الجزيرة:
2025-02-07@06:32:14 GMT

في وداع الثقافة الوطنية الحقيقيّة

تاريخ النشر: 17th, February 2024 GMT

في وداع الثقافة الوطنية الحقيقيّة

معرض القاهرة الدولي للكتاب انتهت دورته الخامسة والخمسون منذ أيام قليلة بحُلوها ومرّها، لكن المعرض ظهر في فضاء "القاهرة " ـ للمرة الأولى ـ في العام "1969"، بإشراف الراحلة الدكتورة سهير القلماوي، التي كانت تتولى رئاسة "الهيئة العامة للكتاب" الهيئة الكبرى والأضخم، التابعة لوزارة الثقافة، وهي التي تملك أكبر المطابع، ولها منافذ تسويق وتوزيع في جميع المدن المصريّة، وفي غالبية العواصم العربية.

وكان الزمن هو زمن "حرب الاستنزاف " التي كانت لها ظروف سياسيّة وعسكرية، لا مجال للحديث عنها هنا. فما قصدت قوله هنا؛ إن "معرض القاهرة الدولي للكتاب" كان خطوة طيبة، جعلت شرائح "الطبقة المتوسطة" تعتاد القراءة.

كانت أسعار الكتب رخيصة، وكان وقت هذه الطبقة يسمح لها بالقراءة، وجرت تحوّلات اقتصادية وسياسية، جعلت وزارة الثقافة تعتمد على "معرض القاهرة " في حشد جماعات الإبداع والفكر، في مديريات الثقافة في المحافظات، واستضافة المبدعين العرب الكبار للمشاركة في فعاليات المعرض، مثل: الشّاعر الفلسطيني "محمود درويش" و"أدونيس"، والروائي السوداني "الطيب صالح"، وغيرهم.

كان الجميع يأتون إلى القاهرة، فيجدونها مستعدة؛ الفنادق، والمواصلات العامة، وبرامج الإذاعة والتلفزيون، وكل هيئات وقطاعات الحكومة، وكانت الطبقات الشعبية في القاهرة والمحافظات تعتبر المعرض نزهة ورحلة، تكسر الملل من دون تكلفة مالية كبيرة.

وبمرور السنوات، تحول معنى "الثقافة الوطنية" من مشروع تتبناه "الدولة"، إلى "مشروع سياحي " يحقق الربح لوزارات الحكومة، والقصد هنا أن "الكتاب الورقي" كان أداة من أدوات تحقيق الحضور للدولة المصرية في الدوائر الثلاث التي تعمل في سياقها: الدائرة العربية، والدائرة الأفريقية، والدائرة الإسلامية.

وكانت "الحكومات المصرية" المتوالية تستضيف الدول العربية والإسلامية، وتقدم التسهيلات للناشرين العرب والأفارقة والمسلمين الذين يحرصون على التواجد في "القاهرة".

السياحة الثقافية

وغياب معنى "الثقافة الوطنية " من كونه عنصرًا من عناصر "القوة الناعمة " للدولة المصرية، وحضور معنى "السياحة الثقافية" جعل ذلك "الطبقات الشعبية " والمثقفين، ينسحبون من المشهد؛ لأن السياحة الثقافية، جعلت مشهد "معرض القاهرة " مشهدًا مكلفًا، يفوق الطاقة المالية لهذه الشرائح التي تعيش تحت وطأة التضخم، وانهيار قيمة "الجنيه" في السنوات الأخيرة.

وحسب طبيعة "الجمهور" تتغير مضامين "الكتب الورقية "، فالجمهور "الغني" تهمه المتعة والتسلية، فجرى التحول الكبير في سياسات دور النشر المصرية، فهجرت "الثقافة الجادة" التي تتناول الفكر والتاريخ والفلسفة، وكافة الفروع التي تبني "العقول"، وترسخ مفاهيم معادية للصهيونية والإمبريالية وتحدد أبعاد "الشخصية المصرية " بامتداداتها العربية والإسلامية والأفريقية.

