عن مناهضة التطبيع واستمرار التجويع
تاريخ النشر: 17th, February 2024 GMT
عن مناهضة التطبيع واستمرار التجويع
ثبت أن العقوبات والحصار لا تسقط أنظمة أو تعيدها لرشدها بالتعاطي مع الشعوب المقهورة، بقدر ما تزيد الشعوب خنوعاً وتسليماً واستكانة.
ألا يحق لأي سوري أن يسأل عن أثر العقوبات الاقتصادية على نظام الأسد مذ دشنها وزراء الخارجية العرب في نوفمبر 2011 ثم العقوبات الأوروبية والأميركية؟
أقرّ مجلس النواب الأميركي مشروع قانون مناهضة التطبيع مع النظام السوري، ما يعني بداية مشوار جديد، ليصبح المشروع قانوناً، لمحاسبة المطبعين مع نظام الأسد.
ليس للسوريين اليتامى إلا التعويل لمشروع القانون العتيد، علّ تراكم العقوبات وزيادة القوانين يلجم المطبعين العرب مع الأسد، أو تتضارب المصالح للمحتلين على الأرض.
هل تسعف التسويات سوريين منتظرين شبه إنصاف ليبدأوا بعد زوال صفر سورية ببناء حلمهم بدولة وعيش آدمي يبعدهم عن حدود الدول التي ضاقت بلجوئهم؟
لو أراد المعاقبون إنصاف الشعوب ومعاقبة الأنظمة لوجدوا أساليب أجدى وأقل ضرراً ولما مدوا الأنظمة المستبدة بطرائق البقاء وقايضوا الجرائم بصفقات وتمرير مصالح.
* * *
لو أن نظام بشار الأسد تأثّر مباشرة فجنح للقرارات الدولية وبدت، لو بارقة أمل، على الاقتصاد أو الشعب السوري، قبل الجنوح بالأحلام لنسأل عن الأثر على إسقاط "عصابة الأسد"، لهللنا لقرار مجلس النواب الأميركي على مشروع مناهضة التطبيع مع النظام السوري.
لكن ما نستشفه مما سبق من قرارات وعقوبات وحصار أن هكذا قرارات لن تزيد السوريين إلا فقراً ولن تصيب عصابة الأسد بأي ما يمكن التعويل عليه لإسقاط النظام وبدء التحضير لعهد جديد.
طبعاً، من دون نكران الآثار العامة للعقوبات على تراكم ثروة الأسد وتمدده بـ"محور المقاومة" التي دفعته (آثار العقوبات) لطرق تعويض أخرى، كان "الكبتاغون" أفقعها، والإتاوات التي قتلت الاقتصاد وهجرت الرساميل والشباب أخطرها على الصعيد الاستراتيجي البعيد.
قصارى القول: صبيحة اليوم الخميس، أقرّ مجلس النواب الأميركي، بغالبية أصوات الجمهوريين والديمقراطيين (389 مقابل رفض 32 صوتاً)، مشروع قانون مناهضة التطبيع مع النظام السوري، ما يعني بداية مشوار جديد، ليصبح المشروع قانوناً، لمحاسبة المطبعين مع نظام الأسد.
وبداية مشوار، لأن إقرار مجلس النواب يعني القبول الأولي، إن جازت التسمية، ولا بد من قبول وإقرار مجلس الشيوخ، وربما بعد التعديل والإضافات أو الحذف وإرجاعه لمجلس النواب للإقرار ثانية، يتم إدخال القانون بمتاهة لتمريره ضمن حزمة أخرى، كما جرى مع قانون "قيصر" ليصدر عن الرئيس قانوناً ملزماً، حتى للإدارات الأميركية المقبلة، لعدم الاعتراف بأي حكومة يشكلها بشار الأسد أو إدارة يرأسها، فضلاً على منع وملاحقة وعقوبة كل من يطبّع مع النظام.
إذاً، ما رشح ووافق عليه مجلس النواب الأميركي، هو طرح نظري مغر، وإن كانت نتائجه بعيدة ومشوبة باحتمالات التعديل من مجلس الشيوخ أو حتى عدم الإقرار، لطالما لحظ ضمن فقراته، سرقة المنظمات الأممية ومساعدات الأمم المتحدة التي تدخل لغايات إنسانية، تتلقفها عصابة "المكتب السري" الذي تديره أسماء الأسد عبر "الأمانة السورية للتنمية".
