تحمل شقيقها وتطهو الطعام.. طفلة في غزة تقوم بدور أمها عقب استشهادها (فيديو)
تاريخ النشر: 17th, February 2024 GMT
في كل الحروب، يكون الأطفال أول الضحايا وأكثرهم تضررًا، وفقًا للمديرة التنفيذية لليونيسف كاثرين راسل، التي حذّرت من الوتيرة غير المسبوقة لقتل الأطفال في غزة أو تحولهم لأيتام، ومن تردّي الوضع الصحي والإنساني.
ومع دخول العدوان على غزة يومه الـ133، تخطَّى عدد الشهداء 28 ألفًا، وتجاوز عدد المصابين 70 ألفًا، معظمهم من الأطفال والنساء، في حين تشير الإحصائيات الأولية إلى أن قرابة 20 ألف طفل أصبحوا يتامى.
هؤلاء الأطفال يعانون من الصدمة والانكسار، وأصبح لهم تعريف خاص داخل المستشفيات (WCNSF)، وهي الحروف الأولى من جملة "طفل جريح من دون والدين على قيد الحياة".
وتشير التقديرات إلى وجود نحو 20 ألف طفل يتيم على الأقل، أي ما يوازي 1% من إجمالي عدد النازحين من قطاع غزة، حسب تصريحات منظمة "يونيسيف".
ووفق تقرير لصحيفة "تليغراف" البريطانية، فإن الحرب تسببت في امتلاء أروقة المستشفيات ومخيمات النازحين بالأيتام، وهو ما يعتبر سابقة من نوعها، أن يتيتم هذا العدد الكبير من الأطفال في فترة قصيرة.
وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو لطفله من غزة، أصبحت هي من تقوم بدور الأم، بعد استشهاد والدتها.
????????
طفله من غزه..
أصبحت هي من تقوم بدور الأم
بعد رحيل والدتها ????
طفله من حقها ان تلعب وتلهو
مثل بقيه الاطفال#مصر_هي_بوصله_العالم
الدولار الأمريكي.. الجيش المصري pic.twitter.com/Mhdl04SfkS
اقرأ أيضاً
العمالة طريقهم الوحيد للحياة.. أطفال غزة يصارعون من أجل البقاء
الطفلة التي من حقها أن تلعب وتلهو، مثل بقية الأطفال، تظهر وهي تحمل أخيها الصغير بإحدى يديها، في وقت تقوم بطهي الطعام باليد الأخرى، وسط مراقبة من باقي الأطفال، الذي يعتقد أنهم إخواتها أيضا.
مقطع الفيديو أثار شجون رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين استنكروا ما وصل إليه حال أطفال غزة.
حسبي الله ونعم الوكيل على كل ظالم ظلم إخواننا وأهلنا في فلسطين
— um salim (@SryhSyf42614) February 15, 2024بعد قلبي????
— وُجُوم (@isvvvr) February 16, 2024حسبنا الله ونعم الوكيل في كل واحد تسبب ليهم في كدا الله ينصرهم ويسترجعو كامل ارضهم
— Mustafa Al-Masry (@Mostafa37852181) February 15, 2024اقرأ أيضاً
أكثر من 10 أطفال يفقدون إحدى ساقيهم أو كلتيهما في غزة يوميا
وقال الناشطون إن أطفال غزة كبروا قبل الأوان، وتحملوا مسؤولية كالجبل.
كبرت قبل الاوان تحملت مسؤولية كالجبل هكذا هم اطفال غزة من كثر خيرتهم وجمالهم واخلاقهم وايمانهم الكبير يبتلون ونعم الاجر على الصبر على الابتلاء ان الله لا يعطي اقوى المعارك واشرسها اقول اشرسها الى لاقوى العباد واقوى اصحاب العقائد وانه لاجر عظيم وانما يوفون الصابرون اجورهم
— Hamida Kheloufi (@hamida_kheloufi) February 15, 2024اقشعر بدني قسما بالله ليتني كنت معهم وفوق تلك الارض ارض الملاحم وارض الجهاد ????????????
