لم تكن تعلم تلك الفتاة القبطية الحسناء أن القدر يُرتب لها ما لم يكن يراودها ولو في الخيال، فأنى لبشر أن يصل به الخيال إلى أن الله يُدبر له أن يكون في كنف رسوله المختار «ص»، ليس هذا فحسب بل أن يجزل في عطائها ويضع حدودًا لحقوقها في سورة تُتلى آناء الليل وأطراف النهار حتى تقوم الساعة.
من مصر وبالتحديد في قرية الشيخ عبادة تفتحت زهرة السيدة "مارية القبطية" التي كانت السماء تٌعدها لرحلة مباركة إلى المدينة المنورة، كان أطيط نعلها يدوي في أنحاء مصر من تلك القرية التابعة لمحافظة المنيا والتي تبُعد عن القاهرة نحو 400 كيلومتر.


ووفقًا للمصادر التاريخية فإن تلك القرية المباركة لها تاريخ فرعوني عظيم قبل الإسلام، إلا أنه عقب وصول عمرو بن العاص إلى مصر وفتحها، كان ضمن الجيش الصحابي عبادة بن الصامت، وبعد موقعة البهنسا، انطلقت الجيوش بقيادة عبادة للقضاء على فلول الرومان بالصعيد، وإكمال الفتح الإسلامي، حيث وصل إلى القرية، وعلم من الأهالي أنها المنطقة التي جاءت منها زوجة الرسول «ماريا القبطية، فقرر البقاء هناك، وبنى مسجدا في المكان الذي كان يوجد به منزل أسرة ماريا، وكان هذا هو أول مسجد في ملوي»، واستقر عبادة بن الصامت في تلك المنطقة وجعلها مقر إقامته، لتسمى القرية بعد ذلك باسمه "قرية الشيخ عبادة".

كان «حاطب بن أبي بلتعة»، هو رسول رسول الله إلى المقوقس حاكم الإسكندرية والنائب العام للدولة البيزنطية في مصر، ليدعوه للدخول في الإسلام ورد المقوقس عليه قائلا: «يا هذا إن لنا دينًا لن ندعه إلا لما هو خير منه» ثم كتب رسالته إلى النبي «ص» جاء فيها: «إلى محمد بن عبد الله، من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك، أما بعد فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبيًا بقي، وكنت أظن أنه سيخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة، وأهديتُ إليك بغلة لتركبها والسلام عليك».

اختار المقوقس "ماريا" لجمالها لكن الله اختارها لقلبها لتكون في حضرة جناب النبي الكريم، إذ أنه حينما رآها مع شقيقتها سيرين بنت شمعون، اختارها لنفسه ووهب أختها لحسان بن ثابت.

نقلت ماريا ثرى مصر الطاهر ليختلط بوقع خطوات النبي الكريم في المدينة المنورة فأضافت إلى مصر تاريخا جديدا بنسب وصهرًا، ووريد آخر يُضخ فيه دماء العروبة بعد «هاجر»، لتزداد مكانة مصر في قلوب المُسلمين أجمعين بـأم إسماعيل ومن بعدها أم إبراهيم،

أنجبت السيدة ماريا ولدها «إبراهيم»، الذي عاش سنة وبضعة أشهر يحظى برعاية النبي «ص»، ولكنه مرض قبل أن يُكمل عامه الثاني، وذات يوم اشتد مرضه، فرفعه الرسول وهو (ينازع)، ومات إبراهيم وهو بين يدي الرسول فبكى عليه ودمعت عيناه، وكان معه عبدالرحمن بن عوف فقال له: أتبكي يا رسول الله؟ فرد عليه: إنها رحمة "إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإن لفراقك يا إبراهيم لمحزونون، وكانت وفاته يوم الثلاثاء لعشر ليال خلت من ربيع الأول سنة عشر من الهجرة النبوية المباركة"، وحزنت مارية رضي الله عنها حزنًا شديدًا على موت ابنها إبراهيم.

عاشت ماريا ما يقارب الخمس سنوات في ظلال الخلافة الراشدة، وتوفيت في المحرم من السنة السادسة عشر، الموافق لـهذا اليوم ميلاديا، ودعا عمر بن الخطاب الناس وجمعهم للصلاة عليها. فاجتمع عدد كبير من الصحابة من المهاجرين والأنصار ليشهدوا جنازة مـارية القبطية، ودفنت إلى جانب نساء أهل البيت النبوي، وإلى جانب ابنها إبراهيم في البقيع.

المصدر: البوابة نيوز

إقرأ أيضاً:

عبد الله علي إبراهيم: أيَّامٌ أَمْرِيكِيَّة!

