الذئب القطبي.. من معسكرات الأشغال السوفييتية إلى سجن نافالني حتى وفاته
تاريخ النشر: 16th, February 2024 GMT
"شعر بتوعك بعد الفسحة اليومية وفقد وعيه على الفور ولم يتمكن الطاقم الطبي من إنعاشه".. بهذه الرواية أعلنت مصلحة السجون الروسية وفاة زعيم المعارضة البارز أليسكي نافالني.
لكن وعند النظر إلى ما هو معروف عن المعتقل الذي نقل إليه قبل أشهر واسمه "الذئب القطبي" سرعان ما تتكون تفاصيل وحشية لـ"الفسحة" التي أشارت إليها الرواية الرسمية وتناقلتها وسائل الإعلام في موسكو.
وكان نافالني قد وصل إلى "الذئب القطبي" أو كما يعرف أيضا بـ"المستعمرة العقابية رقم 3" في شهر ديسمبر 2023 وقال حينها حسبما نقل عنه مقربون: "أنا بخير"، قبل أن يضيفوا على لسانه: "أشعر بالارتياح لوصولي أخيرا".
السجن ذو النظام الصارم و"المكان الذي تستخدم فيه خراطيم المياه كأداة للتعذيب" هو أكثر ما يتردد في روسيا عن "الذئب القطبي".
وعلاوة على ذلك دائما ما لصقت به أوصاف وحشية أخرى ارتبطت به وبـ"البومة القطبية" أحد السجون الواقعة إلى القرب منه أيضا.
وتدل الأسماء على أشهر وأخطر حيوانات التندرا المفترسة المحلية، و"أولئك الذين يعذبون الضحية بلا رحمة بمخالبهم"، كما تورد بعض وسائل الإعلام الروسية، مقاربة بذلك ما يتعرض له المعتقلون في الداخل.
يقع "الذئب القطبي" في بلدة خارب شمال الدائرة القطبية الشمالية، وعلى بعد حوالي 1200 ميل شمال شرق موسكو.
وتستغرق الرحلة إليه ثلاث ساعات بالطائرة من موسكو إلى سالخارد، ثم بالعبارة عبر نهر أوب (في الصيف) أو العبور على الجليد (في الشتاء)، وكذلك يحتاج الطريق إلى قطع مسافة 50 كيلومترا بالسيارة أو ما يقرب من يومين بالقطار.
وكان في السابق جزءا من نظام معسكرات العمل القسري السوفييتية، وفقا لوسائل الإعلام المحلية، وفي تصريحات لكيرا يارميس المتحدثة باسم نافالني أشارت إلى "الفكرة من نقل المعارض إلى المعتقل البعيد هي جعل حياته أكثر صعوبة وإبعاده عن العالم".
وأضافت أيضا أن نقله إلى المعتقل البعيد يهدف إلى "زيادة صعوبة وصول محاميه وحلفائه إليه".
"أقسى السجون الروسية"يعتبر "الذئب القطبي" من أقسى السجون في روسيا، وقد أدين معظم السجناء هناك بارتكاب جرائم خطيرة، كما تشير وكالة "رويترز" في تقريرها عن نافالني، ديسمبر الماضي.
وتوضح أنه تم تأسيسه في ستينيات القرن الماضي كجزء مما كان يعرف في السابق بنظام معسكرات العمل القسري السوفييتية.
نافالني.. من معارضة بوتين وفضح الفساد إلى التسميم ثم الموت خلف القضبان بعد نحو ثلاث سنوات من اعتقاله، أعلن الجمعة عن وفاة أليكسي نافالني المعارض الروسي البارز وألد أعداء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عن عمر ناهز 47 عاما.ويضم ما يقرب من 1000 شخص، وهم من أخطر السجناء والمجرمين المتكررين والذين يقضون أحكاما طويلة، وفق صحيفة "كوميرسانت"، وتوضح أن العقيد في الخدمة المحلية فاديم كالينين هو من يرأسه.
تُعرف المنطقة التي تحيط بالسجن بـ"المنطقة الحمراء"، ويعتقد الصحفي ديمتري كوليزيف وأحد رفاق نافالني السابقين في تصريحات له أن "الكثير داخل المستعمرة (الذئب القطبي) مبني على كسر إرادة المقاومة وتحويل المدان المتمرد إلى مذنب خاضع".