— Hamida Kheloufi (@hamida_kheloufi) February 15, 2024اللهم أرنا في الظالمين قدرتك وعدلك ووحد صف المسلمين وقوي شوكتهم وأهلك اليهو-د ومن عاونهم واحفظ المسلمين وانصرهم ومدهم بجند من عندك ياالله
— أبو طه،،،Abo_Taha (@mmdmd70229292) February 15, 2024اقرأ أيضاً
محمد صلاح يوزع هدايا الكريسماس على أطفال انجلترا ويثير غضبا: ماذا عن غزة؟
من جانبها، تقول الطبيبة النفسية في منظمة "أطباء بلا حدود" أودري ماكموان، إن "صك التعريف الجديد، في إشارة إلى (WCNSF)، أمر مرعب، وصادم، ومخز لنا جميعا، وهو بمثابة جرح معنوي للإنسانية".
فيما يقول مدير الاتصالات في "يونيسيف" بفلسطين جوناثان كريكس، إن الأطفال بشكل عام يعانون من حالات الصدمة الشديدة، ويتجلى ذلك أوقات القصف، ولكن أوضاع الأيتام في شمال ووسط القطاع أسوأ بكثير.
ويمكن أن يصبح أيتام الحرب رمزًا للصراع، مما يرسم الروايات التاريخية، ويمكن أن يشوهها في بعض الأحيان.
على سبيل المثال، تشير التقديرات إلى أن الحرب ضد الأرمن، في عام 1915، تسببت في تيتم ما يصل إلى 200 ألف طفل، وهو الأمر الذي لا يزال سببا في توتر العلاقات مع الأتراك حتى يومنا هذا.
في السياق ذاته، يصف المحاضر بالعلاقات الدولية والسياسية بجامعة بريستول فيليبو ديونيجي، الحرب في غزة بأنها "غير مسبوقة"، وأنها لا تقارن بأي صراع آخر في العصر الحديث.
اقرأ أيضاً
لندن.. فعالية تأبين لشهداء الحرب الإسرائيلية على غزة من الأطفال
ويضيف أن ما يزيد من صعوبة أزمة هؤلاء الأطفال، هو انعدام الخدمات التي من شأنها تحسين أوضاعهم، فهم في حاجة لرعاية ودعم خاص لتجاوز الصدمة.
وعلى سبيل المثال، صعوبة التبني خلال الفترة القصيرة المقبلة في ظل الأعداد الكبيرة، وضياع الأوراق الرسمية.
كما ستزداد المسألة تعقيدا في حالة خروج أيتام غزة من القطاع كلاجئين وهو الأمر الذي قد يمثل تهديدا أمنيا.
فيما تشير ماكموان إلى مأساة أكبر، تخص الأطفال الذين فقدوا آباءهم وأطرافهم قائلة إنه إضافة إلى صدمة الحرب والفقد، يتعلمون التعايش مع الإعاقة.
بينما يحذر استشاري الأعصاب في إمبريال كوليدج لندن رمزي ناصر، من خطورة ذلك على صحتهم النفسية والعقلية.
ووفرت "يونيسيف" الرعاية المطلوبة لنحو 40 ألف طفل و10 آلاف من القائمين على رعايتهم منذ بدء الحرب، ولكن باعتقاد ماكموان أن ذلك لا يشكل سوى نقطة في بحر الرعاية المطلوبة خاصة أن ما يعانيه أطفال القطاع سيكون له تأثير يمتد مدى الحياة.
اقرأ أيضاً
يونيسف: غزة أصبحت أخطر مكان في العالم على الأطفال
المصدر | الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: طفلة حرب غزة إسرائيل استشهاد أيتام أطفال غزة اقرأ أیضا ألف طفل فی غزة
إقرأ أيضاً:
هيرست: أثبت شعب فلسطين قدرته على تحمل حرب شاملة دون أن يتزحزح من أرضه
قال الكاتب البريطاني المشهور ديفيد هيرست إن الشعب الفلسطيني أثبت للعالم كله أنه قادر على تحمل حرب شاملة دون أن يتزحزح من أرضه.
كلام هيرست جاء في مقال مطول نشره موقع "ميدل إيست آي" تعليقا على التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة الذي أعلنت عنه قطر أمس.
