الأوروبيون و«الناتو».. ودونالد ترامب
تاريخ النشر: 17th, February 2024 GMT
الأوروبيون و«الناتو».. ودونالد ترامب
الخوف من روسيا، والشعور منذ وقت طويل بالانقياد والتبعية تجاه أمريكا هو السائد في أوروبيا إذن.
أعلن ترامب أنه ضاق ذرعاً بعدم إنفاق الدول الأوروبية بما يكفي على دفاعها، مضيفا أنه لن يهبّ لمساعدتها في حال تعرضت لهجوم روسي.
إذا كان دونالد ترامب قد راهن دائماً على فن عقد الصفقات والتفاوض، فإنه يعمد هنا إلى أسلوب الابتزاز لانتزاع المزيد من الدول الأوروبية.
سببت تصريحات ترامب صدمة حقيقة لأوروبيين قلقين أصلاً من مواجهة «الناتو» تهديد حقيقي حال انتخاب ترامب، وجاءت تصريحاته تؤكد أسوأ كوابيسهم.
على الدول الأوروبية أن تختار وتقرر إن كانت الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية خيار أقل خطورة أم إن كانت ستلبي مطالب ترامب وشروطه في سبيل المظلة الأميركية.
تستفيد أمريكا من العلاقة العابرة للأطلسي أكثر كثيرا من تكلفتها، ولو من مبيعات الأسلحة فقط. ذلك أن 63 بالمئة من مشتريات الدول الأوروبية من الأسلحة من خارج إنتاجها أسلحة أمريكية.
* * *
ألقى دونالد ترامب مؤخراً حجراً في بِركة مياه راكدة حين أعلن أنه ضاق ذرعاً بعدم إنفاق الدول الأوروبية بما يكفي على دفاعها، مضيفاً أنه لن يهبّ لمساعدتها في حال تعرضت لهجوم، بل إنه تخيّل حواراً وهمياً دار بينه وبين زعيم أوروبي قال له فيه إنه سيدفع روسيا لمهاجمة الدول الأوروبية التي لا تدفع ما يكفي على دفاعها.
ومعلوم أن ترامب كان أعلن من قبل أنه إذا انتُخب، فإنه سيُنهي الحرب في أوكرانيا في ظرف 24 ساعة عبر وقف كل المساعدات لإجبار الأوكرانيين على التفاوض (من موقف ضعف) مع روسيا.
هذه التصريحات تسببت في صدمة حقيقة للأوروبيين القلقين أصلاً من رؤية «الناتو» يواجه تهديداً حقيقياً في حال انتخاب دونالد ترامب، والذين رأوا أن تصريحاته إنما تؤكد أسوأ كوابيسهم.
لكن ما هي الحقيقة؟ الواقع أنه عندما كان دونالد ترامب رئيساً، شهدت العلاقات العابرة للأطلسي تراجعاً لا تخطئه العين، ولكن دونالد ترامب كان قد ابتعد عن كل من الحلفاء الأوروبيين وحليفي الولايات المتحدة الآسيويين، اليابان وكوريا الجنوبية.
ويخشى الأوروبيون أن تكون ولايته الثانية أسوأ من الأولى، لأنه لن يكون لديه ما يخسره هذه المرة، ويرغب في الانتقام من هذه الدول الأوروبية التي كانت دائماً تفضل جو بايدن عليه.
وبالتالي فهناك أيضاً جانب من الانتقام الشخصي في التهديدات التي يمكن أن يطلقها. وفي الأثناء، يرى ناخبوه أنه ينبغي الإنفاق بالأحرى على مكافحة الهجرة من المكسيك بدلاً من الإنفاق على دعم أوكرانيا.
والحقيقة أن هناك الكثير من محاولة الخداع والمناورة في كلام دونالد ترامب، والواقع مختلف تماماً، ذلك أن الولايات المتحدة ليست موجودة في أوروبا من أجل مصلحة الأوروبيين، وإنما من أجل مصلحتها الخاصة، لأن أمريكا أتت إلى أوروبا في نهاية الحرب العالمية الثانية من أجل الحؤول دون سيطرة الاتحاد السوفياتي على القارة الأوروبية بأكملها.
وقد كانت هناك من أجل الدفاع عن مصالحها الجيوسياسية وعن حرية الأوروبيين بالقدر نفسه. فهل تغيّرت هذه المصالح الجيوسياسية كثيراً؟
كلاّ، ولا شك أن التحدي الروسي لا يشبه التحدي السوفييتي، ولكن الوجود الأميركي في أوروبا، وحقيقة أن الولايات المتحدة تضمن أمن الدول الأوروبية ضد التهديد الروسي الذي ازداد بشكل كبير منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، ينسجمان مع مصالح الولايات المتحدة. ذلك أنه في مقابل هذه الحماية، تستفيد الولايات المتحدة من نفوذ كبير في جميع المجالات، السياسية والتجارية والاستراتيجية.