وبدورها تشير الناشطة في مجال حقوق الإنسان فيرا غونشاروفا لقناة RTVI إلى أن قرية خارب نفسها (التي يقع فيها المعتقل) هي "مكان كارثي"، وفي رأيها لا تختلف مستعمرات "الذئب القطبي" و"البومة القطبية" كثيرا عن بعضها البعض من حيث ظروف الاحتجاز.
وتورد منصة "البوابة القانونية الروسية" عبر تطبيق تلغرام أن "الذئب القطبي هو المكان الذي لن يذهب إليه أحد طواعية، حتى بدافع الفضول".
وتوضح أنه المنطقة التي يتواجد فيها نائية جدا بالمعنى الحرفي للكلمة، وحتى أنه يصعب الوصول إليه عبر "حيوانات الرنة".
"يكاد يكون من المستحيل البقاء على قيد الحياة هناك في البرية، كما يكاد يكون من المستحيل الهروب"، وفق ما يشير ذات المصدر الروسي.
وتوضح المنصة أنه يمكن ملاحظة تمثال لـ"الذئب القطبي" عند مدخل المعتقل، مضيفة: "لم يذكر التاريخ من الذي أسسه، ومن الممكن أنه كان نتاج أنشطة السجناء".
"اغتيل بوحشية من قبل الكرملين".. تنديد واسع بوفاة المعارض الروسي نافالني تتوالى ردود الأفعال الدولية المنددة بوفاة المعارض الروسي أليكسي نافالني في سجنه في الدائرة القطبية الشمالية، اليوم الجمعة، وسط تحميل مسؤولية مباشرة عن الوفاة لموسكو والكرملين.وفي ذات السجن المنعزل، قضى شريك ميخائيل خودوركوفسكي الرئيس السابق لمجموعة النفط العملاقة"“يوكوس"، بلاتون ليبيديف عقوبة السجن ثماني سنوات.
وقد اعتبر كثيرون حينها أن القضية "دبرتها السلطات الروسية" لكسر رجل الأعمال المستقل الذي كان يدعم المعارضة ولا يتردد في مخالفة بوتين.
وفي غضون ذلك ومنذ أشهر يفسر مراقبون وجود نافالني في سجن "الذئب القطبي" تحت حراسة مشددة، بمنع أي تأثير محتمل له في الانتخابات الرئاسية المرتقب إجراء جولتها الأولى في الـ 17 مارس 2024.
"لا حاجة لاختراق أدوات تعذيب"تذكر وسائل إعلام روسية وغربية متقاطعة أن المعتقل أو كما يطلق عليها أيضا بـ"المستعمرة" يضم حمامات ومغاسل ومزرعة دواجن وخنازير، ومخزن، وغرفة مرجل، ومكتبة، وورشة نجارة.
ويعمل السجناء فيه بشكل خاص في دباغة وخياطة جلود الرنة التي يستخدمها السكان الأصليون المحليون، بالإضافة إلى الهدايا التذكارية وبناء الهياكل الصغيرة.
ويوجد هناك كنيسة صغيرة للقديس سرجيوس رادونيج، تم بناؤها من قبل السجناء أنفسهم في عام 1999.
ويورد تقرير لـ"إذاعة أوروبا الحرة" نشر في ديسمبر 2023 شهادة لرجل أطلق سراحه من "الذئب القطبي"، ونقلتها الناشطة في مجال حقوق السجناء أولغا رومانوفا.
وتقول نقلا عن لسانه: "في الشتاء يتم تجميع السجناء على عجل في الفناء بملابس خفيفة. لا يُسمح لهم بالتصفيق أو فرك أيديهم معا. وكان عليهم الوقوف لمدة 30 أو 40 دقيقة دون التحرك عندما كانت درجة الحرارة 45 درجة مئوية تحت الصفر".
وإذا تحرك شخص ما سرعان ما يرش السجانون عليه الماء البارد، بحسب رواية الناشطة الحقوقية نقلا عن المفرج عنه.
ويضيف: "في الربيع كان هناك تعذيب جديد. البعوض والذباب القارص. وفي حال تحرك أي شخص يتم رشنا بمدافع الماء".
وقال المخرج الأوكراني أوليه سينتسوف، الذي قضى خمس سنوات في إدانته بالإرهاب في ذات السجن: "بمجرد أن تتجاوز العتبة، يعلمونك أنه ليس لديك أي حقوق ولا يوجد من تشتكي إليه"، بحسب "إذاعة أوروبا الحرة".