وقال هيرست إن غزة أثبتت للفلسطينيين وللعالم بأنها قادرة على تحمل الحرب الشاملة، وأنها لن تستفز من الأرض التي تقف عليها. إنها تقول للعالم، بفخر مبرر، إن المحتلين ألقوا بكل ما لديهم علينا، ومع ذلك لم تحدث نكبة أخرى.
وأكد هيرست إن "إسرائيل" ورغم كل التوحش التي أبدته طيلة 15 شهرا فإنها أخفقت على كل الجبهات.
كما أكد أن الأحداث أثبتت أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي نتنياهو كان العقبة الرئيسية في طريق وقف إطلاق النار في غزة، الأمر الذي كان يسبب إحباطاً هائلاً لدى وفده المفاوض.
وفيما يلي الترجمة الكاملة لمقال هيرست:
عندما حان وقت الحسم، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أول من يرمش.
ظل نتنياهو، وعلى مدى شهور، العقبة الرئيسية في طريق وقف إطلاق النار في غزة، الأمر الذي كان يسبب إحباطاً هائلاً لدى وفده المفاوض.
وهذا ما تجلى بكل وضوح قبل أكثر من شهرين عندما غادر وزير دفاعه يوآف غالانت، المهندس الرئيسي للحرب المستمرة منذ خمسة عشر شهراً، قائلاً إنه لم يبق لدى الجيش ما يفعله داخل غزة.
ومع ذلك أصر نتنياهو على الاستمرار، رافضاً في الربيع الماضي صفقة وقعت عليها حركة حماس بحضور مدير الـ"سي آي إيه" وليام بيرنز، ومفضلاً شن هجوم على رفح.
وفي الخريف، توجه نتنياهو من أجل الخلاص نحو خطة الجنرالات والتي كانت تهدف إلى تفريغ شمال غزة من السكان تمهيداً لإعادة توطين الإسرائيليين فيه. كانت الخطة تقضي بتجويع وقصف السكان في شمال غزة من خلال الإعلان عن أن كل من يرفض المغادرة طواعية فسوف يعامل كما لو كان إرهابياً.
كانت تلك الخطة غاية في التطرف، وغاية في التناقض مع القواعد الدولية المتعارف عليها في الحرب، لدرجة أنها تعرضت للتنديد على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي السابق موشيه يعالون باعتبارها جريمة حرب وتطهيراً عرقياً.
من أبرز ما تضمنته الخطة إقامة ممر يتألف من طريق عسكري وسلسلة من المواقع الأمامية، يخترق وسط قطاع غزة، ويمتد من الحدود الإسرائيلية إلى البحر. كان من شأن ممر نيتساريم فعلياً اختزال الكتلة الأرضية في المنطقة إلى ما يقرب من الثلث، بحيث تصبح حدود "إسرائيل" الجديدة من الجهة الشمالية. وتقضي الخطة بعدم السماح لأي فلسطيني يغادر شمال غزة بالعودة إليه.
إزالة الخطوط الحمراء
لم يجبر أحد من إدارة بايدن نتنياهو على إعادة النظر في هذه الخطة. لا الرئيس جو بايدن نفسه، وهو الصهيوني حتى النخاع، الذي ظل، بغض النظر عن كل خطاباته، يزود "إسرائيل" بالأدوات والوسائل التي تمكنها من ارتكاب الإبادة الجماعية في غزة. ولا أنتوني بلينكن، وزير خارجيته، الذي اكتسب عن جدارة في المنطقة لقب الدبلوماسي الأدنى مصداقية على الإطلاق.
حتى بينما كانت توضع اللمسات الأخيرة على اتفاق وقف إطلاق النار، خرج بلينكن على الناس في مؤتمر صحفي أخير قبل المغادرة وجه من خلاله اللوم لحركة حماس محملاً إياها المسؤولية عن رفض العروض السابقة، مع أن العكس تماماً هو الصحيح.
ما من صحفي إسرائيلي شارك في تغطية أخبار المفاوضات إلا وأكد أن نتنياهو هو الذي رفض جميع الصفقات السابقة، وأنه هو الذي يتحمل المسؤولية عن التسويف الذي أخر التوصل إلى صفقة. ولم يجد نفعاً مع نتنياهو حتى يوقف الحرب المستمرة منذ خمسة عشر شهراً سوى لقاء قصير جمعه مع المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، ستيف ويتكوف.
