صبي في عمر الزهور، يطالعك بابتسامة رائقة على وجهه تكشف عن صفين من اللؤلؤ المكنون. له شعر أكّرت وملامح حادة، وكأن طمي النيل العظيم شكل لونه، ونحتت شمس أسوان ملامحه. 

يتجول حولك في هدوء يحمل كيسًا بلاستيكيا به حلوى يبيعها للأطفال، مر بجانبي مبتسمًا، في بداية الأمر ظننته أحد أطفال مشروع أهل مصر لدمج أطفال المناطق الحدودية، الذين يقيمون في محافظة أسوان منذ الأحد الماضي، ظننته أحدهم، فالعمر واحد، والملامح واحدة، والأرض ذاتها لا تطرح إلا الخير، أو هكذا أعتقد.

تحدثت إليه فقال أن أسمه رأفت، طالب بالصف الأول الإعدادي بإحدى مدارس أسوان، يعمل بعد المدرسة ببيع الحلوى للأطفال والمارة على كورنيش أسوان، وبينما يتجول بالأرجاء وجد ضالته، حيث وقعت عيناه على تجمع كبير للأطفال في مسرح فوزي فوزي بأسوان، وهو ذات المسرح الذي يقام به الأسبوع الثقافي للأطفال.

دخل رأفت وكله أمل أن يبتاع منه الأطفال جزء من الحلوى، ولكنه فوجيء هناك أن الحياة أرحب من بيع وشراء الحلوى بكثير، وجد أحلامه تتجسد أمام عينيه، أقرانه يقفون على المسرح لتنفيذ ورشتهم، وأخرون في ورشة الموسيقى، ومثلهم في ورشة الجلود، وغيرهم في ورشة الخزف، ومثلهم في ورشة صناعة الكتاب، وآخرين في ورشة الخيامية.

طاف رأفت ورآى، وفجأة ترك حلواه ومصدر رزقه وتفاعل مع أقرانه فأصبح واحد منهم، أصبح يطوف بين الورش المختلفة كفراشة تتهادى بين الحقول وغيطان الأزهار، شغلته الألوان وسحرته الموسيقى واستحوذ عليه المسرح وسيطرت عليه صناعة الجلود.

الصبي الصغير وجد ضالته في هذا الأسبوع الثقافي لأطفال أهل مصر على أرض أسوان، دخل رأفت دون إذن من أحد، فالحياة لا تحتاج لإذن لنحياها، دخل طلبا للرزق فرزق ما يحيي روحه وعقله ويوقظ حواسه، وكأن هذا الملتقى كان منحة ربانية ليرتاح ولو قليلا من الطواف بالشوارع وقطع الأرصفة والطرقات سعيا وراء ما لا يناسب عمره وسنواته القليلة.

رست سفينة رأفت في ورشة صناعة الجلود، رحب به مدرب الورشة حينما رأى شغفه ولمعة عينيه، ولم يفكر لحظة واحدة في معاملته كأطفال ورشته، بل أولاه مزيدًا من الاهتمام، تقديرا لظروفه الخاصة. 

بدأ رأفت بالعمل مع زملائه في الورشة، وكانت السعادة التي على وجهه تخبر عن حاله، وما يشعر به في هذا المكان. وهنا حدث موقف صغير ولكنّه عظيم، كشف عن معدن هذا الطفل. 

فخلال عملهم بالورشة وجد المدرب أنهم بحاجة إلى نوعيات معينة من إبر الخياطة، وبعض الأدوات المستخدمة في الجلود، وقال للأطفال أنه سيرسل في طلبها، وإذا برأفت يخبره أنه سيحضر له غدا ما يحتاج إليه، شكره المدرّب ولم يأخذ الأمر على محمل الجد وأرسل في طلب ما يحتاجه لإتمام الورشة، وكانت مفاجأته في اليوم الثاني حينما حضر إلى مدربه ومعه ما كان يحتاج إليه.

سيطرت الدهشة على المدرب، فما أحضره الصبي من أدوات أقل في السعر وأعلى في الجودة، وبالكاد استطاع أن يعطي رأفت ثمن ما أحضره، فقد رفض الصبي أن يحصل على المال، وأخبره ما أحضره على سبيل الهدية البسيطة، ولكن المدرب أصر، وأعطاه المال وشكره على صنيعه. 

