الحرب على غزّة والمواطنة الأوروبية
تاريخ النشر: 17th, February 2024 GMT
الحرب على غزّة والمواطنة الأوروبية
هدّدت دول أوروبية بسحب جنسيات مواطنين من أصول أجنبية، في حال مخالفة مواقف رسمية تجاه الحرب الإسرائيلية على غزّة.
التهديد بسحب الجنسية يقتصر على المجنّسين العرب والمسلمين مما يثير إشكالات تعكس خللا في معنى المواطنة بحيث تُصنف لمراتب ومستويات.
تعكس السياسات الأوروبية نفسها عبر تعطيل الديمقراطية التمثيلية، وهي في أحد وجوهها، تمثيل المواطنين بشكل متساوٍ في المؤسّسات المنتخبة، وخاصة البرلمانات.
عدّلت ألمانيا قوانينها لوضع شرط الاعتراف بإسرائيل في قانون الجنسية، كأي واجب على من يريد أن يصبح مواطنا ألمانيا، ما يتعارض بصورة واضحة مع حرية الرأي.
هناك مواطن درجة أولى وثانية وثالثة، ولكل منهم حقوق مختلفة. ومن يقع في أسفل السلم هو المواطن الذي تم التكرّم عليه بجواز سفر يمكن سحبه منه لدى أي مخالفة للتعليمات.
* * *
هدّدت بعض الدول الأوروبية بسحب جنسيات مواطنين من أصول أجنبية، في حال مخالفة بعض المواقف الرسمية الخاصة بالحرب الإسرائيلية على غزّة.
وهذه ليست المرّة الأولى، ولا الأخيرة، التي يجري فيها التلويح بهذا السلاح، من سلطات بعض دول أوروبا، رغم أن تأثيره سيئ، ومفعوله سلبي على ملايين، اكتسبوا المواطنة الأوروبية منذ عدة عقود، بوصفها حقّا شرعيا، تجيزه قوانين هذه الدول، وهم استحقّوها لأنهم استوفوا جملة من الشروط، خصوصاً الواجبات، ولم تمنح لهم هدية أو مكرمة من حاكم.
ومن بين قواعد هذه المسألة اعتماد مبدأ المساواة، بين المتقدّمين للحصول على الجنسية، الأمر الذي يعني عدم التمييز الهويّاتي بين مواطن وآخر، من أبناء البلاد الأصليين، أو الذين وفدوا إليها من بلدانٍ أخرى، إلا أن الواقع يحفل بأمثلةٍ تخالف القوانين والأعراف.
بل إن التهديد بسحب الجنسية لا يشمل كل المواطنين من أصول أجنبية، بل يقتصر على المجنّسين من بلدان عربية وإسلامية، وهو ما يثير جملة من الإشكالات، تعكس خللا في النظر إلى المواطنة، بحيث يمكن تصنيفها إلى مراتب ومستويات.
ثمّة من يعتبر المواطنة جواز سفر، يسهل سحبه من شخصٍ يخالف القانون، وطرده إلى خارج الحدود، حتى لو كان قد ولد على أرض البلد الذي يحمل جنسيته، ولم يسبق له أن وطئت قدماه أرض الآباء والأجداد.
وهذا تفسيرٌ تعسّفي، وغير أخلاقي، وانتقائي، وتمييزي للقوانين، ويعبّر عن استخدام السلطات أساليب قمعية في التعامل مع أشخاصٍ أصبحوا مواطنيها، وباتت مسؤولة عنهم قانونيا وأخلاقيا، حتى لو ارتكبوا جرائم.
ولا يحق لها، تحت أي ظروف، حسب شرعة حقوق الإنسان، أن تجرّدهم من حقّ المواطنة، التي استحقّوها بجدارة. ويعكس هذا التمييز نظرة إلى مستويات مختلفة من المواطنة، فهناك مواطن درجة أولى، وثانية، وثالثة، ولكل منهم حقوق مختلفة عن الآخر. ومن يقع في أسفل السلم هو المواطن الذي تم التكرّم عليه بجواز سفر يمكن سحبه منه لدى أي مخالفة للتعليمات.
تعكس هذه السياسات نفسها من خلال تعطيل الديمقراطية التمثيلية، والتي تعني، في أحد وجوهها، تمثيل المواطنين على نحو متساوٍ في المؤسّسات المنتخبة، وخصوصا البرلمانات.