بعد لقاء واحد فقط، أزيلت جميع الخطوط الحمراء الذي ظل نتنياهو يرسمها بهمة، ثم يعيد رسمها المرة تلو الأخرى، على مدى خمسة عشر شهراً من الحرب.
قال المعلق السياسي الإسرائيلي إيريل سيغال: "نحن أول من يدفع ثمناً مقابل انتخاب ترامب. لقد تم فرض الصفقة علينا. كنا نظن أننا سوف نتحكم بشمال غزة، وأنهم سوف يتركوننا نعيق دخول المساعدات الإنسانية".
ثمة إجماع على ذلك. بل إن المزاج العام داخل "إسرائيل" يشكك في مزاعم النصر. وعن ذلك كتب الصحفي في "واي نيت" يوسي يهوشوا يقول: "لا يوجد داع لتحلية حقيقة أن صفقة وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن سيئة بالنسبة لإسرائيل، ولكن لا خيار لديها سوى القبول بها".
فما تم تداوله من بنود اتفاق وقف إطلاق النار ينص بوضوح على أن "إسرائيل" سوف تنسحب في نهاية المطاف من ممر فيلادلفيا ومن ممر نيتساريم، وهي الشروط التي كان قد رفضها نتنياهو من قبل.
وحتى بدون ذلك، تشير مسودة الاتفاقية بوضوح إلى أن الفلسطينيين بإمكانهم العودة إلى منازلهم، بما في ذلك في شمال غزة، وبذلك تكون محاولة إخلاء هذه المنطقة من سكانها قد باءت بالفشل، وهذا أكبر إخفاق يُمنى به الغزو البري الإسرائيلي.
القتال من جديد
وهناك قائمة من الأمور الأخرى. ولكن قبل أن نسردها، لابد من الإشارة إلى أن نكبة ويتكوف تؤكد على أن "إسرائيل" كانت تعتمد على واشنطن في كل يوم من أيام الذبح المريع الذي مارسته في غزة. حتى أن مسؤولاً في سلاح الجو الإسرائيلي اعترف بأن الطائرات كان يمكن أن تصبح بلا قنابل خلال بضعة شهور لولا تزويد الولايات المتحدة لها بالعتاد اللازم.
لقد وقر في الرأي العام الإسرائيلي أن الحرب تنتهي بدون إنجاز أي من الأهداف الرئيسية لـ"إسرائيل".
فقد خرج نتنياهو ومعه الجيش الإسرائيلي عازمين على "دحر" حماس بعد المهانة والصدمة التي حلت بهم بسبب الهجوم المباغت على جنوب إسرائيل في أكتوبر (تشرين الأول) 2023. من الواضح أنهم لم يتمكنوا من تحقيق هذه الغاية.
خذ بيت حانون في شمال غزة كنموذج للمعركة التي شنتها حماس ضد القوات الغازية. كانت تلك قبل خمسة عشر شهراً هي المدينة الأولى في غزة التي تحتلها القوات الإسرائيلية، والتي خلصت إلى أن أضعف كتائب حماس تتواجد فيها.
ولكن بعد موجات متتالية من العمليات العسكرية، وكان يفترض في كل واحدة من هذه الموجات أنها كفيلة بإخلاء المدينة من مقاتلي حماس، ثبت أن بيت حانون وحدها كبدت الجيش الإسرائيلي أكبر حجم من الإصابات.
ظلت حماس تنبعث من تحت الأنقاض لتقاتل مجدداً محولة بيت حانون إلى حقل ألغام للجنود الإسرائيليين. منذ إطلاق أحدث العمليات العسكرية في شمال غزة، قضى خمسة وخمسون ضابطاً وجندياً إسرائيلياً حتفهم في هذا المحور، خمسة عشر منهم في بيت حانون فقط خلال الأسبوع الأخير.
لو كان هناك جيش يتعرض للاستنزاف والإنهاك اليوم، فإنه جيش "إسرائيل". فالحقيقة العسكرية البسيطة للحياة في غزة هي أنه بعد مرور خمسة عشر شهراً، مازال بإمكان حماس التجنيد والتجديد بمعدل أسرع من قدرة "إسرائيل" على قتل زعمائها أو مقاتليها.