سألني كمال الجزولي قبل نحو سنتين أو كذا أن أكون ضيفاً على روزنامته. وكانت هي المرة الثانية. كتبت في المرة الأولي عن يوميات كابوس يطاردني في حلمي عن أيام تخفشي في الظلام من أمن الرئيس نميري وفي طاقم الحزب الشيوعي المتفرغ. أما في المرة الثانية فكانت بعنوان “أيام أمريكية” أنشرها هنا مقتصرة على أيام أربعة من أيام الله السبعة. وقدمني كمال بقوله “عبد الله علي إبراهيم، مسـرحي وكاتب وأسـتاذ للتَّاريخ بجامعة ميسوري الأمريكيَّة وسابقاً مرشَّح لرئاسة الجُّمهوريَّة ورئيس لاتِّحاد الكتاب). رحمه الله.

الإثنين
هذا يوم ال “GPS” لفريد زكريا، المحلل السياسي الأمريكي من أصول هندية، على قناة السي إن إن. لم أحرص على حضور برنامج مثله منذ تفرق جمع برنامج الأحد التحليلي على الإي بي سي في التسعينات. وكان نجمي المفضل جورج ويل اليميني الذكي الماكر في تعبيره. وما يزال يكتب عموده، مع ذلك، للواشنطون بوست.

واسمِّي برنامج زكريا “عدل الرأس”، يطوف بك وضيوفه في خبر الأسبوع المنصرم بيسر، وله كلمة يقدم لها البرنامج تنضح علماً وذكاء.

أعادني مرة إلى المقارنة الدارجة التي نجريها بين خيبتنا في الديمقراطية بينما نجحت الهند. وراعني أن منصور خالد خصص ما يقرب الكتاب لهذه المقارنة لغير صالحنا في شذراته. والمؤسف أنه لا يبدو، متى وضعنا المسألة هكذا، أننا عرفنا عن الهند شيئاً منذ سمَّينا مؤتمر الخريجين تيمناً بالمؤتمر الهندي، ولهجنا باسم غاندي!

ووقفت من البرنامج على أن ما أبقى الهند في الديمقراطية هو صبرها عليها برغم الحقائق الاجتماعية البشعة التي تكتنفها. فلو طرأت واحدة منها في أي بقعة من السودان لنهض من “يقلبها” بسلاحه لا غير. فلا يتجلى الصبر الهندي على الديمقراطية، بوصفها حلالة المشاكل على المدي الطويل، كتجليها في عادة وأد البنات المعاصرة في الهند. فنحن قد فرغنا من استرذال هذه العادة، شرعاً وروحاً، منذ 15 قرناً. والحمد لله على نعمة الإسلام. ولم أصدق أذني، خلال مشاهدة برنامج فريد، أن هذه العادة ما تزال سارية المفعول في الهند. وكانت موضوع حلقة في برنامج الرجل عن برنامج تلفزيوني يقدمه النجم السينمائي الهندي المحبوب أمير خان (اختارته التايم من ضمن مائة رجل وامرأة تركوا بصمة على حياة أمتهم) يعقد فيه مناقشات حية مع الجمهور حول محن الهند المصموت عنها بالذات! ومن ذلك نظام الطوائف، والإجهاض، والعنف مع النساء. وبلغ من شيوع عادة الوأد أن تحدثَت للبرنامج زوجة فرض عليها أهلها الاجهاض خمس مرات لأن رزقها من الذرية كان من البنات. بل أدى التخلص من البنات في الهند إلى أن زاد عدد الرجال هناك عن عدد النساء بخمسة وأربعين مليوناً. وبلغ الوأد من الشدة أن الحكومة منعت الأطباء من إبلاغ الأسر بجنس المولود في الرحم!

لما كان أستاذنا عبد الخالق محجوب يدعو حزبه، حتى بعد حله، للعمل الجماهيري الصبور الدؤوب، كان ذلك من حسن ظنه الوثيق بالديمقراطية لأنها تعمل لطويلة .. مش على الهبشة!

الثُّلاثاء
وددت لو أن قرار قيام وحدة للدراسات الأثيوبية بجامعة الخرطوم استبدل أثيوبيا بالولايات المتحدة. فدراسات أثيوبيا مما بالوسع القيام بها في معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية بالجامعة بقليل من الجهد. فاتفقت لي حاجتنا للعلم المؤسسي بأمريكا منذ ١١ سبتمبر ٢٠٠١م. فعِلمُنا بأمريكا توقف عند عقائد من بعيد عن الإمبريالية” لليساريين أو “أمريكا التي عرفتها” لسيد قطب (ولم يعرف شيئاً لم يكن يعرفه قبل زيارته لها)، أو ما نتخطفه من الوسائط التي تتقحمنا، أو ممن أقاموا بها منا بغزارة مؤخراً. وفي ذلك غث كثير. واحتاج العلم الأوثق بها إلى مؤسسة من باحثين جدعين يعدلون رأس وطننا حيال هذه القوة الأعظم.

