رحلة «قديسة الصعيد» من «قرية الشيخ عبادة» إلى «البقيع»
تاريخ النشر: 16th, February 2024 GMT
لم تكن تعلم تلك الفتاة القبطية الحسناء أن القدر يُرتب لها ما لم يكن يراودها ولو في الخيال، فأنى لبشر أن يصل به الخيال إلى أن الله يُدبر له أن يكون في كنف رسوله المختار «ص»، ليس هذا فحسب بل أن يجزل في عطائها ويضع حدودًا لحقوقها في سورة تُتلى آناء الليل وأطراف النهار حتى تقوم الساعة.
من مصر وبالتحديد في قرية الشيخ عبادة تفتحت زهرة السيدة "مارية القبطية" التي كانت السماء تٌعدها لرحلة مباركة إلى المدينة المنورة، كان أطيط نعلها يدوي في أنحاء مصر من تلك القرية التابعة لمحافظة المنيا والتي تبُعد عن القاهرة نحو 400 كيلومتر.
ووفقًا للمصادر التاريخية فإن تلك القرية المباركة لها تاريخ فرعوني عظيم قبل الإسلام، إلا أنه عقب وصول عمرو بن العاص إلى مصر وفتحها، كان ضمن الجيش الصحابي عبادة بن الصامت، وبعد موقعة البهنسا، انطلقت الجيوش بقيادة عبادة للقضاء على فلول الرومان بالصعيد، وإكمال الفتح الإسلامي، حيث وصل إلى القرية، وعلم من الأهالي أنها المنطقة التي جاءت منها زوجة الرسول «ماريا القبطية، فقرر البقاء هناك، وبنى مسجدا في المكان الذي كان يوجد به منزل أسرة ماريا، وكان هذا هو أول مسجد في ملوي»، واستقر عبادة بن الصامت في تلك المنطقة وجعلها مقر إقامته، لتسمى القرية بعد ذلك باسمه "قرية الشيخ عبادة".
كان «حاطب بن أبي بلتعة»، هو رسول رسول الله إلى المقوقس حاكم الإسكندرية والنائب العام للدولة البيزنطية في مصر، ليدعوه للدخول في الإسلام ورد المقوقس عليه قائلا: «يا هذا إن لنا دينًا لن ندعه إلا لما هو خير منه» ثم كتب رسالته إلى النبي «ص» جاء فيها: «إلى محمد بن عبد الله، من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك، أما بعد فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبيًا بقي، وكنت أظن أنه سيخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديتُ إليك بغلة لتركبها والسلام عليك».
اختار المقوقس "ماريا" لجمالها لكن الله اختارها لقلبها لتكون في حضرة جناب النبي الكريم، إذ أنه حينما رآها مع شقيقتها سيرين بنت شمعون، اختارها لنفسه ووهب أختها لحسان بن ثابت.
نقلت ماريا ثرى مصر الطاهر ليختلط بوقع خطوات النبي الكريم في المدينة المنورة فأضافت إلى مصر تاريخا جديدا بنسب وصهرًا، ووريد آخر يُضخ فيه دماء العروبة بعد «هاجر»، لتزداد مكانة مصر في قلوب المُسلمين أجمعين بـأم إسماعيل ومن بعدها أم إبراهيم،
أنجبت السيدة ماريا ولدها «إبراهيم»، الذي عاش سنة وبضعة أشهر يحظى برعاية النبي «ص»، ولكنه مرض قبل أن يُكمل عامه الثاني، وذات يوم اشتد مرضه، فرفعه الرسول وهو (ينازع)، ومات إبراهيم وهو بين يدي الرسول فبكى عليه ودمعت عيناه، وكان معه عبدالرحمن بن عوف فقال له: أتبكي يا رسول الله؟ فرد عليه: إنها رحمة "إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإن لفراقك يا إبراهيم لمحزونون، وكانت وفاته يوم الثلاثاء لعشر ليال خلت من ربيع الأول سنة عشر من الهجرة النبوية المباركة"، وحزنت مارية رضي الله عنها حزنًا شديدًا على موت ابنها إبراهيم.