في تصريح لصحيفة "ذي وول ستريت جورنال"، قال الجنرال الإسرائيلي المتقاعد أمير أفيفي: "إننا في وضع باتت سرعة حماس في إعادة بناء نفسها أكبر من قدرة إسرائيل على اجتثاثها". وأضاف قائلاً إن محمد السنوار، الشقيق الأصغر لزعيم حماس المقتول يحيى السنوار "هو الذي يدير المشهد بأسره".
لو كان هناك ما يثبت عدم جدوى قياس النجاح العسكري فقط من خلال عدد الزعماء الذين يتم قتلهم، أو الصواريخ التي يتم تدميرها، فإنه هذا هو الأمر.
مخالف لكل التوقعات
في حرب التحرير، بإمكان الضعيف عدة وعتاداً تحقيق النجاح مخالفاً بذلك كل التوقعات. فهذه الحروب ما هي سوى معارك إرادة. ليست المعركة هي التي يعول عليها، وإنما القدرة على الاستمرار في القتال.
في الجزائر وفي فيتنام، كانت الجيوش الفرنسية والأمريكية تتمتع بتفوق عسكري كاسح، ولكن انتهى الأمر بالقوات في كلتا الحالتين إلى الانسحاب بعد سنين عديدة في حالة من الخزي والإخفاق. تحقق ذلك في فيتنام بعد ست سنين من هجوم تيت، والذي كان، تماماً كما هو حال هجوم السابع من أكتوبر 2023، يعتبر في حينه عملية عسكرية فاشلة. ولكن رمزية القتال من جديد بعد كل تلك السنين من الحصار أثبتت أنها العامل الحاسم في الحرب.
في فرنسا، مازالت ندبات التجربة في الجزائر حية حتى اليوم. في كل حرب من حروب التحرير، يثبت تصميم الضعيف على المقاومة أنه أشد حسماً من القدرات العسكرية للقوي.
في غزة، كان تصميم الشعب الفلسطيني على البقاء في أرضه – حتى وهي تتحول إلى ركام – هو العامل الحاسم في هذه الحرب. وهذا إنجاز مذهل إذا ما أخذنا بالاعتبار أن المنطقة التي لا تتجاوز مساحتها 360 كيلومتراً مربعاً كانت مقطوعة بالكامل عن العالم، بدون حلفاء يساعدون في كسر الحصار وبدون تضاريس طبيعية تساعد على الاختباء.
صحيح أن حزب الله قاتل في الشمال، ولكن ذلك لم يسعف الفلسطينيين في غزة بشيء على الأرض، وهم الذين كانوا عرضة للقصف الليلي المستمر وللهجمات التي كانت تشن عليهم بالطائرات المسيرة لتمزيق الخيام التي تؤويهم.
لا المجاعة القسرية، ولا البرودة، ولا المرض، ولا التنكيل الوحشي والاغتصاب الجماعي على أيدي الغزاة، فت في عضدهم أو نال من تصميمهم على البقاء في أرضهم.
لم يحدث من قبل أن أظهر المقاتلون والمدنيون الفلسطينيون مثل هذا المستوى من المقاومة في تاريخ الصراع، ولعل ذلك يكون نقطة تحول تاريخي.
وذلك لأن ما خسرته "إسرائيل" في حملتها التي كانت تهدف إلى سحق غزة لا يمكن حسابه. فلقد هدرت عقوداً من الجهود الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية المستدامة، التي بذلتها من أجل إقناع الرأي العام الغربي بأنها بلد غربي ليبرالي ديمقراطي.
ذاكرة الأجيال
لم تخسر "إسرائيل" جنوب المعمورة فحسب، رغم ما استثمرته من جهود في أفريقيا وفي جنوب أمريكا. بل لقد خسرت أيضاً دعم جيل من أبناء الغرب، الذين ليست لديهم تلك الذاكرة الطويلة التي لدى بايدن.
لست صاحب هذه الفكرة، وإنما صاحبها هو جاك ليو، الرجل الذي عينه بايدن سفيراً لدى "إسرائيل" قبل شهر واحد من هجوم حماس.