وتحدث المخرج عن ضرب وإذلال وصدمات كهربائية وطرق تعذيب يتم ممارستها هناك، ويضاف إليها الاحتجاز في زنزانة باردة عاريا أو بملابس مبللة.
ومع ذلك ما سبق ليس الأسوأ، حيث "يمكن أن يتم حبسك في (وضع الجنين) في صندوق حديدي حيث لا يمكنك التنفس إلا بصعوبة"، أو أن "تتبول على نفسك في ظل سماعك بشكل روتيني التهديدات المتعلقة بالاغتصاب".
ويقول نشطاء حقوق الإنسان إن السجن يضم قتلة متسلسلين، ومغتصبين، ومشتهي الأطفال، ومرتكبي الجرائم المتكررة، وغيرهم من المدانين بارتكاب أخطر الجرائم ويقضون أحكاما بالسجن لمدة 20 عاما أو أكثر.
ومن بين النشطاء إيفان جدانوف، مدير مؤسسة نافالني لمكافحة الفساد، التي اعتبرتها الدولة متطرفة ومحظورة في روسيا.
وقال في ديسمبر2023 لـ"إذاعة أوروبا الحرة": "كل ما عليك فعله هو إلقاء نظرة على الخريطة ويمكنك أن ترى أن هذا هو السجن الأشد قسوة في أقصى الشمال".
ويضيف: "الموقع ذاته يعني أن الظروف هناك هي الأكثر قسوة. وسيُحتجز نافالني لمدة عام على الأقل في زنزانة بها منطقة صغيرة للتمارين الرياضية ولا يمكنك حتى رؤية السماء منها".
وفي معظم أيام السنة، لا توجد رحلات جوية إلى المنطقة، والوصول إليها بالقطار صعب ومحدود، ويتم الاتصال الوحيد بالسجن عن طريق خدمة البريد الروسية العادية، حسب جدانوف.
ويتابع: "أنت لا تعرف أبدا ما إذا كانت رسالتك قد وصلت أم لا، أو ما إذا كانت هناك أي فرصة للمستلم للرد. كان هذا هو الهدف من إرسال نافالني بعيدا".
المصدر: الحرة
إقرأ أيضاً:
القصة الكاملة لحصول نظام الأسد على 900 مليون دولار من أهالي السجناء
لم تكن شبكة السجون الكبيرة التي أقامها الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد مجرد أداة لقمع معارضي حكمه فحسب، بل كذلك وسيلة لأنصاره لجني المال.
ويقول سوريون يائسون متمسكون بحلم رؤية أبنائهم وأزواجهم وأشقائهم المفقودين مرة أخرى إنهم تعرضوا للابتزاز بشكل ممنهج لدفع رشاوى يصل مجموع قيمتها إلى مئات ملايين الدولارات.
لكن أسوأ ما في الأمر أن هؤلاء المسؤولين على اختلاف مناصبهم والمحامين والمحتالين وأنصار الأسد الذين كانوا يطلبون الرشاوى في كثير من الأحيان لم ينقلوا أي معلومات عن المعتقلين الذين فارق عشرات الآلاف منهم الحياة، وفقا لمراقبين معنيين بحقوق الإنسان.
وجاءت سناء عمر (38 عاما) من مدينة حلب شمالي سوريا إلى العاصمة دمشق سعيا للحصول على أخبار تتعلق بشقيقها محمد الذي اختفى عندما كان في الـ15 من عمره.
مسلسل من الكذبقدمت سناء إلى مشرحة أودع فيها مقاتلو المعارضة جثثا مجهولة الهوية عُثر عليها في سجون دمشق، وقالت "شقيقي مفقود منذ عام 2011، لا نعرف عنه أي شيء أو في أي سجن".
وأضافت بأسى "دفعنا لكل المحامين، كانوا يعدوننا بأنه موجود وبمعلومات" عنه، موضحة "عندما فُقد بحثنا في كل سجلات الأمن ولم نجده".
وقالت "كان أبي يذهب كل سنة إلى الشام (دمشق) يرى محامين أو ضباطا من النظام، كنا ندفع 200 أو 300 ألف"، و"كانوا يعدوننا: بعد شهر سترون ابنكم، وكنا ننتظر شهرا واثنين أن يأتونا بطلب موافقة (لزيارته) وكانوا يكذبون علينا".
إعلانوأشارت إلى أن الأسرة استمرت في دفع الرشاوى لـ5 أعوام "بعدها فقدنا الأمل".