وهو أمر غير متحقّق في ما يخصّ العرب والمسلمين في أوروبا، وهذا لا يقتصر على بلد أوروبي واحد، بل ينسحب على غالبية الدول التي تستقبل أعدادا كبيرة من الأجانب، مثل فرنسا وألمانيا، حيث علت أصوات تطالب بمعاقبة العرب والمسلمين الذين تضامنوا مع غزّة من خلال سحب الجنسية.
وذهبت ألمانيا بعيدا، عندما عدّلت قوانينها لتضع شرط الاعتراف بإسرائيل في صلب قانون الجنسية، مثله مثل أي واجب على من يريد أن يصبح مواطنا ألمانيا، ما يتعارض بصورة واضحة مع حرية الرأي والموقف السياسي.
لا يمكن تبرير التعامل مع المواطنين حسب سلّم الدرجات، غير أن هذا لا يعفي أصحاب الشأن من قسطٍ من المسؤولية، وذلك لعدّة أسباب، منها أن هناك تيارا واسعا، يتعاطى مع قضية المواطنة بخفة، وينظر إليها كجنسية، ومكتسبات يحصل عليها من هذا البلد الأجنبي، لكن انتماءه الفعلي للبلد الأصلي.
وعلى هذا الأساس، لا يتم التعامل بجدّية مع قضايا المواطنة السياسية التي تعني الانخراط في الحياة الحزبية للبلد، وممارسة الحقوق الانتخابية من خلال المشاركة في التصويت، وهذا ما يفسّر ضعف تمثيل هذه الكتلة الكبيرة في البرلمانات والحكومات.
وبالتالي، تعرّضها إلى تمييز وتنميط يضعانها خارج الحسابات السياسية، ويحوّلها إلى كتلة بلا وزن أو دور أو تأثير، ويجرّدها من حقها في الدفاع عن نفسها وإيصال صوتها ومطالبها إلى باقي مكونات البلد، وللذين يتولّون المسؤولية.
*بشير البكر كاتب صحفي وشاعر سوري
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: أوروبا ألمانيا قانون الجنسية حرية الرأي حقوق الإنسان الحرب على غزة على غز ة
إقرأ أيضاً:
ضمن برنامج المواطنة.. كورال وورش متنوعة ومعرض للكتاب في أنشطة الثقافة بقرية أبو سيدهم
شهدت قرية أبو سيدهم بمركز سمالوط في محافظة المنيا فعاليات ثقافية وفنية متنوعة، نظمتها الهيئة العامة لقصور الثقافة، بإشراف الكاتب محمد ناصف نائب رئيس الهيئة، ضمن برنامج وزارة الثقافة لتعزيز قيم المواطنة والانتماء وزيادة الوعي الثقافي والفكري للأطفال والشباب.
انطلقت الفعاليات بالسلام الوطني، تلاها عدد من الأنشطة التفاعلية، حيث أقيمت ورشة رسم على الوجوه للأطفال، وورشة مشغولات يدوية باستخدام خيوط الشرائط لتدوير خامات البيئة، ونفذتها الفنانتان ماهيتاب نبيل ورانيا سعيد.
وأقيمت فقرة اكتشاف عدد من المواهب في مجالات الشعر، الغناء، التمثيل، والإنشاد الديني.
كما شهدت الفعاليات المقدمة من خلال فرع ثقافة المنيا برئاسة رحاب توفيق، التابع لإقليم وسط الصعيد الثقافي، بإشراف جمال عبد الناصر، مدير عام الإقليم، عرضا فنيا لفريق كورال أطفال المنيا بقيادة المايسترو عصام الشاذلي، شهد تفاعلا كبيرا من الجمهور، حيث قدم الفريق مجموعة من الأغاني التي نالت إعجاب الحضور، منها: "حلو المكان" أداء مصطفى محمد، "اتفضل قهوة" أداء عبد الرحمن ثابت، "حاجة غريبة" (دويتو) عمار ورودينا، "الأقصر بلدنا" أداء إياد محمد، "يا حلاوة الزمن" أداء فاطمة الزهراء محمد، و"كلنا جيش وشرطة" في تابلوه غنائي جماعي، إضافة إلى أغنية "سحب رمشه" أداء أريج أحمد.
وشملت الأنشطة التي نفذها بيت ثقافة سمالوط بإدارة بيمن سمير، معرضا لإصدارات الهيئة العامة لقصور الثقافة، والذي ضم أقسام متنوعة بأسعار مخفضة.