ففي مقابلة أجرتها معه صحيفة "ذي تايمز أوف إسرائيل" بمناسبة مغادرته لمنصبه، قال ليو، وهو يهودي أرثوذكسي، إن الرأي العام في الولايات المتحدة مازال إلى حد كبير مناصراً لـ"إسرائيل"، ولكن ذلك آخذ في التغير.
وقال: "ما قلته للناس هنا إن ما ينبغي أن يخشوا منه عندما تنتهي هذه الحرب هو أن ذاكرة هذا الجيل لا تمتد لتصل إلى تأسيس الدولة ولا إلى حرب الأيام الستة ولا إلى حرب أكتوبر ولا حتى إلى الانتفاضة. بل تبدأ بهذه الحرب، ولا يمكن للمرء تجاهل أثر هذه الحرب على صناع القرار في المستقبل، وليس على من يصنعون القرار اليوم، وإنما من أعمارهم اليوم 25 أو 35 أو 45، والذين سوف يكونون هم الزعماء خلال الأعوام الثلاثين أو الأربعين القادمة".
وقال ليو إن بايدن كان آخر رئيس من أبناء جيله الذين تمتد ذاكرتهم في القدم لتشمل حكاية تأسيس "إسرائيل".
ما تحدث عنه ليو في تصريحه الأخير الموجه ضد نتنياهو توثقه بشكل كاف استطلاعات الرأي الأخيرة. فأكثر من ثلث الشباب اليهود الأمريكيين يتعاطفون مع حماس، بينما يعتقد 42 بالمائة بأن "إسرائيل" ترتكب إبادة جماعية في غزة، ويتعاطف 66 بالمائة مع الفلسطينيين كشعب بالمجمل.
ليست هذه ظاهرة جديدة. فقد أظهر استطلاع للرأي أجري قبل الحرب بعامين أن ربع اليهود الأمريكيين يتفقون مع مقولة إن "إسرائيل دولة فصل عنصري"، ناهيك عن أن أعداداً كبيرة ممن استطلعت آراؤهم لم يجدوا في هذه العبارة معاداة للسامية.
ضرر عميق
لقد غدت الحرب في غزة المنشور الذي يرى من خلاله الجيل الجديد من زعماء المستقبل في العالم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وهذه خسارة استراتيجية كبيرة لبلد كان يظن حتى السادس من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 بأنه طوى ملف القضية الفلسطينية وأن الرأي العام العالمي بات في جيبه.
إلا أن الضرر أبعد وأعمق من ذلك.
لقد أوجدت الاحتجاجات ضد الحرب، والتي نددت بها الحكومات الغربية أولاً باعتبارها معاداة للسامية ثم راحت تشرع ضدها باعتبارها إرهاباً، جبهة عالمية لتحرير فلسطين، بينما غدت حركة مقاطعة "إسرائيل" أقوى من أي وقت مضى.
تقف "إسرائيل" اليوم في قفص الاتهام داخل المحاكم الدولية، وهو أمر لم يسبق أن حدث من قبل. لا يقتصر الأمر على صدور مذكرات توقيف بحق نتنياهو وغالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب، ولا على استمرار قضية الإبادة الجماعية المرفوعة لدى محكمة العدل الدولية، وإنما ثمة عدد كبير من القضايا الأخرى التي توشك أن تغرق بها المحاكم في كل واحدة من الديمقراطيات الغربية الكبرى.
هناك قضية مرفوعة داخل بريطانيا ضد شركة "بريتش بتروليوم" لقيامها بتزويد "إسرائيل" عبر خط أنابيبها الممتد من أذربيجان إلى تركيا بالنفط الخام، والذي يزعم أنه يستخدم بعد ذلك من قبل الجيش الإسرائيلي.
إضافة إلى ذلك، قرر الجيش الإسرائيلي مؤخراً إخفاء هويات جميع جنوده الذين شاركوا في الحملة على غزة خشية أن تتم ملاحقتهم قانونياً حينما يسافرون إلى الخارج.
كانت شرارة هذا الحراك الكبير قد أطلقتها مجموعة صغيرة من النشطاء أطلقت على نفسها اسم الفتاة هند رجب، التي كانت في السادسة من عمرها عندما قتلتها القوات الإسرائيلية في غزة في كانون الثاني/ يناير 2024.