وأغرقت الأسواق والمكتبات وأجنحة المعرض، بكتب تناسب الجمهور الجديد، الذي يشتري كتابًا سهلًا من نوعية " كيف تحب زوجتك وتصبح مليونيرًا في ساعتين".

ولم تكتفِ دور النشر بطباعة الكتب المسلية، بل لجأت إلى طباعة الكتب التي تتناول قصص ومذكرات المخرجين والفنانين من روّاد صناعة السينما، والكتب التي تحتوي مقالات روّاد الصحافة في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي.

وهذا التحول في سلوك دور النشر، القصد منه التهرّب من دفع المستحقات المالية للمؤلفين؛ لأن مرور خمسين سنة على نشر كتاب، تجعله مباحًا للجميع.

 جفاف الإبداع

وفي ظلّ الجفاف الإبداعي والفني الذي تعيشه مصر، أصبحت الكتب التي تحكي قصص حيوات "بديعة مصابني، ونجيب الريحاني، وكامل الشناوي، ومحمود السعدني " ملجأ ومهربًا، للذين يشعرون بالحنين إلى سنوات شبابهم والأيام التي كانوا فيها يشترون مجلات "روزاليوسف"، و "صباح الخير"، و "الهلال " ويقرؤُون مقالات كتّاب يمتلكون الصنعة والموهبة في آن.

وعمومًا، قصدت القول؛ إنني ذهبت إلى "معرض القاهرة الدولي للكتاب" المقام، في صحراء شرق القاهرة، في موقع لا أستطيع تحديد اسمه الرسمي، ورأيت ما أحزنني، رأيت وجوهًا لا أعرفها، وتجوّلت بين أجنحة دور النشر، فهالتني الأسعار الرهيبة، ولم أجد المثقّفين والمبدعين؛ لأنهم كانوا في الغرف المغلقة، أو "القاعات " الفخمة، التي قضت على الهدف من إقامة المعرض.

ففي السابق أيامَ كان المعرض يقام في "أرض المعارض " في " مدينة نصر" كان الزخم الثقافيّ يتحقق، وكان التواصل بين المبدعين المصريين والمبدعين القادمين من الدول العربية الشقيقة يتم ويؤتي ثماره الطيبة.

وكانت المناقشات في المخيّمات التي أُقيمت لفروع الفنّ والإبداع، تجعل "الثقافة الوطنية" حاضرةً في أذهان الناس، فكان المواطن المصري الفقير، بإمكانه مشاهدة فيلم سينمائي جديد، وكان بإمكانه شراء كتب رخيصة الثمن، وكان "المواطن" حاضرًا في أذهان القائمين على المعرض، وكما يقول الشاعر العربي الأندلسي: "لكل شيء إذا ما تمّ نقصان ".

جيش المثقفين

عدت من رحلتي إلى المعرض "الصحراوي" وأنا واثق من أن "الثقافة الوطنية " لم تعد تشغل القائمين على وزارة الثقافة، وأن كل مواطن مصري عليه أن يبحث عن مصادر هذه الثقافة، ويبني نفسه بنفسه، وأن وجود وزارة الثقافة يمثل عبئًا على الموازنة العامة للدولة.

وبالتالي فإن وزارة السياحة، يجب أن تستولي على مقرات وأملاك وأصول وزارة الثقافة، مادام مفهوم الثقافة أصبح قريبًا من مفهوم السياحة، وبالتالي، يجب أن تتولى وزارة السياحة مهمة تنظيم معرض الكتاب في القاهرة.

وليس من الضروري ـ لأسباب تسويقية ـ أن يكون قاصرًا على "الكتب"، يمكن أن يشمل عرض سلع تذكارية: "تماثيل فرعونية مستنسخة، أنتيكات وهدايا من خان الخليلي ".

وتبقى مشكلة "جيش المثقفين " الذي ارتبط "أكل عيشه" بوزارة الثقافة، وهذا الجيش من السهل استيعابه في وزارة التربية والتعليم والأوقاف والإدارة المحلية.

