رائحة الموت تزكم الأنوف وتطارد الجميع.. الجوع يفتك بالأمعاء الخاوية.. والعطش ينهش الأكباد ويسد الحلوق.. وبرد وثلوج شتاء فلسطين تفترس المشردين والنازحين وتجمد الدماء فى أوصالهم.. والمرضى خارج المستشفيات يموتون كل لحظة لأنهم لا يجدون الرعاية والعلاج، وبات من لم يمت من القصف الصهيونى المسعور يواجه شبح الموت جوعاً وعطشاً وبرداً ومرضاً فى ظل تعنت إسرائيلى وعجز عالمى عن إجبار قادة الدولة العبرية الملوثة أيديهم بالدماء على تسهيل دخول المساعدات إلى غزة.

ومنذ بدء عملية طوفان الأقصى وما تلاها من هجوم إسرائيلى مجنون على كل مدن وبلدات قطاع غزة ومناطق كثيرة بالضفة الغربية يتكشف يوماً بعد يوم المخطط القذر الذى صاغه اليمين المتطرف فى إسرائيل بمساعدة الولايات المتحدة ودول أوروبية وبمباركة حلفاء إسرائيل الجدد فى الشرق الأوسط الجديد وهو تفريغ غزة من سكانها لتنقلب الآية مؤقتاً ويصبح الفلسطينيون مكتوباً عليهم أن يعيشوا فى الشتات بدلاً من اليهود.

ملامح المخطط الشيطانى بدأت فى الظهور عندما أجبر جيش الاحتلال الفلسطينيين فى شمال قطاع غزة على النزوح جنوباً مدعياً أن الجنوب مناطق آمنة، ومع ذلك لم يسلم النازحون من قصف طائرات الاحتلال وقناصته خلال رحلة الفرار من الموت.

مطاردة النازحين لم تتوقف وظل الاحتلال يطاردهم من مكان إلى مكان حتى استقر بهم المقام فى رفح، وهو دفع مرحلى مقصود من جانب الاحتلال لاستكمال المخطط، فتكدس أكثر من 1.4 مليون نازح فى مدينة رفح الفلسطينية التى لا يمكن أن تستوعب على أقصى تقدير أكثر من 300 ألف شخص، ورغم المعاناة الكبيرة فى إيجاد الغذاء والكساء والأغطية والخيام اللازمة لاستيعاب هذا العدد الكبير من البشر اتسع الكادر بشكل أكبر، وبدأت تفاصيل المخطط الشيطانى تتضح أكثر وأكثر من خلال بدء جيش الاحتلال فى الهجوم على رفح وتنفيذ ضربات مركزة مع التلويح بالاجتياح البرى للمدينة وهو ما ينذر بتعميق الجراح الفلسطينية أكثر وأكثر.

فى رأيى المتواضع أن إسرائيل تهدف من وراء الهجوم على رفح إلى تحقيق عدة أهداف تخدم أطماعها التوسعية، وفى نفس الوقت تساعد حلفاءها ومموليها فى تنفيذ مخططاتهم ضد مصر، التى فشلوا فى تحقيق ولو جزء بسيط منها على مدار نحو 13 عاماً منذ 25 يناير 2011 حتى الآن.

الأهداف الإسرائيلية تتمثل فى زيادة الضربات على الفلسطينيين المحشورين والمحاصرين داخل رفح، التى تقع على خط التماس مع الحدود المصرية، ومع زيادة أعداد الشهداء والمصابين لن يكون أمام النازحين سوى محاولة اقتحام الحدود المصرية والدخول إلى سيناء فراراً من الموت الذى يطاردهم، وهنا مربط الفرس والهدف من العملية الخبيثة لماذا؟

لأنه فى حالة دخول الفلسطينيين إلى سيناء ستكون إسرائيل نجحت فى تفريغ قطاع غزة من سكانه وتحقيق أطماعها فى بترول وغاز غزة، ومحاولة إغراء المستثمرين لتنفيذ مشروع قناة البحرين المزعومة لضرب قناة السويس والإضرار بمصر اقتصادياً.