ولكن بنهاية القول، ألا يحق لأي سوري أن يسأل عن أثر العقوبات السابقة على نظام الأسد، مذ دشنها وزراء الخارجية العرب في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2011 بعقوبات اقتصادية وما تلاها من عشرات العقوبات الأوروبية والأميركية؟
وأي حرمان وتفقير طاول الشعب جراء تلك العقوبات التي أخذ منها الأسد وحلفاؤه ذريعة للتجويع ومبرراً حتى لمقايضة ثروات سورية أو بيعها لحلفاء بقائه على كرسي أبيه، ليستمر الوريث بمشوار الممانعة ومواجهة المؤامرة الكونية.
الأرجح ووفق قوانين الحصار، أن حل العقوبات على نظام الأسد قد تضعفه وتحد من تراكم ثروته، لكن الواقع وعلى مدى العقوبات والحصار، من كوبا فكوريا الشمالية وصولاً للعراق والسودان وسورية. أن هذه الطرق لا تسقط أنظمة أو تعيدها لرشدها بالتعاطي مع الشعوب المقهورة، بقدر ما تزيد الشعوب خنوعاً وتسليماً واستكانة.
ولو أراد المعاقبون إنصاف الشعوب ومعاقبة الأنظمة لوجدوا أساليب أخرى، أكثر جدوى وأقل ضرراً، أو، أضعف الإيمان، لما مدوا الأنظمة المستبدة بطرائق البقاء غير الشرعي وقايضوا الجرائم، كما فعل الرئيس باراك أوباما مع جريمة كيماوي الغوطة، بصفقات وتمرير مصالح.
بيد أنه وللأسف، ليس للسوريين اليتامى إلا التهليل لمشروع القانون العتيد والتعويل عليه، علّ تراكم العقوبات وزيادة القوانين يلجم المطبعين العرب مع الأسد، أو أن تتضارب المصالح للمحتلين على الأرض، فتسعف التسويات السوريين المنتظرين، ولو بشبه إنصاف، ليبدأوا بعد زوال صفر سورية ببناء حلمهم بدولة وعيش آدمي، يبعدهم عن حدود الدول التي ضاقت بلجوئهم بعد شهور العسل وانخفاض حرارة تأييد حقوق الشعوب.
*عدنان عبد الرزاق كاتب صحفي اقتصادي
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: سورية الأسد التطبيع التجويع الحصار النظام السوري الاقتصاد السوري العقوبات المطبعين العرب الأنظمة المستبدة أسماء الأسد الأمانة السورية للتنمية مجلس النواب الأمیرکی مناهضة التطبیع نظام الأسد مع النظام
إقرأ أيضاً:
ثورة سورية وتداعياتها الإستراتيجية على الأردن
#ثورة_سورية وتداعياتها الإستراتيجية على #الأردن د. #منذر_الحوارات
مرّ على سورية ثمانية أنظمة سياسية وخمسة انقلابات، وحالة متجددة من عدم الاستقرار، بينما تمكنت الملكية في الأردن من استيعاب التحولات في الداخل الأردني والإقليم وعلى الصعيد العالمي، واستطاعت دائماً استيعاب مجرى الأحداث والتكيف وفق معطيات كل مرحلة. مكنها من ذلك تضامنات داخلية راسخة مع الانفتاح قدر الإمكان على الأطراف المعارضة ومحاولة احتوائها عندما تقتضي الحاجة دون المساس بشكل جوهري بالثوابت التي بُنيت عليها الدولة، وهو عكس ما كان في سورية، إذ كان الاستحواذ على السلطة عموديًا يقتصر على مجموعة محددة من نفس الطينة، وهذا هو سبب البلاء في سورية.