مررت بالورشة، فإذا بالمدرب يخبرني بما حدث، وإذا بالصبي يقف بين أقرانه، يعمل وينتج مثلهم، وعلى وجهه ذات الابتسامة التي التقيته بها أول مرة. 

جلست أكتب هذه القصة، وبعد قليل مررت بهم فإذا بالمدرب يخبرني أن الولد تم منعه من الحضور ومواصلة الورشة، وطُرد من المسرح، فسألت من أخرجه عن السبب، فقال لي أنه بائع متجول، ولا يمكن فتح هذا المكان أمام البائعين، وذهب رأفت من حيث أتى، ومعه حلم لم يكتمل.

٢٠٢٤٠٢١٦_١٩٣٤٠٣ ٢٠٢٤٠٢١٦_١٩٣٤٠١ ٢٠٢٤٠٢١٦_١٩٣٣٥٩ ٢٠٢٤٠٢١٦_١٩٣٣٥٧ ٢٠٢٤٠٢١٦_١٩٣٣٣٦ ٢٠٢٤٠٢١٦_١٩٣١٥٥ ٢٠٢٤٠٢١٦_١٩٣١٥٣ ٢٠٢٤٠٢١٦_١٩٣١٣٣

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: اسوان مشروع أهل مصر أطفال المناطق الحدودية ورشة الجلود فی ورشة

إقرأ أيضاً:

جريمة قتل تهز آيت أورير: شاب يفقد حياته على يد شقيقين بسبب خلاف قديم

شهد دوار “ازنتو” بجماعة آيت أورير، مساء الأحد 22 ديسمبر 2024، جريمة قتل مروعة راح ضحيتها شاب في الـ21 من عمره على يد شقيقين تتراوح أعمارهما بين 16 و20 سنة. الحادثة جاءت نتيجة خلاف قديم بين الأطراف، تفاقم بشكل مأساوي إلى مواجهة انتهت بفقدان الضحية لحياته.

وفور وقوع الجريمة، انتقلت السلطات المحلية وعناصر الدرك الملكي إلى مكان الحادث، حيث تم فتح تحقيق لمعرفة ملابسات الواقعة. وتم نقل جثة الضحية إلى مستودع الأموات لإجراء التشريح الطبي بناءً على تعليمات النيابة العامة المختصة، فيما تم توقيف الشقيقين المشتبه بهما ووضعهما رهن تدابير الحراسة النظرية.

أثارت الجريمة حالة من الصدمة بين سكان الدوار، الذين عبروا عن استيائهم من تصاعد مظاهر العنف بين الشباب. وطالبوا باتخاذ إجراءات للحد من مثل هذه السلوكيات التي تهدد أمن المجتمع وسلامة أفراده.

في ظل هذه المأساة، تجددت الدعوات من فعاليات المجتمع المدني لتكثيف التوعية بمخاطر العنف وأهمية حل الخلافات بطرق سلمية. كما شددت هذه الفعاليات على ضرورة تعزيز دور المؤسسات التربوية والاجتماعية للحد من النزاعات التي قد تؤدي إلى حوادث مأساوية كهذه.

تظل هذه الجريمة تذكيرًا مؤلمًا بضرورة التصدي لمظاهر العنف ونشر قيم التسامح والتفاهم، لتجنب وقوع كوارث إنسانية مشابهة في المستقبل.

مقالات مشابهة

  • جامعة بنها الأهلية تنظم ورشة عمل عن التخطيط الاستراتيجي
  • جامعة بنها تنظم ورشة عمل عن التخطيط الاستراتيجي
  • جامعة بنها الأهلية تنظم ورشة عمل عن التخطيط الإستراتيجي
  • قطاع المرأة بـ «تقدم» يختتم ورشة عمل حول تعزيز دور النساء في إنهاء الحرب وبناء السلام
  • جريمة قتل تهز آيت أورير: شاب يفقد حياته على يد شقيقين بسبب خلاف قديم
  • هيئة الأوقاف بذمار تقيم ورشة حول العمل المؤسسي البناء والمسؤول
  • "ابني حياتك المهنية" ورشة عمل بجامعة بني سويف الأهلية
  • هيئة الأفلام تنظم ورشة تدريبية لصناعة الأفلام القصيرة في نجران
  • د كريم رأفت: قمة "الثمانية" فرصة لتعزيز التعاون الاقتصادي وزيادة التبادل التجاري
  • جديد زراعة الأسنان في ورشة عمل بكلية طب الأسنان جامعة المنوفية