الحالة الثانية وهى وقوف الجيش المصرى لحماية حدود الدولة ومنع الفلسطينيين من اجتيازها، وهنا سيظهر الفصل الثانى من المؤامرة من خلال آلة الدعاية الإعلامية الصهيونية والترويج بأن مصر تتعامل بقسوة مع الفلسطينيين ورفضت استقبالهم فأصبحوا يساقون من الموت إلى الموت. الأمر الآخر والأكثر أهمية وخطورة ويجب الانتباه له والحذر منه هو محاولة إسرائيل استفزاز مصر وتنفيذ ضربات على الحدود لجر الجيش المصرى للرد عليها، ورغم أنه دفاع مشروع عن الأرض إلا أن الصهاينة سيروجون للأمر على أنهم الضحية وتعرضوا للهجوم من مصر لنعود من جديد إلى المربع صفر، فيبدأ أطراف المؤامرة الدولية على مصر منذ 2011 فى محاولة استغلال الموقف، أملاً فى تحقيق أهدافهم الخبيثة التى وقف لها الجيش المصرى حجر عثرة وأفشل كل المخططات طوال 13 سنة وأظهر للجميع أنه سد منيع وحائط صد قوى أمام كل من تسول له نفسه تهديد مصر وشعبها.

واقع الأمر على الأرض يقول إن إسرائيل تقترب أكثر من أى وقت مضى إلى الانتحار السياسى مدفوعة بأطماع ساستها الحاليين والخرافات والأوهام التى زرعها مؤسسوها الأوائل فى عقول شعبها، فغذت داخلهم روح التطرف والطمع والاستيطان والسياسات التوسعية وسلب حقوق وأراضى الآخرين للوصول إلى وهم إسرائيل الكبرى.

قادة اليمين المتطرف فى إسرائيل يحاولون بكل ما أوتوا من قوة إطالة أمد الأزمة الحالية على أمل تحقيق جزء من أهدافهم التى فشلوا فيها على مدار 5 أشهر، فلا هم حرروا الرهائن ولا قضوا على حماس ولا سيطروا على غزة، وبالتالى فإن انتصار حماس يعنى أن نتنياهو وعصابته سيحاكمون بتهمة الفشل والهزيمة والغباء السياسى وسيقبعون خلف أسوار السجون، وهذا ما يبرر إصرارهم على إطالة الأزمة ورفض الهدنة ووقف الحرب لأنهم يعرفون المصير المحتوم الذى ينتظرهم.

الخلاصة: مصر هى الهدف فى كل ما يجرى الترتيب له فى المنطقة وما يحدث من صراعات إقليمية على أمل توريطها وجرها إلى دائرة الصراع، لإعادة استنساخ واستحضار مشاهد 2011 وما تلاها من جديد، لكن هؤلاء المتآمرون والمغامرون والمقامرون يحاولون أن ينسوا أو يتناسوا أن مصر محفوظة ومؤيدة من الله، ورجالها أسود لا تهاب الموت فى سبيل حماية الوطن ودحر أعدائه وردهم يجرون أذيال الفشل والخيبة، وكأنهم لا يملون من تكرار فشلهم ويكابرون فى سبيل عدم الاعتراف به، والأيام كفيلة بالحكم على محاولاتهم البائسة لأن مصر باقية وهم زائلون.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: فلسطين غزة النازحون انتهاكات إسرائيل من الموت أکثر من

إقرأ أيضاً:

محمد مغربي يكتب: كيف تم تفجير أجهزة اتصالات بيجر في لبنان؟

11 قتيلا و4 آلاف جريح منهم 400 في حالة حرجة، هكذا وصل عدد الضحايا من اللبنانيين بعد 5 ساعات فقط من تفجير أجهزة الاتصالات "بيجر" وهي أجهزة يستخدمها أعضاء حزب الله والعاملين في مؤسساته، وفوجئ الكثير منهم بانفجارها في أيديهم ما أدى إلى إصابة قيادات في الحزب بجانب السفير الإيراني في بيروت.

واستغل المهاجمون ثغرات في أنظمة الرسائل اللاسلكية لأجهزة البيجر، ويُشتبه أن مخترقين إسرائيليين تلاعبوا عن بُعد عبر إشارات تردد الراديو ما تسبب في ارتفاع حرارة البطاريات وانفجارها، ليكون ذلك بحسب تصريحات قيادات لبنانية أكبر اختراق أمني لحزب الله خلال السنوات الماضية.