كان للأردن إشكالات كثيرة مع نظام حكم الأسد المنهار، لم تبتدئ مع موجات اللاجئين وعدم الاستقرار على الحدود بوجود المليشيات المختلفة وتزايد النشاط الإرهابي، ولا بعدم التعاون وتسهيل مهمة إقامة علاقات حسنة بين البلدين، بل بوجود مشروع إيراني يعتبر الأردن واحدًا من أهدافه المستقبلية في تخادم غير معلن مع الطموحات الإسرائيلية بدخول الأردن في حالة من عدم الاستقرار تسهّل مهمة الطرفين الإسرائيلي والإيراني. ومع انهيار النظام واستلام نظام جديد بقيادة أبو محمد الجولاني قائد هيئة تحرير الشام، أُزيح عن كاهل الأردن همّ هذا المشروع الإيراني الذي كان له مع الأردن حكاية في المستقبل القريب فيما لو استمرّ نظام بشار الأسد. بعد ذلك يمكن تعداد الكثير من المكاسب والمخاطر من تغيير النظام، والتي هي بدون شك دون هذا العبء الإستراتيجي والجيوسياسي الكبير. ومن الثابت أن يكون للأردن مكاسب كبيرة من زوال النظام السابق، تبتدئ من السيطرة على أمن الحدود وضبط تهريب السلاح والمخدرات، إضافة إلى أن الباب أصبح مفتوحًا أمام الأردن للإسهام في مشاريع إعادة الإعمار التي ستسمح بعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم.
لكن في ظل حسابات المكاسب والمخاطر، ستبقى عودة سورية مستقرة هي المكسب الجيوسياسي الأهم للأردن، والذي ينبغي على الدولة الأردنية وضعه نصب عينيها، وألا يثنيها الخوف من صعود الإسلام السياسي على الاستقرار السياسي والاجتماعي في الأردن. ولأن الحالة في سورية ليست سوى ردة فعل على نظام طائفي ذي طبيعة منغلقة، فمن الطبيعي أن يكون البديل من جنس العمل، وهو هنا نظام ذو طبيعة سنية كرد فعل على ما تعرضت له هذه الأغلبية من اضطهاد وظلم. وهذه المرحلة في عمر الثورات الكبيرة مرحلية، سرعان ما تعدّل نفسها تبعاً لاحتياجات الشعوب ومصالحها. لذلك نجد هذه اللغة المنفتحة لقادة الثورة.
مقالات ذات صلة *الامتحانيون الجدد٢ 2025/01/02لكن جُل ما يجب أن يخشاه الأردن كدولة هو نشوب الصراع بين فلول النظام القديم والنظام الجديد، وكذلك هيمنة قوى إقليمية جديدة على الحكم في سورية تشغل مكان إيران وروسيا، وهو ما قد يشعل فتيل حرب أهلية جديدة تؤدي إلى حالة من الفوضى في سورية. بل على الأردن والدول العربية أن ينخرطوا بسرعة في عملية إعادة بناء مؤسسات الدولة السورية على أسس بيروقراطية محضة، والمساعدة في إقامة نظام سياسي مستقر ومقبول، وهذه ليست بالمهمة السهلة.
كل ذلك يُحتم على الأردن ألا ينأى بنفسه عما يحصل في سورية خشية الغرق في الأمواج المتلاطمة هناك، لأن انعكاسات دخول البلد في حالة من الفوضى تعتبر كارثية على الأردن أكثر من مخاوف وهواجس وقتية هنا أو هناك. بل بالعكس تمامًا، انغماس الأردن في إيجاد حل منفتح ومنطقي في سورية تقبله جميع مكونات الشعب السوري سينعكس إيجابياً على علاقة الأردن مع عموم السوريين.
لذلك فإن التغيير الأخير في سورية قد يمثل فرصة إستراتيجية للأردن، وإن حمل في طياته مخاطر كبيرة. وهو بحاجة إلى حذاقة وحذر في التخطيط، وتتجسد مكاسب الأردن من هذا التحول في الشجاعة والمرونة في التعامل مع هذا التغيير وحامليه.
ويجب أن يضع الجميع نصب أعينهم أن استقرار سورية هو أساس لا مناص منه لاستقرار المنطقة برمتها، ولا أعتقد أن إستراتيجية الدولة الأردنية تبتعد عن هذا الهدف أبداً.
عموماً، هناك وضع جديد في سورية، أحببناه أم كرهناه لا يهم، لكن في كل الأحوال ينبغي علينا التعامل معه سواء كانت نتائجه سلبية أم إيجابية. ففي كلتا الحالتين يجب تخفيف وطأته أو تعظيم فوائده على الأردن وسورية معاً.
الغد