عاشت ماريا ما يقارب الخمس سنوات في ظلال الخلافة الراشدة، وتوفيت في المحرم من السنة السادسة عشر، الموافق لـهذا اليوم ميلاديا، ودعا عمر بن الخطاب الناس وجمعهم للصلاة عليها. فاجتمع عدد كبير من الصحابة من المهاجرين والأنصار ليشهدوا جنازة مـارية القبطية، ودفنت إلى جانب نساء أهل البيت النبوي، وإلى جانب ابنها إبراهيم في البقيع.
المصدر: البوابة نيوز
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شعبان يكتب: نظرية العصر الإسرائيلي
لا خلاف في أن ما يمر بالمنطقة العربية من تطورات خلال العام الأخير، ومنذ انطلاق طوفان الأقصى 7 أكتوبر 2023، جد خطير وغير مسبوق، وإذا قلنا إنه خريف عربي مفعم بالمآسي والأزمات فلن نبتعد كثيرا عن واقع الحال.
والحاصل، أن طوفان الأقصى الذي انطلق لتوجيه لطمة لإسرائيل على ما أتصور، ومقايضتها بآلاف الأسرى الفلسطينيين الموجودين في السجون الإسرائيلية، وإحداث "تحريك" في الملف الفلسطيني بعد أكثر من 17 عاما من الجمود التام وعقب سيطرة حركة حماس على القطاع، قد انقلب إلى كارثة كبرى أو سيل يجرف أمامه البلدان العربية، وأول ضحاياها قطاع غزة نفسه، الذي يشهد حتى اللحظة، أكبر مهزلة إنسانية في التاريخ، بعشرات الآلاف من الشهداء وعشرات الآلاف من المصابين ودمار ليس له نظير ووضع على حافة المجاعة.
لكن قضيتنا اليوم، ليست فيما حدث في غزة وهو وضع بالغ الصعوبة وكارثة يراها العالم بأجمعه، ولا يمكن استمراره أكثر من هذا، وإنما المقصود بمقال اليوم هو تداعيات هذا "الطوفان"، والأطراف التي استغلت هذه اللحظة على الأمن القومي العربي والتداخلات الغريبة في المنطقة، والتي من المنتظر أن تشهد تدخلات أكبر وأكثر شراسة مع قرب بدء ولاية ترامب واستلام مهام منصبه رسميا في يناير.
ويمكن إجمال ما حدث من هزّة شديدة في الأمن القومي العربي انطلاقا من دراما غزة في نقاط شديدة الوضوح كالتالي:-
-قطاع غزة تعرض لدمار شديد، ولم ينجح الطوفان في إحداث اللطمة التي كانت مطلوبة لمقايضة الأسرى والتحريك، ولكنه ساعد إسرائيل على مد يدها الطويلة لتمزيق القطاع إربا إربا والتصريح علانية باستمرار القوات الإسرائيلية فيه، يعني إعادة احتلاله بشكل كامل، ونسف كل ما سبق من تفاهمات بعد قيام إسرائيل باغتيال صف كامل من قيادات حماس بدأت بإسماعيل هنية وحتى يحيى السنوار، فالطوفان أطلق يد إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، وأصبح حلم الدولة الفلسطينية نفسه على المحك، ومع وصول ترامب وتأييده الشديد لخطوات إسرائيل فإن هذا الحلم قد أصبح بعيدا جدا.