وللتوضيح أكثر، فإن أجهزة البيجر تعمل عبر ترددات معينة لاستقبال الرسائل القصيرة، ومن المحتمل أن يكون المهاجمين قد استغلوا هذه الترددات وإرسال إشارات مشفرة لاستهدافها من خلال تقنيات مثل التداخل اللاسلكي "jamming" لإجبار تلك الأجهزة على العمل بشكل غير طبيعي أو حتى إصدار أوامر خاطئة تجعل الأجهزة تتلف أو تنفجر.

كما تشمل الاحتمالات استخدام الهندسة العكسية للأجهزة، والتي تعني دراسة الجهاز من الداخل لاكتشاف نقاط ضعفه، بعدها يتم زراعة برامج ضارة "malware"، وهذه البرامج تدفع الجهاز للانفجار في حالة استقبال إشارة معينة، خاصة أن الثغرات في البرمجيات القديمة أو التي لا تحظى بحماية جيدة، يمكن استخدامها لتدمير الدوائر الكهربائية للجهاز.

أما السيناريو الثالث، هو احتمالية أن يكون تفجير الأجهزة جزء من هجوم سيبراني مركب، جمع بين تقنيات متعددة مثل استغلال أنظمة التحكم عن بعد، أي الأنظمة التي ترسل التحديثات أو تستقبل الاوامر، وفي حالة الوصول إلى النظام المركزي المعني بإدارة الأجهزة كلها، يتم منح تعليمات ضارة أو أوامر مباشرة لتفجير الأجهزة، وقد يكون التفجير تم من خلال استغلال البطاريات والدوائر الكهربائية فبعض الأجهزة تحوي مكونات يمكن التلاعب بها لتسبب انفجار عن تسخينها أو حدوث قصور كهربائي "short circuit" كما ان بعض البطاريات تكون مصممة بطريقة قابلة للإنفجار في حالة استقبال إشارة معينة.

أما السيناريو الأخير فهو أن تكون تلك الأجهزة بها متفجرات صغيرة يمكن تفجيرها عن بعد باستخدام إشارات معينةـ لكن هذه التقنية تحتاج أجهزة اتصال متقدمة وموجهة قريبا من مواقع التفجير.

وبجانب هذه السيناريوهات، فالحقيقة أن تفجير "البيجر" لم يكن الأول في الحرب السيبرانية بين حزب الله وإسرائيل والتي تصاعدت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وباتت الهجمات المتقدمة والمتبادلة بين الطرفين تستهدف البنية التحتية والتكنولوجيا والاتصالات، ففي عام 2019 نفذت إسرائيل هجمات سيبرانية استهدفت قناة المنارة التابعة لحزب الله وغيرها من قنوات الاتصال مما أدى إلى تعطيل البث والخدمات خلال عمليات حاسمة.

وقد شملت الهجمات "DDOS"  أي "Distributed Denial of Service" والتي أغرقت خوادم القناة بحركة مرور كثيفة مما جعلها غير قادرة على البث، وقد يكون الهجوم قد تضمن أيضًا "malware" لتعطيل الاتصالات الداخلية والمعدات.

بعد هذا الحادث بعامين، أي في 2021، نفذت الوكالات الاستخباراتية الإسرائيلية اختراق لأنظمة التحكم بالطائرات بدون طيار التابعة لحزب الله، مما سمح لهم باعتراض الطائرات وتعطيلها قبل أن يتم استخدامها في الهجمات، ومن المرجح أن الهجوم اعتمد على استغلال نقاط ضعف في بروتوكولات الاتصالات واستخدام تقنيات "jamming" التي من شأنها منع الإشارات أو إعادة توجيهها ما أجبر الطائرات على التحطّم أو العودة إلى قاعدتها.

بالطبع لا يُمكن إغفال انفجار مرفأ بيروت في 2020، ورغم أن الحادث مازال قيد التحقيق، لكن هناك شكوك مبكرة في إمكانية حدوث هجوم سيبراني تطلب التسلل إلى أنظمة إدارة الميناء أو التخريب عن بُعد لانظمة السلامة، ما أدى إلى سوء إدارة  المواد الخطرة، ورغم أن ذلك يبقى فرضًا لكن لا يمكن استبعاده.

