سؤال يتبادر على أذهان الأباء فى كل مرة يقع الأبناء في الخطأ، فالعقاب بالنسبة لكل أب أو أم هو من أساسيات حسن التربية فهل هذا المفهوم حقيقي؟ فالعقاب بمفهومه العام هو الجزاء الذي ينال الإنسان لفعل الخطأ، وبمفهومه لدى أغلب الآباء هو ردة فعل عقابية لاختيار الأبناء الخطأ بطرق مختلفة كى لا يعيد هذا الإختيار مرة أخرى.
وتختلف طرق العقاب باختلاف مراحل عمر الأبناء وادراكهم للخطأ، ويجب أن ندرك أن الأطفال قبل سن أربع سنوات لا يميزون بين الصواب والخطأ ولا يدركون العلاقة بين الأفعال والعواقب، وأنه دورنا كي نوضح هذا الفرق قبل محاسبتهم، فعلى الآباء فى المرحلة العمرية المبكره تعليم أبناءهم أن الأفعال الخاطئة غير مقبولة بقول لا وإبعادهم عن أماكن الخطر والأشياء القيمة، مثل اللعب بالكهرباء أو أغراض المنزل.
وفى المرحلة العمرية اللاحقة حتى سن سبع سنوات يجب على الآباء أن يعلموا الأطفال ما هو متوقع منهم، فقبل العقاب يجب شرح الخطأ الذي ارتكب وبيان تأثيره السلبي عليهم وعواقبه ولماذا هو اختيار سييء، وتعريفهم بالتصرف السليم وإيضاح ايجابيات هذا الإختيار ولماذا هو إختيار جيد، وفى هذه المرحلة يكون التعليم باللعب أو بسرد القصص لترسيخ المفاهيم القويمة، مثل إختيار لعبة جماعية لترسيخ مفهوم التعاون أو إختيار لعبة تبادل الألعاب من أجل مفهوم المشاركة، أو سرد قصص عن المباديء والقيم مثل الصدق والأمانة والشجاعة.
وفى المرحلة العمرية من سبع سنوات حتى الرابعة عشر تبدأ مرحلة إعتماد الأبناء على أنفسهم ويقع على عاتق الأباء تعليمهم تحمل المسئولية من واجبات مدرسية، أو أسرية، أو إجتماعية، وغرس القيم والمبادىء الأخلاقية، ويبدأ معه الحساب على عواقب الإختيارات، وفي هذه المرحلة يكون التعليم بضرب الأمثال، والقدوة، والإقناع المنطقي، والمتابعة، والمحاسبة، ويكون العقاب للتدريب وتعريف الأبناء أن لكل إختيار عواقب فإن أحسن الإختيار كانت العواقب حسنة، وإن أساء يتحمل مسئولية عواقب أخطاءه ولا نتحملها عنه.
وفى المرحلة العمرية اللاحقة حتى سن الرشد يتمحور دور الآباء فى وضع الحدود والقواعد والمعايير ليتبعها الشاب، وذلك عن طريق نقل الخبرات والمساندة بالتواجد والنصح بالمصادقة والمتابعة للتأكد من إتباع الشاب للقواعد بعيدا عن التحكم والسيطرة على الأفكار، ولكن بالإقناع أسوة بالرواية عن السلف لاعب ابنك سبعا، وأدبه سبعأ، وآخه سبعا، ثم ألق حبله على غاربه.
إن طريقة العقاب السليمة يجب ألا تؤذي الأبناء نفسيا بالإهانة سواء بالإساءة اللفظية أوالبدنية، أو تجعلهم يشعروا بعدم الأمان وفقد الثقة في حب الآباء لهم. فاختيارنا للعقاب يكون لمصلحة الأبناء وتدريبهم أن لكل خطأ عواقب، ولكى لا نحيد عن هذا الهدف ولا نخلط بين مصلحة أبناءنا وصورتنا الذهنية نسأل أنفسنا هذه الأسئلة ونجيب عليها بحرص ومصداقية.
هل القسوة والخصام عقاب فعال يوضح للأبناء الخطأ ويجعلهم يصلحوه أم يجعلهم يشعروا أنهم غير مقبولين؟ هل العقاب هو الإنتقام من الأبناء لأنهم أخطأوا أم تدريب على الاختيار السليم بمعرفة العواقب وتجنبها؟ هل هو من أجل توبيخهم لأنهم تجرأوا على تشويه صورة الأب أو الأم المثالية فى عيون الآخرين أم لتحملهم مسئولية أختيار صورتهم وأن قيمتهم من أفعالهم؟ هل نرى أخطاء الأبناء إمتداد لقيمتنا الذاتية أم إنعكاس لشخصيتهم؟
وبالإجابة على هذه الأسئلة نرى أن أخطاء الأبناء ليست جريمة ولا خطأ فى حق الآباء، ولكن جزء من تجربتهم فى طريق التعلم، فيجب ان نعطى فرصة للأبناء للتعرف على الحياه من خلال أخطاءهم وتعلم ما هو مقبول وما هو مرفوض فهم لم يأتوا الحياه وهم يعرفون القواعد والبديهيات الأخلاقية، ودورنا نحن فى ترسيخها فى وجدانهم وتمرينهم بمزيج من التحفيز والعقاب الفعال على عواقب الاختيارات الخاطئة.