-جاءت تداعيات الطوفان على لبنان، بعدما تدخل حزب الله في المعادلة، وقال إنه يدافع عن غزة أو يقوم بعملية إسناد جبهة غزة، وكانت النتيجة كارثية أيضا، فلم ينجح حزب الله بانتماءاته الإيرانية المعروفة في وقف الحرب على غزة، بل لم ينجح في الدفاع عن نفسه، وتعرض للتدمير شبه التام واغتيال كامل قيادة التنظيم وأولهم حسن نصر الله، والأسوأ أن تدخل حزب الله في الحرب، أطلق يد إسرائيل في لبنان، ما أدى لسقوط 4 آلاف عنصر ودمار شديد في جنوب لبنان ودمار مروع في بيروت، واستمر ذلك حتى وقف اطلاق النار قبل ثلاثة أسابيع، مع ضمان حق اسرائيل في القصف والضرب حال مخالفة حزب الله أو حكومة لبنان ما تم الاتفاق عليه.
-تداعيات الطوفان، لم تقف عند حدود لبنان ولكنها انتقلت لسوريا، فبعد الضربات العنيفة التي وجهتها إسرائيل لحزب الله في لبنان وطرق الإمداد السورية لأسلحته وتواصل هذه الضربات ضد معسكراته في ضواحي دمشق وغيرها من المدن السورية، ما أدى لانهيار منظومته في دمشق، فإن هيئة تحرير الشام مدعومة بقوة إقليمية، رأت أن ذلك مناسب للهجوم المضاد في أضعف حالات النظام السابق وترنح حليفه حزب الله، ما أدى لسقوط النظام في دمشق خلال 12 يوما فقط لا غير، ولم تكن هذه المشكلة، ولكن استغلال إسرائيل للوضع الذي تمر بها سوريا كان فادحا، بعدما قامت اسرائيل وبتوجيهات مباشرة من نتنياهو، باقتحام المنطقة العازلة في هضبة الجولان السوري المحتل وأعلن نتنياهو سقوط الاتفاقية والسيطرة على قمة جبل الشيخ الاستراتيجية، وقام سلاح الجو الإسرائيلي بمسح الأسطول البحري السوري من الوجود، وتدمير كافة مواقع وثكنات الجيش السوري تدميرا ممنهجًا وكافة المراكز البحثية، وأصبحت إسرائيل على بعد عدة كيلو مترات من العاصمة دمشق.
نتنياهو، لم يترك الفرصة وإنما اعترف علانية وفي ظل غياب تحرك عربي قوي وموحد أمامه، أن تل أبيب تغير منطقة الشرق الأوسط، وأن لبنان لم يعد لبنان الذي نعرفه، يقصد وقت وجود حزب الله، ولا سوريا التي نعرفها، يقصد وقت وجود الجيش السوري الذي جرى تفكيكه وتدمير أسلحته وطائراته، ولا كذلك قطاع غزة.
المثير للدهشة، أن جماعة الحوثي في اليمن، لم تتعظ من كل ما حدث وكذلك المجموعات الإيرانية المسلحة في العراق، فاشتعلت الصواريخ والمسّيرات القادمة من البلدين نحو إسرائيل، ما ينذر بحملات جوية عنيفة على البلدين انطلقت منها واحدة اسرائيلية بالفعل نحو اليمن، لتكسير مقدرات الحوثي و"الأشياء الضئيلة" التي يمتلكه الشعب اليمني الذي يعيش خارج العصر، منذ الربيع العربي الأسود في عام 2011.
وهو ما يدفع للسؤال مجددا عما تسبب فيه طوفان حماس؟ وعما إذا كان ذلك قد جرنا بالفعل للعصر الإسرائيلي وهيمنة تل أبيب على مقدرات عدة دول عربية وتغيير أوضاعها، وضربها لتحقيق مصالحها المباشرة، وهو ما دفع رئيس وزراءها للقول علانية أن بلاده تقوم بتغيير الشرق الأوسط وستستمر في ذلك؟!!
فهل هذا معقول أو مقبول او يمكن الاستمرار فيه؟! أعتقد أن الدول العربية عبر مؤسساتها الجامعة وفي مقدمتها الجامعة العربية، مطالبة بالتحرك لمواجهة العصر الإسرائيلي وإيقاف نزيف الخسائر والتفتيت والتقسيم عند هذا الحد.