وقبل عامين حاولت مجموعة حقوقية تقدير المبلغ الذي دفعته عائلات المعتقلين على مر سنوات.
وأجرت رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مئات المقابلات لسؤال الأسر عن المبالغ التي دفعتها مقابل وعود بمعلومات أو زيارة أو حتى إطلاق سراح أبنائها.
ووفقا لبيانات الرابطة، جنى مسؤولون حكوميون ومؤيدون للنظام نحو 900 مليون دولار، وقد اعتقل مئات آلاف الأشخاص منذ اندلاع الاحتجاجات ضد حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد مطلع عام 2011.
سجلات مهجورة
وبعد مرور 13 عاما على اندلاع النزاع في سوريا باتت أبواب سجن صيدنايا (نحو 30 كيلومترا شمال دمشق) -وهو مبنى كبير قاتم ذو جدران رمادية ومطل على واد قاحل تظهر فيه بعض الفيلات الفخمة- مفتوحة.
وهذه المرة بدلا من أن تدفع الأسر مالا للمسؤولين أو الوسطاء مقابل فتات المعلومات يبحث هؤلاء بشكل يائس في سجلات مهجورة عن أخبار أقاربهم المفقودين.
وقال الشاب حسن هاشم -الذي جاء من ريف حماة شمالي سوريا- إنه جاء للبحث عن شقيقه المعتقل في سجن صيدنايا منذ 2019، في محاولة يائسة أخيرة لمعرفة مصيره.
وأضاف هاشم أن شقيقه الآخر كان يزور شقيقه المعتقل لكن "منذ سنة أخذوه لإعادة التحقيق إلى فرع 48، وكنا نلاحقه ودفعنا أكثر من 12 ألف دولار".
وأشار إلى وعود بأنه "سيخرج اليوم، سيخرج غدا"، مضيفا أن شقيقه "متزوج ولديه 4 بنات واتُّهم بالإرهاب".
ويتابع هاشم أنه لدى نقل شقيقه المدان بـ"الإرهاب الدولي وحمل السلاح ضد الدولة" إلى قاعدة المزة الجوية في دمشق تم ربط الأسرة بأحد أقرباء مسؤول كبير في النظام.
ويقول "قالوا إنهم بحاجة إلى 100 ألف دولار لإخراجه، قلت لهم حتى وإن بعت قريتي كاملة فلن أحصل على 100 ألف دولار، من أين لي أن أحصل على هذا المبلغ؟".
إعلانالآن، يتجول المدنيون المذهولون ومقاتلو الفصائل المعارضة المسلحة في قاعات صيدنايا الخرسانية التي تضم الزنازين، ويركلون حصائر النوم المهجورة القذرة التي تظهر أن كل زنزانة كانت مكتظة وتضم 20 سجينا.
وقام رجال الإنقاذ بثقب الجدران للتحقق من شائعات عن وجود طوابق سرية تضم سجناء مفقودين، لكن آلاف الأسر تشعر بخيبة أمل لاحتمال أن يكون أقاربها قد ماتوا وقد لا يعثر عليهم أبدا.
نريد الحقيقة
ويقف مقاتلون وزوار في الطابق الأرضي من أحد أقسام السجن أمام مكبس هيدروليكي يقول معتقلون سابقون إنه كان يستخدم لسحق السجناء أثناء جلسات تعذيب.
وأرضية الغرفة المجاورة -التي تضم معدات صناعية أكثر- زلقة بسبب مواد شحمية ذات رائحة كريهة.
أيوش حسن (66 عاما) -التي جاءت من ريف حلب بحثا عن ابنها- تقول بغضب "منذ شهر طلبوا 300 ألف، وقالو إنهم طلبوا ملفه، وهو موجود في صيدنايا وبخير".
وأضافت باكية "ليس هنا، إنه ليس معنا"، واصفة مشهد السجلات المحروقة فيما تجمع بعض الأشخاص لسماع قصتها ومعرفة ما يحزنها.
وقالت "نريد أولادنا أحياء أو أمواتا، محروقين أو رمادا أو مدفونين جماعيا، فقط أبلغونا".
وتضيف بحرقة "كذبوا علينا، لقد كنا نعيش على الأمل لمدة 13 عاما معتقدين أنه سيخرج خلال شهر أو في الشهرين المقبلين أو هذا العام أو في عيد الأم، كل هذه أكاذيب".