هناك طرق غير محمودة للعقاب يتبعها الآباء ولكنها تحيدهم عن المرجو، ومنها اٌلإساءة اللفظية عن طريق الشتم والذجر والصراخ، ومنها أيضاً الإساءة البدنية عن طريق الضرب ولكن النتيجة تكون اهتزاز ثقة الابن بنفسه وتقليل قيمته الذاتية، وكذلك هناك عقاب الحبس الذي يجعل الابن يشعر بعدم الأمان لتخلي الأباء عنه لأنه عندما أخطأ عزل عنهم وهم مصدر هذا الأمان، بالإضافة إلى الإساءة المعنوية عن طريق الاهمال أوالمخاصمة أو المقارنة التي بدورها تشعره أنه أقل من الآخرين كما تفعل المعايرة واللوم والنقض واللائي تشعره بقله تقديره لنفسه.
فإذا كانت كل الطرق السابقة المعتاد عليها للعقاب غير سليمة ولا تصل بنا إلى الهدف من تعلم الصواب والتوقف عن الخطأ، بل بالعكس تنجم عن مشاكل نفسية وخواء معنوى لدى الأبناء، فكيف أعاقب ابني بطريقة سليمة؟
إن من أكثر طرق العقاب فاعلية وأسلمها هو تصحيح الابن للخطأ، فمثلا: اذا كان الخطأ ترك واجب معين أفضل طريقة هو إعادة عمل هذا الواجب فإذا بعثرالطفل ألعابه يمكن أن يتمثل العقاب في تنظيمها مرة أخرى، أو لو تشاجر الأخوة يمكن أن يكون العقاب شراء هدية لكل أخ من مصروف الآخر، فالاعتذار وحده لا يكفي، يجب ان يكون هناك فعل ملموس، وبذل مادى مع الاعتذار المعنوي.
أما طريقة تحمل المسئولية تكون للسن الأكبر ومن خلال هذه الطريقة يمكن إضافة مسئولية بعض الأعمال المنزلية لمدة لا تزيد عن اسبوع أومنع خدمة معينة تقوم بها الأم بشرط قدرته على أدائها مثل تحضير العشاء اليومي. وأيضا طريقة وقف بعض الأنشطة الممتعة أو سحب بعض المميزات بشرط ألا تكون من الضروريات لدى الأبناء، أو دفع غرامات مادية لا تتعدى 20% من المصروف.
فنحن نعاقب أبناءنا كى نمرنهم على إدراك عواقب الأخطاء وليس لنعذبهم على إرتكابهم للخطأ بحرمانهم من أشياء مهمة لسعادتهم، أو لننتقم منهم أو لنمنعهم عن الخطأ والتحكم بهم بدون ايضاح لفوائد ومضار هذه الاختيارات. وبذلك العقاب نعلمهم أن الاختيارات لها عواقب ومردود على الحياه، فالصائبة منها لها عواقب حميده والخاطئة لها عواقب سلبية. وهذا دور الآباء إيضاح الصواب والخطأ ونقل الخبرة والقيم والأفكار السليمة من خلال الدعم بالتواجد والحب، وتمرين الأبناء على مواجهة الحياه بطريقة صائبة عندما نتراجع ويواجهوا الحياة بمفردهم ونفعل قدرتهم على الإختيارات الصائبة ليدركوا أن اختياراتهم هى محصلة حياتهم.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: عن طریق
إقرأ أيضاً:
أستاذ طب نفسي: أخطاء بعض الآباء والأمهات تتسبب في تطرف أبنائهم
قال الدكتور فتحي الشرقاوي، أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، إن هناك أهمية فهم الآباء لمراحل النمو النفسي لأبنائهم، موضحًا أن العديد من الأسر تواجه تحديات كبيرة في تربية أبنائهم في ظل التغيرات النفسية والسلوكية التي قد يمرون بها، متابعًا: “بعض الأبناء الذين كانوا متفوقين دراسيًا في البداية، قد يظهر عليهم تراجع في الأداء الدراسي”.
وأشار “الشرقاوي”، خلال حوار مع الإعلامية مروة شتلة، ببرنامج "البيت"، المذاع على قناة الناس، اليوم الثلاثاء، إلى أن هذا التراجع يمكن أن يكون ناتجًا عن اختلال التوازن بين اهتمامهم بالأنشطة الدينية مثل الصلاة والنوافل وبين واجباتهم الدراسية، موضحًا أنه في بعض الحالات، قد يؤدي الإفراط في الانشغال بالطاعات والنوافل إلى التأثير السلبي على وقت المذاكرة والنوم، مما يؤدي إلى تدهور الأداء الأكاديمي.
وحذر أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، من تراجع سلوك الأبناء الديني بشكل مفاجئ، قائلًا: “يبدأ بعض الشباب في الابتعاد عن الصلاة والأنشطة الدينية، وهو ما يعد نوعًا من التطرف السلبي”، مشددًا على أن هذا التغير في السلوك يمكن أن يكون نتيجة للضغوط النفسية أو لتأثيرات اجتماعية قد تؤثر على شبابنا في سن المراهقة، مؤكدًا أن بعض الآباء يرفضون الاعتراف بمشاكل أبنائهم أو يعجزون عن التعامل معها بشكل صحيح.
وتابع: “البعض يفضل منهم تجاهل هذه التغيرات خوفًا من فشلهم في التربية، في حين يظل آخرون في حالة من الوعي الكامل بالوضع، لكنهم لا يعرفون كيفية التصرف بشكل مناسب”، مؤكدًا أن الألعاب الإلكترونية أصبحت أحد العوامل المؤثرة بشكل كبير في سلوك الشباب، مشيرًا إلى أن البحث الأخير أظهر أن العديد من الشباب يقضون وقتًا طويلًا في اللعب على الإنترنت أو الأجهزة الإلكترونية، مما يؤدي إلى قلة تفاعلهم مع العائلة والمجتمع، ويؤثر سلبًا على حياتهم الاجتماعية والنفسية.