وقد لاحظنا منذ بداية الحرب في أوكرانيا أن نفوذها في أوروبا ازداد وتعزز بشكل كبير، في حين أنه ضعف وتراجع في بقية العالم، ثم إنه لو كانت لدى دونالد ترامب أي رغبة حقيقية في قطع هذه الروابط، فإن البنتاغون ووزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية، وكل الأجهزة الأمنية في الولايات المتحدة لن تتردد في تذكيره بهذا الواقع:
أن الولايات المتحدة تستفيد من هذه العلاقة العابرة للأطلسي أكثر بكثير من التكلفة التي تكلّفها، وإن بخصوص مبيعات الأسلحة فقط. ذلك أن 63 في المئة من مشتريات الدول الأوروبية من الأسلحة من خارج إنتاجها الوطني كانت من الولايات المتحدة.
ولا شك أن ضمان أمن الأوروبيين يمثّل أداة هائلة في حوزة الولايات المتحدة. وفي هذا الصدد، فإن دونالد ترامب سيعمد بكل تأكيد إلى ابتزاز الدول الأوروبية من أجل حملها على الإنفاق أكثر، عبر شراء المعدات العسكرية الأميركية، وكذلك عبر تقليص العجز التجاري الأميركي، تحت تهديد بتعليق الالتزام الأميركي.
وأمام هذا التهديد، سيكون أمام الدول الأوروبية الاختيار لتأكيد رغبتها في تحقيق الاستقلالية، وبالتالي الاستغناء عن الدعم الأميركي. غير أن مناخ التوتر والخوف من روسيا بالنسبة لعدد معين منها، ولا سيما دول الشرق، يدفعانها إلى محاولة القيام بأي شيء حتى تبقي الولايات المتحدة على رابطها الاستراتيجي مع أوروبا.
وعلينا أن نتذكر هنا أنه خلال رئاسة دونالد ترامب كانت بولندا مستعدة لدفع ملياري دولار للولايات المتحدة من أجل إنشاء قاعدة عسكرية كان سيطلق عليها اسم «قاعدة ترامب». الخوف من روسيا، والشعور منذ وقت طويل بالانقياد ونوع من التبعية تجاه الولايات المتحدة هو السائد إذن.
وإذا كان دونالد ترامب قد راهن دائماً على فن عقد الصفقات والتفاوض، فإنه يعمد هنا إلى أسلوب الابتزاز لانتزاع المزيد من الدول الأوروبية. وعليه، على هذه الدول أن تختار وتقرر ما إن كانت الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية تمثّل خياراً أقل خطورة، أم ما إن كانت ستلبي مطالب دونالد ترامب وشروطه في سبيل المظلة الأميركية.
*د. باسكال بونيفاس مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس.
المصدر | الاتحادالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: أمريكا روسيا أوروبا الناتو ترامب الدول الأوروبية الولایات المتحدة الدول الأوروبیة دونالد ترامب إن کانت ذلک أن من أجل
إقرأ أيضاً:
ترامب يعتزم استخدام الجيش الأمريكي لترحيل 11 مليون شخص من الولايات المتحدة
أكد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب يوم الاثنين أنه يخطط لإعلان حالة الطوارئ الوطنية واستخدام الجيش الأمريكي لتنفيذ عمليات الترحيل الجماعي.
وجعل ترامب وعده بترحيل ملايين المهاجرين غير المسجلين أحد أحجار الزاوية في حملته لعام 2024، وقد بدأ فريقه بالفعل في وضع استراتيجية لكيفية تنفيذ خطته.
وكشف ترامب في منشور عبر منصة Truth Social في وقت مبكر من يوم الاثنين لأول مرة كيفية تنفيذ إدارته الخطة المثيرة للجدل، بحسب ما أورده موقع أكسيوس الأمريكي.
ونشر توم فيتون، رئيس المجموعة المحافظة Judicial Watch، على Truth Social في وقت سابق من هذا شهر نوفمبر الجاري، أن ترامب "مستعد لإعلان حالة الطوارئ الوطنية وسيستخدم الأصول العسكرية لعكس غزو بايدن من خلال برنامج الترحيل الجماعي".
أعاد ترامب نشر تعليق فيتون يوم الاثنين مع تعليق "صحيح!!".
هناك ما يقدر بنحو 11 مليون مهاجر غير شرعي يعيشون في الولايات المتحدة.
ومن المتوقع أن تؤثر عمليات الترحيل الجماعي التي يقوم بها ترامب على ما يقرب من 20 مليون أسرة في جميع أنحاء البلاد.
يستعد المدافعون عن الهجرة والمحامون لمواجهة الخطة في المحكمة.
أفادت صحيفة بوليتيكو الأمريكية، أن فريق الرئيس المنتخب يهدف إلى صياغة أوامر تنفيذية يمكنها الصمود في وجه التحديات القانونية لتجنب الهزيمة المماثلة التي حلت بحظر ترامب للمسلمين في ولايته الأولى.
تتضمن خططهم أيضًا إنهاء برنامج الإفراج المشروط للمهاجرين غير الشرعيين من كوبا وهايتي ونيكاراجوا وفنزويلا، وفقًا لبوليتيكو.
بدأ ترامب بالفعل في ملء مناصبه الوزارية بمتشددين في مجال الهجرة.
ويشمل ذلك الاستعانة بتوم هومان، القائم بأعمال رئيس هيئة الهجرة والجمارك السابق، ليشغل منصب "قيصر الحدود".
بالإضافة إلى ذلك، رشح ترامب حاكمة ولاية ساوث داكوتا كريستي نويم كوزيرة لوزارة الأمن الداخلي.