ويمتلك جيش الاحتلال وحدة تسمى 8200 وهي المسئولة عن شن الهجمات السيبرانية ضد حزب الله، وتمكّنت تلك الوحدة من تطوير برامج ضارة مثل "Stuxnet "وبرمجيات أخرى لتخريب البنية التحتية العسكرية والاتصالات، وغالبًا ما تتضمن عملياتها استغلال "zero-day vulnerabilities" وهي الثغرات الأمنية غير المعروفة لمزودي البرمجيات، وبالتالي غير المُرقعة، كما قد تتضمن أيضًا "backdoor software implants" التي تسمح للمهاجمين بمراقبة الأنظمة والتحكم عن بعد.

على الجانب الآخر لم يقف حزب الله مكتوف الأيدي أمام تلك الحرب المتصاعدةـ، فشن هو الآخر هجمات سيبرانية على شبكات الكهرباء ومحطات المياه لتعطيل الحياة اليومية الإسرائيلية وخلق حالة من الفوضى، ويعتمد حزب الله غاليًا على تقنيات "spear-phishing" لاختراق الشبكات الإسرائيلية حيث يتم خداع المستخدمين بالنقر على روابط خبيثة تقوم بتثبيت برامج ضارة، وبمجرد الدخول يحاولون رفع الامتيازات للتحكم في الانظمة الحيوية.

وبالنظر إلى أدوات الفريقين في الحرب السيبرانية، يمكن القول  إنها متشابهة في الاعتماد على "Man-in-the-Middle Attacks" للتنصت على الاتصالات أو التلاعب بها، كما اعتمد الفريقان على "Social Engineering" و"Spear Phishing" لاستغلال الثغرات البشرية عن طريق إرسال رسائل بريد إلكتروني مزيفة، أو إنشاء مواقع وهمية لخداع الخصوم والكشف عن بيانات دقيقة بمجرد الاعتماد عليها يمكنهم فعل ما يريدون، وكذلك استخدام الجانبان "Encryption Attacks" وهي تقنيات متعددة لكسر تشفير الاتصالات خاصة الإسرائيلية.

لذلك، فمن المحتمل مع تصاعد الصراع بين الطرفين، أن يلجأ كلاهما إلى الذكاء الاصطناعي لتعزيز قدراتهما السيبرانية، فمن خلال الذكاء الاصطناعي يمكن التعرف على الأنماط واكتشاف الثغرات وشن الهجمات الدقيقة على البنية التحتية الحيوية، إضافة إلى السيطرة على الأنظمة المستقبلة أو تخريبها مثل الطائرات بدون طيار وأنظمة الدفاع الصاروخي، وفي المجمل يمكن القول أن الحرب السيبرانية بين إسرائيل وحزب الله ستظهر مدى تعقيد الصراعات الحديثة والتي تتقاطع فيها المجالات الرقمية والفيزيائية ما يجعل ساحة المعركة تتعلق بالرموز البرمجية أكثر ما تتعلق بالأسلحة بالتقليدية.

مقالات مشابهة

  • أعنف تصعيد منذ 8 أكتوبر.. إسرائيل تنفذ أكثر من 50 غارة جوية على لبنان
  • أنا والحزب الشيوعي السوداني: من التأثر إلى الثورة
  • د. محمد عثمان يكتب: مستقبل إنتاج الألبان (1-2)
  • د. يسري الشرقاوي يكتب: على أبواب مرحلة اقتصادية جديدة
  • عادل حمودة يكتب: 101 سنة هيكل.. الاختلاف لا ينفي الإعجاب
  • عادل حمودة يكتب: ملفات ساخنة فى الخريف
  • محمد مغربي يكتب: كيف تم تفجير أجهزة اتصالات بيجر في لبنان؟
  • محمد مغربي يكتب: مصر الأفضل عالمياً في الأمن السيبراني
  • فرار سجين من مستشفى... استقلّ سيارة في داخلها 3 مسلحين
  • مصادر: "الخطوات المتهورة" التي تخطط لها حكومة نتنياهو في الشمال قد تورِّط إسرائيل في مشكلة أكثر صعوبة