ورغم أن وجود وزارة الثقافة ضمن التشكيل الوزاري في مصر، قديم "منذ العام 1957″ وكان لهذه الوزارة أهمية في ترقية وجدان الشعب، فإن " التسويق السياحي " السائد والمهيمن على عقول كبار موظفي "الثقافة " يفرض قطع علاقاتهم بالكيان المسمّى "وزارة الثقافة " وإلحاقهم بأية هيئة أخرى معنية بالسياحة وتحقيق الأرباح، بعيدًا عن الثقافة الوطنية والكتب والصداع الذي لا طائل من ورائه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الثقافة الوطنیة وزارة الثقافة معرض القاهرة دور النشر

إقرأ أيضاً:

معرض القاهرة الدولي للكتاب يختتم فعالياته اليوم.. وضيوف عرب: حدث يليق بعظمة مصر

يختتم معرض القاهرة الدولى للكتاب دورته الـ56، اليوم، بعد 13 يوماً من فتح باب المعرض أمام الجمهور، ومن المقرر الإعلان عن أسماء الفائزين بجوائز الدورة الحالية، والاحتفاء بهم، وشهد اليوم قبل الأخير إقبالاً كبيراً من الزوار بمختلف الفئات والأعمار، لاقتناء العديد من الكتب والمشاركة فى الأنشطة والفعاليات الثقافية والفنية.

ووصل عدد الزوار يوم الاثنين الماضى إلى 375 ألفاً و454 زائراً، ليصل بذلك إجمالى العدد خلال 11 يوماً متتالية، إلى 4 ملايين و770 ألفاً و684، ما يُجسد مدى الإقبال الجماهيرى الكبير الذى تحظى به فعاليات هذه الدورة منذ انطلاقها، وسط تضافر جهود عدة جهات رسمية وغير رسمية لخروج المعرض بالصورة اللائقة بمصر، ومن بينها وزارة الداخلية التى شاركت لأول مرة بالمعرض من خلال سيارة الخدمات الرقمية، والتى يمكن للمواطن من خلالها استخراج بطاقة الرقم القومى، كما شهدت السيارات المتنقلة لوزارة الصحة إقبالاً من زوار المعرض للاستفادة من خدمات عيادة الأسنان وعيادة الجراحة وعيادة الباطنة وجميعها مجهزة وتوفر علاجات للمترددين مجاناً.

وقالت الدكتورة نانسى فؤاد، مدير إدارة الثقافة الصحية بمديرية الشئون الصحية بالقاهرة، إن وزارة الصحة تنفذ خطة التأمين الطبى لفعاليات معرض الكتاب عن طريق العيادات المتنقلة وقافلة صحية تضم فرقاً للتثقيف فى قاعات المعرض لتعريف الزوار بالخدمات المقدمة وأماكن وجودها، إلى جانب تقديم رسائل تثقيفية عن التغذية السليمة وإجراءات الوقاية من الإنفلونزا الموسمية والأمراض المعدية، وحول استفادة جمهور المعرض من تلك الخدمات قالت: «هناك عدد كبير من الزوار يتردد على العيادات خصوصاً أيام الإجازات التى تشهد إقبالاً ضخماً على المعرض، مثلاً مرضى السكر أو من يتعرض لجرح بسيط من الأطفال، وغير ذلك يتم نقلهم بسيارات الجولف التى توفرها إدارة المعرض إلى العيادات للتعامل مع الحالة فوراً، وبعض الرواد تلقوا خدمات الأسنان ويتم توجيه الحالات التى تحتاج إلى متابعة إلى أقرب مكان إلى سكنهم».