تقدمت المجموعة التي تتخذ من بلجيكا مقراً لها من المحكمة الجنائية الدولية بأدلة ضد ألف إسرائيلي بتهمة ارتكاب جرائم حرب. تشتمل الأدلة على مقاطع مصورة ومسموعة وعلى تقارير صادرة عن الطب الشرعي وغير ذلك من الوثائق.
لن يكون وقف إطلاق النار نهاية كابوس فلسطين، وإنما بداية كابوس "إسرائيل". لن تلبث هذه التحركات القانونية أن تكتسب مزيداً من الزخم كلما تكشفت حقائق ما جرى في غزة وحينما يبدأ توثيقها بمجرد توقف الحرب.
الانقسامات الداخلية
محلياً، سوف يعود نتنياهو من الحرب إلى بلد يعاني من انقسامات داخلية غير مسبوقة. فهناك معركة بين الجيش والحريديم الذين يرفضون الخدمة العسكرية. وهناك معركة بين العلمانيين من جهة والصهاينة القوميين المتدينين من جهة أخرى. وبانسحاب نتنياهو من غزة، ينتاب اليمين المتطرف إحساس بأن فرصة إقامة "إسرائيل الكبرى" تم انتزاعها من فكي الانتصار العسكري. وطوال الوقت، لم تزل "إسرائيل" تشهد خروجاً غير مسبوق لليهود منها.
على مستوى الإقليم، تبقى لدى "إسرائيل" قوات داخل لبنان وسوريا. لعله من الحماقة الظن بأن هذه العمليات المستمرة سوف تستعيد الردع الذي فقدته "إسرائيل" عندما هاجمتها حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
لربما تلقى محور المقاومة الذي تقوده إيران بعض الضربات المستدامة بعد القضاء على قيادة حزب الله، وبعد أن وجد الحزب نفسه ينتشر فوق طاقته في سوريا. ولكن مثله مثل حماس، لم يتعرض حزب الله لضربة قاضية باعتباره قوة قتالية.
يضاف إلى ذلك أن العالم العربي السني يشعر بانزعاج شديد غير مسبوق بسبب ما جرى في غزة وما يمارس من قمع داخل الضفة الغربية.
كما أن مساعي "إسرائيل" المكشوفة لتقسيم سوريا إلى كانتونات يثير حفيظة السوريين من كل المذاهب والعرقيات، وكذلك الحال بالنسبة لخططها ضم مناطق (ب) و(ج) في الضفة الغربية، وهو ما يشعر الأردن بأنه يشكل تهديداً وجودياً له. سوف يتم يتعامل في عمّان مع ضم تلك المناطق من الضفة باعتباره عملاً حربياً.
سوف تكون إزالة التضارب بمثابة العمل الصبور لعقود من إعادة البناء، ولكن ترامب ليس رجلاً صبوراً.
والآن، سوف تتخذ حماس وغزة مقعداً خلفياً. فمع التكلفة الباهظة التي تكبدها الناس فيما فقدوه من أرواح، لم تبق عائلة واحدة لم تتضرر. إلا أن ما حققته غزة على مدى الشهور الخمسة عشر الماضية قد يحدث تحولاً جذرياً في الصراع.
لقد أثبتت غزة للفلسطينيين وللعالم بأنها قادرة على تحمل الحرب الشاملة، وأنها لن تستفز من الأرض التي تقف عليها. إنها تقول للعالم، بفخر مبرر، إن المحتلين ألقوا بكل ما لديهم علينا، ومع ذلك لم تحدث نكبة أخرى.
تقول غزة لـ"إسرائيل" إن الفلسطينيين موجودون، وأنهم لن يدجنوا حتى، وما لم، يتحدث معهم الإسرائيليون على قدم من المساواة عن حقوق متساوية.
قد يستغرق استيعاب ذلك سنوات عديدة أخرى، ولكن ذلك حصل لدى البعض، مثل الكاتب يائير أسولين الذي قال في مقال له في صحيفة هآريتس: "حتى لو غزونا الشرق الأوسط بأسره، وحتى لو استسلم الجميع لنا، فإننا لن نكسب هذه الحرب".
إلا أن ما حققه كل من بقي ثابتاً صامداً في غزة لهو أمر بالغ الأهمية من الناحية التاريخية.