديدًا القول إنّ "بنك الأهداف" الإسرائيلي من الحروب التي يشنّها بصورة عامة، وآخرها على قطاع غزة الفلسطيني، أو على جنوب لبنان بالتوازي، ليس سوى المدنيّين، وفي مقدّمهم الأطفال والنساء، بعيدًا عن الأهداف الكبيرة التي يعلنها، والتي تبدو في الغالب غير واقعيّة، إذ إنّ سجلّه الحافل من "المجازر" يؤكد هذه الحقيقة، ولو أنّه يجد دائمًا من يعطيه الأعذار والتبريرات، ولو أدرك سلفًا أنّها واهية ولا تمتّ إلى الحقيقة بصلة.


 
لعلّ الحرب على غزة تشكّل الدليل الساطع على صحّة هذه النظرية، إذ إنّ من يراقب مسار هذه الحرب منذ البداية يدرك أنّ إخفاق العدو في تحقيق هدفه المُعلَن، وهو "القضاء على حركة حماس"، كما يقول، عوّضه بتحقيق "هدفٍ آخر"، يتمثّل في تحويل القطاع إلى مكانٍ غير صالح للسكن، ولم يكن ذلك ليتحقّق إلا "بفضل" المجازر المتنقّلة بين المربعات السكنية والمنازل الآمنة، وصولاً إلى المدارس والمستشفيات، وحتى المخيّمات التي يفرّ الشعب إليها.
 
ولا يقف الأمر عند حدود غزة، فقد وصل الأمر إلى لبنان، حيث حاول الإسرائيلي الحديث عن عمليات "محدّدة"، يحصر من خلالها الاستهداف بشخصيّاتٍ بعينها، محسوبة على "حزب الله" أو "حماس"، إلا أنّ الوقائع كذّبت هذه الفرضية، وآخرها مجزرة النبطية، وقبلها الصوانة وغيرها، حيث كانت دماء الشهداء التي سالت خير معبّر عن "بنك أهداف" قوامه الأطفال، فإلى متى يبقى المجتمع الدولي متفرّجًا على كلّ ذلك؟ وماذا بعد مجزرة النبطية؟!
 
"لغة" المجازر
 
يقول العارفون إنّ "لغة" المجازر لطالما طبعت الحروب الإسرائيلية في كلّ مكان، إذ إنّ العدو "المتفوّق" خصوصًا بسلاح الجو، يتعمّد استهداف المدنيّين دائمًا لأكثر من سبب، على رأسها رغبته في "إلحاق الأذيّة" بالبيئة الحاضنة للمقاومة، ومحاولته بذلك الضغط عليها، لدفعها للانقلاب عليها، لكن ليس من بينها في المقابل ما يدّعيه سواء عن الأنفاق كما هو الحال في غزة، أو حتى حول وجود المقاتلين في مربعات سكنية.
 
بهذا المعنى فقط تُقرَأ "الرسائل" من المجازر التي ينفّذها العدو منذ قيام ما سُمّيت بـ"دولة إسرائيل"، حيث لا يكترث الإسرائيلي للقواعد والقوانين الدولية، فيستهدف المستشفيات مثلاً، بحججٍ تفتقد إلى الأدلة والبراهين، كما يستهدف المدارس وحتى المؤسسات التابعة للأمم المتحدة، والتي يكون المدنيون أساسًا قد لجأوا إليها هربًا من القصف الإسرائيلي، وهو ما تشهد عليه الحروب المتكرّرة على لبنان، كما على غزة.
 
لكنّ المشكلة وفقًا للعارفين، في المنطق الدوليّ، تكمن في أنّ هذه المجازر على وحشيّتها، لا تقترن سوى بـ"قلق" يعبّر عنه المجتمع الدولي في أحسن الأحوال، من دون أيّ محاسبة فعليّة لإسرائيل، بل يصل الأمر في بعض الأحيان إلى حدّ تبنّي سرديتها وروايتها من دون حدّ أدنى من التدقيق، كما حصل مثلاً في مجزرة المستشفى المعمداني في غزة، قبل أن يصبح استهداف المستشفيات من "بديهيات" الحرب على غزة، وسط صمت العالم.
 
موقف "حزب الله"
 
بعيدًا عن العموميات، يقول العارفون إنّ الجرائم الإسرائيلية الأخيرة في جنوب لبنان، وتحديدًا مجزرة النبطية، من شأنها أن تشكّل خطًا فاصلاً بين مرحلة وأخرى، بل إنّها تعطي المواجهات الدائرة في الجنوب منذ الثامن من تشرين الأول منحىً جديدًا، ولو أنّها لا تُعَدّ الأولى من نوعها، باعتبار أنّ خرق قواعد الاشتباك حصل منذ فترة طويلة، حيث يذكر الجميع مجزرة الطفلات الثلاث التي وقعت عند استهداف سيارة مدنية بين عيترون وعيناتا.
 
وبمعزل عن صحّة معادلة "ما بعد مجزرة النبطية ليس كما قبلها" من عدمها، يشدّد العارفون على أنّ موقف "حزب الله" لا يمكن أن يكون إلا أكثر حزمًا وصلابة وتشدّدًا، فاستهداف المدنيين وقتلهم بهذا الشكل لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام، ولو أنّه يسجّل "مآخذ" على المجتمع الدولي، الذي جاء موفدون في الآونة الأخيرة لا يشغلهم سوى "حماية إسرائيل"، من دون أن تستثيرهم، ولو بالقدر نفسه، صور الأطفال الشهداء الذين سقطوا في الأيام الأخيرة.
 