ومررت بتجربة مؤسفة في مسعاي لطلب العلم المؤسسي بأمريكا. فصفوة الرأي عندنا مضربة عن هذا الضرب من العلم. فكانت دعتني جماعة لندوة عن الاسلام بعد أحداث 11 سبتمبر. وتهيأت بكلمة نقدت فيها جهلنا بأمريكا على ما نظنه من علم بها. ولا أعرف حتى الآن لماذا انصرف الحضور عن كلمتي ليتداولوا في خطة تسيير مظاهرة الي السفارة الأمريكية، فطويت أوراقي وقررت الاضراب عن مظاهرة من فكرهم في أقدامهم!

الجُّمعة
في تكساس يتعقب الجمهوريون الديمقراطيين في مجلس نواب الولاية لاعتقالهم بتهمة التغيب عن اجتماعات المجلس منذ شهر، حيث أن هذا التغيب خطة قصد بها الديمقراطيون حرمان المجلس من النصاب حتى لا يجيز تشريعاً ينتقص حق غير البيض في الاقتراع الميسر.
وإذا لم تعتبر بهذه المخاشنة الحزبية البرلمانية في أن الديمقراطية هي أفضل أسوأ النظم فهاك هذه: وقف قبل أيام سناتور ديمقراطي بمجلس شيوخ ولاية تكساس يتكلم في المجلس لمدة خمسة عشر ساعة متصلة. ولم يتوقف لتناول وجبة أو حتى لقطع الجمار. وتسمى هذه الممارسة بـ “الفيلبستر”. وهي خطب يريد منها صاحبها أن تطول لمنع المجلس من إجازة مسودة تشريع يعارضه. وهي خطب لا معنى لها غير حرق الوقت. فتجد من يقرأ خلالها من كتب وصفات الطبخ، أو قراءة إعلان الاستقلال الأمريكي مرات ومرات، أو قراءة الأسماء والأرقام في دليل التلفونات!

وأطول “الفيلبسترات” طرا هو ما قام به السناتور ستورم ثيرموند في مجلس الشيوخ لكي يعطل إجازة قانون الحريات المدنية لسنة ١٩٥٧م. فقد بدأ خطبته في الساعة الثامنة وأربعة وخمسين دقيقة، في ٢٨ أغسطس 2021م، ولم يفرغ منها إلا الساعة التاسعة واثني عشر دقيقة مساء اليوم التالي. وقرأ على النواب خلال ذلك إعلان الاستقلال، ووثيقة الحقوق، وخطبة وداع الرئيس واشنطن، وما وقع في يده من وثائق التاريخ الأخرى!
وظاهر ثيرموند شيوخ آخرون معارضون للقانون استغرقوا في “الفيلبستر” نحو ٥٧ يوماً قبل إجازة القانون.

لو حدث هذا عندنا كان المارشات دقت!
السَّبت
صرت أحرص على أن يكون قلمي ومذكرتي بجنبي وأنا استمع إلى الحوارات السياسية. وأعجب لدنو مأتى المعني للمتحدث بالعبارة الجزلة. اللغة عند محدثينا في الوسائط حالة من الفخاخة يضطرب الواحد في جنباتها على أنه بسمل وحوقل ودعا وطوف. ولا يبلعه المشاهد إلا بأغنية موعودة. كتبت عن فريد زكريا وهو ينعى على أمريكا هزيمتها في أفغانستان مهما قيل عن سوء إدارة خطة الخروج:
“The naked truth there is no elegant way to lose a war”!
كما كتبت ناقلاً من غيره:
“Hope is not a strategy; Courage is not the absence of fear but rather the recognition that there is something more important than fear”!

عبد الله علي إبراهيم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • هل النبي محمد ولد في 22 أبريل؟.. اعرف القول الراجح عند العلماء
  • محمود مهنا: دعوة الرئيس السيسي لتحويل المساجد لمراكز علمية تجسد سنة النبي محمد
  • كيف يفتح الاستغفار والصلاة على النبي أبواب البركة والرزق؟.. الإفتاء توضح
  • كيف تحصن نفسك قبل النوم كما فعل النبي؟.. آيات وأذكار تحميك من الأذى
  • الاحتلال يقتحم قرية برقا شرق رام الله
  • ثاني أغلى مذيع..تركي ال الشيخ يثير تفاعلا كبيرا بشأن راتب إبراهيم فايق و عمرو أديب
  • عبد الله علي إبراهيم: أيَّامٌ أَمْرِيكِيَّة!
  • وزير الأوقاف ينعى والد الشيخ محمد إبراهيم سليمان
  • نهيان بن مبارك يحضر احتفالات عيد القيامة في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المصرية بأبوظبي
  • مساجد الجمهورية تصدح بالصلاة على سيدنا النبي احتفاءً وتجديدًا للمحبة والولاء