الدكتورة فاطمة الأخضر، الباحثة والأكاديمية التونسية، أكدت حرصها على زيارة معرض الكتاب مشيدة بالتنظيم: «التنظيم بقدر عظمة مصر، لأن مصر عظيمة جداً، وأنا سعيدة به»، وتابعت: «شاركت فى عدد من الفعاليات من بينها فعالية للاحتفاء بمئوية شكرى سرحان، وأعتبرها أحسن ما يجب أن يقدم فى شأن أيقونة السينما المصرية، ومن خلال أفلامه رأينا وتعلمنا القيم والأخلاقيات الحقيقية، وذلك الإحساس بالدور الذى يلعبه».

وأكدت الكاتبة السعودية أمل الجبرتى، التى تحتفى بصدور روايتها الأولى «إعدام غراب»، عن دار سما فى معرض القاهرة، أنها تحرص على زيارة القاهرة كل بضعة أشهر: «معرض الكتاب هو أول معرض فى المنطقة العربية وله طعم خاص، وملتقى جيد للقاء المبدعين والمفكرين والقراء أصحاب الذائقة الأدبية الرائعة»، وأشارت إلى الحراك الثقافى الذى تشهده المملكة العربية السعودية بجهود وزارة الثقافة ودعمها المعنوى والمادى الكبيرين للكتاب: «لدينا أصوات أدبية نسائية، وأصبحت أكثر فى الوقت الراهن، وهى لا تقتصر على المناداة بالحقوق بل تحكى عن الحياة وعن العلاقات الاجتماعية، وتغير الفكر بفضل تنفيذ رؤية 2030 التى تبناها الأمير محمد بن سلمان وكانت الدافع الأساسى لكل المواهب، كما أعطى للمرأة مكانتها الحقيقية ومكّنها من توصيل صوتها بشكل مناسب مع العصر».

وفى إطار الاهتمام بأبناء المحافظات الحدودية، نظمت قصور الثقافة زيارة للأطفال فى إطار فعاليات الأسبوع السادس والثلاثين لمشروع «أهل مصر»، الذى تنظمه الهيئة تحت شعار «يهمنا الإنسان»، وانطلقت الجولة بزيارة جناح وزارة الشباب والرياضة، حيث قدمت كاتبة الأطفال حسنات الحكيم ورشة حكى بعنوان «مدينة الحواديت»، التى تفاعل معها الأطفال بحماس، وعقب ذلك توجه الأطفال إلى جناح وزارة الداخلية، حيث شاهدوا فيلماً تسجيلياً عن دور الشرطة المصرية، ثم زيارة جناح وزارة الدفاع، حيث قدمت لهم شروحاً تفصيلية حول القوات المسلحة المصرية ودورها فى حماية الوطن، واختتمت الجولة بزيارة جناح الهيئة العامة لقصور الثقافة، حيث تعرف الأطفال على منصة «توت» الرقمية، وشاركوا فى أنشطة البرنامج الثقافى.

مقالات مشابهة

  • معرض القاهرة الدولي للكتاب يتخطي حاجز 5 ملايين زائر مع ختام فعالياته.. صور
  • معرض القاهرة الدولي للكتاب يتخطى حاجز 5 ملايين ونصف المليون زائر مع ختام فعالياته
  • معرض القاهرة للكتاب يتخطى حاجز 5 ملايين ونصف المليون زائر مع ختام فعالياته
  • وزارة السياحة والآثار تشارك في معرضين سياحيين بالهند وسويسرا
  • معرض القاهرة الدولي للكتاب يسدل الستار على فعاليات دورته الـ56.. ويعلن جوائز مسابقاته
  • معرض القاهرة الدولي للكتاب يسدل الستار على فعالياته ويعلن جوائز مسابقاته
  • وزير الثقافة: معرض الكتاب كان منصة فاعلة للنقاش حول أهم القضايا المحلية والدولية الراهنة
  • معرض القاهرة الدولي للكتاب يسدل الستار على فعاليات ويعلن جوائز مسابقاته
  • وزارة السياحة تشارك في معرض Boot بألمانيا المتخصص فى سياحة الغوص والأنشطة البحرية
  • معرض القاهرة الدولي للكتاب يختتم فعالياته اليوم.. وضيوف عرب: حدث يليق بعظمة مصر