صحيح أنّ العارفين بأدبيّات الحزب يقولون إنّ المواجهة تبقى "مضبوطة"، ما يعني أنّ ردود الحزب وإن استندت إلى معادلة "العين بالعين والسنّ بالسنّ والبادئ أظلم"، إلا أنّها لن تصل لحدّ "فتح الحرب الشاملة"، لكنّهم يؤكدون في الوقت نفسه، أنّ الحزب سيتعاطى مع المتغيّرات بحجمها، ما يعني أنّه سيتحرّر شيئًا فشيئًا من الكثير من "الضوابط" التي لا تزال تقيّده، لقناعة لديه بأنّ العدو يجب أن "يدفع ثمنًا" مقابل استمراره باعتداءاته.
 
يقول البعض إنّ توسّع الحرب بات أقرب من أيّ وقتٍ مضى، فنهج المجازر الذي يعتمده الإسرائيلي يمكن أن يُفهَم على أنّه "ضوء أخضر" لمثل هذا التوسيع. لكن هناك من لا يزال مقتنًعا بأنّ هذا التكتيك ليس سوى "هروب" من الواقع، على عادة إسرائيل، التي تعوّض إخفاقها العسكري بالمجازر ضدّ المدنيّين، وهي استراتيجية تفتقد للحدّ الأدنى من أخلاقيات الحرب، لكنّها تبقى صالحة، طالما أنّ لا حسيب ولا رقيب عليها!
  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: المجتمع الدولی مجزرة النبطیة

إقرأ أيضاً:

اليوم.. "التنمية" تحتفل باليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة

مسقط- الرؤية

تحتفل وزارة التنمية الاجتماعية مساء اليوم الأحد بـ"اليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة"، وذلك تحت رعاية معالي الدكتورة مديحة بنت أحمد الشيبانية وزيرة التربية والتعليم، وبحضور معالي الدكتورة ليلى بنت أحمد النجار وزيرة التنمية الاجتماعية، وجمعٌ من المدعوين؛ وذلك في قاعة المناسبات الكبرى بمركز عُمان للمؤتمرات والمعارض.

ويتضمن الاحتفال عرضًا مرئيًا إلهاميًا عن الأشخاص ذوي الإعاقة، وتدشين "المبادرة التمكينية" للجنة شؤون الأشخاص ذوي الإعاقة بمحافظة الظاهرة والتي تهدف للارتقاء بالبرامج الموجهة لهم في كافة المحافظات وفقًا لاحتياجاتهم، وأيضًا تدشين مبادرة توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع السياحي، وتدشين "مسابقة الإبداع" للأشخاص ذوي الإعاقة، والتي تُعنى باكتشاف الموهوبين والموهوبات من الأشخاص ذوي الإعاقة، والجهات الداعمة لبرامجهم، ومراكز تأهيلهم، وكذلك الأفراد مّمن لهم إسهامات إبداعية في مجال تطوير خدمات وبرامج الأشخاص ذوي الإعاقة.

وفي السياق ذاته، تُنظِّم وزارة التنمية الاجتماعية، اليوم الأحد، الحلقة النقاشية حول "التمكين الاقتصادي للأشخاص ذوي الإعاقة"، تحت شعار "معًا لمجتمع أكثر شمولًا في سوق العمل بسلطنة عُمان"، وبالشراكة مع وزارتي العمل، والإسكان والتخطيط العمراني، وجامعة السلطان قابوس، والبنك المركزي العُماني، وهيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، واللجنة العُمانية لحقوق الإنسان، والشركة العُمانية القطرية للاتصالات "أوريدو". ويرعى افتتاح الحلقة سعادة الشيخ فيصل بن عبدالله الروّاس رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عُمان، وحضور عدد من ممثلي مؤسسات القطاع الحكومي، والقطاع الخاص، والقطاع الأكاديمي، ومؤسسات المجتمع المدني، إلى جانب حضور عدد من الأشخاص ذوي الإعاقة.

وتهدف الحلقة إلى تعزيز الوعي بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتسليط الضوء على جهود الجهات الحكومية والأهلية والخاصة لتمكينهم، ومشاركة قصص النجاح لهذه الفئة، وتعزيز التعاون بين الجهات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الخاصة لدعم مبادرات تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة، إلى جانب الخروج بتوصيات عملية تسهم في تحسين حياتهم وضمان مشاركتهم الكاملة في المجتمع.

وتبدأ الحلقة بكلمة وزارة التنمية الاجتماعية، يعقبها عرضين مرئيين حول حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ثم تتوالى جلستا العمل النقاشية، وتقدم خلالهما 8 أوراق عمل.

مقالات مشابهة

  • "أحسن صاحب": منصة الإبداع التي تكسر حواجز الإعاقة
  • خبير علاقات دولية: استمرار المجازر الإسرائيلية بغزة رغم الضغط الدولي
  • خبير في العلاقات الدولية: استمرار المجازر الإسرائيلية بغزة رغم الضغط الدولي
  • مجزرة جديدة جنوب غزة والأونروا تتهم إسرائيل بانتهاك قواعد الحرب
  • الفريق خالد ثالث يطالب المجتمع الدولي بالضغط على الإمارات
  • اقرأ في عدد «الوطن» غدا.. «عائلة أبونصر» «حائط الصد» ضد همجية الاحتلال الإسرائيلي
  • حزب الله يكشف عن المعادلة الوحيدة التي تحمي لبنان
  • أستاذ علوم سياسية: على العالم التدخل لإنقاذ حالة التجويع التي تشهدها غزة
  • العدوان الإسرائيلي على اليمن.. ما احتمالات توسيع دائرة الأهداف وتصعيد العمليات؟
  • اليوم.. "التنمية" تحتفل باليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة